الصمت على الحصار حصار

ليت الاذلاء ما قالوا وما فعلوا
د. أنيس مصطفى القاسم

عنوان هذا المقال الشعار الذي رفعنه حملة المؤتمرات الشعبية الثلاثة المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الاسلامي ومؤتمر الاحزاب العربية لفك الحصار عن غزة. والجزء الثاني من العنوان هو عَجُزُ بيتٍ من الشعر لشاعر الوطنية قي فلسطين في القرن العشرين المرحوم عبد الكريم الكرمي الشهير بأبو سلمى. أما البيت بأكمله فهو : “قال الملوكُ غداً نَحْمي ديارَكمُُ *** ليتَ الأذِلاّءَ ما قالوا وما فعلوا”. وقد استولى عليَّ هذا البيت من الشعر بعد أن استمعت الى قرارات مجلس وزراء الخارجية العرب في اجتماعهم الأخير لبحث مستجدات القضية الفلسطينية والحصار المضروب على غزة. وآثرت التريث في التعليق فلعل وعسى، خاصة وأن هذه لم تكن المرة الاولى التي اتخذ فيها الوزراء قرارا برفع الحصار. لعل وعسى أن يكونوا قد تعلموا من الخيبة المريرة التي تمثلت في عجزهم المطلق عن تنفيذ قرارهم الأول، فجاء قرارهم الثاني وقد تعلموا الدرس، بحيث أنهم لم يتخذوه الا وهم واثقون من أنهم سينفذونه.

وكان من بين المؤشرات على الجدية هذه المرة أن وزير خارجية مصر عقد مؤتمرا صحفيا أعلن فيه أن قرار الوزراء بارسال مساعدات عاجلة الى قطاع غزة قد اتخذ بالاجماع وأن هذه المساعدات ستصل القطاع عن طريق معبر رفح والمعابر الاردنية. وطبيعي أنه ما كان ليكون جازما الى هذه الدرجة وبهذا التحديد، أو هكذا من حقنا أن نفترض، لولا أنه كان واثقا من أن معبر رفح على الأقل سيكون مفتوحا لاستقبال المساعدات والسماح بعبورها الى الجانب الفلسطيني من الحدود. فمعبر رفح معبر مصري يفترض فيه أن يكون تحت السيادة المصرية، تقفله وتفتحه متى تشاء، بارادتها الحرة، وتسمح بالعبور منه لما تشاء ولمن تشاء وترفض ما تشاء ومن تشاء. وهي ليست مسئولة عما يحدث خارج حدودها لهذه المساعدات، حيث أن المسئولية تنتقل الى من يتولى أمور الجانب الفلسطيني من الحدود. وتستطيع هي أن تقفل الحدود مرة أخرى بعد أن تعبر الشاحنات المحملة بالمساعدات، وتخلي نفسها من المسئولية، وتكون قد أوفت بما التزمت به أمام وزراء الخارجية العرب وأمام الشعب المصري وبقية الشعوب العربية.

هذا فيما يتعلق بالمعبر في حد ذاته، كنقطة حدود بين مصر والقطاع. في الجانب المصري السيطرة لمصر وفي الجانب الفلسطيني السيطرة للفلسطينيين حيث أنه لا وجود لاسرائيل هناك. ولكن القرار ينطوي أيضا على ما هو ضروري لتنفيذه من السماح بدخول المساعدات الى الاراضي المصرية والسماح بنقلها داخل هذه الاراضي لتصل الى معبر رفح الحدودي. وبدون ذلك يكون القرار خاليا من أي معنى أو مدلول، حيث أن الوصول الى المعبر لا يمكن أن يتم بدون المرور في الاراضي المصرية. هذا من الامور البديهية. بعد هذا الموقف الواضح من جانب وزراء الخارجية ووزير خارجية مصر، تحرك الشعب العربي في المغرب فأرسل بالطائرة خمسة أطنان من الادوية الى القاهرة وهو مطمئن الى أنها ستمر بسهولة وستصل الى مستشفبات غزة بصورة عاجلة. وكانت المفاجأة أن حجزت هذه الادوية في مطار القاهرة ولم تغادره. وصرح الاستاذ خالد السفياني، أمين عام المؤتمر القومي العربي، وهو الذي أشرف على ارسال هذه الشحنة من الادوية، بأنه جرى حديث عن ارسالها عن طريق الهلال الأحمر المصري، وأنه وافق على ذلك، حيث أن ما يهمه هو وصولها الى المحتاجين اليها، ولا تهمه الوسيلة. ومع ذلك بقيت الشحنة قابعة في مطار القاهرة.

ثم أعلنت المؤتمرات الشعبية الثلاثة، المؤتمر القومي العربي والمؤتمر القومي الاسلامي ومؤتمر الاحزاب العربية، عن حملة شعبية عامة لفك الحصار عن غزة ابتداء من يوم الجمعة الموافق 19 ديسمبر 2008 تحت شعار “الصمت على الحصار حصار”. وارتفعت الاصوات مطالبة بفتح المعابر، وخاصة معبر رفح، واذا بوزير خارجية مصر يصدر بيانا بأن دخول المساعدات عن طريق هذا المعبر تحكمه اتقاقيات دولية، وأن مصر مقيدة بهذه الاتفاقيات. والسؤال الذي لا مفر من اثارته هو: ألم يكن الوزير على علم بهذه الاتفاقيات عندما وافق في اجتماع وزراء الخارجية على عبور المساعدات العاجلة للقطاع عن طريق معبر رفح؟ ألم يكن على علم بها عندما وقف في مؤتمره الصحفي يعلن على الملأ أن معبر رفح سيكون ممرا لهذه المساعدات؟ وهذا هو الموقف الأصح، كما سنرى.

اذا كان معالي الوزير يشير الى اتفاقية المعابر، فإن تلك الاتفاقية قد أبرمت في الخامس عشر من نوفمير/تشرين الثاني 2005 وطرفاها هما فقط السلطة الفلسطينية واسرائيل مع دور في التنفيذ للرباعية والمنسق الأمني الامريكي. ولم تنص الاتفاقية على أن مصر هي طرف فيها. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فقد نصت الاتفاقية على أن “ترتيبات معبر رفح تظل سارية لمدة 12 شهراً”، أي أن الاتفاقية قد انتهي سريانها في 15 نوفمير 2006 ، ولم يرد في الأخبار، حسبما نعلم، بأنها قد جددت. وفضلا عن ذلك فان الاتفاقية تقرر سيطرة مصر على معبر رفح المصري، وهذا ينسجم مع الوضع القانوني السليم. واذن فهناك أمران في غاية الأهمية: الأول أن مصر ليست طرفا في الاتفاقية، وهذا أمر طبيعي، حيث أن الاتفاقية تنظم العبور والخروج من معبر رفح الفلسطيني، ولا دخل لمصر في ذلك، حيث أن تدخلها يأتي عند مدخل رفح المصري، فهناك تمارس سيادتها في السماح أو الرفض. هذا هو الأمر الأول الذي يترتب عليه عدم جواز استناد مصر على اتفاقية المعابر لمنع مرور المساعدات عن طريق معبر رفح المصري. والأمر الثاني هو أن الاتفاقية قد سقطت بانتهاء مدتها المحددة فيها بنص صريح. ولذا لا محل للاحتجاج بها حتى ولو كانت مصر طرفا فيها. واذا كان لا يجوز لمصر الاحتجاج بها، فانه كذلك لا يجوز للسلطة الفلسطينية التمسك بها ما دام أنها لم تتجدد. وبالتالي يكون من حق مصر أن تسمح بمرور المساعدات عبر معبر رفح المصري دون أن تكون قد ارتكبت أية مخالفة لاتفاقية المعابر، وباستطاعتها أن تسمح للمساعدات بالعبور من حدودها، فاذا استطاعت اسرائيل أو السلطة الفلسطينية أو الاتحاد الاوروبي منعها من دخول القطاع فان المسئولية تقع حينئذ على من يمنع وصولها، وليس على مصر. واذا كانت مصر شاهدا على اتفاقية المعابر هذه، وليس في الاتفاقية ما يشير الى ذلك، فالشاهد لايتحمل مسئولية الالتزام بها، خاصة اذا كان هذا الالتزام يمس سيادته على حدوده وعلى أراضيه.

واذن فان اتفاقية المعابر لا شأن لها بدخول المساعدات الاراضي المصرية وخروجها منها الى معبر رفح الفلسطيني. ومعالي الوزير لم يصرح عن أية اتفاقيات أخرى ملزمة لمصر بخصوص تحرك المساعدات عبر أراضيها وخروجها منها الى معبر رفح الفلسطيني. اننا نحترم ارادة مصر في احترام التزاماتها الدولية، ولكن يهم المواطن المصري والعربي أن يعرف هذه الالتزامات لكي يتجنب احراج مصر، فمصر عزيزة على كل عربي وعلى أبناء فلسطين خاصة، وكل فلسطيني وعربي حريص على حماية سيادة مصر على أراضيها ومستعد للتضحية من أجل ذلك. ولكنه في الوقت ذاته يطالب مصر بأن تمارس هذه السيادة في مواجهة الآخرين، خاصة اذا تعلق الأمر بقوت ودواء مليون ونصف المليون من أطفال ونساء ورجال من أبناء أمتنا العربية المحاصرين ظلما وعدوانا.

هناك من يقول بأن الهدف من الحصار هو تضييق الخناق على سيطرة حماس على القطاع باثارة الشعب ضدها لاسقاطها، ولو كان الثمن تجويع مليون ونصف المليون من الفلسطينيين. وهناك من يقولون، تبريرا لاغلاق معبر رفح، بأن مصر لا تحتمل قيام امارة اسلامية على حدودها، ولذا يجب اسقاط حكومة حماس في القطاع. وهناك من يقولون بأن المسئولية عن توقير الغذاء والدواء للقطاع تقع على اسرائيل، وأن فتح معبر رفح يخفف عن اسرائيل هذه المسئولية. وهناك طبعا من لم يسمعوا بأن غزة محاصرة، أو أن الحديث عن الموضوع “قرف”، وينفرد في هذا الموقف فضيلة الامام الأكبر، شيخ الأزهر، إمام السنة والجماعة. اننا نبتهل الى المولى القادر على كل شيء أن يفتح أذنيه ليسمع، وعينيه ليرى. فعسى ولعل. عافاه الله وشفاه وهداه، انه سميع مجيب.

انني لست من حماس ولا أعرف رجلا من رجالاتها ولم اجتمع به، كما أنني لا أنتمي لأي فصيل من الفصائل الفلسطينية، وهذا موقف يعرفه عني جميع أعضاء المجلس الوطني الفلسطيني ومن قرأ ما أكتب. وبدون الانتقاص أو التعريض يانتماءات الآخرين، فإن انتمائي الشخصي كله هو لفلسطين، أرضا وشعبا، ولأمتنا العربية ولقيمها التي صاغها الاسلام والحضارة العربية على مدى قرون. إن حماس يمكن أن تسقط بنفس للطريقة التي جاءت بها، أي عن طريق صندوق الاقتراع في انتخابات نزيهة شفافة، تماما كما سقطت فتح. وانتخابات المجلس التشريعي مقرر لها موعدها. واذا رفضت حماس النتائج فانها تصبح مغتصبة للسلطة وسينفض الشعب الفلسطيني من حولها. أما محاولة ارغام الشعب الفلسطيني في غزة بتجويعه ومنع الدواء عن والنور عنه فهو عقاب جماعي مرفوض ديموقراطيا وقانونيا وشرعيا وانسانيا. والجميع متفق على اجراء الانتخابات سواء كانت مبكرة أو في مواعيدها. وكان من الواجب الالتزام بالقانون الاساسي فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية بدلا من تمديد مدة الرئاسة. فالقانون الاساسي ليس فيه نص يجيز التمديد أو يشترط التزامن بين الانتخابات الرئاسية وانتخابات المجلس التشريعي. ولا يجوز تعديل النظام الاساسي بقانون كقانون الانتخاب بالنص على التزامن. فضلا عن أن هذا النص يثير من المشاكل أكثر مما يحل. لنفترض أن انتخابات متزامنة قد تمت، وبعد شهر من اجرائها توفي الرئيس، والاعمار بيد الله، فهل تجري انتخابات جديدة رئاسية وللمجلس التشريعي مع أن النظام الاساسي حدد مدة للمجلس التشريعي؟ إن النص على التزامن يربك الوضع الدستوري دون مبرر. ما هو المانع في أن تجري انتخابات الرئاسة في مواعيدها وانتخابات المجلس التشريعي في مواعيدها فتستقيم الامور؟

أما الحديث عن قيام امارة اسلامية في غزة على حدود مصر، فهو، على أكبر تقدير، حديث سابق جدا لأوانه، فالامارة لم تقم بعد ولم يتحدد منهجها، وليس من المؤكد أنها ستقوم أبدا. كما أنه يفترض أن الشعب الفلسطيني، وقد بلغ من التقدم والعلم والتطور ما بلغ، سيقبل بحكومة كحكومة طالبان ، أو حكومة منغلقة لا تلتزم بمبادئ الاسلام السمحة المتنورة التي أعلت مكانة العقل والعلم ورفضت الاساطير والخرافات وانفتحت على الحضارات وتعلمت منها وأثرتها، أو حكومة تحرم البنات مثلا من التعليم، في حين أن الأم الفلسطينية والأخت والبنت تشارك يوميا في معركة التحرير وفي التضخية والفداء مشاركة الرجال وتتحمل من الأعباء فوق ما يتحملونه. إن نساء غزة وحدهن كفيلات باسقاط حكومة كهذه. هل أخوات دلال المغربي وليلى خالد وحنان عشراوي وغيرهن العديدات من بنات فلسطين العضوات العاملات في الفصائل واللواتي قمن بعمليات استشهادية سيقبلن بالقيود الطالبانية على حريتهن وحقوقهن التي كفلتها لهن الشريعة الغراء وكرسنها بنضالهن ودمائهن؟ وهل هناك فلسطيني يرضى بالعودة بهن الى عصور الظلام في أوروبا بدلا من عصور الاشراق والانعتاق في عصور الاسلام الزاهرة؟ معاذ الله. ثم هل يتصور أحد أن إمارة في غزة ستكون تهديدا خطيرا لمصر بملايينها السبعين وجيشها الذي حقق أول انتصار عربي على اسرائيل في حرب رمضان المجيدة؟ وهل يجوز حرمان الاطفال من الدواء والحليب ومليون ونصف مليون عربي من ضروريات الحياة استنادا على فرضية سيكون من شبه المستحيل تخققها، ومن السهل معالجتها في حينها؟ لتتحرر غزة أولاً وبعدها يكون لكل حادث حديث.

بقي ما قيل من أن فتح المعابر العربية يخلي اسرائيل من مسئولياتها كدولة محتلة، وكأنما اسرائيل تنهض بهذه المسئوليات أو جرى اكتشاف طريقة لاجبارها على ذلك. لا صواريخ تطلق على اسرائيل من الضفة. فهل توقفت اسرائيل عن ارتكاب جرائمها هناك؟ هلل توقف الاستيطان وبناء الجدار؟ أم إن المطلوب فقط هو توفير فرص الحصول على رغيف الخبز أو تحويل المجتمع الفلسطيني الى مجتمع يعيش على الهبات بعد أن كان مجتمعا سيدا يعيش من خيرات بلاده وعرق أبنائه؟ إن غزة ما زالت تحت الاحتلال، وستبقى كذلك الى أن تسترد فلسطين حريتها بالكامل وسيطرتها على حدودها البرية والبحرية وعلى أجوائها. دولة الاحتلال هذه لا تحترم مسئولياتها التي قررتها المواثيق الدولية، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة التي قررت محكمة العدل الدولية بأنها ملزمة لاسرائيل.ولو كانت اسرائيل قد التزمت بهذه المسئوليات لما وصلت الامور الى ما وصلت اليه، ولكان الاحتلال قد انتهى منذ زمن. ونظرا لأن المجتمع الدولي قد فشل حتى الآن في الزام اسرائيل باحترام القانون الدولي والقانون الدولي الانساني، ناهيك عن انهاء الاحتلال، فإنه من غير المقبول ابدا عدم التحرك لانهاء خروقاتها المتواصلة لحقوق الشعب الفلسطيني الانسانية والقومية بحجة أن ذلك التحرك سيجعلها تفي بما ترفض الوفاء به من التزامات بصفتها دولة احتلال. هذا منطق في غاية الغرابة، وتهرب من المسئولية الانسانية والقانونية والقومية.

وما دام أنه ليس بالامكان الزام اسرائيل باحترام التزاماتها، فإن أقل ما يمكن أن تقوم به الدول العربية والاسلامية، وخاصة مصر، هو محاولة منع وقوع الضرر والأذى باجراءات ليست عسكرية ولا عدوانية. وفتح معبر رفح والمعابر الاردنية أمام المساعدات الانسانية هو الاجراء القانوني والانساني الذي يحقق الهدف. فاذا فتحت المعابر، وخاصة معبر رفح، وبدأت المساعدات الانسانية تصل الى القطاع من الدول والشعوب العربية والاسلامية والاجنبية وعادت الحياة التجارية الطبيعية عن طريق هذه المعابر، بين القطاع والخارج، فإن الحصار الاسرائيلي المخالف لاتفاقية جنيف الرابعة سينهار، وتكون مصر والدول العربية الأخرى قد أوجدت سابقة في غاية الاهمية في تاريخ القانون الدولي الانساني بطريقة سلمية ملتزمة بأحكام ذلك القانون ومستجيبة لفتوى محكمة العدل الدولية. هذه فرصة للدول العربية ولمصر خاصة لاثبات وجود مؤثر في المجتمع الدولي وفي رد الاعتبار للقانون الدولي الانساني.

جاء في أخبار 21 ديسمبر 2008 أن الهلال الأحمر المصري قد نقل شحنة خمسة أطنان من الادوية والمواد الغذائية الى القطاع. واستبشرنا خيراً أن يكون معبر رفح قد فتح، وتصورنا أن تكون الشحنة هي شحنة الادوية المغربية التي كانت محجوزة في مطار القاهرة لعدة أسابيع، وتأملنا أن تكون هذه الخطوة بداية فتح المعبر بصورة دائمة لوصول المساعدات وتسيير الحركة الطبيعية بين القطاع ومصر وفك الحصار نهائيا عن القطاع. وكانت الصدمة عندما تبين أن هذه الشحنة حاولت أن تمر عن طريق معبر تسيطر عليه اسرائيل، هو كرم بوسالم. أي أن اسرائيل ستتحكم في ادخالها الى غزة وبالتالي وصولها الى المستشقيات الغزاوية المحتاجة اليها. وأذاعت احدى الفضائيات في ساعة متأخرة أن اسرائيل رفضت السماح للشحنة بالمرور.

ماذا نقول؟ لماذا يا مصر، يا مصر العظيمة؟ لماذا كرم أبو سالم وليس معبر رفح؟ هل أصبحت الارادة العربية نفسها هي المحتلة، وليست فلسطين وحدها؟

الإعلان

الدستورية في فلسطين

– محاضرة القيت في ندوة في بيروت عن الدساتير العربية

الدستورية في فلسطين

د.أنيس مصطفى القاسم

مقدمة:

الدستورية في الوطن العربي مشكلة قائمة وما زالت تنتظر عملا جادا لمواجهتها، وقد حان الوقت لأهل الفكر، ورجال القانون بوجه خاص، في الوطن العربي لأن يعيدوا النظر بجدية وعلى مستوى الوطن العربي كله في نظم الحكم السائدة، وأن يطرحوا، على مستوى المواطن العادي وبلغة يفهمها، في الصحف ووسائل الاعلام الأخرى، ما يعانيه الوطن العربي من أوضاع دستورية شاذة لا يجوز لها أن تستمر. انه لا يكفي لتغيير الأوضاع أن يخاطب رجال القانون بعضهم بعضا في الندوات أو المجلات أو الكتب القانونية المتخصصة، بل يجب مشاركة المواطن العادي في هذا الشأن، وهو المواطن الذي أصبحت النظم تستفتيه سواء لإقرار دستور جديد أو لتعديل نصوص دستورية قائمة، لكي تحتج النظم بأنها لجأت للشعب، الذي هو مصدر السلطات، والشعب قد أقر الدستور أو التعديل، وليس لأحد بعد ذلك أن يعترض. فقد تكلم الشعب. ليس مهما أن الشعب لم يطلع أساسا على ما يُستفتَى فيه، أو أنه حتى لو اطلع، فإن عديدين ليس لديهم من الثقافة القانونية ما يسمح لهم بفهم ما هو مطروح وتحليله للتعرف على آثاره، في غياب حوار حر مفتوح على نطاق واسع في وسائل الإعلام والندوات، يشارك فيه المؤيدون والمعارضون، ويدوم فترة زمنية كافية لاشباعه بحثا. وليس مهما أن التزوير كثيرا ما يلعب دوره للحصول على النتيجة التي يريدها النظام. ولا يمكن تفسير التراجعات الدستورية التي شهدناها في العديد من الأقطار العربية، والتي كان الاستفتاء أداتها، الا لهذين السببين، إذ لا يعقل أن يوافق الشعب على التراجع أو على الأوضاع الشاذة التي يكون هو ضحيتها الأولى، لو كان واعيا لما يَستفتى فيه ومدركا لآثاره.

لابد من تكوين رأي عام على امتداد الوطن العربي كله يطالب بالدستورية السليمة ويصر على المشاركة الفاعلة، ويرفض التهميش، اذ لا يجوز أن ندخل القرن الواحد والعشرين وأوضاعنا الدستورية على هذا النحو من التردي: تتخذ القرارات المصيرية ولا توجد وسيلة فعالة لمحاسبة ومساءلة من يتخذونها، يُعتدى على حقوق المواطن وحرياته الأساسية وقلما يجد وسيلة لرفع الاعتداء والتعويض عنه، والحيلولة دون العودة اليه. وفي الوقت الذي تتأكد فيه سلطة الشعب ومبادئ الديموقراطية وتتراجع السلطة الفردية في أرجاء العالم، فان النظم الدستورية العربية تسير في الاتجاه المعاكس، فأصبحت معظم النظم العربية تكرس سلطة الفرد الذي لا يخضع للمساءلة مهما كانت الطريقة التي يصل بها الى السلطة. لقد أصبح مألوفا أن تنقل الانظمة العربية أسوأ ما تجده في تشريعات بعضها البعض وتبتكر اضافات تزيد السيء سوءاً.

ومع الأسف فإن المجالس النيابية في معظم الاقطار العربية خاضعة للسلطة التنفيذية ولارادة رئيس الدولة بوجه خاص. فلا تقوم بما هو واجبها من المراقبة والمحاسبة، وندر أن تؤدي مساءلة الى سحب الثقة من الوزير، وأندر من ذلك إسقاط الحكومة بسحب الثقة منها. وأخطر ما في الوضع أن رئيس الدولة يمارس سلطات حقيقية، بل ربما يمارس السلطات كلها، بما في ذلك المفاوضات ورسم السياسات والزام الدولة بالتزامات بعيدة المدى، ويبقى مع ذلك فوق المساءلة.

ولعل من أهم اسباب هذا الوضع غياب الحياة الحزبية الحقيقية. ووجود الاحزاب هو العامل المحرك للحياة السياسية. ومع ذلك فإن الاحزاب محظورة في العديد من الاقطار العربية، وحيث يسمح بتشكيلها، فإن ذلك يخضع لاجراءات يسيطر عليها في الغالب الحزب الحاكم، ولا بد من الحصول على ترخيص. وقلة نادرة من الأقطار العربية لا تتطلب ترخيصا. وفي غياب حرية تأسيس الاحزاب السياسية، تغيب المساءلة والمحاسبة، والكشف عن الأخطاء والأخطار،وينعدم طرح البدائل في السياسات والمواقف، كما ينعدم بطبيعة الحال فرص تداول السلطة، فيشيع التحكم والفساد وتتضاعف الأخطاء، ومع ذلك يظل القائمون على السلطة في مواقعهم يحمون أخطاءهم وفسادهم بما لديهم من سلطة. ولا شك أن الخوف من المساءلة هو من بين العناصر الاساسية للتمسك بالسلطة.

يضاف الى هذا أن الاحزاب القائمة قلَّ منها من يمارس الحزبية على وجهها الصحيح من وجود برامج عمل يتقدم بها للناخبين أو يسير في أموره الداخلية مسيرة بعيدة عن التحكم أو تتميز بتداول السلطة. فرؤساء الاحزاب أو أمناؤها العامون يبقون في مناصبهم، في معظم الحالات، سنوات وسنوات، تبلغ مدى الحياة في بعض الأحيان، فيفقد الحزب صفته كمنظمة تضم أعضاء يشاركون بحرية في رسم السياسات وفي تداول مواقع السلطة داخل الحزب. وفي هذه الحالات يصبح الحزب مجرد أداة تنفيذية لرغبات زعيم استأثر بكل الصلاحيات. واذا كان هو الحزب الحاكم، فالنتيجة دكتاتورية الزعيم على الحزب والسلطة والحياة السياسية بكاملها واتخاذ القرار. واذن يكون المطلوب أولا اطلاق حرية تأسيس الاحزاب وثانيا ممارسة هذه الاحزاب لدورها في الحياة السياسية على الوجه السليم.

وقد واجهت فلسطين هذه المشاكل عندما بدأت محاولة وضع نظام أساسي، لا دستور، للمرحلة الانتقالية. كيف يكون الرئيس رئيسا محدود السلطات ويخضع للمحاسبة والمساءلة، وكيف يقبل هو ذلك، وأمثاله من حوله يتمتعون بكل السلطات ولا يخضعون لمحاسبة أو مساءلة؟ كيف يُحظر تكرر فترات الرئاسة وهاهي دساتير عربية خالية من هذا الحظر، وأخرى ورد فيها، ولكنها عُدلت وتعدل لالغائه؟ كيف تُزال معرة محاكم أمن الدولة بحظر انشائها، وهذه المحاكم منتشرة على امتداد الوطن العربي؟ كيف تُعزز الحقوق والحريات الأساسية وتـُحمى من اقتناص القوانين لها، والقوانين من حولنا تغتالها بشكل متزايد؟ لقد عانى واضعوا النظام الأساسي من هذه السوابق الدستورية العربية ومن المناخ الذي أوجدته. ومع ذلك فقد خطت الدستورية في فلسطين خطوات لا بأس بها الى الأمام نتيجة لرأي عام وقف نصيرا للدستورية، وتحمل كثيرون نتائج وقوفهم معها.

1 – لمحة تاريخية عن الدستورية في فلسطين

من المفيد قبل الخوض في الوضع الدستوري الحالي في فلسطين أن نلقي نظرة سريعة على تاريخها الدستوري، خاصة وأن هذا التاريخ لم يكتب حتى الآن، الا في القليل منه فيما نعلم . وسنقسم هذا التاريخ الى مراحل أساسها مدى مساهمة الشعب الفلسطيني في صياغة نظامه الدستوري. ونتيجة للأوضاع السياسية التي مرت بها فلسطين منذ نكبة عام 1948 فان هذه المراحل تتداخل، ذلك أنه بعد ذلك العام قسمت فلسطين الى ثلاثة أجزاء: جزء أصبح اسرائيل، وهذا لا يعنينا في هذه الدراسة، وجزء انضم للمملكة الأردنية الهاشمية، وهو ما سمي فيما بعد بالضفة الغربية، وجزء أصبح خاضعا للادارة المصرية، وهو ما سمي بقطاع غزة، وأصبح خاضعا لنظام دستوري وضعته الجمهورية المصرية في ذلك الوقت، وفي الوقت ذاته كانت هناك حكومة عموم فلسطين ولها نظامها الدستوري. وفي عام 1964 قامت منظمة التحرير الفلسطينية ولها نظامها، ثم جاء الاحتلال الاسرائيلي عام 1967 واستمرت منظمة التحرير قائمة بنظامها. وأخيرا جاء القانون الأساسي للفترة الانتقالية. وتسهيلا للبحث، دون أن يغيب عن النظر هذا التداخل، فاننا سنتجاهله ونقسم البحث الى ثلاثة أقسام: القسم الأول الوضع في العهد العثماني، والقسم الثاني الفترات التي تتميز بعدم المشاركة الفلسطينية في وضع النظام الدستوري، والقسم الثالث المحاولات الفلسطينية في هذا الخصوص.

في العهد العثماني:

عندما احتلت القوات البريطانية فلسطين عام 1917 وفرض الانتداب البريطاني كانت فلسطين جزءا من الخلافة العثمانية، وكان أبناؤها عثمانيي الجنسية، يتمتعون بكامل الحقوق الدستورية التي يتمتع بها المواطنون العثمانيون بموجب دستوري عام 1876 و 1908. وقد اعترف الدستوران بحق الترشيح والانتخاب لمجلس المبعوثان العثماني لمواطني الخلافة، ومارس الفلسطينيون حقهم هذا وكان لهم ممثلون في المجلس . ووفقا للدستورين المذكورين جرت أربعة انتخابات عام 1896 1908 وعام 1912 وعام 1914. وكان للفلسطينيين ممثلون منتخبون في كل مرة. فقد كان يوسف ضيا باشا الخالدي، ممثل القدس، رئيسا لمجلس المبعوثان في أول انتخابات عام 1896 ، وفي انتخابات 1908 كان للفلسطينيين خمسة ممثلين وكذلك الحال في انتخابات 1912، وصار عددهم ستة في النتخابات عام 1912. كما أنهم شاركوا في الحياة السياسية للخلافة وفي الوظائف العامة، كمواطنين. وكان دستور فلسطين هو دستور الخلافة، شأنها في ذلك شأن بقية أجزاء الخلافة، بما في ذلك تركيا. أي أن فلسطين لم تكن مستعمرة تركية وانما كانت جزءا من دولة الخلافة ذات السيادة، وكان الفلسطينيون شركاء في هذه السيادة، كما كان غيرهم من المواطنين، وبانفصال فلسطين (وغيرها من الاقطار العربية) أصبحت السيادة للشعب الفلسطيني تطبيقا لمبدأ الحق في تفرير المصير الذي اعترفت به عصبة الأمم.

القسم الثاني: مرحلة عدم المشاركة الفلسطينية

تنقسم هذه المرحلة الى:

أولا: فترة الانتداب البريطاني

ثانيا: فترة تجزئة فلسطين

ثالثا: فترة الاحتلال الاسرائيلي

أولا: تحت الانتداب البريطاني

وتمتد هذه الفترة من الاحتلال العسكري البريطاني لفلسطين عام 1917 وتنتهي في 14 مايو 1948 بانسحاب بريطانيا من فلسطين بعد أن أحالت القضية للامم المتحدة متخلية عن انتدابها وصدور قرار الجمعية العامة للامم المتحدة بتقسيم فلسطين وانهاء الانتداب البريطاني.

قامت في فلسطين، بعد احتلالها عام 1917، ادارة عسكرية بريطانية استمرت الى أن منحت عصبة الأمم بريطانيا انتدابا عليها في 24 يوليو1922، ونظام الانتداب نظام ابتكرته عصبة الأمم لادارة أقطار كانت تابعة لدول المحور، أو جزءا منها وفصلت عنها غير أنها في نظر المنتصرين اعتبرت غير جاهزة للاستقلال الناجز بعد هذا الانفصال، وكانت هذه الاقطار الأخيرة جزءا من الخلافة العثمانية ، ومن بينها فلسطين. ولذا نصت الفقرة رقم 3 من المادة 22 من عهد عصبة الأمم الذي أصبح نافذا في 10 يناير 1920 على وضع خاص لهذه الاقطار: “إن بعض الشعوب التي كانت خاضعة للامبراطورية التركية قد وصلت الى درجة من التقدم يمكن معها الاعتراف مؤقتا بكيانها كأمم مستقلة خاضعة لقبول الارشاد الاداري والمساعدة من قبل الدولة المنتدبة حتى ذلك الوقت الذي تصبح فيه هذه الشعوب قادرة على النهوض وحدها ويجب أن يكون لرغبات هذه الشعوب المقام الاول في اختيار الدولة المنتدبة”. وبموجب هذا النص فان فلسطين كانت معتبرة مستقلة ولكنها تحتاج الى مساعدة ادارية من الدولة المنتدبة لتصبح قادرة على الوقوف بمفردها.

وفي العام ذاته، عام 1922، أصدرت الحكومة البريطانية دستورا لفلسطين في صيغة أمر من مجلس الملك هو (Palestine Order-in-Council, 1922) . وعندما نُشِرَ هذا الدستور اعترض عليه الفلسطينيون، وسافر وفد الى لندن للتفوض مع الحكومة البريطانية. غير أن الوفد لم يحقق شيئا، اذ أصرت بريطانيا على دستورها. ويتضح اعتراض الوفد الفلسطيني من الرسالة التي بعثوا بها لوزير المستعمرات البريطاني عند مغادرتهم لندن، حيث قالوا: “إن حقوق العرب في فلسطين لن تكون مضمونة الا بتأسيس حكومة وطنية فورا، تكون مسئولة أمام مجلس نيابي، ينتخب جميع أعضائه أهل البلاد المسلمون والمسيحيون واليهود”.

وبموجب هذا الدستور أُسْنِدَت حكومةُ فلسطين لمندوب سامٍ، يُعينه ملك المملكة المتحدة، ويساعده مجلسٌ تنفيذي تعينه الحكومة البريطانية. ونص الدستور على انشاء مجلس تشريعي “في الموعد الذي يحدده المندوب السامي” على أن يتكون المجلس من اثنين وعشرين عضوا، عدا المندوب السامي، الذي يكون رئيسا له، عشرة منهم من الموظفين البريطانيين وعشرة من الوطنيين من مسلم ومسيحي واثنان من اليهود. ونظرا لأن العرب سيكونون الاقلية في المجلس، حيث أنه لو جمعت المقاعد المخصصة لليهود مع المقاعد المخصصة للاعضاء الرسميين، فان العرب، وهم الغالبية الساحقة من السكان، سيكونون دائما في الأقلية وستكون التشريعات التي ستنسب للمجلس قانونية، حتى ولو اعترض عليها النواب العرب جميعا، مسلمين ومسيحيين. وكانت صلاحيات هذا المجلس محدودة جدا، وللمندوب السامي حق رفض اي قرار من قراراته، وانحصرت سلطته التشريعية في التشريع “من أجل السلام والنظام وحسن الادارة في فلسطين” ولا يسري أي تشريع الا اذا نال موافقة المندوب السامي أو مجلس الملك أو وزير المستعمرات. ازاء هذا الوضع قاطع العرب الانتخابات، فأوقف المندوب السامي العمل بهذا الجانب من الدستور وعين مجلس شورى بنفس التركيبة، الا أن العرب الذين جرى تعيينهم رفضوا المشاركة في أعمال هذا المجلس. واستمر الحاح العرب على تأليف مجلس تشريعي، الا أن الحكومة البريطانية أعلنت عام 1925 “بأن اقتراح تأسيس مجلس تشريعي لن يطرح للبحث ثانية ما دام العرب يتمسكون بعدائهم للصهيونية ولا يعدلون عنه.”

وبقيت قضية تكوين مجلس تشريعي على أسس سليمة مطلبا فلسطينيا، وعلى إثر اضطرابات 1929 وتقرير لجنة تحقيق برلمانية – لجنة شو (1930) – قررت الحكومة البريطانية “أن الوقت قد حان للتقدم خطوة أخرى في سبيل منح أهالي فلسطين درجة من الحكم الذاتي” وأعلنت عن نيتها في تأليف مجلس تشريعي. غير أن هذا المجلس لم ير النور بسبب المعارضة الصهيونية. ثم كانت محاولة ثالثة عام 1935 بمشروع لمجلس تشريعي يتألف من 28 عضوا: مسلمون: 8 منتخبون و3 معينون، مسيحيون: واحد منتخب واثنان معينان، يهود: 3 منتخبون و4 معينون، تجار: اثنان معينان، موظفون بريطانيون: 5 معينون. ويكون رئيس المجلس بريطانيا يختار من خارج فلسطين، ومدة المجلس خمس سنوات. وكان من بين صلاحياته مناقشة القوانين وعرضها على المندوب السامي للموافقة عليها، ومناقشة الميزانية، واستجواب الحكومة. وافق الفلسطينيون على المجلس من حيث المبدأ، الا أن اليهود رفضوه واستطاعوا حمل مجلس العموم البريطاني على رفضه، مما أدى الى استقالة وزير المستعمرات حينئذ، المستر توماس، من الحكومة ومجلس العموم معا. وقامت ثورة 1936. ثم جاء اقتراح بتقسيم فلسطين، ورفضه العرب كما رفضته عصبة الأمم “لأنه غير عملي ولا ينفع لحل المشكلة القائمة في فلسطين حلا صحيحا”، وعقد مؤتمر في لندن عام 1938 سعيا للوصول الى حل. ولم يتفق الوفدان العربي والصهيوني.

بعد انفضاض مؤتمر لندن، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية، والثورة الفلسطينية التي بدأت عام 1936 كانت ما زالت مشتعلة، أصدرت الحكومة البريطانية الكتاب الأبيض لعام 1939 متضمنا الحل الذي ارتأته، وأهم ما جاء فيه، فيما يتعلق بهذا البحث، أن تصبح فلسطين دولة مستقلة بعد مرور عشر سنوات، ويشترك العرب واليهود في الحكومة بصورة تحفظ لكل من الفريقين حقوقه ومصالحه، وتتولى الحكومة البريطانية مسئولية الحكم والادارة في الفترة الانتقالية. وطبعا، لم ينفذ هذا الكتاب الأبيض بعد انتهاء الحرب ودخول أمريكا كالحليف الأقوى للصهيونية. . فتخلت عن الانتداب للامم المتحدة، فكان قرار التقسيم عام 1947 وانتهى الانتداب البريطاني بالكارثة التي حلت بالشعب الفلسطيني.

وهكذا بقيت فلسطين طوال عهد الانتداب محكومة حكما مباشرا من المندوب السامي مجتمعة في يديه السلطتان التشريعية والتنفيذية، يساعده مجلس تنفيذي من البريطانيين المعينين من الحكومة البريطانية. وبهذا فان فترة الانتداب كانت، من الناحية الدستورية، نكسة عما كانت عليه الأوضاع في العهد العثماني، مع أن بريطانيا كانت تدعي الديموقراطية، ومع أن صك الانتداب قد نص على تهيئة الأوضاع في فلسطين للاستقلال. وقد أغفلت بريطانيا هذا الهدف الأساسي للانتداب، بالرغم من الثورات الفلسطينية المتعاقبة ضد هذه السياسة . لقد قال المندوب البريطاني أمام اللجنة الدائمة للانتدابات التي عقدت عام 1925 ، مشيرا الى الاقتراحات التي رفضها العرب في سنتي 1922 و 1923، “إنه يمكن احضار الحصان الى الحوض ليشرب لكنه لا يمكن اجباره على الشرب”. فاجابه رئيس اللجنة:”ربما كان الماء قذران واذا كان كذلك فامتناع الحصان عن شربه أمر معقول، بل هو ضروري.” ومما قالته اللجنة أيضا: “ان العرب وهم في بلادهم يجب أن يكون لهم حق في الادارة أكثر بكثير من أولئك المهاجرين الدخلاء. ولا يستطيع أحد أن يقول بأن العرب مخطئون في طلبهم هذا الحق.”

ثانيا: الفترة ما بين 1948 و 1967

أحالت الحكومة البريطانية مستقبل فلسطين للأمم المتحدة، بعد أن كانت قد التزمت التزاما كاملا بتنفيذ شق من صك الانتداب وهو تهيئة البلاد لتأسيس وطن قومي لليهود، في حين فشلت في تنفيذ الهدف الاساسي منه، والذي اعتبرته المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم “أمانة مقدسة في يد الحضارة” وهو “مصلحة وتنمية” البلاد اداريا لتصبح قادرة على حكم نفسها بنفسها ، وكان هذا سبب اصرار العرب طوال فترة الانتداب على قيام مجلس تشريعي وحكومة مسئولة أمامه، وهو ما حاول الكتاب الأبيض لعام 1939 البدء في تحقيقه، ولكن بريطانيا مرة أخرى لم تنفذ التزاماتها تجاه الفلسطينيين، واشتعل الارهاب الصهيوني للحيلولة دون تنفيذ الكتاب الأبيض، وادعت الحكومة البريطانية بأنها عاجزة عن حكم البلاد.

كان على الامم المتحدة، في هذه الحالة، التزاما بصك الانتداب، أن تعترف باستقلال فلسطين، وتعين من يساعد على لتخاذ اجراءات محددة لنقل السلطة لحكومة فلسطينية. الا أن الجمعية العامة أصدرت في 29 نوفمبر 1947 القرار رقم 181(2) الذي أوصى بتقسيم البلاد الى دولتين احداهما عربية والثانية يهودية مع اتحاد اقتصادي بينهما، ووضع خاص لمدينة القدس. وأعلنت بريطانيا عزمها على الانسحاب من فلسطين يوم 14 مايو 1948 وفي 15 مايو أعلن قيام دولة اسرائيل . وكانت حرب 1948 التي احتلت فيها اسرائيل مساحات اضافية وبقي من فلسطين في يد العرب ما سموه فيما بعد بقطاع غزة والضفة الغربية، واختفى بذلك اسم فلسطين من الخرائط والخطاب السياسي العربي والأجنبي الا ما كان يسمى بالقضية الفلسطينية. ودخل هذا الجزءان في وضعين دستوريين مختلفين. يضاف الى ذلك أن آلافا من الفلسطينيين قد لجأوا الى أقطار عربية وأجنبية واعتبروا لاجئين، فهؤلاء فقدوا حقوقهم الدستورية (وكثيرا من الحقوق الأخرى) ولم يكتسبوا حقوقا دستورية جديدة في أماكن تواجدهم، باستثناء تلك القلة التي لجأت لاقطار أجنبية واكتسبت، مع الزمن، جنسيتها. كما أصبح جزء من الشعب الفلسطيني الذي بقي في الأرض خاضعا للدولة العبرية وقوانينها وممارساتها العنصرية. ولكنهم مارسوا حقهم في الانتخاب، ونجحوا، مع الزمن، في تشكيل أحزاب سياسية والدخول الى الكنيسيت نتيجة للانتخابات.

قطاع غزة

بدأت الادارة المصرية لقطاع غزة في 26 مايو 1948 . وفي بادئ الأمر حوفظ على الدستور الفلسطيني في عهد الانتداب مع ممارسة الصلاحيات التي كانت للمندوب السامي من قبل الحاكم الاداري المصري. واستمر هذا الوضع الى أن اصدر الرئيس جمال عبد الناصر قانونا أساسيا لقطاع غزة في 29 مارس 1962 والغي دستور الانتداب.

نص القانون الأساسي على حاكم عام، يعينه رئيس الجمهورية المصرية، ومجلس تنفيذي ومجلس تشريعي وقضاء مستقل. وبموجبه يتولى الحاكم العام اصدار القوانين التي يقرها المجلس التشريعي، وله حق الاعتراض على هذه القوانين واعادتها للمجلس، فاذا أقرها المجلس، بعد اعادتها، بأغلبية ثلاثة أرباع أعضائه، أصبحت قانونا نافذا وسقط حق الاعتراض عليها.

أما المجلس التنفيذي فيتكون من الحاكم العام ونائبه وتسعة رؤساء دوائر. ويتولى وزير الحربية المصري تعيين نائب الحاكم العام ورؤساء الدوائر. ومع أن القانون الأساسي لا يشترط أن يكون أعضاء المجلس التنفيذي مصريين الا أن العمل الذي جرى به طوال الادارة المصرية للقطاع أنه لم يعين فلسطيني واحد عضوا في المجلس التنفيذي أو رئيسا لدائرة.

أما المجلس التشريعي فقد نص على أنه يتكون من (1) الحاكم العام، رئيسا و(2) أعضاء المجلس التنفيذي و (3) 22 عضوا تنتخبهم اللجان المحلية لحزب جديد تم انشاؤه باسم الاتحاد القومي العربي الفلسطيني و (4) 10 أعضاء آخرين من الشخصيات المشهود لهم بالكفاءة يختارهم الحاكم العام من بين أولئك المؤهلين للترشيح للجان المحلية للاتحاد المذكور. وهؤلاء الاثنان والثلاثون عضوا جميعهم من الفلسطينيين. وحيث أنه من غير المتوقع أن يصوت أعضاء المجلس التنفيذي الى جانب قانون يعترض عليه رئيس المجلس، وهو الحاكم العام، فانه يصبح من شبه المستحيل امرار تشريع يرده الحاكم العام الى المجلس، اذ أن ذلك يتطلب تصويت جميع النواب الفلسطينيين، بما فيهم المعينون من الحاكم العام، الى جانب القانون. وبهذا فان سلطة الحاكم العام كانت مؤكدة في التحكم في التشريعات، وتجعل من حق الاعتراض حق نقض حقيقي. وبموجب هذا القانون الاساسي فقد اعتبر الفلسطينيون جميعا أعضاء في هذا الحزب الواحد ويشتركون، نظريا، في اختيار اللجان المحلية التي تختار بدورها الاعضاء الاثنين والعشرين. انه نظام معقد لحزب واحد يعبر عن الانتخاب غير المباشر بدلا من الانتخاب الشعبي المباشر لممثليه، كما أن وجود تسعة من المعينين الذين هم اعضاء المجلس التنفيذي وعشرة آخرون يعينهم الحاكم العام يباعد ما بين هذا النظام والنظام الديموقراطي، غير أنه لم يكن بعيدا عما كان معمولا به في مصر في ذلك الحين.

لقد سار النظام الأساسي هذا على نهج دستور فلسطين أيام الانتداب البريطاني، فالحاكم العام هو المندوب السامي، ورؤساء الدوائر هم تسعة، وكل هؤلاء من المصريين، كما كان أسلافهم من البريطانيين. والمجلس التشريعي هو التغيير الوحيد اذ وضع موضع التنفيذ. وواضح أن الحكومة المصرية لم ترغب في احداث تغييرات جوهرية، مثل اقامة نوع من أنواع الحكم الذاتي، مع أنها لم تكن دولة محتلة يحظر عليها، بموجب اتفاقية جنيف الرابعة، اجراء تغييرات في الأوضاع الدستورية القائمة، كما أن النظام لم يمنح للمجلس التشريعي حق مساءلة الحاكم العام أو المجلس التنفيذي أو سحب الثقة من أي منهما. الا أن الحكم المصري بوجه عام كان حكما يرعى مصلحة الفلسطينيين ولم يقع تشاد أو تنابذ بين الجانبين، خاصة وأن مصر أرسلت للقطاع عددا من خيرة القضاة ورجال النيابة العامة، الأمر الذي ساهم مساهمة كبيرة في ارساء قواعد سيادة القانون. ولا نغالي اذا قلنا بأن الفلسطينيين كانوا يتمتعون بحقوق الانسان بقدر أكبر من نظرائهم في مصر ذاتها. ومع ذلك فقد حرم هذا النظام الفلسطينيين من ممارسة الحكم الذاتي، وتحمل مسئولية الحكم، وممارسة الديموقراطية، بما تنطوي عليه من المساءلة والمحاسبة. وبقي هذا النظام معمولا به الى أن وقع الاحتلال الاسرائيلي عام 1967.

الضفة الغربية

وكما حدث في القطاع، فان المملكة الاردنية الهاشمية لم تمارس سلطاتها في الضفة الغربية، التي كانت في يد القوات الاردنية عند توقف القتال عام 1948، كسلطة احتلال. وفي البداية سنت عددا من التشريعات، كما فعلت مصر بشأن القطاع، نقلت بموجبها الى السلطات الاردنية الاختصاصات التي منحها دستور فلسطين لملك المملكة المتحدة وللمندوب السامي، وعين حاكم عسكري لادارة الضفة يساعده عدد من الفلسطينيين. وفي أول شهر ديسمبر عام 1948 عقد عدد من وجهاء فلسطين مؤتمرا في أريحا وقرروا تقديم عريضة للملك عبد الله (الأول) ملك الأردن في ذلك الحين يطلبون فيها توحيد ضفتي النهر في دولة واحدة. وفي 24 ابريل 1950 صادق البرلمان الاردني بمجلسيه على تلك العريضة وأصبحت الضفة الغربية من ذلك التاريخ جزءا من المملكة الاردنية الهاشمية ، وأصبح مواطنوها من رعايا تلك المملكة. وبهذه الصفة أصبحوا خاضعين للدستور الأردني القائم، وأصبح من حقهم ممارسة الحقوق السياسية التي يمارسها المواطن الأردني.

ووزعت المقاعد في مجلس النواب بالتساوي بين الضفتين وتولى الفلسطينيو الأصل مناصب وزارية بالتساوي في معظم الأحيان مع الاردنيين الأصليين. أما منصب رئيس الوزراء فنادرا ما أسند الى أردني من أصل فلسطيني. ولم يكن الأردن في يوم من الأيام يسير على نظام الحزب الواحد، بل كانت التعددية من أبرز خصائصه، ولهذا فقد كانت الممارسة الحزبية متاحة لفلسطينيي الضفة الغربية. وعلى هذا فقد أتيحت للفلسطينيين في الأردن فرص ممارسة الحياة السياسية والبرلمانية والحزبية وتحمل المسئولية على نحو لم يتح لهم في القطاع في ظل القانون الأساسي لعام 1962. واستمر هذا الوضع الى أن وقعت حرب 1967 وسقطت الضفة الغربية تحت الاحتلال الاسرائيلي.

تحت الاحتلال الاسرائيلي

استولت اسرائيل على الضفة والقطاع عام 1967 كمحتل له برنامجه السياسي التي كان يتعارض تعارضا كليا مع حقوق ورغبات الشعب الفلسطيني. وكان من أول الاجراءات نقل الاختصاصات كلها من تشريعية وتنفيذية وقضائية لحكام عسكريين. ولم تلتفت اسرائيل الى التزاماتها بموجب اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر عليها، كدولة محتلة، احداث تغييرات في الوضع القائم أو في التشريعات، وكثيرا ما أدينت في الأمم المتحدة، بهيئاتها المتعددة، لانتهاكها أحكام تلك الاتفاقية. وما يهمنا في هذا البحث هو أن اسرائيل قد عطلت جميع الحقوق والأوضاع الدستورية للشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال، مع أنها، في أول الأمر، عينت حاكمين عسكريين مستقلين ، واحد للضفة والثاني للقطاع، غير أنها عادت وعدلت عن ذلك وعينت حاكما واحدا، ولم تتح للفلسطينيين أية فرصة لممارسة حقوق سياسية، كالابقاء في القطاع على المجلس التشريعي، بل انها ألغت ما كانت قد أبقت عليه وهو الانتخابات المحلية للبلديات، وأعادت للحياة قانون الطوارئ الذي وضع في عهد الانتداب البريطاني والذي انتهكت بمقتضاه الحقوق المدنية انتهاكا صارخا. وامتدت يد السلطات الاسرائيلية للقضاء الفلسطيني فسحبت منه الكثير من اختصاصاته وأوكلتها للجان عسكرية اسرائيلية. وفي سبتمبر 2005، تنفيذا لخطة شارون أحادية الجانب، أعادت القوات الاسرائيلية انتشارها في قطاع غزة بالانسحاب منه، ودمرت المستوطنات، وألغت الحكومة المدنية الاسرائيلية بالنسبة للقطاع، واستلمت السلطة الوطنية الفلسطينية مسئولية ادارة القطاع، في حين بقيت اسرائيل مسيطرة على حدود القطاع برا وبحرا وجوا. وهذه الاجراءات لم تشمل الضفة الغربية، عدا عن تدمير أربع مستوطنات في شماله. وهكذا فقد بقي الاحتلال قائما.

القسم الثالث: المحاولات الدستورية الفلسطينية

لم يكن للفلسطينيين مشاركة في صياغة النظم الدستورية التي خضعوا لها، بغض النظر عن طبيعتها والحقوق التي تمتعوا بها في ظلها، أيام الانتداب البريطاني وفي قطاع غزة أيام الادارة المصرية. أما في الضفة الغربية أيام اتحاد الضفتين في المملكة الاردنية الهاشمية فكان ابناء الضفة جزءا من المملكة، ومن لم يكونوا بهذه الصفة كانوا خارج اطار الحياة الدستورية الاردنية. بيد أنه جرت ثلاث مبادرات لاقامة أوضاع دستورية تعبر عن الشعب الفلسطيني في مجموعه بغض النظر عن التجزئة والتشرد اللذين تعرض لهما: المبادرة الأولى عام 1948 عندما أعلنوا قيام حكومة عموم فلسطين، والثانية عام 1964 عندما أعلنوا قيام منظمة التحرير الفلسطينية، والثالثة عام 1988 عندما أعلن المجلس الوطني الفلسطيني قيام دولة فلسطين وما تبع ذلك من وضع قانون أساسي هو الآن الدستور المعمول به في فلسطين في ظل الاحتلال الاسرائيلي. ونبحث الآن هذه المبادرات الثلاثة.

أولا: حكومة عموم فلسطين

أدى الفشل العربي في منع قيام دولة اسرائيل على ارض فلسطين، وحاجة الفلسطينيين للتعبير عن تمسكمهم بوطنهم ورفضهم لاقتطاع جزء كبير منه، الى تنادي الفلسطينيين لاعلان قيام حكومة فلسطينية سميت بحكومة عموم فلسطين. ففي اليومين الثاني والثالث من اكتوبر عام 1948 ، وبدعوة من الهيئة العربية العليا، التي كانت في ذلك الوقت تمثل الشعب الفلسطيني، عقد مؤتمر وطني في غزة شارك فيه ممثلون عن مختلف المنظمات الفلسطينية، وعددٌ من الناشطين في الميدان السياسي والوجهاء والمهنيين. وفي ذلك المؤتمر تقرر اعلان قيام حكومة عموم فلسطين، وأقر المجتمعون نظاما مؤقتا لتلك الحكومة. وقد اعتبر هذا النظام مؤقتا في انتظار عقد جمعية تأسيسية منتخبة تضع دستورا للبلاد وتحدد شكل حكومة فلسطين. ويتضح من هذا النظام أن المجتمعين كانوا معنيين باقامة حكومة لا بوضع دستور، وذلك لمواجهة الأحداث التي ألمت والتي لم تكن تسمح بوضع دستور يحتاج الى الكثير من التأني ووضوح الرؤية عن المستقبل.

يتكون هذا النظام من ثماني عشرة مادة، وينص على أن حكومة عموم فلسطين تتكون من مجلس وطني ومجلس للوزراء ومجلس أعلى. أما المجلس الوطني فيتكون من المجتمعين الى أن تجري انتخابات. ولم يحدد النظام اختصاصات هذا المجلس الوطني، كما أن التطورات لم تسمح له بعقد جلسة ثانية. وأما المجلس الأعلى، وهو مجلس رئاسة على ما يبدو، فيتكون من رئيس المجلس الوطني ورئيس الوزراء ورئيس المحكمة العليا، وهذا المجلس هو الذي يعين مجلس الوزراء. ووفقا للنظام فان حكومة عموم فلسطين تمارس صلاحياتها بخصوص جميع الاراضي الفلسطينية التي كانت خاضعة للانتداب البريطاني، أي أن هذه الحكومة لم تعترف بقيام اسرائيل ولا بتقسيم فلسطين. وهذا الموقف ينسجم مع رفض الفلسطينيين والعرب لقرار التقسيم. ونص النظام على قيام قضاء مستقل عن الهيئتين التشريعية والتنفيذية.

ومن المؤسف أن الدول العربية، وان كانت قد اعترفت بهذه الحكومة واعتمدتها في جامعة الدول العربية ممثلا لفلسطين، الا أنها لم تسمح لها بممارسة أي نشاط في الاراضي الفلسطينية التي كانت تخضع للادارة العربية. فعند قيام هذه الحكومة لم تكن الضفة الغربية قد ضمت للاردن وكان قطاع غزة تحت الادارة المصرية العسكرية. لقد كان بالامكان السماح لها بالعمل مع شعبها وفي الاراضي الفلسطينية التي كانت تحت الادارة العربية، والسعي لكسب الاعتراف بها دوليا، لا سيما تلك التي عارضت قرار التقسيم، وتمكينها من الشروع في بناء كيان فلسطيني مستقل له مؤسساته الدستورية والنضالية بدعم من الدول العربية. ولكن الخلافات والمطامع العربية في ذلك الوقت حالت دون ذلك، بل حالت دون أن يكون لهذه الحكومة ولو مكتب في الاراضي الفلسطينية، فقد كان مقرها في القاهرة واقتصر نشاطها لفترة محدودة على اصدار جوازات سفر فلسطينية لبعض الفلسطينيين وحضور جلسات جامعة الدول العربية. وأشهد، وقد حضرت بعض هذه الجلسات على مستوى وزراء الخارجية، أن الجامعة والحكومات العربية في ذلك الوقت لم تكن تعير هذه الحكومة أي اهتمام، وكان اليأس واضحا على رئيس تلك الحكومة. وماتت حكومة عموم فلسطين بوفاة أول وآخر رئيس لها هو المرحوم أحمد حلمي عبد الباقي عام 1963، اذ أن المجلس الأعلى الذي نص عليه النظام لم يقم بتعيين خلف له. ويبقى السؤال قائما دون جواب عن مسيرة القضية الفلسطينية لو كان قد سمح لهذه الحكومة أن تنشط في أرضها ووسط شعبها وتقيم كيانا فلسطينيا يتمتع بالسيادة فيما تبقى من أرضه في عام 1948.

ثانيا: منظمة التحرير الفلسطينية

أدى انقضاء حكومة عموم فلسطين الى فراغ في الشأن الفلسطيني يتمثل في عدم وجود جهة معترف بها تمثل الشعب الفلسطيني في جامعة الدول العربية وفي غيرها من المحافل، الأمر الذي أدى الى اختيار المرحوم أحمد الشقيري، المحامي الفلسطيني اللامع والممثل السابق لسوريا في الأمم المتحدة، ممثلا لفلسطين في جامعة الدول العربية. وفي أول قمة عربية عقدت في 13 – 16 يناير 1964 اتخذ قرار يقضي بانشاء كيان فلسطيني يعبر عن رأي الشعب الفلسطيني ويطالب بحقوقه، ووقع الاختيار على الأستاذ أحمد الشقيري للقيام بهذه المهمة. وأدت زيارات الشقيري للتجمعات الفلسطينية في مختلف الأقطار العربية واتصالاته، الى اختياره لممثلين لهذه التجمعات وانعقاد مؤتمر فلسطيني في مدينة القدس في اليوم الثامن والعشرين من شهر مايو 1964 حضره 397 شخصا من مندوبين اختارهم الشقيري، ووجهاء ووزراء فلسطينيين من الأردن، ورؤساء بلديات وممثلي نقابات واتحادات ومخيمات. وكثيرون من هؤلاء فرضوا على الشقيري حيث أن العدد الأصلي الذي وجهت اليه الدعوات كان في حدود المائة فقط. وكان حضور المخابرات الأردنية واضحا في اللجان التي شكلها المؤتمر وفي الاجتماعات الأخرى. وشكل المؤتمر عددا من اللجان كان من أهمها لجنة الميثاق والأنظمة التي عهد اليها بصياغة الميثاق الوطني الفلسطيني وأنظمة منظمة التحرير الفلسطينية. واعتمد المؤتمر وثيقة اعلان قيام منظمة التحرير الفلسطينية والميثاق الوطني الفلسطيني والنظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية واللائحة الداخلية للمجلس الوطني الفلسطيني. وانتخب المؤتمر الاستاذ الشقيري رئيسا للجنة التنفيذية وكلفه باختيار أعضاء اللجنة. وقرر المؤتمر أن يكون هو المجلس الوطني الفلسطيني الى أن تجري الانتخابات التي نص عليها النظام الأساسي لمنظمة التحرير . وبهذه الاجراءات كانت منظمة التحرير الفلسطينية ربما أول حركة تحرير يكون لها نظام قانوني يحكمها، تعبيرا عن سيادة القانون في تصرفاتها ومسيرتها، وخروجا على التقاليد الثورية التي لا تعتد بوجود نظام قانوني يكون المرجعية في مواقفها وتحديد أهدافها والوسائل لبلوغ هذه الأهداف والمؤسسات التي ترسم السياسة وتتخذ القرار وطرق مساءلة القائمين على أمور المنظمة وشفافية مواردها المالية وطرق التصرف فيها.

وقد رجب بيان مجلس ملوك ورؤساء دول الجامعة العربية في دور اجتماعه الثاني في الاسكندرية من 5 حتى 11 سبتمبر 1964 “بقيام منظمة التحرير الفلسطينية دعما للكيان الفلسطيني وطليعة للنضال العربي الجماعي لتحرير فلسطين، واعتمد قرار منظمة التحرير الفلسطينية انشاء جيش التحرير الفلسطيني وعين التزامات الدول الاعضاء لمعاونتها في ممارسة مهمامها”

الميثاق الوطني الفلسطيني

الميثاق الوطني الفلسطيني، ويتكون من 29 مادة في صيغته الأصلية، يعتبر أهم وثيقة وطنية في التاريخ الوطني الفلسطيني المعاصر. ومن أهم مواد الميثاق، في صيغته التي أقرها المؤتمر، “أن فلسطين وطن عربي تجمعه روابط القومية العربية بسائر الاقطار العربية التي يؤلف معها الوطن العربي الكبير” (م 1)، “فلسطين بحدودها التي كانت قائمة في عهد الانتداب البريطاني وحدة اقليمية لا تتجزأ” (م 2) ، ” الشعب العربي الفلسطيني هو صاحب الحق الشرعي في وطنه وهو جزء لا يتجزأ من الأمة العربية يشترك معها في آمالها وآلامها، وفي كفاحها من أجل الحرية والسيادة والتقدم والوحدة” (م 3)، “شعب فلسطين يقرر مصيره، بعد أن يتم تحرير وطنه، وفق مشيئته وبمحض ارادته واختياره” (م 4)، “الشخصية الفلسطينية صفة لازمة لا تزول وهي تنتقل من الآباء الى الأبناء” (م 5)، “إن مصير الأمة العربية، بل الوجود العربي بذاته، رهن بمصير القضية الفلسطينية، ومن هذا الترابط ينطلق سعي الأمة العربية وجهدها لتحرير قلسطين، ويقوم شعب فلسطين بدوره الطليعي لتحقيق هذا الهدف العربي المقدس” (م 13)، “إن تقسيم فلسطين الذي جرى عام 1947 وقيام اسرائيل باطل من أساسه مهما طال عليه الزمن لمغايرته لارادة الشعب الفلسطيني وحقه الطبيعي في وطنه ومناقضته للمبادئ العامة التي نص عليها ميثاق الامم المتحدة، وفي مقدمتها حق تقرير المصير” (م 17)، يعتبر باطلا كل من وعد بلفور وصك الانتداب وما ترتب عليهما وإن دعوى الروابط التاريخية أو الروحية بين اليهود وفلسطين لا تتفق مع حقائق التاريخ ولا مع مقومات الدولة في مفهمومها الصحيح” (م 18) “الصهيونية حركة استعمارية في نشوئها، عدوانية توسعية في أهدافها، عنصرية تعصبية في تكوينها، فاشستية بمراميها ووسائلها. وان اسرائيل بوصفها طليعة هذه الحركة الهدامة وركيزة للاستعمار، مصدر دائم للقلق والاضطراب في الشرق الأوسط خاصة، وللاسرة الدولية بصورة عامة. ومن أجل ذلك فان أهل فلسطين جديرون بعون الاسرة الدولية وتأييدها” (م19). وعدل الميثاق عام 1968 في دورة للمجلس الوطني عقد في القاهرة وشارك فيه ممثلون عن المنظمات فقط، ومن أهم التعديلات الاصرار على أن الكفاح المسلح هو وحده الطريق للتحرير، في حين أن النص الأصلي كان تعمد عدم النص على طريق واحد للتحرير لا غيره. ثم جرت محاولة لتعديله بعد اتفاقيات أوسلو، غير أنه لم تقم لجنة قانونية باعادة صياغة الميثاق في ضوء ما تقرر تعديله، ولم تتبع اجراءات التعديل المنصوص عليها في الميثاق، وبالتالي لم يقر المجلس الوطني تعديلات محددة بنصوصها، واكتفي بقراءة مواد كان سيطالها التعديل في اجتماع لمجلس وطني، مشكوك في عضوية من حضره، عقد في غزة بمناسبة زيارة الرئيس الامريكي كلنتون للقطاع.

وقد ألحق بالميثاق النظام الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية والنظام الاساسي للصندوق القومي الفلسطيني بوصفهما أداتي تنفيذ الميثاق لتحديد أهدافه. وبمقتضى النظام الاساسي لمنظمة التحرير اعتبر جميع الفلسطينيين أعضاء في المنظمة ، أي أن المنظمة اعتبرت هي الكيان القانوني الجامع للشعب الفلسطيني، وبالتالي فقد أصبح هذا الانتماء نافذا بحكم القانون ولا يستدعي الانتماء للمنظمة تقديم طلبات انضمام أو اتخاذ قرارات بهذا الشأن. فالمنظمة هي الشعب كله وهي التي تمثله بمؤسساتها التي نص عليها النظام وهي المجلس الوطني الفلسطيني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير والصندوق القومي.

المجلس الوطني

المجلس الوطني هو السلطة الدستورية العليا للشعب الفلسطيني، هو البرلمان الفلسطيني في المنفى، ونص النظام على أن القدس هي مقر المجلس الوطني. كما نص على أن اعضاءه يأتون بالانتخاب عن طريق الاقتراع. وكما ذكرنا سابقا، فان الدول العربية عارضت في اجراء انتخابات فلسطينية في أراضيها، ولذلك فقد تم الاتفاق بين هيئة مكتب المجلس واللجنة التنفيذية والمنظمات الفلسطينية على أسلوب لاختيار الأعضاء بحيث يمثلون كافة التجمعات الفلسطينية والمنظمات والاتحادات والنقابات الفلسطينية. وكان للمستقلين الذين لا ينتمون لأي تنظيم عدد كبير من الممثلين. وأخذت عضوية المجلس في التزايد لاتاحة أوسع فرصة لتمثيل التجمعات الفلسطينية بحيث بلغت ما يفوق اربعمائة. ومدة المجلس الوطني ثلاث سنوات وينعقد دوريا مرة كل سنة. وبصفته السلطة الفلسطينية العليا، فإن المجلس هو الذي يرسم السياسة العامة للمنظمة، وهو الذي ينتخب أعضاء اللجنة التنفيذية ورئيس الصندوق القومي الفلسطيني الذي يصبح بعد انتخابه عضوا في اللجنة التنفيذية، وهو الذي ينظر في التقرير السنوي للصندوق القومي ويعتمد ميزانية المنظمة. ومن حق المجلس أثناء انعقاده أن يشكل ما يشاء من اللجان لتسيير أموره.

وقد قامت صعوبات كبيرة حول التقيد بالنص الذي يقتضي عقد دورات سنوية للمجلس، أو حتى عقده كل ثلاث سنوات، خاصة وأن عدد الأعضاء قد قارب على الاربعمائة، الأمر الذي استدعى انفاق مبالغ طائلة لعقد كل اجتماع، وما اقتضته الاجتماعات من اتخاذ ترتيبات أمنية لحماية الأعضاء. ونظرا لهذه الصعوبات فقد اتخذ المجلس قرارات تنظيمية هامة في دورته السابعة عشرة التي عقدت في عمان عام 1984، من بينها انشاء المجلس المركزي من عدد لا يتجاوز المائة يختارهم المجلس من بين أعضائه، على أن يمارس هذا المجلس المركزي اختصاصات المجلس الوطني باستثناء انتخاب أعضاء اللجنة التنفيذية وقبول استقالتها أو تعديل الميثاق أو النظر في الميزانية. وكذلك وفي نفس الدورة أنشئت لجان دائمة لا تنفض بانفضاض الدورة وتبقى عاملة حسب الاقتضاء، من بينها لجنة سياسية وأخرى قانونية. بهذه الترتيبات جرى التغلب على عديد من الصعوبات العملية التي كانت تواجه انعقاد المجلس.

والمجلس الوطني هيئة مستقلة عن المنظمات المشاركة في عضويته، فهو لا يرسم سياساتها أو يتدخل في شئونها، وبالتالي فهو ليس مسئولا عن مواقفها وتصرفاتها، تماما كما هو الحال في المجالس النيابية، حيث أن المجلس النيابي لا يكون مسئولا عن سياسات أو تصرفات الأحزاب أو الأفراد الأعضاء فيه. ولا يتقيد المجلس بالاتفاقيات التي تبرمها المنظمات فيما بينها فيما يتعلق بأمور المجلس، وقد رفضت اللجنة القانونية مثلا اعتماد اتفاق بين المنظمات حول تشكيل مكتب المجلس، لأنها اعتبرت ذلك اعتداء على حق المجلس في انتخاب من يشاء لهذه المناصب وفقا لنظامه الداخلي. ومنعا لسيطرة أي تنظيم على المجلس فقد نص على أن النصاب القانوني لصحة اجتماعاته هو ثلثا كامل العضوية.

وقد شهد المجلس الوطني نمو الديموقراطية الفلسطينية، وظهور التكتلات والمعارضة والتعددية التنظيمية والمساءلة الدستورية للجنة التنفيذية، وكانت جلساته كلها علنية، تعبيرا عن أن المنظمة ليست منظمة سرية ترسم سياستها وتتخذ قراراتها في الخفاء. كما شهد المجلس تركيزا واضحا على ضرورة احترام سيادة القانون في تسيير أمور المنظمة والالتزام بالميثاق والنظام الأساسي واللائحة الداخلية للمجلس. وقد مر المجلس بتجربة عصيبة في الدورة السابعة عشرة (دورة عمان) عام 1984 حين تقدم عدد من الأعضاء طالبين انهاء عضوية أولئك الذين شاركوا في الهجوم على المخيمات الفلسطينية في لبنان وقيادة منظمة التحرير، وكان الجو عاصفا نظرا للمشاعر القوية التي كان يحس بها الأعضاء. ومع ذلك، وفي نقاش استمر أربع ساعات في جلسة علنية، تمسكت اللجنة القانونية بضرورة الالتزام بالاجراءات التي نصت عليها اللائحة الداخلية لسحب العضوية، ورفضت الحجج التي قدمت بأن هذا ظرف طارئ أو أن الحركات الثورية لا تتقيد بالنصوص التقليدية التي تتطلب اتاحة الفرصة لمن يراد اسقاط عضويته ليرد أولا على التهم الموجهة اليه. ومما يسجل للمجلس الوطني أنه بعد مناقشات حامية وعواطف ملتهبة استجاب لمنطق العدل والقانون وصوت الى جانب موقف اللجنة القانونية، وباشرت رئاسة المجلس في اتخاذ الاجراءات السليمة في هذا الشأن. وكان في ذلك حماية لأعضاء المجلس من اتفاق البعض لأي سبب من الأسباب على انهاء عضوية أي عضو دون تمكينه من الدفاع عن نفسه.

أما اللجنة التنفيذية فهي أعلى سلطة تنفيذية في المنظمة، وتكون دائمة الانعقاد، وأعضاؤها متفرغون للعمل، وتتولى تنفيذ السياسة والبرامج والمخططات التي يقررها المجلس الوطني وتكون مسئولة أمامه مسئولية تضامنية وفردية، ويكون مقرها القدس ولها أن تعقد اجتماعاتها في أي مكان آخر تراه مناسبا، وتتكون من 14 عضوا ينتخبهم المجلس الوطني، وتنتخب اللجنة رئيسا لها من بين أعضائها. ويرأس عدد منهم دوائر نص على ايجادها النظام الأساسي وهي الدائرة العسكرية ودائرة الشئون السياسية والاعلامية ودائرة الصندوق القومي الفلسطيني ودائرة الشئون الادارية . وخول النظام اللجنة التنفيذية انشاء ما تراه ضروريا من دوائر أخرى. وتستمر اللجنة في عملها ما دامت تتمتع بثقة المجلس الوطني، الا أن عليها أن تقدم استقالتها للمجلس الوطني الجديد في أول اجتماع يعقده.

أما الصندوق القومي الفلسطيني فله مجلس ادارة ونظام خاصان به وينتخب المجلس الوطني رئيسه الذي يصبح بهذه الصفة عضوا في اللجنة التنفيذية، وتتكون موارده من ضريبة ثابتة على الفلسطينيين تفرض وتجبى بنظام خاص، وكان كل فلسطيني في عدد من الأقطار العربية يدفع هذه الضريبة وتحصلها دوائر الضريبة في البلدان العربية، ويفترض أن تقوم بتحويلها للصندوق. وما أكثر الصعوبات التي كانت تواجه عملية التحويل هذه. أما الموارد الأخرى فنص على أنها المساعدات المالية التي تقدمها الحكومات والأمة العربية، وطابع التحرير الذي تنشئه الدول العربية لاستعماله في المعاملات البريدية وغيرها، والتبرعات والهبات، والقروض والمساعدات العربية أو التي تقدمها الشعوب الصديقة وأية موارد أخرى يقرها المجلس الوطني. ونص النظام على تشكيل لجان لنصرة فلسطين في البلاد العربية والصديقة لجمع التبرعات ومساندة المنظمة في مساعيها القومية.

ونص النظام غلى اقامة جيش من أبناء فلسطين يعرف بجيش التحرير الفلسطيني تكون له قيادة مستقلة تعمل تحت اشراف اللجنة التنفيذية، وواجبه القومي أن يكون الطليعة في خوض معركة التحرير. وبالفعل فقد قام هذا الجيش، ولكنه كان موزعا في الأقطار العربية، ولم يكن يتمتع بالاستقلالية التي نص عليها النظام، وانما أصبح في الواقع خاضعا لسلطات الدولة العربية الموجود في أراضيها، ولم يقم بالدور المرجو منه. وعندما قامت السلطة الوطنية أصبح الكثيرون من ضباطه ورجاله قوات الأمن الفلسطينية.

وألحق بالنظام الأساسي لمنظمة التحرير لائحة داخلية للمجلس الوطني سارت على نمط اللوائح الداخلية للنظم البرلمانية في الدول الديموقراطية.

لقد واجهت منظمة التحرير الكثير من الصعاب، غير أنها،بالرغم من كل ما قد يقال، فانها نجحت في المحافظة على الكيان الفلسطيني واستطاعت أن تنقل القضية الى حقيقتها كقضية شعب يناضل من أجل وطنه وحقوقه في هذا الوطن، بعد أن تنكر كثيرون لوجود الشعب الفلسطيني كشعب له حقوق، واعتبروا القضية قضية لاجئين فقط. واعترف العالم بهذا الوضع الجديد الذي ناضلت منظمة التحرير من أجله، بما في ذلك أمريكا وأوروبا واسرائيل، وأصبحت المنظمة هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني تتكلم باسمه وتطالب بحقوقه.

هذا عرض موجز للنظام الدستوري الذي يحكم منظمة التحرير الفلسطينية، وهو بالطبع لم يتعرض لكافة النصوص، غير أن ما ذكرناه يشير الى تجربة في الديموقراطية الفلسطينية في ظروف الشتات، وقد أرست هذه التجربة جذورها في الأوساط الفلسطينية، كما تكشف فيما بعد في مرحلة وضع واقرار القانون الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية في المرحلة الانتقالية.

ثالثا: القانون الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية في المرحلة الانتقالية

مقدمة

جاء القانون الأساسي للسلطة الوطنية في المرحلة الانتقالية تطورا طبيعيا للأحداث. وكانت البداية عندما أعلن الملك حسين فك الارتباط مع الضفة الغربية عام 1988. وقد وصل إعلان الملك لمنظمة التحرير في رسالة رسمية تليت في المجلس المركزي عندما كان مجتمعا في بغداد، وبعد تلاوة تلك الرسالة تقدمت للمجلس، بصفتي رئيس اللجنة القانونية، باقتراح يقضي باعلان قيام دولة فلسطين، وذلك ممارسة من الشعب الفلسطيني لحقه في تقرير مصيره، ومنعا لاسرائيل، الدولة المحتلة، من الادعاء بقيام فراغ في السيادة على الأرض الفلسطينية بعد إعلان فك الارتباط. وكانت الانتفاضة الأولى مشتعلة، وقد أقامت تنظيماتها الداخلية المعبرة عن ممارسة السلطة للعناية بالامور اليومية للشعب، بما في ذلك فض الخلافات التي تتولاها عادة السلطة القضائية. ووافق المجلس على الاقتراح بالاجماع. وكلفت بالبدء في اعداد صيغة اعلان الاستقلال وقيام الدولة. وبعد مشاورات ووضع صيغ متعددة قام الشاعر الكبير الاستاذ محمود درويش بصياغة الاعلان بصورة نهائية بأسلوب أدبي حافظ على الجوانب القانونية التي تتعرض للحقوق الثابتة وحق كل فلسطيني في الدولة العتيدة والأسس التي ستبنى عليها الدولة من نظام برلماني ديموقراطي يقوم على التعددية واحترام حقوق الانسان.

وكان من الأمور التي طُرحت البرنامج السياسي الذي ستسير عليه المنظمة بعد اعلان الاستقلال، واستقر الرأي على الفصل بين هذا البرنامج والاعلان، حيث أن البرامج السياسية عرضة للتغير، في حين أن وثيقة اعلان الاستقلال ثابتة، وهي مرجعية المستقبل، بالاضافة الى الميثاق الوطني الفلسطيني.

وعقد المجلس الوطني دورة الجزائر في الخامس عشر من نوفمبر 1988. في ذلك الاجتماع التاريخي أقر المجلس بالاجماع وثيقة إعلان الاستقلال، وقيام دولة فلسطين . وتقرر أن تتولى اللجنة التنفيذية مهام الوزارة الى أن تشكل وزارة . في هذه الظروف أصبح من الضروري وجود نظام للحكم يحدد الاختصاصات والمسئوليات ووسائل المحاسبة والمساءلة للتمشي مع الوضع الجديد، خاصة وأنه لا يمكن الاعتماد على الأوضاع الدستورية الموروثة في الضفة والقطاع. فالضفة، قبل عام 1967، كانت تخضع للدستور الأردني، في حين كان قطاع غزة يخضع لنظام مختلف تماما وضعته الادارة المصرية. ولذا كان لا بد من توحيد الوضع الدستوري للدولة العتيدة. ولا يجدي في هذا الوضع مجرد نقل الاختصاصات، كاختصاصات ملك الأردن واختصاصات رئيس الجمهورية المصرية، لأنه لا يوجد عام 1988 من يقابلهما في النظام الدستوري الفلسطيني المعبر عنه في الميثاق ونظام منظمة التحرير الفلسطينية. ووفقا للدستور الأردني يوجد ملك ومجلس وزراء، في حين يوجد حاكم عام في القطاع وفقا لنظام 1962، وهذا الحاكم العام نفسه كان يرأس اجتماعات المجلس التشريعي، وهذا يخالف الدستورية الفلسطينية التي اقتضت الفصل ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فلا يصح لرئيس اللجنة التنفيذية رئاسة المجلس الوطني . والمجلس التشريعي نفسه في القطاع لم يعد من الممكن تكوينه لاستناد عضويته على الاتحاد القومي، وهذا قد اندثر. هذا كله لا يستقيم مع الوضع الجديد. وهذا ينطبق أيضا على القوانين، فبعد عام 1948، بدأ يظهر الاختلاف في القوانين بين الضفة والقطاع، ففي الضفة ظهرت قوانين جديدة وضعتها الحكومة الاردنية، في حين ظهرت تشريعات مختلفة في القطاع وضعتها الادارة المصرية. واذن لا بد من التوحيد، ولا بد من نصوص دستورية سليمة تحسم الأمور وتقضي على التناقضات. ولهذا، وبصفتي رئيسا للجنة القانونية في المجلس، تقدمت للمجلس، مباشرة بعد اعلان الاستقلال وقيام الدولة، بمشروع قرار يقضي بتكليف المجلس المركزي بوضع نظام أساسي للدولة. ونذكر للتاريخ أن رئيس اللجنة التنفيذية، المرحوم ياسر عرفات، اعترض على مشروع القرار، وطلب رئيس الجلسة، د. نبيل شعث، سحبه، غير أن مشروع القرار لم يُسحَبْ. وجرى التصويت وفاز بأغلبية كبيرة، وبقي الأخ أبو عمار في صف المعارضين . بهذا القرار من المجلس أصبح لزاما وضع نظام أو قانون أساسي.

في أول الأمر جرت محاولات لوضع نظام للحكم فقط كخطوة أولى، خاصة بعد انتخاب رئيس اللجنة التنفيذية رئيسا للدولة من قبل المجلس المركزي، وكان المجلس المركزي يطالب بهذه الخطوة وتطالب بها أيضا المنظمات المعارضة، كالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين. غير أن هذه المحاولات كانت تصل دائما الى طريق مسدود بسبب معارضة الرئيس/ رئيس اللجنة التنفيذية.

اعداد مشروع القانون الأساسي

لم يكن اعداد القانون الأساسي هو المحاولة الفلسطينية الأولى لوضع نظام دستوري لفلسطين. ففي عام 1974 قرر المجلس الوطني أن يطرح حلا للقضية الفلسطينية باقامة دولة علمانية ديموقراطية في فلسطين بكاملها يشارك فيها الفلسطينيون والاسرائيليون على قدم المساواة كمواطنين في هذه الدولة. وقد لقيت الفكرة في أول أمرها اهتماما حتى من بعض الدوائر الامريكية. وكتعبير عملي عن هذه الفكرة كلفتني قيادة منظمة االتحرير بوضع دستور، فأعددت مسودة مستفيدا من التجربة السويسرية واليوغوسلافية في ذلك الحين بحيث تتمتع التجمعات السكانية بقسط وافر من الحكم المحلي تحافظ به على خصائصها الثقافية والدينية. ومع الأسف فإن العرب والفلسطينيين لم يبذلوا جهودا كبيرة للدعوة لهذه الفكرة، ولذا فقد نجح المسئولون الاسرائيليون في اماتتها.

ثم عقد مؤتمر مدريد وبدأت المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية في واشنطن وبدا أن هناك فرصة لقيام الدولة الفلسطينية على أرض فلسطين، وبدأ العمل على وضع مسودة دستور مؤقت. غير أنه جاءت مفاجأة مفاوضات أوسلو السرية التي انتهت بما أصبح يسمى بإعلان المبادئ الذي جرى توقيعه في 13 سبتمبر 1993 في واشنطن . ونص هذا الإعلان على فترة انتقالية أقصاها خمس سنوات، على أن يقام خلالها سلطة وطنية فلسطينية يجري نقل السلطات اليها كما تجري انتخابات لمجلس تكون له السلطتان التشريعية والتنفيذية. وبناء على هذا فقد عاد الحديث عن وضع نظام أساسي تنفيذا لقرار المجلس الوطني وفي جلسة للجنة التنفيذية عقدت في تونس في شهر نوفمبر عام 1993 جمعت بين أعضائها وأعضاء الوفد المفاوض الأصلي الذي كان يرأسه الدكتور حيدر عبد الشافي، وبحضور كاتب هذا البحث بصفته رئيس اللجنة القانونية في المجلس الوطني، تم الاتفاق على الشروع في اعداد قانون أساسي للسلطة الوطنية في المرحلة الانتقالية، اذ لا بد من وجود نظام دستوري يحكم هذه المرحلة. وكلف رئيس اللجنة القانونية بالبدء في الاعداد .

أعدت مسودة أولى وعرضت على اللجنة التنفيذية في جلستها يوم 5 ديسمبر 1993 ، وقرئت قراءة أولى واقترح الرئيس عرفات توزيعها على التنظيمات لتلقي الملاحظات كما اقترح عقد اجتماع للجنة القانونية للمجلس الوطني للغرض ذاته. كانت المسودة هذه رؤية أولية تخطيطية أكثر منها نصوصا كاملة مفصلة وذلك بهدف معالجة الأمور الأساسية التي من أهمها، في النظام العربي، موقع الرئيس. نصت المسودة على أنه لا يجوز للشخص الواحد أن يتولى الرئاسة أكثر من فترتين متتاليتين. وبحث النص مع الرئيس عرفات في جلسة خاصة قبل الاجتماع بحضور عضو اللجنة التنفيذية وأمين سرها في ذلك الوقت السيد جمال الصوراني، من منطلق أن الرئيس التاريخي هو الذي يترك لشعبه نظاما يحميه من ظهور الدكتاتوريات ويؤمن له سبل تغيير الحاكم بطريقة ديموقراطية سلمية ويفتح الباب أمام تداول السلطة سلميا. وبقي هذا النص لم يتغير على مدار المسودات الاربع التي مر بها القانون الأساسي. وبالمثل فقد جرى اقتراح الفصل بين رئاسة السلطة الوطنية ورئاسة السلطة التنفيذية باستحداث منصب وزير أول ليكون أمام المجلس التشريعي شخص تجري محاسبته عن نشاطات وسياسات الحكومة، خاصة وأن الرئيس نفسه سينتخب انتخابا مباشرا وبالتالي لا يجري سحب الثقة منه بسبب سياساته، والطريق لتغيير هذه السياسات هو وجود رئيس للوزراء أو وزير أول يمكن سحب الثقة منه دون التعرض لمنصب الرئاسة. ومع الأسف فقد رفض هذا الاقتراح .

في العاشر من ديسمبر 1993 عقد اجتماع للجنة القانونية للمجلس الوطني في عمان لتدارس المسودة الأولى، ونشرت المسودة في القدس. أبدت اللجنة عددا من الملاحظات، وبدأت تعليقات ترد نتيجة للنشر، من بينها تعليقات من المنظمات النسائية الفلسطينية. بناء على هذه الملاحظات والتعليقات أعدت المسودة الثانية، وقام مركز الاتصالات والمعلومات في القدس، وهو منظمة فلسطينية غير حكومية مقرها القدس، بنشرها وترجمتها الى الانكليزية. ودعاني المركز للمشاركة في ندوة في القدس عن تحديات المرحلة الانتقالية للمجتمع الفلسطيني للحديث عن مشروع القانون الأساسي. وعقدت الندوة في الرابع من فبراير 1994. وكانت تلك أول زيارة لي للقدس منذ عام 1964، وهو عام انعقاد المؤتمر الفلسطيني الذي أقام منظمة التحرير الفلسطينية. ولا أريد في هذا البحث القانوني أن أتحدث عما كان في النفس من هواجس وانفعالات وآلام ومشاعر متضاربة والطائرة تقترب من فلسطين الحبيبة ولا عن تلك الانفعالات والمواقف أمام مأمورة الهجرة والمخابرات الاسرائيلية في المطار، فهذه لها مكان آخر.

شاركت في الندوة، وفي صباح اليوم التالي 5 فبراير 1994 نشرت جريدتا القدس والنهار تفاصيل الندوة ونشرت النهار النص الكامل للمسودة الثانية. وفي 6 فبراير ألقيت محاضرة عن الموضوع في كلية القانون الفلسطينية في القدس، وكانت هناك تغطية كاملة من الصحيفتين المذكورتين، وفي اليوم ذاته عقد اجتماع مع القضاة الفلسطينيين واجتماع ثان مع المحامين، وفي 8 فبراير عقد اجتماع مطول مع ممثلات الحركات النسائية الفلسطينية، وفي 11 فبراير نشرت صحيفة (جيروسالم بوست) الصحيفة العبرية الصادرة باللغة الانكليزية ملحقا خاصا بلقاء أجرته معي، كما جرت مقابلات مع التلفزيون الاسرائيلي والاذاعة الناطقة باللغة العربية والذي نشرته القدس العربي التي تصدر في لندن في اعدادها 5/6 فبراير و 9 فبراير، كما جرت مقابلات مع فضائيات ومراسلين أجانب. واهتمت السفارات والقنصليات الاجنبية بالحدث وجرت لقاءات مع قناصل بريطانيا والمانيا وفرنسا وأمريكا، بناء على طلبهم، في مدينة القدس. ولم تجر أية اتصالات أو لقاءات مع أي مسئول اسرائيلي، تأكيدا على أن هذا النشاط هو فلسطيني محض. وعدت الى لندن في 12 فبراير لهضم نتائج اللقاءات مع الجهات الفلسطينية.

لقد كان الهدف من هذا النشاط ومن نشر المسودات المتعاقبة هو اشراك كل فئات الشعب الفلسطيني، بقدر الامكان، في هذه العملية بوصفها المرة الأولى التي يتولى فيها الفلسطينيون وضع نظام دستوري لهم، واثارة اهتمام الرأي العام الفلسطيني بالأمر، وخلق رأي عام داعم للطروحات الواردة في المسودة والتي حاولت أن تكون نقلة نوعية عما هو جار به العمل في المنطقة العربية، وفي الوقت ذاته اشعار المواطنين بأن هذه المشورات جدية بدليل التعديلات التي كانت تدخل في المسودات المتلاحقة والتي كانوا يطلعون عليها عند نشر كل مسودة. ومن نتائج تلك الزيارة أن ورشات عمل بدأت تعقد لدراسة الموضوع في الاندية والمدارس والمنظمات غير الحكومية، وكانت تأتي اقتراحات من أشخاص وجهات متعددة. وبحلول الأول من مايو 1994 كانت المسودة الثالثة جاهزة، وقام مركز الاتصالات في القدس بنشرها باللغتين العربية والانكليزية في يونيو 1994. واستمرت المشاورات فدعيت لندوة عقدها في نابلس مركز الدراسات الفلسطينية خصيصا لبحث الموضوع في الثامن من ديسمبر 1994. أي أن المشروع بقي محل بحث على نطاق جماهيري حوالي عام كامل. غير أن المشروع كان لا يزال ناقصا بسبب تعثر المفاوضات خاصة فيما يتعلق بالمجلس التشريعي. وعندما استقر الوضع أضيفت الأحكام المناسبة ونشرت المسودة الرابعة والأخيرة في 11 ديسمبر 1995، وهكذا كان المشروع جاهزا عندما انتقلت السلطة الى فلسطين. وأجريت انتخابات رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية والمجلس التشريعي الفلسطيني في 20 يناير 1996.

ومن خصائص هذا المشروع أنه نص صراحة على التعددية والنظام البرلماني والمساءلة أمام المجلس التشريعي، ونص على أن الرئيس ينتخب انتخابا مباشرا (وليس بطريق الاستفتاء) ومعنى هذا أن تداول الرئاسة أصبح أمرا مقررا، وحُظر تولي الرئاسة لأكثر من دورتين متتابعتين، وقلصت امكانيات ندخل القانون للمساس بالحقوق والحريات العامة وذلك بالنص على ضوابط أخذت أساسا من الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الانسان، ونص على ضمانات دستورية لحمايتها والدفاع عنها، بما في ذلك حق المتضرر في رفع دعوى مباشرة لرفع الاعتداء، فتحصن هذا الحق دستوريا، كما نص على خضوع الدولة لسيادة القانون، وحظر انشاء محاكم خاصة، كمحاكم أمن الدولة، وتعمد عدم النص على حالة الطوارئ بسبب ما عاناه الشعب الفلسطيني وتعانيه الشعوب العربية منها، وأنشأ منذ البداية محكمة دستورية ومحكمة للقضاء الاداري الى جانب المحاكم المعتادة، ونص على ضوابط مالية حماية للمال العام من حيث تحصيله وادراجه في الموازنة والتصرف فيه.

معركة الدستورية

نصت الاتفاقيات المبرمة مع الجانب الاسرائيلي على أن تكون أول مهام المجلس التشريعي المنتخب وضع نظام أساسي للسلطة الوطنية، وقد أدرج هذا النص،كما علمت فيما بعد، بناء على طلب المفاوض الفلسطيني. وعندما عقد المجلس كانت نسخ من المسودة الرابعة للقانون الأساسي قد طبعها مركز الاتصالات الفلسطيني ووزعها على أعضاء المجلس. وباشر المجلس في دراستها. وهنا بدأت المشاكل مع رئيس السلطة الوطنية، أي السلطة التنفيذية. ونظرا لأن هذه هي المرة الأولى في تاريخ الدستورية العربية على ما أظن التي تقع فيها مواجهة من هذا القبيل بين السلطتين التشريعية والتنفيذية فإن التعرض لها بشيء من التفصيل لا يخلو من فائدة، خاصة وأن الأغلبية في المجلس التشريعي، فتح، كان رئيسها هو رئيس السلطة الوطنية، ومع ذلك فقد وقف الأعضاء الى جانب المشروعية متحدين الرئاسة.

اعترض الرئيس على حق المجلس في أن يبادر بدراسة مشروع قانون لم تقدمه الحكومة، وطالب بوقف النقاش فيه الى أن تتقدم الحكومة بمشروع من عندها، وتمسك المجلس بحقه في أن يكون مبادرا في التشريع اذا ارتأى ذلك. وساندت المجلس في موقفه من حيث المبدأ، واشتد الخلاف وهدد رئيس المجلس بالاستقالة. وسوي الخلاف بأن يجري المجلس قراءة أولى للمشروع ثم تتولى السلطة دراسته وتعود للمجلس بعد الانتهاء من تلك الدراسة. وهكذا تأكد حق المجلس في المبادرة في التشريع. وتمت القراءة الأولى، غير أن السلطة لم ترجع الى المجلس برأيها. في هذه الأثناء وضعت وزارة العدل مشروعا من عندها، وأرسلت لي نسخة منه للتعليق عليه، مدعية أنه لم يخرج عن المسودة الرابعة الا في أمور طفيفة. وعند دراسته، تبين أن من بين هذه “الأمور الطفيفة” مثلا الباب الخاص بالمالية بما فيه من ضوابط وضمانات، بحجة أن القوانين ستتكفل بذلك. وأخبرت وزارة العدل ورئيس المجلس التسريعي بعدم موافقتي على هذا المشروع، فرفض المجلس النظر فيه واختفى دون رجعة. ثم جيء باقتراح آخر، وهو اصدار وثيقتين مستقلتين احداهما تتعلق بالحقوق والحريات العامة اي ( Bill of Rights) والثانية تتعلق بنظام الحكم، على أن تصدر كل واحدة مستقلة عن الأخرى. ومع أن هذا الأسلوب ممكن لو حسنت النوايا، لكن الهدف منه هو تعطيل اصدار نظام الحكم بما فيه من الضوابط والضمانات. فاعترضت غلى هذه التجزئة للقانون الأساسي، ورفضها المجلس، وواصل دراسته للمسودة الرابعة الى أن أقره، مع تعديلات أدخلها عليه، في الثاني من اكتوبر 1997، أي بعد أكثر من سنة ونصف من بدء بحثه، وأحاله للرئيس لإصداره، غير أن الرئيس لم يصدره خلال الثلاثين يوما التي نص عليها لاصدار القوانين أو لإعادتها الى المجلس للنظر في تعديلات مقترحة. وبقي دون اصدار ونفاذ ودون ابداء أسباب للتعطيل.

وانتهت في سبتمبر 1998 الفترة الانتقالية التي نص عليها اعلان المبادئ، وهي خمس سنوات، دون اصدار القانون الأساسي. ومع أن السلطة الوطنية ظلت متمسكة بإعلان المبادئ هذا ومع أنه لم يتغير شيء في واقع الحال بل ازداد الموقف الاسرائيلي تنكرا للاتفاقيات السابقة ، الا أن السلطة الوطنية اعتبرت الفترة الانتقالية منتهية وأن القانون الأساسي لم يعد صالحا، ولذا لا بد من وضع دستور، مع أنه لم يحصل اتفاق على الوضع النهائي تنفيذا لإعلان المبادئ. ولا يخفى أن هذا كله كان مناورة لتجنب اصدار القانون الأساسي. بناء على ذلك دعي المجلس المركزي للاجتماع (ولم أدع له بسبب استقالتي من رئاسة اللجنة القانونية احتجاجا على تعديل الميثاق) واتخذ المجلس قرارا بتكليف الأمين العام لجامعة الدول العربية بدعوة خبراء عرب لوضع دستور لفلسطين، وذكرت الأنباء في حينه أن الأمين العام قد طلب من الدول العربية ترشيح خبراء لهذا الغرض. ونستطيع أن نتصور ماهية دستور سيضعه مندوبون عن الأنظمة العربية. واحتج الفلسطينيون على هذا القرار، مما جعل المجلس المركزي يعدل عنه أو يصححه في اكتوبر 1999 بتشكيل لجنة من الفلسطينيين برئاسة الدكتور نبيل شعث، وزير التعاون الدولي، لوضع مسودة لدستور وأنهت هذه اللجنة عملها في 29 فبراير 2001. ونامت هذه المسودة أيضا دون اصدار.

في هذه الاثناء تعمق الخلاف ما بين رئيس السلطة الوطنية من جهة والمجلس التشريعي والنشطاء الفلسطينيين من جهة أخرى. وتزايدت الاعتداءات على الحقوق والحريات العامة ، ساهمت فيها ولا شك ضغوط امريكية واسرائيلية، وأنشأ الرئيس بقرار رئاسي لا سند له من القانون محكمة أمن دولة كانت محل احتجاج رجال القانون الفلسطينيين ومنظمات حقوق الانسان الفلسطينية، وكثرت الاعتقالات، بل وقامت سلطات الأمن بتعذيب بعض المعتقلين وتوفي بعضهم تحت التعذيب، وأغلقت بعض الصحف بقرارات ادارية، ووصل الأمر لدرجة رفض تنفيذ قرارات القضاء بالافراج عن معتقلين تم اعتقالهم بالمخالفة للقانون. وعمت الشكوى من مواقف النائب العام الذي كان قد عينه الرئيس. وعزل النائب العام وعين نائب عام جديد اضطر للاستقالة بسبب عدم تنفيذ أجهزة الأمن لقرارات المحاكم. ولم تتوقف المطالبة باصدار القانون الأساسي.

ثم طفت على السطح مظاهر فساد اداري. ذلك أن الرقابة الادارية الفلسطينية قدمت تقريرا للمجلس التشريعي تضمن اتهامات بارتكاب مخالفات مالية وادارية يتعين التحقيق فيها. وطالب المجلس بالتحقيق، وعندما لم تستجب السلطة لذلك الطلب قرر المجلس سحب الثقة من الحكومة تطبيقا للمبادئ البرلمانية بالرغم من أن القانون الأساسي لم يكن قد صدر. واضطر الرئيس لاجراء تعديل وزاري خلق بموجبه اثني عشر منصبا وزاريا جديدا بهدف تقليص الأغلبية المعارضة في المجلس التشريعي. ومع ذلك استمرت الضغوط على الرئاسة والمطالبة بأن يكون عدد الوزراء 19 كما ورد في القانون الأساسي الذي لم يصدر بعد، واستبعاد وزراء حامت حولهم شكوك. وأجرى الرئيس تعديلا ثانيا، بيد أنه كان واضحا أن المجلس التشريعي لن يمنحها ثقته، مما اضطر الرئيس لتشكيل وزارة جديدة ضمت عددا من الوزراء الجدد، ونالت هذه الوزارة ثقة المجلس.

واجتمعت مع هذه الضغوط الفلسطينية من أجل اصلاح الوضع الفلسطيني الداخلي ضغوط امريكية واسرائيلية وعربية، في بعض الاحيان، بعد فشل مفاوضات كامب دافيد الثانية، وتركزت هذه الضغوط على الرئيس الفلسطيني شخصيا باسم الاصلاح. وتلاقت الضغوط الفلسطينية مع الضغوط الخارجية وان اختلفت الدوافع والأهداف. فالضغوط الفلسطينية انصبت على الاصلاح الداخلي الذي يتمثل في اصدار القانون الأساسي والالتزام بأحكامه واحترام الحقوق والحريات العامة واستقلال القضاء ومحاسبة من يثبت عليه الفساد، في حين أن المطالبات الخارجية انصبت أساسا على تنحية الرئيس بسبب أنه أصبح في نظرها شخصا غير مناسب للمفاوضات.

وازاء هذه الضغوط أصدر الرئيس القانون الأساسي في 29/5/2002 أي بعد حوالي خمس سنوات من اقراره من قبل المجلس التشريعي وتقديمه للرئيس لاصداره. وانه لمن المؤسف حقا أن تأخر اصداره على هذا الوجه، ولا شك في أن هذا التأخير قد أساء الى مكانة الرئيس الفلسطيني داخليا وخارجيا فضلا عن أنه أساء الى تقدم الشعب الفلسطيني في مسيرته وبناء مؤسساته، غير أن معركة الدستورية هذه أثبتت حيوية الشعب الفلسطيني واصراره هو والمجلس التشريعي على تثبيت دعائم الدستورية والمشروعية، فخلفت هذه المعركة وراءها تراثا نضاليا في هذا الميدان ستكون له آثاره الايجابية على مسيرة الحكم في المستقبل . ولا بد في هذا السرد للأحداث من الإشارة الى الدور الكبير الذي قامت به اللجنة القانونية في المجلس التشريعي برئاسة عبد الكريم أبو صلاح، فقد كان لها مواقفها الصلبة التي تحمد لها في معركة الدستورية فأضافت بذلك الى التراث الذي خلفته اللجنة القانونية في المجلس الوطني من التمسك بسيادة القانون في مواجهة الضغوط .

معالم القانون الأساسي

يجب التأكيد أولا على أن المسودة الرابعة وكذلك القانون الأساسي بعد اصداره لم يقصد بهما أن يكونا دستورا دائما بالرغم من أنهما احتويا على نصوص دستورية كثيرة أدرجت خصيصا لتثبيت أوضاع دستورية يقصد لها الدوام. فمن بين النصوص المؤقتة مثلا ما جاء في المادة 52 من القانون الأساسي من أن “مدة رئاسة السلطة الوطنية هي المرحلة الانتقالية، ويتم انتخاب الرئيس بعد ذلك وفقا لقانون الانتخاب”. وقد حذف هذا النص القيد الذي جاء في المسودة الرابعة والذي يقضي بعدم جواز تولي الرئاسة لأكثر من فترتين متتاليتين، والذي قصد منه ارساء هذا المبدأ.

يقع القانون الأساسي المعدل في ثمانية أبواب، بعد أن كان أصلا في سبعة، وذلك بعد اضافة باب خاص بالسلطة التنفيذية، كما أصبح نتيجة لذلك121 مادة بعد أن كان 112، ونتناول هذه الأبواب بابا بابا دون تحليل تفصيلي وذلك لمجرد اعطاء فكرة عنها.

الباب الأول: (المواد 1- 8) لم يطرأ عليه تعديل وترك بدون عنوان، مع أنه يتضمن أحكاما عامة نصت على أن فلسطين جزء من الوطن العربي الكبير والشعب العربي الفلسطيني جزء من الأمة العربية والوحدة العربية هدف يعمل الشعب الفلسطيني من أجل تحقيقه (م 1). والشعب هو مصدر السلطات يمارسها عن طريق السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على أساس مبدأ الفصل بين السلطات على الوجه المبين في القانون الأساسي (م2). وحسمت المادة 3 موضوع العاصمة بالنص على أن القدس عاصمة فلسطين، كما أن المادة 4 نصت على أن الاسلام هو الدين الرسمي في فلسطين، وأضافت بأنه لسائر الديانات السماوية احترامها وقدسيتها، كما نصت على أن مبادئ الشريعة الاسلامية مصدر رئيسي للتشريع، ولم تساير بعض الدساتير العربية الأخرى في اعتبار الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع. ونصت المادة 5 على نظام الحكم :”نظام الحكم في فلسطين نظام ديموقراطي نيابي يعتمد على التعددية السياسية والحزبية وينتخب فيه رئيس السلطة الوطنية انتخابا مباشرا من قبل الشعب وتكون الحكومة مسئولة أمام الرئيس والمجلس التشريعي”. وبهذا النص قضي على احتمال قيام نظام الحزب الواحد أو الحزب القائد وتأكدت التعددية كما تأكد أن الرئيس ينتخب انتخابا مباشرا من قبل الشعب، فلا محل لترشيح شخص واحد يستفتى عليه دون منافس، وبالتالي لا محل للاستمرارية بل ترك الباب مفتوحا للتنافس وتداول السلطة. ونصت المادة 6 على أن “مبدأ سيادة القانون أساس الحكم في فلسطين وتخضع للقانون جميع السلطات والأجهزة والمؤسسات والأشخاص”. وبسبب الأوضاع الفريدة للشعب الفلسطيني فقد ترك تحديد الجنسية لتنظم بقانون (م7). وقد جرت في السابق محاولات لوضع قانون للجنسية في ظل الظروف الراهنة، غير أن المسودة الرابعة وكذلك النص النهائي للقانون الأساسي لم يأخذ بهذا الرأي، وذلك لكي يوضع هذا القانون بترو كبير وفي غير ظروف الاحتلال، آخذا في الاعتبار أوضاع الفلسطينيين في أماكن تواجدهم المختلفة.

الباب الثاني (المواد 9-33) تعرض للحقوق والحريات العامة، فنص في المادة 9 على أن الفلسطينيين سواء أمام القانون والقضاء، لا تمييز بينهم بسبب العرق أو الجنس أو اللون أو الدين أو الرأي السياسي أو الإعاقة. ونصت المادة العاشرة على أن حقوق الانسان وحرياته الاساسية ملزمة وواجبة الاحترام، وعلى أن تعمل السلطة الوطنية دون ابطاء للانضمام الى الاعلانات والمواثيق الاقليمية والدولية التي تحمي حقوق الانسان. واعتبرت المادة 11 الحرية الشخصية بأنها حق طبيعي، وهي مكفولة لا تمس، وحددت شروط القبض والتفتيش والحبس وتقييد الحرية بأن يكون ذلك فقط بأمر قضائي، واشترطت المادة 12 أن يبلغ كل من يقبض عليه أو يوقف بأسباب القبض أو الايقاف ويجب اعلامه سريعا بلغة يفهمها بالاتهام الموجه اليه وأن يُمَكَّنَ من الاتصال بمحام، وأن يُقَدَّمَ للمحاكمة دون تأخير. كما نص على أن المتهم بريء حتى تثبت ادانته في محاكمة قانونية تُكْفَلُ له فيها ضمانات الدفاع عن نفسه، وكل متهم في جناية يجب أن يكون له محام يدافع عنه (م 14) والعقوبة شخصية، وتُمْنَعُ العقوبات الجماعية، ولا جريمة ولا عقوبة الا بنص قانوني، ولا توقع عقوبة الا بحكم قضائي، ولا عقاب الا على الأفعال اللاحقة لنفاذ القانون (م 15) . ونص على حرمة المساكنن وعدم جواز مراقبتها أو دخولها أو تفتيشها الا بأمر قضائي مسبب ووفقا للقانون، وعلى بطلان ما يترتب على مخالفة هذا الحكم، وحقَّ المتضرر في تعويض عادل (م 17). وكفلت المادة 18 حرية العقيدة والعبادة وممارسة الشعائر الدينية شريطة عدم الاخلال بالنظام العام أو الاداب العامة. ونصت المادة 19 على أنه لا مساس بحرية الرأي، وأن لكل انسان الحق في التعبير عن رأيه ونشره مع مراعاة أحكام القانون. ووردت نصوص عن حرية التنقل والاقامة والنظام الاقتصادي الذي يقوم على اساس مبادئ الاقتصاد الحروعدم جواز المصادرة الابحكم قضائي، وكذلك بشأن خدمات التأمين الاجتماعي والصحي ومعاشات العجز والشيخوخة ورعاية أسر الشهداء والأسرى والجرحى والمتضررين والمعاقين، وحق كل مواطن في السكن وفي التعليم واستقلالية الجامعات والمعاهد العليا ومراكز البحث العلمي وحرية البحث العلمي والابداع الأدبي والثقافي والفني. ثم نص على حق المواطن في العمل وعلى أن تنظم علاقات العمل بما يكفل العدالة للجميع ويوفر للعمال الرعاية والأمن والرعاية الصحية والاجتماعية. أما التنظيم النقابي فحق ينظم القانون أحكامه، وكذلك فان الحق في الاضراب يمارس في حدود القانون. وجاءت المادة 26 تنص على أن للفلسطينيين حق المشاركة في الحياة السياسية أفرادا وجماعات، ويشمل هذا الحق تشكيل الأحزاب السياسية والانضمام اليها وفقا للقانون وتشكيل النقابات والجمعيات والاتحادات والروابط والاندية والمؤسسات الشعبية وفقا للقانون، والتصويت والترشيح في الانتخابات وفقا للقانون، وتقلد المناصب والوظائف العامة غلى قاعدة تكافؤ الفرص، وعقد الاجتماعات الخاصة دون حضور أفراد الشرطة، وعقد الاجتماعات العامة والمواكب والتجمعات في حدود القانون. أما الصحف ووسائل الاعلام الأخرى فتأسيسها حق للجميع يكفله القانون الأساسي وتخضع مصادر تمويلها لرقابة القانون، وحرية وسائل الاعلام والطباعة والنشر والتوزيع والبث وحرية العاملين فيها مكفولة وفقا للقانون الاساسي والقوانين ذات العلاقة. وتحظر الرقابة على وسائل الاعلام ولا يجوز انذارها أو وقفها أو مصادرتها أو الغاؤها أو فرض قيود عليها الا وفقا للقانون وبموجب حكم قضائي (م27). ثم جاء نص في غاية الأهمية بالنسبة للشعب الفلسطيني وهو المادة 28 التي تقول: “لا يجوز ابعاد أي فلسطيني عن أرض الوطن أو حرمانه من العودة اليه أو منعه من المغادرة أو تجريده من الجنسية أو تسليمه لأية جهة أجنبية” . وقد وضع هذا النص تعبيرا عن الارتباط العضوي والمصيري بين الوطن والمواطن وهو ارتباط ليس منة من حاكم، كما أنه لا يجوز القضاء عليه أو تعطيله أو تقييده بقرار من حاكم. وكم من وطني عربي غيور جرد من جنسيته لأنه تجرأ وعبر عن رأيه، وكم يعاني المواطن العربي من اجراءات اذا أراد مغادرة وطنه أو العودة اليه. ووجدت الأمومة والطفولة وحقوق الطفل مكانها في المادة 29 فنص على أن رعايتها واجب وطني وأن للأطفال الحق في الحماية والرعاية الشاملة وألا يستغلوا لأي غرض وألا يسمح لهم بالقيام بعمل يلحق ضررا بسلامتهم أو بصحتهم أو بتعليمهم، ولهم الحق في الحماية من الايذاء والمعاملة القاسية من الغير أو من ذويهم وأن يفصلوا عن البالغين اذا حكم عليهم بعقوبة سالبة للحرية وأن يعاملوا بطريقة تستهدف اصلاحهم وتتناسب مع أعمارهم. ونصت المادة 30 على أن حق التقاضي مصون ومكفول للناس كافة، وأنه يحظر النص في القوانين على تحصين أي قرار أو عمل اداري من رقابة القضاء، كما أنه يترتب على الخطأ القضائي تعويض من السلطة الوظنية يحدد القانون شروطه وكيفيته. ونصت المادة 31 على أنه “تنشأ بقانون هيئة مستقلة لحقوق الانسان ويحدد القانون تشكيلها ومهامها واختصاصها وتقدم تقاريرها لكل من رئيس السلطة الوطنية والمجلس التشريعي الفلسطيني”. وهذه الهيئة قائمة بالفعل. وجاءت المادة 32 تنص على طريق مباشر لحماية الحقوق والحريات العامة، فنصت على “كل اعتداء على أي من الحريات الشخصية أو حرمة الحياة الخاصة للانسان وغيرها من الحقوق والحريات العامة التي يكفلها القانون الاساسي أو القانون جريمة لا تسقط الدعوى الجنائية ولا المدنية الناشئة عنها بالتقادم وتضمن السلطة الوطنية تعويضا عادلا لمن وقع عليه الضرر”. إن النص على ضمان السلطة الوطنية للتعويض جاء اضافة من المجلس التشريعي على النص الأصلي الوارد في المسودة الرابعة، وهي اضافة لا مبرر لها سوى أن الملاحظ هو أن هذا الاعتداء يقع عادة من رجال في السلطة، في حين أنه من المتصور أن يقع من أفراد مثلا، وفي هذه الحالة فإن المعتدي، لا السلطة الوطنية، هو الذي يلتزم بالتعويض. واعتبرت المادة 32 البيئة النظيفة المتوازنة حق من حقوق الانسان، والحفاظ عليها مسئولية وطنية. إن اعتبار أي اعتداء على الحقوق والحريات الاساسية جريمة تعطي أيضا حقا مدنيا للمطالبة بالتعويض أمر في غاية الأهمية لحماية الحقوق والحريات، وهذا الحق أوسع بكثير مما يرد عادة في قوانين العقوبات، وهو كذلك حق لم تنص عليه المواثيق الدولية الخاصة بالحقوق والحريات الأساسية، . لقد سارت جميع أحكام هذا الباب مع ما ورد في المسودة الرابعة وإن أعيدت صياغة بعض المواد ، وكان الأصل الذي أعتمدته المسودة الرابعة هو العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 الذي أقرته الأمم المتحدة. ومما يلاحظ أن العديد من الحقوق والحريات الواردة في هذا الباب لم تترك لتنظمها القوانين، كما هو الحال في معظم الدساتير العربية

الباب الثالث: (المواد 34-46) كان هذا الباب في الأصل خاصا بالسلطة التشريعية، غير أنه بعد التعديل أصبح موضوعه رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية وأصبح الباب الرابع خاصا بالسلطة التشريعية في حين أضيف الباب الخامس ليكون خاصا بالسلطة التنفيذية. وبهذا التعديل نقلت أقسام كانت خاصة ببعض جوانب السلطة التنفيذية من هذا الباب الى موقعها الجديد كجزء من السلطة التنفيذية التي استقلت بباب هو الباب الخامس. وكان موضوع الرئيس في الأصل يشغل القسم الأول من فصل خصص للسلطة التنفيذية.

(أولا) الرئيس:

لم تتعرض الأحكام الخاصة بالرئيس لشروط محددة يجب توفرها في من يرشح نفسه للرئاسة مكتفيا بالشروط العامة للترشيح الواردة في قانون الانتخاب. الرئيس ينتخب انتخابا عاما ومباشرا وفقا لأحكام قانون الانتخابات الفلسطيني (م34). يؤدي الرئيس القسم المنصوص عليه في المادة 35 ،قبل توليه مهامه، أمام المجلس التشريعي بحضور رئيس المجلس الوطني ورئيس المحكمة العليا. أما مدة الرئاسة فهي المرحلة الانتقالية، وبعد ذلك يتم انتخاب الرئيس وفقا للقانون (م 36). وقد وضع هذا النص أصلا في المسودة الرابعة قبل انتهاء المرحلة الانتقالية التي نص عليها اعلان المبادئ وكانت انتخابات عامة قد جرت للرئيس وللمجلس التشريعي وفقا لقانون الانتخابات قبل أن أصبح القانون الأساسي نافذا، وحدد قانون الانتخابات بأن تجري الانتخابات كل خمس سنوات. وانقضت الخمس سنوات دون أن تجري انتخابات، ثم حدد موعد لها، غير أن اعادة احتلال الضفة والقطاع قد حال دون اجرائها الى توفي الرئيس ياسر عرفات، وأجريت انتخابات لخلفه. ولقد كنا دعونا الى اعتبار المرحلة الانتقالية منتهية بانتهاء المدة المحددة لها في اتفاق اعلان المبادئ، وهي خمس سنوات على أساس أن هذا الاتفاق كان محدد المدة وينتهي بانتهاء مدته. وكان من نتائج هذا الرأي أن تعود القضية الفلسطينية الى بابها الأوسع في رحاب القانون الدولي والشرعية الدولية بعيدا عن اتفاقيات اوسلو وما جلبته معها، وترد الاختصاص كاملا لمجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وتجرد اسرائيل وأمريكا من حجة أن النزاع يخضع لما اتفق عليه الاطراف في اعلان المبادئ. وللأسف فان السلطة الوطنية لم تستجب لهذا الرأي. ونصت المادة 37 على الحالات التي يشغر فيها منصب الرئيس وعلى أنه في حالة شغور المنصب فان رئيس المجلس التشريعي يتولى الرئاسة لفترة مؤقتة لا تزيد عن ستين يوما تجري اثناءها الانتخابات لانتخاب رئيس . هذه النصوص كلها كما كانت في الأصل. وأضيفت المادة 38 التي نصت على أن “يمارس رئيس السلطة الوطنية مهامه التنفيذية على الوجه المبين في هذا القانون” ومؤدى هذا النص أنه لا توجد سلطات تنفيذية لرئيس السلطة الوطنية الا ما نص عليه، ولا شك أن هذا النص جاء تسوية لتوزيع الاختصاصات بين الرئيس ورئيس الوزراء، غير أنه يجب أن يلاحظ أن هذا النص يتعلق فقط بالمهام التنفيذية، أما غيرها فلا يشملها. ثم نص على اختصاصات محددة للرئيس وهي أنه القائد الأعلى للقوات الفلسطينية، وأنه يعين ممثلي السلطة لدى الدول والمنظمات والهيئات الدولية وينهي مهامهم ويعتمد ممثلي هذه الهيئات لدى السلطة الوطنية. والرئيس هو الذي يصدر القوانين بعد اقرارها من المجلس التشريعي خلال ثلاثين يوما من احالتها اليه، وله أن يعيدها الى المجلس خلال هذه المدة بملاحظاته وأسباب اعتراضه والا اعتبرت صادرة. وفي حالة الرد هذه يجب أن يحوز القانون على موافقة ثلثي اعضاء المجلس. فاذا حصل على هذه الاغلبية يعتبر قانونا وينشر فورا في الجريدة الرسمية. وهذه نصوص لم يطرأ عليها تعديل. وللرئيس حق العفو الخاص عن العقوبة أو تخفيضها، اما العفو العام أو العفو عن الجريمة فلا يكون الا بقانون. وللرئيس في حالات الضرورة التي لا تحتمل التأخير في غير أدوار انعقاد المجلس التشريعي اصدار قرارات لها قوة القانون، على أن تعرض على المجلس في أول جلسة يعقدها بعد صدور هذه القرارات والا زال ما كان لها من قوة القانون. أما اذا عرضت ولم يقرها المجلس زال ما يكون لها من قوة القانون. وأضاف التعديل مادة هي المادة 45 والتي تنص على أن رئيس السلطة الوطنية يختار رئيس الوزراء ويكلفه بتشكيل الوزارة وله أن يقيله أو يقبل استقالته، وله أن يطلب منه دعوة مجلس الوزراء للانعقاد. ولم تنص هذه المادة على حق الرئيس في حضور الاجتماع الذي يدعو الى انعقاده، ولكن من غير المتصور أن يطلب عقد اجتماع ثم لا يحضره ولو لإبداء أسباب طلبه. ونقلت الى هذا الباب مادة كانت في القسم الخاص بمجلس الوزراء لتصبح بعد التعديل المادة 46 وتنص على أن يساعد مجلس الوزراء الرئيس في أداء مهامه وممارسة سلطاته على الوجه المبين في القانون الأساسي، غير أنه لم يرد نص يخول رئيس السلطة التدخل في رسم السياسة العامة، وسلاحه هو اقالة رئيس الوزراء اذا لم يوافق على سياسته، وفي هذا احتمال صراع بين الرئيس والمجلس التشريعي اذا كان المجلس قد صادق على هذه السياسة. أما مخصصات رئيس السلطة الوطنية وتعويضاته فيحددها القانون. وقد حذف من هذا الباب نص يجيز للرئيس التقدم الى المجلس التشريعي بمشروعات قوانين واصدار اللوائح واتخاذ الاجراءات اللازمة لتنفيذ القوانين ونقل هذا الاختصاص لمجلس الوزراء. ومن بين اختصاصات الرئيس التي لم ترد في هذا الباب افتتاح الدورة العادية الأولى للمجلس التشريعي والقاء بيان (م 52).

الباب الرابع: (المواد 47- 62) ويتعلق بالسلطة التشريعية، ونص فيه (م 47) على أن المجلس التشريعي الفلسطيني هو السلطة التشريعية المنتخبة، فحسم بذلك الجهة المختصة بالتشريع، وكان الرئيس يمارس سلطات تشريعية بقرارات حتى بعد قيام المجلس التشريعي، ولكن قبل اصدار القانون الأساسي. كما نص في ذات المادة على أن المجلس التشريعي يتولى مهامه التشريعية والرقابية على الوجه المين في نظامه الداخلي بما لا يتعارض مع أحكام القانون الأساسي. وبهذا النص استغنى القانون الأساسي عن ذكر العديد من المواد التنظيمية واقتصر على الضروري منها. كما نصت هذه المادة على أن مدة المجلس التشريعي هي المرحلة الانتقالية . وحددت المادة 48 عدد أعضاء المجلس بثمانية وثمانين عضوا، وهو العدد المتفق عليه مع اسرائيل للمرحلة الانتقالية، كما حددت طريقة ملئ الشواغر في العضوية، وهي الانتخاب.ثم نص على القسم وعلى انتخاب هيئة رئاسة المجلس، وعلى قبول استقالة الأعضاء ومساءلتهم وحق المجلس في المحافظة على النظام في جلساته وحظر على رجال الأمن التواجد أثناء الجلسات الا بطلب من المجلس، كما نص على حق المجلس في وضع لائحته الداخلية. ثم تعرض للحصانات التي يتمتع بها أعضاء المجلس، وهي الحصانات المتعارف عليها في النظم البرلمانية الديموقراطية. ثم نص على حقوق الاعضاء في تقديم الطلبات وتوجيه الاسئلة والاستجوابات واقتراح القوانين واجراءات سحب الثقة من الحكومة وتشكيل لجان لتقصي الحقائق واقرار الخطة العامة للتنمية والموازنة السنوية والمصادقة على الحساب الختامي والنظر في الموازنة واقرارها، مع الحق في اعادتها للحكومة مع الملاحظات عليها. وقيد عرض الموازنة والحساب الختامي بالمواعيد المألوفة لذلك، وحظر على العضو استغلال العضوية في أي عمل من الأعمال الخاصة وعلى أي نحو، كما اشترط أن يقدم العضو اقرارا بالذمة المالية الخاصة به وبزوجه وأولاده القصرمفصلا كل ما يملكون من ثروة من عقار ومنقول داخل فلسطين وخارجها وما عليه من ديون، ويحفظ الاقرار لدى المحكمة العليا ولا يجوز الاطلاع عليه الا بإذن المحكمة وفي الحدود التي تسمح بها. وهذه كلها أحكام لم يطرأ عليها تعديل. لم ينص هذا الباب على دورات للمجلس ولا على حق المجلس في الاجتماع اذا لم يدع للانعقاد الى غير ذلك من الأمور التي تضمن استقلالية المجلس، وهي أحكام كانت واردة في المسودة الرابعة، ولعل المجلس قد رأى في لائحته الداخلية التي أقرها قبل الانتهاء من اقرار القانون الاساسي ما يفي بهذه الاغراض .

الباب الخامس: (المواد 63 – 96) وهو باب مستحدث خاص بالسلطة التنفيذية ويضم أحكاما بعضها جديد والبعض الآخر لم يطرأعليه تعديل، وهو مقسم الى الأقسام التالية: السلطة التنفيذية، تشكيل الحكومة، الثقة بالحكومة، اختصاصات رئيس الوزراء، اختصاصات مجلس الوزراء، جلسات مجلس الوزراء، مسئولية رئيس الوزراء والوزراء، حجب الثقة عن الحكومة، الذمة المالية لاعضاء مجلس الوزراء، مخصصات رئيس الوزراء والوزراء، قوات الأمن والشرطة، الادارة المحلية، الادارة العامة، وأخيرا المالية العامة.

السلطة التنفيذية: (المواد 63-64) وهذا فصل جديد أضيف في التعديل، ونص في مادته الأولى على أن مجلس الوزراء (الحكومة) هو الاداة التنفيذية العليا وتمارس الصلاحيات التنفيذية والإدارية التي لم يجعلها القانون الأساسي من اختصاص الرئيس، وعدلت المادة 64 عدد الوزراء بما لا يتجاوز أربعة وعشرين بعد أن كان تسعة عشر,

تشكيل الحكومة: وهذا تعرضت له المادة 65، وبموجب هذه المادة فان رئيس مجلس الوزراء يتولى، فور تكليفه من قبل رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، تشكيل الحكومة خلال ثلاثة أسابيع من تاريخ اختياره، وله الحق في مهلة اضافية أقصاها أسبوعان فقط. فإذا أخفق في تشكيل الحكومة في هذا الأجل أو لم تحصل الحكومة على ثقة المجلس التشريعي، وجب على رئيس السلطة الوطنية استبداله خلال اسبوعين من تاريخ إخفاقه أو حجب الثقة حسب الأحوال. وبطبيعة الحال فان من حق رئيس الوزراء المكلف التخلي عن المهمة في أي وقت يشاء فبل انتهاء المهلة أو التصويت بالثقة، وفي هذه الحالة يعتبر مخفقا.

الثقة بالحكومة: المادتان (66 و 67 ) فور اختيار رئيس الوزراء لحكومته يتقدم الى المجلس التشريعي بطلب لعقد جلسة خاصة للتصويت على الثقة. في هذه الجلسة يقدم رئيس الوزراء بيان حكومته، ويصوت المجلس على الثقة بالوزارة بكاملها، ما لم تقرر اغلبية المجلس غير ذلك، أي أن يجري التصويت ليس على التشكيلة مجتمعة، بل يصح التصويت على الثقة في رئيس مجلس الوزراء لوحده أو على أي وزير على انفراد. واللافت للنظر أن المادة 66 هذه لا تتطلب عرض تشكيلة مجلس الوزراء على رئيس السلطة للحصول على موافقته المسبقة، غير أن التجربة الأولى دلت على أن مشاورات مكثفة تجري مع الرئيس وبقية الأطراف الممثلة في المجلس التشريعي في مرحلة تشكيل الحكومة للاطمئنان مسبقا على أنها ستفوز بثقة المجلس. في القانون الأساسي قبل التعديل، كان رئيس السلطة الوطنية هو الذي يشكل الحكومة ويعرضها على المجلس لنيل الثقة فيها.

اختصاصات رئيس مجلس الوزراء: (المادة 68 ) هذه مادة جديدة اقتضاها خلق هذا المنصب، وعددت له ثمانية اختصاصات. أولها بطبيعة الحال تشكيل مجلس الوزراء وما يستتبع هذا الحق من تعديل أو اقالة أو قبول استقالة وملئ الشاغر. وليس لرئيس السلطة الوطنية دخل دستوري في هذه الأمور. غير أنه لرئيس السلطة اقالة رئيس الوزراء وقبول استقالته (المادة 45). وفي هذا رقابة لرئيس السلطة على أعمال الوزارة، في حين يكون رئيس الوزراء حرا في اختيار وزرائه دون تدخل دستوري من الرئيس. اما الاختصاصات الأخرى فإجرائية أو ادارية، مثل دعوة مجلس الوزراء للاجتماع ورئاسة جلساته والاشراف على اعمال الوزارات والمؤسسات العامة التابعة للحكومة.

اختصاصات مجلس الوزراء: (المواد 69-72) مجلس الوزراء، وفق التعديل، هو السلطة الفاعلة (المادة 63) فهو الذي يضع السياسة العامة في حدود اختصاصه وفي ضوء البرنامج الوزاري الذي يصادق عليه المجلس التشريعي. ومؤدى هذا أن مجلس الوزراء، من الناحية النظرية على الأقل، مقيد في سياسته العامة ببرنامجه الوزاري المصادق عليه، وبذا فهو غير مخول الخروج عن هذا البرنامج الا بعد مصادقة المجلس التشريعي على هذا الخروج. ومجلس الوزراء هو الذي ينفذ السياسة العامة المقررة من الجهات الفلسطينية المختصة، ويضع الموازنة العامة لعرضها على المجلس التشريعي، ويعد الجهاز الاداري ويشرف عليه ويتابعه، ويتابع تنفيذ القوانين ويضمن الالتزام بأحكامها، ويشرف على أداء الوزارات ووحدات الجهاز الاداري، وعليه مسئولية حفظ النظام العام والأمن الداخلي وانشاء أو الغاء الهيئات والمؤسسات والسلطات على أن ينظم كل منها بقانون، وتعيين رؤساء هذه الهيئات والمؤسسات والسلطات والاشراف عليها وفقا للقانون، وتحديد اختصاصات الوزارات والهيئات والسلطات والمؤسسات التابعة للجهاز التنفيذي، وأية اختصاصات أخرى تناط بمجلس الوزراء بموجب أحكام القانون. وهذه الاختصاصات هي ذاتها الواردة في القانون الأساسي قبل التعديل باستثناء ما أضيف من صلاحية انشاء الهيئات والمؤسسات والسلطات العامة ::وتعيين رؤسائها. وهذه كلها اختصاصات يمارسها مجلس الوزراء أصالة ولا يرجع فيها الى رئيس السلطة الوطنية. ولمجلس الوزراء الحق في التقدم للمجلس التشريعي بمشروعات القوانين وله اصدار اللوائح واتخاذ الاجراءات لتنفيذها. وكان لمجلس الوزراء هذا الحق في القانون الأساسي قبل التعديل، كما كان لرئيس السلطة الوطنية، أما بعد التعديل فقد انحصر حق الرئيس في الاعتراض على القوانين بعد اقرارها من المجلس التشريعي واعادتها للمجلس مع ملاحظاته لينظر فيها المجلس مجددا. وبهذا يكون الرئيس رقيبا على التشريعات، وهي رقابة مؤثرة حيث أنه في حالة الرد لابد من توفر أغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي لاجازة القانون.

ثم تعرض هذا القسم لاختصاصات الوزراء فلم يدخل عليها أي تعديل. يختص كل وزير في اطار وزارته باقتراح السياسة العامة للوزارة والاشراف على تنفيذها بعد اقرارها، والاشراف على سير العمل في وزارته، وتنفيذ الموازنة العامة ضمن الاعتمادات المقررة واعداد مشروعات القوانين الخاصة بوزارته وتفديمها لمجلس الوزراء، وله تفويض بعض سلطاته في حدود القانون. وعلى كل وزير أن يقدم تقارير عن وزارته لمجلس الوزراء بشكل دوري منتظم كل ثلاثة أشهر بحيث يكون مجلس الوزراء على اطلاع واف بسياسات كل وزارة ونشاطاتها. وليس في هذا الفسم الخاص بمجلس الوزراء ما يفرض على رئيس مجلس الوزراء تقديم تقارير عن نشاطات المجلس وسياساته لرئيس السلطة الوطنية، وهذا الوضع من شأنه أن يخلق فجوة بين رئيس السلطة الوطنية ومجلس الوزراء لا تخدم المصلحة العامة، وقد يضطر الرئيس الى الاعتماد على مصادر أخرى أو ثانوية للتعرف غلى ما تجريه الحكومة أو يقرره رئيس الوزراء مما قد يكون محل اعتراض من جانب رئيس السلطة الوطنية ويجعل تدخله متأخرا وربما عديم الأثر، وهذا ليس هو الوضع الأسلم في العلاقة بين السلطتين خاصة وأن الرئيس يملك سلطة اقالة رئيس الوزراء. ان التعاون بين الجهتين من أجل المصلحة العامة كان يقتضي النص على ترتيبات لهذه العلاقة تقلل من فرص الاحتكاك والاختلاف. ويبدو أن الأجواء التي فرضت خلق منصب رئيس الوزراء والرغبة الخارجية في فرض نوع من العزلة على الرئيس عرفات قد ساهمت في اغفال نص من هذا القبيل. وهذه هي المشكلة المزمنة التي تواجه المشرع عندما يترك ظرفا عابرا يتحكم في نصوص تتصف بشبه الديمومة.

جلسات مجلس الوزراء: (المادة 73) تعقد جلسات مجلس الوزراء بصورة دورية اسبوعيا وعند الضرورة بدعوة من رئيس مجلس الوزراء. ثم نصت هذه المادة على أنه لا يجوز لغير الوزراء حضور هذه الجلسات الا بناء على دعوة مسبقة من رئيس الوزراء. وهذا النص الذي هو من باب التزيد، يبدو أن القصد منه هو منع رئيس السلطة الوطنية من حضور هذه الجلسات الا اذا كانت الدعوة قد وجهت اليه مسبقا. ولموازنة هذا الأمر جاء النص الذي يخول الرئيس حق طلب انعقاد مجلس الوزراء، وفي هذه الحالة فاننا لا نرى أن يتطلب حضور الرئيس دعو مسبقة من رئيس مجلس الوزراء، خاصة وأن المادة 45 التي نصت على حق الرئيس في طلب الاجتماع جاءت مطلقة حيث نصت على”وله (أي لرئيس السلطة الوطنية) أن يطلب من رئيس مجلس الوزراء دعوة مجلس الوزراء للانعقاد” دون أن تشترط ابداء أسباب لذلك. وفي هذه الحالة لا يعقل أن ينعقد المجلس ولا يحضره من طلب انعقاده لابداء أسبابه.

مسئولية رئيس الوزراء والوزراء: (المواد 74-76) كان القانون الأساسي في نصه الأصلي يجعل الوزراء مسئولين أمام رئيس السلطة الوطنية، ومجلس الوزراء مسئولا مسئولية تضامنية أمام المجلس التشريعي. أما بعد التعديل فقد أصبح رئيس الوزراء مسئولا أمام رئيس السلطة الوطنية في حين أن الوزراء مسئولون أمام رئيس مجلس الوزراء، ورئيس الوزراء والوزراء مسئولون مسئولية فردية وتضامنية أمام المجلس التشريعي. وكان من حق رئيس السلطة الوطنية احالة أي وزير للتحقيق فيما قد ينسب اليه من جرائم أثناء تأدية أعمال وظيفته أو بسببها ، فعدل الوضع بحيث انحصر حق الرئيس في احالة رئيس الوزراء للتحقيق في هذه الحالات، في حين أعطي حق الاحالة لرئيس الوزراء فيما يتعلق بالوزراء، وأضيفت عبارة “وفقا لأحكام القانون” في الحالتين، وهذا النص يقتضي استكمال الأحكام هذه بتشريع لاحق. وفور صدور قرار الاتهام يوقف الوزير عن عمله، دون أن يحول انتهاء الخدمة دون الاستمرار في التحقيق والمتابعة. ويتولى التحقيق النائب العام أو من يمثله، وتتم المحاكمة أمام المحكمة المختصة وتتبع في هذا الشأن الأحكام المقررةفي قانوني العقوبات والاجراءات الجزائية. ونص على أن الأحكام السابقة تسري على نواب الوزراء ووكلاء الوزارات ومن في حكمهم، دون أن يحدد النص من يملك الاحالة للتحقيق. فهل يختص بذلك كل وزير في وزارته أم ان رئيس الوزراء هو الذي يتولى الاحالة. والأقرب للمعقول أن يكون الاختصاص لكل وزير في وزارته. ويلاحظ أن المحاكمة تجري أمام “المحكمة المختصة” وأن الأحكام التي تتبع هي تلك الواردة في قانوني العقوبات والاجراءات الجزائية. ومؤدى هذا أن المحاكمة تجري أمام المحاكم النظامية العادية وليس أمام محكمة خاصة تشكل لهذا الغرض، الا اذا جاء التشريع المشار اليه، وهذا ما لا نرجوه، عاقدا الاختصاص لمحكمة خاصة ينشؤها. أن الوضع الذي ينسجم مع المادة 9 من القانون الأساسي التي تنص على أن الفلسطينيين سواء أمام القانون والقضاء هو أن يحاكم الوزراء أمام المحاكم النظامية المعتادة حيث أن الجرائم التي يجب أن تنسب اليهم هي جرائم يجب أن تكون قد نص عليها قانون العقوبات، فيكونون في هذا الخصوص شأنهم شأن بقية المواطنين الذين تنسب اليهم مخالفات لهذا القانون. واذا سار المشرع الفلسطيني في هذا الاتجاه، وهو ما تدل النصوص عليه، فانه يكون قد حقق تطويرا مهما في النصوص الدستورية العربية. غير أن المشكلة التي لم يواجهها هذا النص هي أن قرار الاحالة يبقى قرارا سياسيا، وقد رأينا أن الرئيس عرفات لم يحل للتحقيق وزراء تعرض لهم تقرير الرقابة الادارية والمالية استعمالا لحقه في ذلك بموجب قانون الرقابة الادارية والمالية، الأمر الذي أدى الى أزمة بين الرئيس والمجلس التشريعي وأثار سخط الشارع الفلسطيني وترك الموضوع دون حسم مرض. ولعل المشرع الفلسطيني يكمل المشوار عند وضع الدستور الدائم فيعامل رئيس مجلس الوزراء والوزراء معاملة المواطنين من حيث أن تتولى النيابة العامة مهمتها القانونية عند وقوع جريمة دون أن يتطلب ذلك احالة من جهة سياسية، فيكون علم النيابة باحتمال ارتكاب جريمة كافيا لكي تباشر اجراءات التحقيق على الوجه المقرر قانونا.

حجب الثقة عن الحكومة: (المواد 77-79) كان القانون الأساسي قبل التعديل يعطي لرئيس السلطة الوطنية الحق في أن يطرح الثقة بالوزارة أو بأحد الوزراء أو بعضهم أمام المجلس التشريعي، فألغي هذا الحق في التعديل، ولم ينص على حق رئيس الوزراء في ذلك. ونرى أن عدم النص لا يمنع رئيس الوزراء من عرض الثقة بالحكومة أو أي وزير من الوزراء اذا طرأ ما يستدعي ذلك.فالأصل هو أن تكون الحكومة وكل وزير من الوزراء متمتعا بثقة المجلس ويجوز التأكد من هذا الوضع في أي وقت تثار فيه شبهات أو تساؤلات. واحتفظ التعديل بحق المجلس التشريعي في حجب الثقة بناء على طلب عشرة من أعضائه ورسم الاجراءات لذلك واكتفى بالأغلبية المطلقة لاعضاء المجلس التشريعي. ولكي لا يحدث فراغ في حالة حجب الثقة فقد نص على استمرار الحكومة في ادارة الأمور بالقدر الضروري الى أن تشكل حكومة جديدة. وأضاف التعديل مادة جديدة تتعلق بتشكيل الوزارة بعد حجب الثقة عنها وتعيين وزير بديل لمن حجبت الثقة عنه بحيث يتولى رئيس السلطة الوطنية أو رئيس مجلس الوزراء معالجة الموضوع، كل حسب اختصاصه.

الذمة المالية لاعضاء مجلس الوزراء: (المادة 80) وكما اشترط القانون الأساسي قبل التعديل وبعده على أعضاء المجلس التشريعي أن يقدموا اقرارا بذمتهم المالية عن أنفسهم وزوجاتهم وأبنائهم القصر، فقد اشترط على رئيس مجلس الوزراء والوزراء ذلك أيضا، وفي الحالتين فان الاقرار يودع لدى المحكمة العليا ولا يجوز الاطلاع عليه الا بقرار من المحكمة. وبالاضافة الى الاقرار المالي فقد حظرت المادة ذاتها على رئيس الوزراء وأي من الوزراء أن يشتري أو يستأجر شيئا من أملاك الدولة أو أن تكون له مصلحة مالية في أي عقد من العقود التي تبرمها الجهات الحكومية أو الادارية، وحظرت كذلك النشاطات التجارية والمهنية وتقاضي الرواتب والمكافآت والمنح من أي شخص آخر وبأي صفة كانت غير الراتب الواحد المحدد للوزير ومخصصاته.. وهذه المخصصات تحدد بقانون (المادة 81). ومما يسترعي الانتباه أنه لا توجد نصوص مماثلة خاصة برئيس السلطة الوطنية لا في أصل القانون الأساسي ولا في التعديل، ونرى تدارك هذا الوضع عند اعداد الدستور الدائم أو تعديل القانون الأساسي لمعالجته.

بعد بحث المخصصات جاءت مادة هي 82 خاصة بالشروط التي يجب أن تتوفر فيمن يعين رئيسا للوزراء أو وزيرا فاشترطت أن يكون فلسطينيا متمتعا بكامل حقوقه المدنية والسياسية، وكان الأولى بهذ المادة، من حيث الصياغة، أن تأتي في أوائل القسم الخاص بالسلطة التنفيذية. وقد يتساءل البعض عن سبب عدم ايراد شروط كهذه فيما يتعلق برئيس السلطة الوطنية والمجلس التشريعي. والسبب في ذلك هو أن رئيس السلطة وأعضاء المجلس التشريعي يأتون عن طريق الانتخاب المباشر، وقانون الانتخابات تكفل بالشروط، أما رئيس مجلس الوزراء والوزراء فيأتون بالتعيين، ولذا اقتضى الأمر وضع الشروط.

ثم جاءت مادة جديدة هي المادة 83، وهي مادة أضيفت في التعديل، لتنص على الحالات التي تعتبر فيها الحكومة مستقيلة بحكم االقانون، وهذه الحالات هي: (1) فور بدء ولاية المجلس التشريعي، (2) بعد حجب الثقة عن رئيس االوزراء أو عنه وعن حكومته أو عن ثلث عدد الوزراء على الأقل، (3) أية اضافة أو تغيير أو شغور أو اقالة تشمل ثلث عدد أعضاء مجلس الوزراء عل الأقل، (4) وفاة رئيس الوزراء، (5) استقالة رئيس الوزراء أو استقالة ثلث عدد أعضاء مجلس الوزراء على الأقل، (6) اقالة رئيس الوزراء من قبل رئيس السلطة الوطنية.

قوات الأمن والشرطة: ألمادة( 84) لم يطرأ تعديل على هذا الموضوع، ونصت المادة على أن قوات الأمن والشرطة قوة نظامية، وهي القوة المسلحة في البلاد، وتنحصر وظيفتها في الدفاع عن الوطن ، وخدمة الشعب، وحماية المجتمع، والسهر على حفظ الأمن والنظام العام والآداب العامة، وتؤدي واجبها في الحدود التي رسمها القانون في احترام كامل للحقوق والحريات. وتنظم بقانون. ولقد مرت فترة كانت فيها قوات الأمن مصدر انتقاد شديد من جانب الشعب الفلسطيني لتجاوزها للقانون وعدم احترام أحكام القضاء ، ولعل صدور القانون الأساسي وما سبقه من سخط شعبي يؤديان الى ضبط الأوضاع. بحيث يتحقق الأمل في أن تمارس واجباتها في الحدود التي رسمها القانون في احترام كامل للحقوق والحريات. ومع الأسف فان قوات الأمن الفلسطينية قد تدربت في معظمها في الأقطار العربية، مع أننا اعترضنا على ذلك، فتأقلمت بعقلية التسلط وعدم الاكتراث بالحقوق والحريات مع أنه من المفروض أنها لم تأت الا من أجل حماية الحقوق والحريات. والسؤال الذي يبدو أنه ظل معلقا هو التبعية الدستورية لهذه القوات، فهل هي تتبع رئيس السلطة الوطنية بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة الفلسطينية حيث أن قوات الأمن هي القوات المسلحة الوحيدة في البلاد، أم أنها تعتبر مجرد شرطة تتبع لوزير الداخلية. ويبدو أن المسألة حسمت عمليا في الوقت الراهن على الأقل لصالح وزير الداخلية، مع أن الاشارة الى أنها “هي القوة المسلحة في البلاد” توحي بأن التبعية تكون للرئيس بصفته، وفقا للنظام الاساسي، القائد الأعلى للقوات الفلسطينية.

الادارة المحلية: (المادة 85) لم يعدل النص، وبمقتضاه تنظم البلاد بقانون في وحدات ادارية محلية تتمتع بالشخصية الاعتبارية ولها مجالس محلية منتخبة انتخابا مباشرا، وبالفعل جرت انتخابات اتسمت بالشفافية والنزاهة، ويحدد القانون اختصاصاتها، ومواردها المالية، وعلاقتها بالسلطة المركزية، ودورها في اعداد خطة التنمية وتنفيذها. ان مشاركة الادارات المحلية في وضع خطط التنمية وتنفيذهاهو المنهج الجديد في هذا الشأن وله مزاياه المهمة.

الادارة العامة: (المادة 86-87) عدل النص ليصبح مادتين بدلا من مادة واحدة فاشترط في المادة الأولى أن يكون التعيين وفقا للقانون، وهذا ما لم يكن معمولا به، ونص في المادة الثانية على تنظيم الخدمة المدنية بقانون، وألزم ديوان الموظفين بالعمل على الارتقاء بالخدمة المدنية.

المالية العامة: (المواد 88-96) لم يطرأ عليها تعديل. فنصت المادة 88 على أن فرض الضرائب العامة والرسوم والغاءها لا يكون الا بقانون، ولا يعفى أحد من ادائها كلها أو بعضها في غير الأحوال المبينة في القانون، ونصت المادة 89 على أن يبين القانون الأحكام الخاصة بتحصيل الأموال العامة وباجراءات صرفها. والمادة 90 نصت على أن تحديد بداية السنة المالية ونهايتها وتنظيم الموازنة العامة يكون بقانون، واشترطت المادة 91 على أن يؤدى للخزينة العامة جميع ما يقبض من ايرادات، ومهما كان مصدرها، وأن لا ينفق منها لأي غرض مهما كان نوعه الا وفق ما يقرره القانون، والمأمول أن تمسك الرقابة المالية بالالتزام بهذا النص لتفادي التجاوزات التي شابت الماضي. ويجوز تكوين احتياطي للطوارئ. أما المادة 92 فنصت على أن تعقد القروض العامة بقانون، وعلى أنه لا يجوز الارتباط بأي مشروع يترتب عليه انفاق مبالغ من الخزينة العامة لفترة مقبلة الا بموافقة المجلس التشريعي. أما سلطة النقد والمصارف وسوق الأوراق المالية وشركات الصرافة والتأمين وسائر المؤسسات المالية والائتمانية فينظمها القانون ، كما أن محافظ سلطة النقد يعين بقرار من رئيس السلطة الوطنية ويصدق على تعيينه المجلس التشريعي.(م 93). ويلاحظ أن هذا استثناء بالنص من اختصاص مجلس الوزراء بتعيين رؤساء السلطات العامة. وتعرضت المادة 94 لاستغلال موارد الثروة الطبيعية والمرافق العامة والتصرف في العقارات المملوكة للدولة فنصت على أن يحدد القانون القواعد والاجراءات الخاصة بذلك. ونصت المادة 95 على أن القانون يحدد قواعد منح المرتبات والمعاشات والتعويضات والاعانات والمكافآت التي تتقرر على الخزينة العامة، وحظرت صرف اية مبالغ استثنائية الا في الحدود المعينة قانونا. والمادة الأخيرة في هذا القسم هي المادة 96 التي نصت على أن يتم بقانون انشاء ديوان للرقابة المالية والادارية، على أن يقدم تقريره لكل من رئيس السلطة الوطنية وللمجلس التشريعي. أما رئيسه فيعين بقرار من رئيس السلطة الوطنية وبمصادقة المجلس التشريعي. ويلاحظ أن النص لا يتطلب تقديم التقرير لرئيس مجلس الوزراء، كما أن مجلس الوزراء لا يتدخل بشكل مباشر في تعيين رئيس الديوان، وهذا موقف سليم حيث أن مهمة الديوان هي مراقبة السلطة التنفيذية أي الحكومة. ولكي يكون لهذا النص أسنان كان يحسن أن يخول رئيس ديوان الرقابة المالية والادارية الحق في احالة ما يتراءى له من مخالفات الى النيابة العامة للتحقيق فيها ومتابعة الاجراءات القانونية.

الباب السادس: السطة القضائية: المواد 97-109)

السلطة القضائية: (المواد 97-106) لم يطرأ تعديل على نصوص هذه المواد. المادة 97 نصت على استقلال السلطة القضائية وعلى أن هذه السلطة تتولاها المحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها، وعلى أن القانون يحدد طريقة تشكيل المحاكم واختصاصاتها وأن الاحكام تصدر وفقا للقانون وباسم الشعب العربي الفلسطيني. ونصت المادة 98 على أن القضاة مستقلون لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون، ولا يجوز لأي سلطة التدخل في القضاء أو في شئون العدالة. وكان الأفضل لو حظر التدخل ليس فقط على “السلطة” بل “أية جهة كانت”، خاصة وأن رئيس السلطة الوطنية لم يعتبر جزءا من السلطة التنفيذية وفقا للتعديل، وكان كذلك قبل التعديل. وجاءت المادة 99 فنصت على أن تعيين القضاة ونقلهم وانتدابهم وترقيتهم ومساءلتهم يكون بالكيفية التي يقررها قانون السلطة القضائية، وأن القضاة غير قابلين للعزل الا في الأحوال التي يجيزها قانون السلطة القضائية. هذا نص مألوف في الدساتير العربية، وفي رأينا أن الاحتكام الى قانون السلطة القضائية لا يؤمن استقلال القضاء ولا يحصنهم من عزل يأخذ أشكالا مختلفة، والنص على عدم القابلية للعزل لا يكفي ما دام خاضعا لقانون قابل للتعديل. ونرى أن ينص دستوريا على الأحوال التي يجوز فيها عزل القضاة بحيث يحصن الدستور نفسه هذا الأمر. ونصت المادة 100 على انشاء مجلس أعلى للقضاء وعلى أن القانون يبين طريقة تشكيله واختصاصاته وقواعد سير العمل فيه، ويؤخذ رأيه في مشروعات القوانين التي تنظم أي شأن من شئون السلطة القضائية، بما في ذلك النيابة العامة. وهذا أيضا نص مألوف في الدساتير العربية، ولكنه لا يؤمن شئيا لمجلس القضاء الأعلى لا من حيث تكوينه ولا من حيث اختصاصاته ولا من حيث استقلاليته، لأن ذلك كله ترك لقانون غير مأمون النصوص في أجواء لم يستقر فيها بعد الحرص على استقلال القضاء. فنحن نرى أن رئيس الدولة أو وزير العدل أو من يمثله قد نص عليه في قوانين بعض الدول العربية ليكون رئيسا لمجلس القضاء الأعلى، وبذا تتدخل السلطة التنفيذية بشكل مباشر في قرارات المجلس . السلطة القضائية هي سلطة من سلطات الدولة، واخضاعها في كل شأن من شئونها الذي يمس استقلالها لسلطة أخرى هي التشريعية التي تسن القوانين، وللسلطة التنفيذية التي تتقدم عادة بمشاريع هذه القوانين، فيه اعتداء على السلطة القضائية. وفي رأينا أن الدستور نفسه يجب أن ينص على الأشخاص الذين يتكون منهم مجلس القضاء الأعلى وعلى اختصاصاته على أن يكونوا جميعا من رجال القضاء من منطلق ضمان استقلال القضاء، لتحصين المجلس والاختصاصات جميعا. ونصت المادة 101 على أن المسائل الشرعية والأحوال الشخصية تتولاها المحاكم الشرعية والدينية وفقا للقانون ، كما نصت على أن تنشأ المحاكم العسكرية بقوانين خاصة وأنه لا اختصاص لهذه المحاكم أو ولاية خارج الشأن العسكري. وهذا قيد دستوري محمود. والمحاكم العسكرية غير محاكم أمن الدولة، وسار القانون الأساسي على نهج المسودة الرابعة التي تجنبت عن عمد ادراج نص يتيح فرصة انشاء محاكم أمن الدولة.ونصت المادة 102 على جواز انشاء محاكم ادارية، وجاء هذا النص بصيغة الجواز لأن محكمة العدل العليا في فلسطين تمارس قضاء اداريا، واحتفظت لها المادة 104 بهذا الاختصاص وأضافت له الاختصاص الدستوري المنصوص عليه في المادة 103 الى أن تشكل المحكمة الدستورية المنصوص عليها في هذه المادة 103. ذلك أن هذه المادة نصت على أن تشكل بقانون محكمة دستورية عليا وحددت اختصاصات هذه المحكمة في النظر في دستورية القوانين واللوائح والنظم وغيرها، وتفسير نصوص القانون الأساسي والتشريعات، والفصل في تنازع الاختصاص بين الجهات القضائية وبين الجهات الادارية ذات الاختصاص القضائي. وكنا نفضل أن يترك تفسير التشريعات للاجراءات القضائية المعتادة التي تثير مشاكل محددة تكون محل دراسة ومرافعة من أصحاب المصلحة، فتتضح الجوانب والآراء المختلفة وتطرح لنظر محكمة الموضوع على اختلاف درجاتها، فيتعمق بذلك النظر فيها. وهل النص على اختصاص تفسير القوانين يحصر هذا الاختصاص في المحكمة الدستورية، في حين أن تفسير القوانين هو عمل يومي للمحاكم على اختلاف أنواعها ودرجاتها فهل سيكون عليها احالة ما يطرح عليها في هذا الشأن للمحكمة الدستورية؟ انني لا أعتقد أن هذا هو المقصود، وربما يكون المقصود هو أخذ رأيها الاستشاري ربما من قبل الحكومة أو المجلس التشريعي أو كليهما. على كل حال يحسن توضيح هذا الموضوع تشريعيا في قانون المحكمة الدستورية عند صدوره . ونصت المادة 105 على مبدأ علنية الجلسات، ما لم تقرر المحكمة غير ذلك، مراعاة للنظام العام أو الآداب، على أن يكون النطق بالحكم في جميع الأحوال في جلسة علنية. ثم جاءت المادة 106 لتنص على أن الأحكام القضائية واجبة التنفيذ والامتناع عن تنفيذها أو تعطيله على أي نحو جريمة يعاقب عليها بالحبس والعزل من الوظيفة اذا كان المتهم موظفا عاما أو مكلفا بخدمة عامة، وللمحكوم له الحق في رفع الدعوى مباشرة الى المحكمة المختصة وتضمن السلطة الوطنية تعويضا كاملا له. هذه مادة في غاية الأهمية بالنسبة لتنفيذ الأحكام، وتكتسب أهمية خاصة في الوضع الفلسطيني بسبب تعطيل سلطات الأمن في بعض الأحيان تنفيذ أحكام المحكمة العليا بالافراج عن من كانوا يعتقلون بالمخالفة للقانون. وفي جميع الأحوال فهي تضع السلطة التنفيذية تحت الاختبار في مدى احترامها لاستقلال القضاء وخضوعها لسيادة القانون وفقا للمادة 6 من القانون الأساسي.

النيابة العامة: (المواد 107-109) نصت المادة 107 بعد التعديل على أن النائب العام يعين بقرار من رئيس السلطة الوطنية بناء على تنسيب من المجلس الأعلى للقضاء وبمصادقة المجلس التشريعي. وكان النص قبل التعديل لا يتطلب هذه المصادقة. وكان تعيين النائب العام موضع شد وجذب بين رئيس السلطة الوطنية والمجلس التشريعي أثناء النظر في القانون الأساسي، وكانت الشكوى قد عمت من تصرفات النائب العام الذي انفرد الرئيس بتعيينه، فاقترحتنا حينئذ حلا وسطا وهو أن يكون التعيين بمصادقة المجلس، واعترض الرئيس على ذلك، وجاء الحل الوسط في القانون الأساسي، فبل التعديل، بأن يكون هناك على الأقل تنسيب من المجلس الأعلى للقضاء. واستغل المجلس التشريعي فرصة التعديل ليضيف شرطه القديم، وهو الحصول أيضا على مصادقة المجلس التشريعي على التعيين. وهكذا ضيقت الدائرة على الرئيس في اختيار النائب العام من جهتين: نقطة البداية وهي التنسيب من المجلس الأعلى للقضاء، ونقطة النهاية وهي مصادقة المجلس التشريعي. . ونتوقع استكمالا لهذا الوضع أن ينص قانون النيابة العامة على حصانات من العزل والنقل والاحالة على التقاعد. وجاءت المادة 108 لتنص على أن تنظيم النيابة العامة يكون بقانون وكذلك يكون تعيينهم ونقلهم وعزلهم ومساءلتهم. واختتم هذا الباب بالمادة 109 لتشترط عدم تنفيذ حكم الاعدام الا بعد التصديق عليه من رئيس السلطة الوطنية. فلا توجد احالة للأوراق الى المفتي كخطوة اضافية، فالمفتي، على أي حال، ليس جزءا من السلطة القضائية ولم يعترف له بموقع دستوري محدد في القانون الأساسي (أو في الدساتير العربية التي اقتضت احالة الأوراق اليه) كما أن أحكام الاعدام تصدرها محاكم نظامية وفقا لقانون العقوبات، والمفتي لا دخل له في تطبيق هذا القانون. ونلاحظ أن القانون الأساسي لم يلغ عقوبة الاعدام، ولم ينص عليها وانما تركها للقوانين.

الباب السابع: أحكام حالة الطوارئ: (المواد 110-114) في جميع مراحل اعداد مسودة القانون الاساسي تعمدنا عدم ادراج أحكام خاصة بحالة الطوارئ، خاصة في المرحلة الانتقالية، لأن الشعب الفلسطيني عانى كثيرا من هذه الأحكام أيام الانتداب البريطاني ثم من الاحتلال الاسرائيلي وتجاوزات السلطة الوطنية، وكذلك فان استعمال دول عربية لهذه الرخصة الدستورية دون تقيد دقيق بضوابطها هو في حد ذاته سابقة معاشة تغري بالاعتماد عليها ومجاراتها من جانب السلطة الوطنية الفلسطينية. غير أن المجلس التشريعي رأى اضافة هذا الباب، وهو محق في ذلك من حيث المبدأ، ولم تمس أحكامه بالتعديلات التي ادخلت فيما بعد. حصرت المادة 110 الحالات التي تجيز اعلان حالة الطوارئ بأنها وجود تهديد للأمن القومي بسبب حرب أو غزو أو عصيان مسلح أو حدوث كارثة طبيعية. في هذه الحالة يجوز اعلان حالة الطوارئ بمرسوم من رئيس السلطة الوطنية لمدة لا تزيد على ثلاثين يوما، وأجازت هذه المادة تمديد حالة الطوارئ لمدة ثلاثين يوما أخرى بعد موافقة المجلس التشريعي بأغلبية ثلثي أعضائه. ويبدو من هذا النص أن أقصى مدة لحالة الطوارئ هي ستون يوما في حين أن الحالات التي تجيز اعلانها قد تدوم لمدة أطول. ولذا فان التفسير الأسلم هو ألا يتجاوز التمديد ثلاثين يوما في كل مرة بحيث يكون الأمر تحت المراجعة المستمرة للمجلس التشريعي منعا لاساءة الاستعمال.. واشترطت هذه المادة أن ينص المرسوم بوضوح على الهدف من الاعلان والمنطقة التي يشملها والفترة الزمنية المقررة لاستمرار حالة الطوارئ. وتعطي المادة الحق للمجلس التشريعي في مراجعة الاجراءات والتدابير التي اتخذت وذلك في أول اجتماع يعقده عقب اعلان حالة الطوارئ أو في جلسة التمديد واجراء الاستجواب اللازم بشأنها. أما وضع الحقوق والحريات الأساسية أثناء حالة الطوارئ فقد نصت المادة 111 على أنه لا يجوز فرض قيود عليها الا بالقدر الضروري لتحقيق الهدف المعلن في مرسوم اعلان حالة الطوارئ. ونصت المادة 112 على المتطلبات الدنيا التي يجب أن تتوفر في حالة الاعتقال ، فاشترطت أن يراجع النائب العام أو المحكمة المختصة التوقيف خلال مدة زمنية لا تتجاوز خمسة عشر يوما من تاريخ التوقيف، كما أعطت الموقوف الحق في تعيين محام يختاره. وحظرت المادة 113 حل المجلس التشريعي أو تعطيله أو تعليق هذا الباب خلال فترة حالة الطوارئ. وجاءت المادة 114 لتنص على الغاء جميع الأحكام التي تنظم حلات الطوارئ المعمول بها في فلسطين قبل نفاذ القانون الأساسي بما في ذلك أنظمة الدفاع المدني (الطوارئ) الانتدابية لعام 1945.

الباب الثامن أحكام عامة وانتقالية. (المواد 115-121) لم يطرأ تعديل على أحكام هذا الباب الا بالقدر اللازم لوضع التعديلات موضع التنفيذ. نصت المادة 115 على الفترة الزمنية التي يسري فيها القانون الأساسي فحددتها بالمرحلة الانتقالية ثم نصت على أنه “يمكن تمديد العمل به االى حين دخول الدستور الجديد للدولة الفلسطينية حيز التفيذ”. والتفسير الدقيق لهذا النص أن التمديد لا يكون تلقائيا وبحكم القانون، ولكن حيث أن مدة المرحلة الانتقالية المنصوص عليها في اعلان المبادئ قد انتهت فعلا قبل اصدار القانون الأساسي، فانه يصح القول بأن عملية التمديد قد حصلت بصدور القانون الأساسي بعد انقضاء المرحلة الانتقالية. ولقد كان من الأفضل، وقد حانت الفرصة عند التعديل، لو اقتضى النص الاستمرار بالعمل بالقانون الأساسي الى أن يصدر الدستور متجاوزا بذلك كل ما يثار من نقاش حول الفترة الانتقالية، حيث أن واقع الحال يفرض الاستمرار بالعمل به الى أن يوضع دستور موضع التنفيذ. ونصت المادة 116 على أن القوانين تصدر باسم الشعب العربي الفلسطيني، وكان الأسلم أن تصدر باسم الشعب الفلسطيني لتشمل الشعب كله عربا وغير عرب، وتنشر في الجريدة الرسمية فور صدورها ويعمل بها بعد ثلاثين يوما من نشرها ما لم ينص القانون على خلاف ذلك. وجاءت المادة 117 لتنص على عدم رجعية القوانين، مع جواز النص على ذلك الا في حالة المواد الجزائية. وأبقت المادة 118 التشريعات المعمول بها في فلسطين سارية ما لم تتعارض وأحكام هذا القانون الأساسي الى أن تعدل أو تلغى وفقا للقانون. وألغت المادة 119 كل ما يتعارض وأحكام هذا القانون الأساسي المعدل، وهذا الالغاء يشمل بطبيعة الحال أحكام القانون الأساسي التي أصبحت تتعارض مع النص المعدل. أما تعديل القانون الأساسي فنصت المادة 120 على أن ذلك يتطلب موافقة أغلبية ثلثي أعضاء المجلس التشريعي. واختتمت المادة 121 الموضوع بالنص على نشر القانون الأساسي المعدل في الجريدة الرسمية وعلى العمل به من تاريخ نشره.

خاتمة

أن التجربة الفلسطينية في وضع نظام دستوري جديرة بالدراسة والتأمل. فهي أولا تمثل الصراع التقليدي بين سلطة تنفيذية تحرص على تركيز السلطة في يدها، والحيلولة دون وضع ضوابط على ممارستها لهذه السلطة، ولذا فهي تحاول اجهاض المحاولات الدستورية الجادة التي لا تقرر هي أحكامها وتأبى أن تكون معدة وفقا لمواصفاتها، وبين توجهات مستقلة موضوعية تتناسى شخص القابض على السلطة وتسعى لوضع نظام يؤمن للشعب حقوقه وحرياته ومساءلة الحاكم ع أفعاله واتاحة الفرصة الحقيقية لتداول السلطة بشكل سلمي يكون للشعب رأي حقيقي فيه. ودلت هذه التجربة على أنه يمكن الاعتماد على الشعب والقوى الشعبية في مناصرة الاتجاه الأسلم اذا أشرك الشعب وقواه في العملية بصورة جادة تعبر عن مصداقية العملية التشاورية. وقد أثمرت تجربة وضع القانون الأساسي التشاورية التي كانت تستجيب للنقد والمراجعة بقلب وعقل مفتوحين أن الشعب مستعد للمساهمة الايجابية، وكان من نتيجة ذلك أن المجلس التشريعي كان وراءه رأي عام يسانده وأن المجلس نفسه قد تقوى بالمشاورات السابقة وما انتجته من رأي عام مساند. وعندما عمدت السلطة لوضع دستور تجنبا لاصدار القانون الأساسي وجدت نفسها أمام تجربة سابقة في التشاور والمشاركة الشعبية بحيث اضطرت اللجنة التي كلفت بوضع مسودة الدستور لاتباع اجراءات في التشاور والطرح شبيهة بتلك التي اتبعت عند اعداد القانون الأساسي ولم تستطع أن تسير على نمط الدساتير العربية من مجرد الاعداد ثم العرض على الاستفتاء. ثم ان عملية توزيع الاختصاصات بين رئيس الدولة ورئيس لوزراء أمر في غاية الأهمية، اذ الملاحظ في معظم الدول العربية أن رئيس الدولة هو الذي يتخذ القرارات الهامة بل ويجري المفاوضات دون مشاركة من رئيس الوزراء أو وزير الخارجية، ورئيس الدولة بعيد عن المساءلة أو المحاسبة، بل ويكفي أحيانا أن يقال ان هذه هي ارادة الرئيس أو توجيهاته وتنفذ المجالس النيابية هذه التوجيهات دون مناقشة، فيصبح الأمر كله قرارا فرديا يعتدي على المؤسسات الدستورية، برضاها مع الأسف. ويستفاد من التجربة الفلسطينية أن المجالس التشريعية قادرة على الصمود وعلى فرض الموقف السليم في الكثير من الأحيان. ولو أن المجالس النيابية في غالبية الدول العربية تقوم بواجبها الحقيقي الذي تنتخب من أجله لكان لها دور رئيسي في دعم المؤسسات الدستورية وفي اتخاذ القرار. ترى لو أن مجلس الشعب العراقي قام بواجبه من الرقابة والمساءلة أكانت تصل الأمور في العراق الى ما وصلت ايه؟ سؤال يجب أن تطرحه على نفسها المجالس النيابية في شتى الاقطار العربية.

1-محام ومستشار قانوني والرئيس الأسبق للجنة القانونية في المجلس الوطني

الفلسطيني

2- Anis F. Kassin, Legal Systems and Developments in Palestine, 1 Palestine Yearbook of International Law p 19 (1984)

3-Henry Cattan, The Palestine Question, pp 7-8 (1988)

4- في عام 1896 كان يمثل القدس يوسف ضيا باشا الخالدي. وفي انتخابات 1908 كان الممثلون هم: روحي الخالدي عن القدس، سعيد الحسيني عن القدس، وحافظ السعيد عن يافا، والشيخ أحمد الخماش عن نابلس، والشيخ أسعد الشقيري عن عكا. وفي انتخابات 1912 كان روحي الخالدي عن القدس، وعثمان النشاشيبي عن القدس، وأحمد عارف الحسيني عن غزة، وحيدر طوقان عن نابلس، والشيخ أسعد الشقيري عن عكا. وفي عام 1914 كان راغب النشاشيبي عن القدس، ووسعيد الحسيني عن القدس، وفيضي العلمي عن القدس، وتوفيق حماد عن نابلس، وأمين عبد الهادي عن نابلس، وعبد الفتاح السعدي عن عكا… Encyclopedia of the Problem of Palestine, by Issa Nakhleh, International Books, New York, N.Y. Volume I (1991) page 24.

5- كثيرا ما تثير اسرائيل في دعايتها أن الفلسطينيين لم يحكموا أنفسهم في أي عصر من العصور، ولذا فانه لم يكن لهم كيان سياسي في أي يوم من الأيام بحيث يكونون شخصا من أشخاص القانون الدولي يمارس السيادة على أرضه. ومع الأسف فان هذا الادعاء كثيرا ما يمر دون رد، ويصبح بالتالي مقبولا لمن لا يدققون في الأمور. كان الفلسطينيون حتى قيام الانتداب البريطاني عام 1922، جزءاً من دولة كبرى هي الخلافة العثمانية. لم تكن فلسطين أرضا محتلة، وانما كانت جزءا من كيان سياسي يتمتع بالسيادة الكاملة، ومن المقرر في القانون الدولي أنه عندما تتجزأ دولة كبرى الى أجزاء فان السيادة على كل جزء تبقى في ابناء ذلك الجزء ممن كانوا مواطنين في الدولة الكبرى قبل تجزئتها. وبهذه الطريقة ولدت دول كثيرة ذات سيادة من امبراطوريات سابقة تجزأت لسبب من الاسباب. وأقرب الأمثلة ما كان من مصير مصر وسوريا بعد الانفصال. كانت هناك الجمهورية العربية المتحدة، وفقدت مصر وسوريا كيانهما الدولي المستقل ولم تعودا عضوين في الامم المتحدة، وأصبح هناك عضو واحد هو الجمهورية العربية المتحدة. وبعد أن حصل الانفصال تكون من جديد دولتان يمارس أبناء كل دولة السيادة على أرض محددة تستثني أرض الدولة الأخرى، واستردت كل دولة مقعدها في الامم المتحدة. ولم يقل أحد بأن الاندماج قد قضى على سيادة الشعبين السوري والمصري، بل انه وسع تلك السيادة، وعندما حصل الانفصال انفرد كل شعب بالسيادة على جزء من الدولة المنحلة. وبالنسبة لفلسطين، فانه عند انحلال الامبراطورية العثمانية، انحصرت سيادة الشعب الفلسطيني في فلسطين، كما انحصرت سيادة الاتراك في تركيا والعراقيين في العراق والسوريين في سوريا، بعد أن كانوا جميعا يمارسون السيادة في جميع اجزاء الامبراطورية العثمانية.

6- للتعرف على الوضع القانوني للبلدان التي وضعت تحت الانتدابن راجع عيسى نخلة، المصدر السابق، المجلد الثاني ص 913-915.

7-القضية الفلسطينية، تحليل ونقد، د. يوسف هيكل، مطبعة الفجر، يافا، (1937) ص 97.

8-الصهيونية، نقد وتحليلن د. سعدي بسيسو، المطبعة التجارية، القدس، (1945) ص 170.

9-بسيسو، المصدر السابق، ص 205 هامش رقم 2.

10-بسيسو المصدر السابق ص 171.

11-بسيسو. المصدر السابق ص 169.

12-انظر Palestine, The Arabs & Israel, Henry Cattan, Longmans, 1969, pp 18-24

13-انظر هنري كتنن المصدر السابق ص 25-30.

14- عن وضع العرب في اسرائيل، راجع The Arabs in Israel, Sabri Jiryis, Monthly Review Press New York and London (1976), The Arabs in Israel, Sabri Jiryis, The Institute for Palestine Studies, 1969, To be an Arab in Israel, Fouzi El-Asmar, The Institute for Palestine Studies, 1978, Israel & the Palestinians, ed. Davis& others, Ithaca Press, London, 1975, Israel and the Palestine Arabs, Don Peretz, The Middle East Institute, Washington, 1958.

15- وكانت الضفة تشكل جزءا من الأرض التي يفترض فيها أنها خاضعة لحكومة عموم فلسطين في ذلك الوقت، وضمها دليل مادي على أن الحكومات العربية في ذلك الوقت لم تكن حريصة على المحافظة على كيان فلسطيني له استقلاليته ووجوده القانوني، وهذا ما حاولت الادارة الصرية في القطاع الحفاظ عليه، في حين أنها لم تسمح لحكومة عموم فلسطين بممارسة أية سلطة في القطاع.

16- وكان لكاتب هذا البحث شرف رئاستها، انظر كتابنا عن المؤتمر “من التيه الى القدس”، طرابلس الغرب، 1965.

17-أقر المؤتمر، كخطوة استباقية، اعلان قيام المنظمة قبل انتهاء لجنة الميثاق والأنظمة من عملها وذلك تحسبا لتطورات خشي أن تؤدي الى عدم استكمال المؤتمر لنشاطه. ولحسن الحظ فان هذه االمخاوف لم تتجسد على أرض الواقع.

18-وقد عدل االميثاق فيما بعد في 10/7/1968 من قبل مجلس وطني سيطرت عليه المنظمات، ولم يُدْعَ اليه المستقلون، بالتركيز على الكفاح المسلح كالوسيلة الوحيدة لتحرير فلسطين، في حين أن الميثاق الأصلي نص على تحرير فلسطين بكافة الوسائل. النص الأصلي للميثاق نشر في كتابنا من التيه الى القدس، المشار اليه سابقا.

19-ونذكر للتاريخ أن الشقيري عندما قدم تقريره للرؤساء عن قيام منظمة التحرير طلب قرارا يتيح فرص اجراء انتخابات للمجلس الوطني، فأحاله الرؤساء للتفاوض مع كل دولة عربية على حدة، فلم توافق دولة واحدة على اجراء انتخابات بين الفلسطينيين المقيمين في أراضيها.

20-النص الكامل للبيان منشور في كتابنا من التيه الى القدس المشار اليه آنفا ص 241-243. إن اعادة قراءة ذلك البيان تثير آلاما في النفس عن مدى تخلف العمل العربي المعاصر قياسا بما كان يرجى له قبل اربعين عاما.

21-النص الكامل للميثاق في نصه الاصلي منشور في كتابنا “من التيه الى القدس” – دار النشر الليبية طرابلس 1965 ص 231 وما بعدها. كما أن اعلان قيام منظمة التحرير منشور في المرجع ذاته ص 230 وكذلك النظام الاساسي لمنظمة التحرير والنظام الاساسي للصندوق القومي الفلسطيني ص 235-240

22-وقد استقال كاتب هذا البحث من رئاسة اللجنة القانونية في المجلس الوطني عندما دعي المجلس لتعديل االميثاق احتجاجا على تلك الخطوة ولم يحضر الاجتماع. ولم تعرض هذه الاستقالة على االمجلس الوطني حسب الأصول، عند اجتماعه، حيث أن رئاسة اللجنة وتشكيلها كانت بقرار من المجلس نفسه. ونشر خبر الاستقالة في جريدة القدس العربي التي تصدر في لندن بتايخ 24 ابريل 1996.

23- وقد تأسست بالفعل لجان في معظم الأقطار العربية وعبرت بنشاطاتها الشعبية عن تواصل فاعل بين الجماهير العربية والقضية الفلسطينية، بيد أن الأنظمة العربية، تقليدبة وثورية، سارعت لوضع القيود والعراقيل امامها الى أن أجهضتها في أقطار عديدة.

24- أنظر بحثنا Declaration of the State of Palestine: Background and Considerations,The Palestine Yearbook of International Law, vol IV (1987-88) pp 314-225.

25-ولم يكن من السهل في منظمة التحرير اجراء هذا الفصل في بادئ الأمر، ومع ذلك، فقد استطاع المجلس فيما بعد فرض احترام النظام الأساسي والفصل بين رئاسة المجلس ورئاسة اللحنة التنفيذية.

26-اننا نشير الى هذه الواقعة لأن أبا عمار استمر مع الأسف في عرقلة وضع نظام أساسي ، كما يتضح من هذا البحث، الى أن أرغمته التطورات بعد سنوات من المراوغة على قبول ما لم يكن بد من قبوله.

27-انظر بحثنا: The Draft Basic Law of the Palestinian National Authority, The Palestine Yearbook of International Law, Vol Vii (1992/94) pp 171-211; and Professor Nathan Brown of George Washington University Constituting Palestine: The Efforts to Write a Basic Law for the Palestinian Authority, Middle East Journal, vol 54, No 1, Winter 2000

28- ليس هذا محل التعليق على اعلان المبادئ هذا. الا أنه يجب القول بأن هذا الاعلان لم يعرض على اللجنة القانونية للمجلس الوطني وانما جرت المفاوضات في سرية تامة والوفد الرسمي المفاوض كان لا يزال في واشنطن. وأسجل للتاريخ أن الدكتور يوجين قطران، وهو محام فلسطيني أصبح أول فلسطيني يتولى منصب القضاء في انكلترا، قد تطوع لمساعدتي (29) في هذه المهمة واستمر في عطائه الى أن انتهينا من اعداد المشروع..

30-انظر لقاءا مع عضو اللجنة التنفيذية الدكتور سمير غوشه نشرته القدس العربي في 9 ديسمبر 1993 بعنوان “أعده أنيس القاسم وسيتم عرضه على خبرتء: مشروع دستور فلسطيني يحدد مدة رئاسة الدولة بخمس سنوات ولا يجوز التجديد لأكثر من مرتين”. وانظر كذلك مقالنا في نفس الجريدة بتاريخ 29 ديسمبر 1993 بعنوان “ملاحظات عامة حول مشروع النظام الأساسي للسلطة الوطنية في المرحلة الانتقالية”

31-نتيجة للضغوط الفلسطينية والدولية اضطر الرئيس الفلسطيني عام 2003 للموافقة على تعيين رئيس للوزراء وتعديل القانون الأساسي للنص على هذا المنصب.

32- انظر جريدة القدس الصادرة في القدس بتاريخ 10/12/1994 “حقوقي فلسطيني يدعو لوضع نظام دستوري يمنح السلطة الوطنية الشرعية اللازمة” وجريدة النهار (الفلسطينية) 9/12/1994 “مؤتمر في نابلس بعنوان النتخابات – النظام السياسي الفلسطيني يتحدث فيه ممثلون لكل الاتجاهات”.

33- هذه الانتهاكات قد بدأت وللأسف مع تسلم السلطة. انظر مقالنا في جريدة القدس المقدسية بتاريخ 15/7/1994″ قوات الأمن والشرطة ليست فوق القانون”

34- كتب الاسرائيلي غي باخور في جريدة (ديعوت احرونوت) بتاريخ 30/5/2002 تعليقا بعنوان “الحلم الفلسطيني بالديموقراطية لم يكن بعيدا مثلما هو اليوم” وترجمته القدس العربي في عددها الصادرفي 31/5/2002 جاء فيه ما يلي:”لقد كان عرفات هو الذي قاتل بكل قوته ضد مشروع الدستور الذي صاغته مجموعة من القانونيين الفلسطينيين برئاسة أنيس القاسم، لدى قيام السلطة الفلسطينية- وهذاالدستور الذي خرج عن النموذج التقليدي للبيعة، ولم يمنح امتيازات زائدة للرئيس، لم يجر تبنيه أبدا، وفضل عرفات أن يقيم نظاما فلسطينيا مركزيا يقوم على أساس تفضيل المقربين (المحسوبية) والفساد الاداي وانعدام النجاعة. قبل مجيء عرفات كان الشعب الفلسطيني في المناطق قريبا من التحول الديموقراطي أكثر من أي شعب عربي آخر. تعدد الايديولوجيات والاحزاب واستخدام محكمة العدل الغليا ومنظمات حقوق الانسان، وبفضل المجتمع الاسرائيلي المجاور أيضا- كل هذه انتهت عندما أقام عرفات نظام البيعة خاصته في المناطق، حين استورد مفاهيم سياسية من الدول العربية وجعل من السلطة افلسطينية نظاما عربيا آخر.”

35-أما مشروع الدستور فقد جرت محاولة لإحيائه عام 2003، أي بعد اصدار القانون الأساسي. وقد واجهت هذه المحاولة معارضة فلسطينية أدت الى وقفها. انظر مقالنا “مشروع الدستور الفلسطيني: هل هذا وقته؟” المنشور في جريدة القدس العربي الصدرة في لندن بتاريخ 27 يناير 2003. وفي فبراير 2003 عرض المشروع على المجلس المركزي فقرر اعادته الى اللجنة الدستورية لإعادة النظر فيه.

36-نتيجة للضغوط التي مورست على رئيس السلطة الوطنية استحدث منصب رئيس للوزراء وجرى تعديل القانون الاساسي ليأخذ هذا الأمر في الاعتبار. وصادق عليه الرئيس وأصدره بتاريخ 18/3/2003. وكان مشروع القانون الاساسي قد فصل منذ البداية بين المنصبين لضمان المحاسبة والمساءلة أمام المجلس التشريعي، ولم يؤخذ بهذا الرأي.. وفي هذا البحث نتعرض للقانون الأساسي في صورته المعدلة تمشيا مع الواقع الجديد مع اشارات الى ما كان عليه الوضع قبل التعديل.

37- وقد حاولت السلطة الوطنية الفلسطينية وضع قانون للأحزاب السياسية عام 1995 على غرار قوانين الأحزاب في الأقطار العربية الأخرى فانتقدنا ذلك المشروع بالتفصيل في جريدة القدس العربي في العددين الصادرين في 4 و5 اكتوبر 1995 ونشر في جريدة القدس الصادرة في القدس يومي 7 و 8 اكتوبر 1995 “مشروع قانون الاحزاب السياسية الفلسطينية..ما له وما عليه”، خاصة وأن المشروع تَطَلَّبَ ترخيصات لانشاء الأحزاب، وعَرَّضَها للحل لأسباب غير منضبطة. وكان من رأينا ان الأحزاب السياسية يجب ألا تخضع لنظام الترخيص لأن “وجود الأحزاب السياسية يعبر عن الوسيلة المنظمة داخل المجتمع للمشاركة في الشئون العامة من جهة، ولتداول السلطة وفقا للارادة الشعبية من جهة أخرى”. وتوقفت اجراءات اصدار ذلك القانون.

38-وقبل اصدار القانون الأساسي اعترضنا على ابعاد المناضلين الذين كانوا محاصرين في كنيسة المهد. انظر مقالنا “ابعاد محاصري كنيسة المهد انتهاك القانون وحقوق المواطنين” جريدة القدس العربي 17 مايو 2002.

39-وقد اختبر هذا النص عمليا بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات، وطُبِّق تطبيقا سلميا بحيث لم تؤد وفاة الرئيس الى أي فراغ دستوري أو أزمة دستورية.

40-وكان القانون الاساسي قد أقر قبل انتهاء الفترة الانتقالية، غير أن الرئيس لم يصدره الا بعد انتهائها بسنوات، مما أثار جدلا دستوريا حول الموضوع.

41-لم يخدد القانون الاساسي مكافآت ومزايا أعضاء المجلس التشريعي، وأحال في ذلك للقانون. وقد صدر قانونان في هذا الشأن تميزا بالمغالاة ومخالفة القواعد التي تحكم العمل النيابي. أنظر مقالنا في هذا الشأن “افساد الحياة النيابية في الوطن العربي: التشريعي الفلسطيني مثالا” القدس العربي 4 يوليو 2005 .

42-وقد استشهد كثير منهم عندما وقفوا في وجه الاعتداءات الاسرائيلية، رغم التفاوت الكبير في السلاح.

43-وللتاريخ، فان الذي يتحمل المسئولية عن هذه المخالفات كان النائب العام والتدخل المباشر من رئيس السلطة الوطنية في حينه.

44- وكنا اقترحنا أن ينص القانون الأاساسي على سيادة الدولة على ثرواتها الطبيعية، ويبدو أن المجلس التشريعي ، لأسبابه، لم يأخذ بهذا الاقتراح، مع أنه يتمشى مع اعلان صادر من الأمم المتحدة بشأن الثروات الطبيعية.

45- .وكنا نفضل عدم استعمال كلمة عربي في نص دستوري حيث أن الشعب الفلسطيني لا يتكون من عرب فقط، والأحكام تصدر باسم الشعب كله، ولذا كان يفضل أن يكون النص تصدر الأحكام باسم الشعب أو باسم الشعب الفلسطيني. ان الدساتير التي تخصص شعبها في أي نص من النصوص بصفة اثنية أو عرقية أو ما شابه ذلك من صفات تثير فرصة الاتهام بالعنصرية التي حظرتها المواثيق الدولية الخاصة بالتمييز العنصري، وفي دولنا العربية حيث توجد تاريخيا اثنيات وأعراق وديانات متعددة لا يجوز أن تتضمن الدساتير التي هي أسمى وثيقة قانونية نصوصا تثيرهذه الشبهة.

46-لقد أصيبت المحاكم االشرعية والدينية بالاهمال أيام الاستعمار الغربي للوطن العربي ونالت المحاكم النظامية الحظوة، وهذا التمييز ما مازال موجودا الى حد ما، وليس له ما يبرره. فهذه المحاكم تمارس اختصاصا قضائيا شأنها شأن المحاكم النظامية ويجب أن ينال قضاتها ومبانيها وادارتها وأجهزتها نفس الاهتمام.

47- اننا لا نرى أن تكون للرأي الاستشاري ، مهما كان مصدره، صفة الالزام على القضاء في تفسير الدساتير أو القوانين. فالرأي الاستشاري لا يخضع في العادة للتحليل والمجابهة التي تجري أثناء التقاضي، كما لا يخضع للمراجعة من عدة درجات كما هو الحال في التقاضي.

48- وفي رأينا أن عقوبة الاعدام هي من العقوبات التي يجب التحرز كثيرا قبل النص عليها أو الحكم بها نظرا لتعذر تدارك الخطأ بعد التنفيذ. ولهذا فنحن من مؤيدي الغاء هذه العقوبة.