عودة الى صلاح الدين
جزا الله الأستاذ الدكتور خالد الكركي خيرا عن أبحاثه عن صلاح الدين، وجزا القدس العربي خيرا جزيلا على نشرها لتلك الأبحاث القيمة. فصلاح الدين في الذاكرة العربية مرتبط أوثق ارتباط بتحرير القدس من الصليبيين، ولكن قلما نجد فيما كتب عنه بالعربية تحليلا لتلك الشخصية الفذة تكشف عن المنهج الذي سار عليه وأدى ليس فقط الى انتصاره وانما أيضا الى توحيد الأمة والتفافها حوله بحيث استطاع أن يجند للمعركة قواها التي كانت مبعثرة ويحشد الى جانبه أمراء عصره الذين كانوا لا يترددون في التحالف مع العدو الصليبي، بل وكان يهون عليهم تسليم أراض عربية مسلمة للصليبيين تأمينا لرضا هؤلاء، ولبقائهم هم في السلطة. فدراسة صلاح الدين كفاعل في التاريخ، وليس كقائد عسكري فقط، تفيد في هذه المرحلة التي نمر بها والتي تواجه فيها الأمة العربية أوضاعا ليست غريبة كثيرا عن الأوضاع التي واجهها صلاح الدين وانتهج منهجه لتحويل ما كان ضعفا واستسلاما وخيانة الى قوة دافقة استطاعت أن تحقق النصر في مواجهة تحالف أوروبي شمل دول اوروبا الفاعلة في عصره.
ونحن اليوم نواجه، كما واجه صلاح الدين، احتلالا للقدس وبقية فلسطين، ونواجه معه تخاذلا عربيا واسلاميا رسميا واعترافا بالعدو المحتل، بل وتعاونا معه لتحقيق ما لم يحققه حتى الآن من أهداف، وتطبيعا من جانب عدد من الأنظمة العربية والاسلامية، واستسلاما أمام القوى الخارجية التي تؤيده، وتشرذما في الوضع العربي والاسلامي يحول دون حشد طاقات هذه الأمة لمواجهة هذا الخطر الجاثم، وهو وضع لا يختلف عما كان عليه الحال قبيل ظهور صلاح الدين على مسرح الأحداث. والشمعة الوحيدة المضيئة هي المقاومة الفلسطينية الباسلة التي ترفض قبول الأمر الواقع وتقدم التضحيات اليومية دفاعا عن القدس والوطن، يساندها في ذلك رفض الجماهير العربية للتطبيع مع العدو.
من هنا تأتي أهمية تحليل منهج صلاح الدين للوصول الى الهدف المرجو. وقد نسمع من يقول بأن الأيام قد تغيرت، ولم تعد دروس الماضي تفيد في المواجهة الحالية. غير أننا نرى أن درس صلاح الدين مفيد للغاية، ذلك أن صلاح الدين قد نهج منهجا يمكن تكراره اذا صدقت النوايا،وهدفنا من هذا الحديث هو التركيز على ذلك المنهج الذي اعتمد اساسا على اعتراف بالواقع ورفض له، اعترافا به لتقدير خطورته لا للاستسلام له، ورفض له باعداد العدة لمواجهته.
لقد سبق لي في كتابي “تأملات في الاحتلالين الصليبي والصهيوني” الذي صدر عام 1975 عن دار نشر ليبية تونسية أن حاولت الخروج عن المألوف في الكتابات العربية عن صلاح الدين بدراسة هذا البطل من منطلق تفكيره وأسلوبه في الحكم، على أساس أنه قد أدرك منذ البداية ضرورة مواجهة الاحتلال الصليبي وأنه لا بد أولا من التمهيد لهذه المواجهة بسياسة داخلية تؤمن لها أقوى الفرص لتحقيق النصر. ويبدو من المراجع التي أشار اليها الدكتور الكركي، وكلها مراجع قيمة، أن كتابي الذي نشر في المغرب العربي لم يصل اليه، والا لوجد أننا طائران نسير في سرب واحد، وأرجو أن يأذن لي باضافة قصيرة الى ما كتبه وتركيز على بعض ما أشار اليه من المنظور الذي تحدثت عنه آنفا.
ان السؤال الذي يطرح نفسه على الباحث بالنسبة لظروف عصر صلاح الدين والذي هو في حاجة الى جواب، هو لماذا قرر صلاح الدين أن يخوض حربا كانت في ظاهرها غيرمتكافئة في الظروف التي كانت سائدة في عصره مع أنه كان يستطيع أن يكون حاكما ينعم بخيرات مصر وما كانت توفره له من استقرار، ومع أن الخلافة الفاطمية التي ورثها، كانت على علاقة طيبة بالصليبيين وكان وزراؤها الواحد بعد الآخر يستعين بهم في صراعه الداخلي للاستيلاء على السلطة أو البقاء فيها ؟ ان الجواب على هذا السؤال يصلح أن يكون من أهم المداخل لفهم تحركاته.
لقد وصل صلاح الدين لحكم مصر، أغنى الاقطار الاسلامية في عصره وأكثرها تماسكا، وكان في استطاعته أن ينعم بخيراتها كما نعم بها من قبله ومن بعده، من دون أن يجازف بحرب نهايتها غير مأمونة، وهو يعلم أنه لن يحارب فقط ملوك وأمراء الصليبيين في القدس وديار الشام وحدهم وانما سيحارب من وراءهم من ملوك وامراء أوروبا، الذين كانوا يوفرون الحماية والمدد للوجود الصليبي ويقاتلون فعلا بجيوشهم لتحقيق هذه الحماية. .وازاء هذا كان في استطاعته أن يقنع نفسه بأنه لا قدرة له على مواجهة الصليبيين، وأن الحكمة والسياسة السليمة هي الاعتراف بهذا الواقع والتعايش معهم كما كان يتعايش غيره من أمراء المسلمين، وكما تعايشت معهم الخلافة الفاطمية.
ان الذي لا نشك فيه هو أن صلاح الدين، بحكم تجربته في بلاط نور الدين زنكي في دمشق، وتجربته المباشرة في مصر،قد أدرك أنه لا استقرار له في مصر ولا استقرار في ديار الشام ولا أمن للمسلمين وسيادة في ديارهم الا بالتخلص من الخطر المقيم في تلك الديار، وهو الخطر الصليبي الذي كانت الامارات الصليبية ومملكة القدس الصليبية هي القاعدة المتقدمة له. فالخطر عليه وعلى مصر، فضلا عن الخطر على بقية ديار الاسلام، قائم وماثل، ولم يخدع نفسه بما كان في مصر من ثراء وقوة وتماسك وما كان لها من مكانة في العالم الاسلامي في أيامه. كما أنه لمس بالتجربة المريرة وهو في دمشق ثم في مصر أخطار الشرذمة، وعانى من استعداد عدد من الأمراء المسلمين للتحالف مع الصليبيين ضد أمراء مسلمين آخرين اما للانقلاب عليهم واما للتوسع على حسابهم أو رد عدوانهم. فما دامت هذه الشرذمة قائمة وما دام الحليف المتأهب للتدخل موجودا فانه أيضا لا استقرار ولا أمن. ولا بد أنه لاحظ، وهو في بلاط نور الدين، رحمه الله، كيف أن الرعاية السليمة للرعية والاستقامة في الحكم كفيلتان بحشد قوى الشعب في المعارك التي بدأ نور الدين في خوضها في مواجهة الأمراء المسلمين من جهة والأمراء الصليبيين من جهة أخرى. من هذه الخلفية، خلفية الخطر الذي كان يحس به، بالاضافة الى الوازع الديني الذي كان متمكنا فيه، انطلق في منهجه، وحقق ما حقق.
وعندما تنابع هذا المنهج، نجد أن أول ما توجه اليه كان بناء جبهته الداخلية المتمثلة في الجبهة الاسلامية العامة من جهة، وجبهته المحلية في مصر وشعب مصر، من جهة أخرى. فما أن استقر به المقام في مصر حتى قضى على ازدواجية كانت سببا في الكثير من المآسي، وهي ازدواجية وجود خلافتين: الخلافة العباسية في بغداد والفاطمية في مصر، فألغى الخلافة الفاطمية ووضع نفسه تحت الخلافة العباسية، معلنا ولاءه لها، وموحدا بذلك المرجعية الاسلامية. ولقد كان بامكانه الاستقلال بمصربالابقاء على خلافة فاطمية صورية يستقل بها في مصر دون خوف من خلافة عباسية كانت قد أصبحت صورية منذ زمن. ولكنه أعرض عن ذلك من أجل توحيد كلمة المسلمين في سائر أقطارهم تمهيدا لخوض المعركة.
وبعد هذه الخطوة الجبارة ذات المغزى البعيد في النفوس شعبيا، التفت لجبهته الداخلية في مصر. فقبل أن يقدم على فرض الضرائب على الشعب لتموين الحرب، وقبل أن يطلب التطوع للجهاد، بل وقبل أن يعلن عن نواياه، باشر بالجهاد في نفسه ليضرب المثل لرعيته، فباع آلاف الجواري التي وجدها في قصور الخلفاء الفاطميين وورثها عنهم، وباع القناطير المقنطرة من الذهب والفضة التي ورثها أيضا في تلك القصور، ورصد ذلك كله للحرب، وباشر في بناء اسطوله البحري مستعينا بالخشب المحلي من حهة ثم بالخشب المستورد من ايطاليا من جهة أخرى. وهذه أعمال كان يلمسها الشعب، فما كان من الممكن بيع الآف الجواري وقناطير الذهب والفضة وبناء الأسطول والشعب لا يشعر بما يفعله صلاح الدين ويقارن بين اليوم والأمس. كل هذا قبل أن يطلب من الشعب مساهمة في مجهوده الحربي، وانما مما كان يعتبر ملكا خاصا للسلطان.
وفي نفس الوقت التفت الى الشعب ليقيم العدل ويرفع الظلم ويحقق “الرفاه” ، على حد تعبير الرحالة الاندلسي ابن جبير. فوجد أن الفاطميين قد فرضوا ضرائب تقصم الظهر لاشباع شهواتهم، حتى ماء النيل كان عليه ضريبة. فأزاح أعباء هذه الضرائب. وهذا أمر يلمسه الشعب دون شك. ووجد أن أموال الزكاة، وهي الضريبة التي لا يستطيع الغاءها، ويدفعها الناس وفاء بواجبهم الديني، لا تنفق في وجهها الصحيح، فأعاد الأمور الى نصابها وأعطى الزكاة لمستحقيها في كل بلد بحيث تعم فائدتها ويطمئن المزكي والمستفيد على أنها تنفق في وجهها الشرعي.
والتفت الى أوضاع الحجيج الذين كانوا يمرون بمصر، فرفع المعاناة عنهم بأن أقام المستشفيات والخانات، لرهايتهم. ويروي ابن جبير أن صلاح الدين كان في جولة في صحراء مصر الغربية فصادف فريقا من الحجاج المغاربة قد انقطعت بهم السبل فحمد الله على أنه لم يستمع لنصيحة بعض مستشاريه الذين كانوا يعارضون في انفاق أموال الزكاة على المارستانات والتكايا لابناء السبيل من الحجاج. وأكمل رعايته للحجاج جميعا بأن تعهد لأمير مكة الذي كان يفرض ضريبة على كل حاج قبل أن يسمح له بالهبوط من ناقلته، تعهد له بأن يؤدي له ما كان يأخذه ضريبة من الحجاج بشرط أن لا يتعرض لهم في أداء فريضتهم. ويروي ابن جبير أنه صدف أن تأخر عطاء صلاح الدين لأمير مكة عندما كان مشغولا بحروبه ضد الصليبيين، ووصل الحجيج، وأراد أمير مكة أن يفرض عليهم، الا أنم تراجع ولم يتعرض لهم، والسبب في ذلك، كما يقول ابن جبير، هو ثقته في أن صلاح الدين لا يخلف وعده. وبالفعل وصل عطاء صلاح الدين بعد أيام. فصلاح الدين، بالرغم من انشغاله بالحرب، لم ينس راحة الحجيج ولم يحتج بالحرب للخروج من وعده، وانما أوفى، ونستطيع أن نتصور أثر ذلك في جموع الحجيج القادمين من كافة أنحاء ديار الاسلام. ونرى أن ابن جبير لا يجد خيرا يقوله في حكام المسلمين في ايامه، وكلما جاء على ذكرهم نجده يسارع باستثناء “ذلك السلطان العادل” صلاح الدين الذي كان يحرص على رفاه جميع المسلمين. وما أكثر ما يستعمل ابن جبير كلمة “الرفاه” هذه.
والتفت الى موضوع أمراء المسلمين المتناحرين المتآمرين المتخاذلين، ورأى أن يوحدهم في مواجهة العدو، فتحرك بجيش صغير من مصر للشام، ومن المؤكد أن ذلك الجيش الصغير ما كان يستطيع القضاء على أمراء الشام بالقوة، خاصة وأنهم قد اعتادوا على التحالف مع الصليبيين. ولكن سمعته كانت قد سبقته الى ديار الشام، وعرف عنه أنه لا يخل بعهد يقطعه، كما عرف عنه حدبه على الرعية. وعندما تحرك كانت شروطه واضحة للتعامل مع هؤلاء الأمراء، فقد تعهد لهم بأن يبقي كل أمير على امارته بشرطين اثنين لا ثالث لهما: الشرط الأول أن يعينوه في حربه على الصليبيين والشرط الثاني أن يعدلوا في الرعية. ولأنه اشتهر بالوفاء بالعهد، فقد اطمأن الأمراء اليه، ولأنه كذلك اشتهر بحدبه على الرعية فقد كانت الرعية في انتظاره في كل مدينة يصلها . وبهذا كسب الرعية والأمراء معا. وهذا يفسر لنا تلك الطاهرة التاريخية وهي أن صلاح الدين كان يجد أبواب المدن مفتوحة لاستقباله ليدخلها دون حرب. كما يفسر لنا تلك السرعة التي استطاع بها توحيد ديار الشام ومصر والجزيرة العربية واجزاء من شمال افريقيا في فترة زمنية قصيرة نسبيا.
يضاف الى هذا كله ما اشتهر به من مزايا شخصية، فقد كان ملتزما يشعائر الدين ولا يجالس الا العلماء ولا يرتكب المعاصي، كما كان مثالا يحتذى به في المعركة، وكان بعيدا عن اغراءات حطام الدنيا لدرجة أنه لم يكن يملك الا جوادا واحدا يحارب عليه، فاذا تعب الجواد استعار جوادا من أحد جنوده ليواصل القتال. وبعد تحرير القدس كان مع جنوده يجدد سور المدينة، يحمل الحجارة ويزيل التراب بيديه كأي جندي من جنوده. ولا نود الاطالة بالاشارة الى الاحترام الشديد الذي كان يتمتع به عند الخصوم، وقد أشار الدكتور الكركي الى بعض من ذلك.
ازاء هذا من صفات شخصية وسياسة في السلم والحرب لم يكن غريبا أن يستجيب له الشعب والأمراء عندما أعلن الجهاد وبدأ حروبه ضد الصليبيين، وليس غريبا أ يواصلوا الجهاد معه الى النهاية. وكانت جنوده من جموع الشعب، من جيشه النظامي ومن المتطوعين الذين انضموا اليه بخيولهم ومعداتهم ومؤنهم، حتى انه كان أحيانا يضطر لعقد هدنة مؤقتة ليتمكن متطوعوه من حصد الغلال.
وهذه السياسة التي سار عليها سواء في مصر أو في الديار الاسلامية الأخرى التي دخلت في سلطانه هي التي تفسر لنا ظاهرة غريبة في مسيرة صلاح الدين، وهي أنه لم يحاول أحد الانقلاب عليه، كما كان مألوفا كلما غاب السلطان عن قاعدة ملكه. فصلاح الدين، عندما خرج من مصر لمحاربة الصليبيين، لم يرجع اليها حتى بعد انتصاراته، وانما اتجه الى دمشق حيث وافته المنية.غادر مصر وأبقى الأمور في يد وزيره القاضي الفاضل، ابن غزة البار. ومع ذلك لم يحاول أمراء مصر ولا وزيره الانقلاب عليه والاستيلاء على السلطة في غيابه هذا الطويل وانشغاله بالحرب، كما كانت عادة أمراء الفاطميين ووزرائهم من قبل. وبالمثل فان امراء الشام والجزيرة العربية لم ينقلبوا عليه وهو مشغول بمحاربة الصليبيين للتخلص من سلطانه. ولو حاولوا لثار الشعب الوفي وقضى على التمرد.
وعندما وصل متعبا الى دمشق وقد حقق الله النصر على يديه لم يكن مزهوا بما فعل، ولم يستقبل الشعراء الذن احتشدوا بقصائدهم لمدحه، ولم يعدل عن سياسة التقشف التي سار عليها. وعندما وجد أن واليها قد بنى له قصرا يستريح فيه، رفض أن يدخل ذلك القصر، وأنب الوالي على فعلته، وتوفي رحمه الله ولم يترك وراءه من حطام الدنيا الا جوادا واحدا كان يمتطيه في حروبه، وترك غير الجواد ما أشار اليه الدكتور الكركي من دراهم معدودة. غير أن صلاح الدين ترك ما هو أعز وأغلى وأبقى أثرا، ترك هذا المثل والذكرى وهذا الحب الذي ما زال له في نفوس وقلوب الأجيال المتعافبة بحيث لا يقترن ذكره الا بالترحم عليه عبر قرون ثمانية مرت على وفاته.
فهل يا ترى في منهج صلاح الدين ما لايمكن تطبيقه اليوم؟ أليس الخطر محدقا بالحكام العرب والمسلمين جميعا؟ هل أفادهم استسلامهم لما يسمونه بالأمر الواقع في شيء أم أن الطلبات من العدو لا تنتهي؟ هل أصبحوا أكثر أمانا واستقرارا على كراسيهم أم تضاعف الخطر عليهم فأصبح خارجيا وداخليا؟ وهل نجا واحد منهم من الاذلال والمهانة ؟ فماذا ينتظرهم غير المزيد مما هم فيه من هذا الاذلال وذلك الخطر الداخلي والخارجي؟ لقد عبد صلاح الدين الطريق وبين سبل النجاة. فهل يستحيل عليهم أن يتصالحوا مع شعوبهم، برفع الظلم عنهم والثقة فيهم والاعتماد عليهم كما فعل صلاح الدين؟ هل يستحيل عليهم أن يتفقوا غلى الوفاء بما يتعاهدون عليه ويكفوا عن التآمر على بعضهم البعض ؟ هل يستحيل عليهم أن يدركوا أن الخطر يحيق بكل واحد منهم وأنه لا خلاص الا بالتعاهد على التخلص من ذلك الخطر والوفاء بذلك التعاهد؟ هل يستحيل عليهم أن يكفوا عن تبديد الأموال العامة، ورصدها بدلا من ذلك لبناء قوة الأمة، الأمة كلها؟ وماذا ستفيدهم أموالهم التي يقتطعونها من قوت الشعب ولا يشبعون من تكديسها في بنوك الغير ليستغلها لصالحه وتغل أيديهم هم عنها؟ هل يسنطيعون استردادها اذا تقرر، تجميدها بتهمة أنهم يدعمون الارهاب، وهي تهمة من السهل توجيهها اذا قرر سيد البيت أنهم لا يتعاونون معه بما يرضيه؟ هل يستحيل عليهم أن يقيموا العدل في الرعية وأن يحققوا لها “الرفاه” بالكف عن اغتصاب الأموال العامة وانفاقها في وجهها الصحيح بدلا من تبديدها حسب أمزجتهم، وباحترام كرامة المواطن وحقه في المشاركة في القرار؟
لم يبق في العالم كله أرض محتلة الا الأرض العربية، ومزيد منها معرض للاحتلال. لم بيق شعب تداس كرامته كل يوم ويخطط للسيطرة عليه الا الشعوب العربية والثروات العربية. ومع ذلك لم يرضخ حكام كما يرضخ حكام العرب. لقد استغاثوا بالمجتمع الدولي وبأمريكا وتوسلوا لاسرائيل، فلم يسعفهم لا هذا ولا ذاك، وأهملوا أن يستغيثوا بالجهة الوحيدة التي يمكن لها حمايتهم واسترجاع الحقوق المغصوبة، وهي شعوبهم.
ترى هل سيترحم أحد على حكام اليوم بعد ثمانمائة عام كما ترحم الناس بللأمس ويترحمون اليوم وسيترحمون غدا على صلاح الدين؟ اسئلة نجد الاجابة عنها في سيرة ذلك الرجل الفذ، وهي السيرة التي خلدته عند عدو ذاق الهزيمة على يديه، وأهل انتصرلهم ولحقوقهم في الكرامة والحرية.