معايير الحل التفاوضي لانهاء الاحتلال الاسرائيلي-2

معايير الحل التفاوضي لانهاء الاحتلال الاسرائيلي

ثانيا: مرجعية الحل التفاوضي

مقدمة

1 – أغفلت اتفاقية أوسلو وما تلاها من اتفاقيات المرجعية التي يُحتَكَمُ اليها في مفاوضات الحل النهائي أو عند حدوث خلاف حول تطبيق أو تفسير ما قد تم الاتفاق عليه، هذا فضلا عن الخطايا الأخرى الخطيرة التي ارتكبها المفاوض الفلسطيني، والتي ليس هذا هو مناسبة بحثها. ومع الأسف،فإنه لا يزال بعض من ساهموا في ابرام هذه الاتفاقيات في موقع المسئولية في النظام الفلسطيني. وانعدام المرجعية، عندما يكون مقترنا بنفسية الاستعداد للتنازل عن الحقوق الثابتة،أو التهاون بشأن بعضها، على أمل الوصول الى حل، يفتح المجال واسعا أمام الطرف الآخر لفرض الحلول التي يراها أكثر ملاءمة له. وهذا ما وقع بالفعل أيضاً مع اطراف عربية تفاوضت مع اسرائيل وأبرمت اتفاقيات سلام.

2 – وفي الجانب العربي الرسمي كان الحديث دائما عن مرجعية الأرض مقابل السلام، ثم اختفت هذه المرجعية من التصريحات العربية الرسمية وحل محلها ما سمي بالمبادرة العربية التي أقرها القادة العرب في مؤتمر قمة، أي على أعلى مستوى رسمي عربي. وعندما رفضتها اسرائيل، بدأ العَدُّ التنازلي للتخلي عنها، واختفت لجنة المتابعة التي كان من المفروض أن تُسَوِّقها دولياً، وأخذ عدد من كبار القادة العرب يتهربون علناً من الافصاح بتمسكهم بها في مؤتمراتهم الصحفية مع القادة الاسرائيليين، ويتحدثون فقط عن المفاوضات دون مرجعية محددة، مع أن الأنظمة العربية ربطت اعترافها بحكومة حماس بشروطٍ من بينها الاعتراف يالمبادرة العربية. وإذن فقد أسقط العرب أنفسهم المرجعية هذه، وبقيت فقط خارطة الطريق التي أقرها مجلس الأمن والتي نصت على قيام دولتين فلسطينية واسرائيلية، وتحفظت اسرائيل عليها بأربعة عشر تحفظاً أفقدتها دورها في أي حل تفاوضي كمرجعية، وسيكون مصيرها الموت البطيء، كمصير قرارات مجلس الأمن الأخرى، ليحل محلها الحل أحادي الجانب الذي تعمل اسرائيل جاهدة وبانتظام لفرضه.

فتوى محكمة العدل الدولية كمرجعية

3 – غير أنه من حسن الحظ أنْ جاءت فتوى محكمة العدل الدولية، التي صدرت في التاسع من يوليو 2004 في موضوع الجدار الذي أقامته وتقيمه اسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، فحسمت المرجعية لأي حل تفاوضي بعبارات محددة لا غموض فيها ولا محل للمناورة عليها. وهذه المرجعية هي مبادئ وقواعد القانون الدولي والقانون الدولي الانساني كما أعلنتها المحكمة في فتواها. أي أن المحكمة لم تقتصر على القول بأن مبادئ وقواعد هذين النظامين القانونيين هي المرجعية، وانما زادت الموضوع دقة وتحديدا بأن هذه المبادئ والقواعد هي تلك التي أوردتها المحكمة في فتواها، فأزالت بذلك الغموض واحتمال تضارب الاراء. ومع أن كل الدلائل تشير الى إهمال عربي لهذه الفتوى، ولا نريد أن نقول أكثر من هذا، الا أننا سنوجز هذه المبادئ والقواعد ولو لفائدة من يتحدثون عن الشرعية الدولية لايضاح المقصود منها كما اعتمدتها محكمة العدل الدولية والجمعية العامة للامم المتحدة في قرارها الذي اعتمد فتوى المحكمة. فما هي هذه المبادئ والقواعد التي اعتمدتها المحكمة واعتبرتها ملزمة للجميع؟

أولا : مبدأ الحق في تقرير المصير لجميع الشعوب، لا سيما تلك الخاضعة للاستعمار أو السيطرة الاجنبية، وهو، في نظر المحكمة، مبدأ عام من مبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الانساني، ولأنه مبدأ عام، فإنه يتعين على الجميع احترامه . وأعلنت المحكمة أن هذا الحق هو من حقوق الشعب الفلسطيني، وأن وجود هذا الشعب كشعب لم يعد محل تساؤل أو جدل، وأن اسرائيل قد انتهكت هذا الحق، وعليها احترامه.

ثانياً: مبدأ عدم جواز الاستيلاء على أراض الغير بالقوة. وبإعلان المحكمة لهذا المبدأ العام وبإشارتها في هذا الشأن الى وروده في القرار رقم 242، فإن المحكمة تكون قد حسمت جدلا أثارته اسرائيل حول النص الانكليزي لهذا القرار والذي وردت فيه عبارة “اراض محتلة” وليس “الاراضي المحتلة” كما جاء في النص الافرنسي. فالعبرة ليس في هذه الكلمات ولا في استعمال أو عدم استعمال أداة التعريف. وانما العبرة بالمبدأ، وهذا المبدأ لا يجيز الاستيلاء على أراضي الغير بالقوة. وبناء على هذا فإن تطبيق هذا المبدأ في اطار القرار رقم 242 لا يعني سوى الانسحاب من جميع الاراضي التي احتلت في حرب عام 1967، وهذه الاراضي في رأي المحكمة (والجمعية العامة للامم المتحدة) هي الواقعة الى شرق ما يُعرف بالخط الأخضر، وهو الخط الذي حددته الهدنة الدائمة ما بين الاردن واسرائيل عام 1949. فحسمت المحكمة بذلك أن هذه الاراضي، بما فيها القدس الشرقية وما حولها، هي أراض محتلة، وحسمت أنها ليست متنازعا عليها، كما ادعت اسرائيل، وكما جاء في اتفاقية أوسلو نتيجة لجهل المفاوض الفلسطيني وتهاونه.

ثالثاً: حسمت المحكمة وضع القدس الشرقية وما حولها من القرى والاراضي، فقضت بأنها جميعها أرض محتلة، مؤيدة بذلك قرارات مجلس الأمن بعدم شرعية ضمها أو تغيير معالمها الجغرافية أو السكانية، وذلك تطبيقا لمبدأ عدم جواز الاستيلاء على أرض الغير بالقوة والمبادئ التي أرستها اتفاقية جنيف الرابعة الملزمة للجميع حول عدم حق دولة الاحتلال في احداث تغييرات في أوضاع البلد الذي يخضع للاحتلال.

رابعاً: وحيث أنه ترتب على النزاع المسلح عام 1967 وجود احتلال للاراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية وما حولها، فقد قضت المحكمة بأن اسرائيل، وهي طرف في اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 الخاصة بحماية المدنيين زمن الحرب، ملزمة باحترام أحكام تلك الاتفاقية، ومن بينها ذلك الحكم الذي يحظر على دولة الاحتلال نقل مواطنيها للاستيطان في الاراضي المحتلة، وبالتالي قررت المحكمة بالإجماع، نتيجة لانضمام القاضي الامريكي لها في رأيه الانفرادي، أن المستوطنات التي أقامتها اسرائيل في الاراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية وما حولها، هي مخالفات جسيمة لتلك الاتفاقية، مستندة في جزء من قضائها في هذا الخصوص على أحكام محكمة نيونمبرج في قضية الزعماء النازيين الذين أدينوا جزائيا لارتكابهم مخالفات مماثلة باقامة مستوطنات المانية في اراض احتلتها ألمانيا في الحرب العالمية الثانية. أي أن عدم شرعية اقامة المستوطنات هو مبدأ عام من مبادئ القانون الدولي الانساني أقرته المحكمة بإجماع القضاة، وهو ما لم يحدث في تاريخ المحكمة من قبل.

خامسا: قضت المحكمة بأن قانون حقوق الانسان قانون عام التطبيق تلتزم الدول باحترامه ليس فقط بالنسبة لمواطنيها، كما ادعت اسرائيل، وانما ايضا بالنسبة لجميع من يقعون ضمن اختصاصها، ولذا فهو واجب الاحترام بالنسبة للفلسطينيين الخاضعين للاحتلال الاسرائيلي.

سادساً: أعلنت المحكمة أن مبدأ التعويض عن الفعل الضار هو مبدأ عام من مبادئ القانون الدولي، وبالتالي قضت، فيما يتعلق بالجدار، بأنه يجب تعويض الفلسطينيين الذين تضرروا من اقامته، وهذا المبدأ، لكونه مبدأً عاماً، يطبق بالنسبة لجميع الاضرار التي لحقت بالفلسطينيين، سواء كانوا اشخاصا طبيعيين أو معنويين، نتيجة لتصرفات اسرائيل اللاشرعية في الاراضي الفلسطينية المحتلة بما فيها القدس الشرقية وما حولها.

سابعا: إن الأمر الواقع لا يضفي شرعية على ما هو غير شرعي، ولا يعتبر مؤقتا ما دامت خصائصه والأهداف من ورائه تدل على دوامه. واستنادا الى هذا رفضت المحكمة الدفع الاسرائيلي بأن الجدار صار أمرا واقعا وأنه ذو صفة مؤقتة. واستندت المحكمة الى طبيعة الجدار التي لا تنبئ بأنه مؤقت أو أن مقتضيات الدفاع عن النفس تبرره.

ثامناً: إن مقتضيات الأمن بما فيها ما يسمى بحق الدفاع عن النفس تخضع لمعايير حددها القانون الدولي وميثاق الامم المتحدة، وأن بناء الجدار، الذي هو أصلا غير شرعي وتجب ازالته وفقا لقرار المحكمة، لا يستوفي هذه المعايير، فضلا عن أنه أسلوب لضم اراض فلسطينية بصورة غير شرعية وينتهك الحقوق الانسانية للشعب الفلسطيني وحقه في تقرير مصيره.

4 – هذه هي أهم المبادئ والقواعد التي قضت محكمة العدل الدولية بوجوب الالتزام بها في أي حل تفاوضي للمشاكل العالقة. ومؤدى هذا كله أن ما هو غير شرعي لا يكتسب شرعية بوجوده، وأنه يجب أن يُزال. وغني عن القول أن المحكمة لم يكن مطروحا عليها مشروعية قرار التقسيم وحق العودة. غير أننا نلاحظ أنه ما دامت المحكمة قد قضت بأن اسرائيل، والمجتمع الدولي، ملزمان باحترام اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949، فانها تكون قد قضت ضمنا بحق اللاجئين في العودة، حيث أن تلك الاتفاقية قد نصت صراحة على حماية هذا الحق، وعلى التزام أطراف الاتفاقية به حتى ولو انسحبوا من الاتفاقية. ومعنى هذا أنه حق لا يزول ولا ينقضي. كما نلاحظ أن اتفاقية جنيف هذه كانت سابقة على قرار الجمعية العامة بشأن عودة اللاجئين الفلسطينيين، ومؤدى هذا أن حق العودة هو من الحقوق الثابتة في القانون الدولي الانساني قبل صدور قرار الجمعية العامة وأن هذا القرار لم يكن سوى تطبيق لهذا القانون.

5 – إن اسرائيل تعرف طبعا ما قررته المحكمة من مبادئ وقواعد تحكم الحل التفاوضي، وتدرك أن الالتزام بها سيؤدي الى تقويض كل ما أقامته في الاراضي الفلسطينية المحتلة، بما في ذلك القدس الشرقية وما حولها. وهي تعرف كذلك أن المجتمع الدولي قد اعترف بهذه القواعد والمبادئ وذلك بالتصويت عليها في الجمعية العامة للامم المتحدة بأغلبية ساحقة لم يعارضها من الدول ذات الشأن سوى الولايات المتحدة الامريكية. وحتى الولايات المتحدة فانها ستجد نفسها في موقف حرج اذا هي مارست حق النقض ضد قرار يرتكز على هذه المبادئ والقواعد.

المخرج الاسرائيلي

6 – والمخرج الذي ولا شك تبنته اسرائيل هو العمل على تجاهل فتوى محكمة العدل الدولية وتعطيل أية محاولة لتفعيلها، والتركيز، بدلا من ذلك، على التمسك بالمفاوضات، دون الدخول فيها أو الوصول الى نتيجة، بافتعال شتى الادعاءات والحجج للمماطلة، كالادعاء الحالي بعدم وجود شريك فلسطيني تتفاوض معه، وكأن من حق اسرائيل أن تقرر من يمثل الفلسطينيين في المفاوضات. ولا يهم اطلاقا أن الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات كان شريكا مقبولا في مفاوضات أوسلو وما تلاها من مفاوضات، كما لا يهم أن من خلفه بعد وفاته، الرئيس الحالي محمود عباس ورئيس الوزراء الأسبق أحمد قريع، كانا مهندسي اتفاقية أوسلو، وأن الرئيس الحالي، حتى بعد مجيئ حماس للحكومة، قد عمل على استرداد اختصاصات كان يعترض على أن تكون للرئيس عندما كان رئيسا للوزراء أيام الرئيس الراحل واستقال بسبب الخلاف على هذه الاختصاصات، ولا يهم أن اسرائيل نفسها وأمريكا والاتحاد الاوروبي قد قررت دعمه والتعامل معه، ولا يهم أنه والبقية الباقية من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية التي وافقت على اتفاقيات أوسلو وما بعدها، يتمسكون بأن المفاوضات هي من حقهم. كل هذا لم يجعل اسرائيل تقرر أنه يوجد شريك للمفاوضات، والسبب هو أن المخطط الاسرائيلي ما زال لم يكتمل.

7 – والذريعة الاسرائيلية الثانية للمماطلة هي الاصرارعلى وقف المقاومة الفلسطينية للاحتلال قبل الخوض في مفاوضات. وهذه ذريعة هدفها المماطلة لا غير. ومما يؤكد ذلك أن المقاومة الفلسطينية المسلحة توقفت أكثر من سنة، ومع ذلك لم تبادر اسرائيل للدخول في مفاوضات، كما أن وقف العمليات العسكرية لم يكن يوما من الايام شرطا لبدء المفاوضات لانهاء النزاع.. كما أنه ليس مقبولا على الاطلاق أن تواصل اسرائيل انتهاك الحقوق الفلسطينية يوميا، ويقف الفلسطينيون مكتوفي الايدي في انتظار انتهاكات جديدة.

8 – نخلص من هذا الى القول بأن الدعوة الى المفاوضات ليست دعوة صادرة عن حسن نية، وانما هدفها الحقيقي هو تأجيل الدخول فيها الى أن تنهي أسرائيل تنفيذ مخطاتها على الأرض، وخاصة إقامة الجدار وفقا لمخططاتها، ومواجهة الطرف الفلسطيني بالواقع الجديد الذي يحقق لاسرائيل كل ما تريد وهو الاستيلاء الفعلي وبصورة دائمة على فلسطين كلها، واحتجاز الفلسطينيين داخل سجن كبير يحيط به جدار حصين شاهق من كل جانب، لا يُرون ولا يَرون من ورائه، يصول فيه المستوطنون والاسرائيليون ويجولون كما يشاؤون، فضلا عن تجزئة الداخل الى قطاعات منفصلة لا يتلاقى سكانها الا بموافقة السجان الاسرائيلي عبر الحواجز، ولا يستطيعون الاتصال بالعالم الخارجي أو يتصل هو بهم الا عبر بوابات يسيطر عليها هذا السجان. أي أن اسرائيل لن تدخل المفاوضات الا بعد أن تستكمل مخططها في التحكم الكامل في حياة الفلسطينيين باجراءات ثابتة على الارض، وتصبح المفاوضات محصورة في الخدمات الانسانية التي يمكن أن تقدم للفلسطينيين، كما هو الحال الآن في قطاع غزة، كفتح المعابر في أوقات معينة للسماح للادوية والمواد الغذائية بالدخول، وستقفل هذه المعابر، كما تقفل الآن في غزة، في كل لحظة يتذمر فيها الفلسطينيون، ولكنها ستكون دائما مفتوحة أمام من يُرْغَمُ على الهجرة للتخلص من السجن الكبير، أو لأن مستوطنين استولوا على بيته أو أرضه، أو لأنه لا يجد مجالا للرزق، أو لغير ذلك من الاسباب التي تتفنن اسرائيل والمستوطنون في ابتكارها. وللفلسطينيين أن يقيموا دولتهم في هذا السجن، ولكن اذا بدرت منهم بادرة تمرد فإن العصا الغليظة ستنزل بهم بذريعة الدفاع عن النفس من اعتداءات “الدولة الفلسطينية”. وطبعا ستدعي اسرائيل في المفاوضات، خلافا لما قضت به محكمة العدل الدولية، أن اجراءاتها هذه هي اجراءات مؤقتة، هدفها الوحيد الدفاع عن الأمن الاسرائيلي، وهو مبرر سبق لدول عربية أن قبلته مع أنه انتقص من سيادتها على اراضيها، فلماذا لا يقبله الفلسطينيون خاصة وأنه ستكون لهم دولة قد أقيمت فوق ترابهم الوطني؟ فاذا رفض الفلسطينيون هذا العرض الاسرائيلي فإن اسرائيل ستعلن عندئذ أنها أوفت بما عليها في خارطة الطريق من اقامة دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل، وأنها ستسحب قواتها من أراضي هذه “الدولة”، منهية بذلك احتلالها للاراضي الفلسطينية. وستجد من يؤيدها في ذلك، ليس من الدول الاجنبية فقط.

9 – هذا هو المخطط الاسرائيلي والهدف الاساسي من اقامة الجدار وملحقاته والسبب الحقيقي وراء المماطلة في اجراء مفاوضات، مع التمسك بها في الظاهر. والمطلوب هو إفشال هذا المخطط الذي قاربت حلقاته على الاكتمال. ومن أهم أدوات المقاومة له هوتفعيل فتوى محكمة العدل الدولية بقوة، كسلاح من أسلحة المعركة، تماما كما فعلت الدول الافريقية عندما فَعَّلَت فتوى مماثلة لصالح ما أصبح يعرف بناميبيا ضد جنوبي افريقيا العنصرية في ذلك الحين، ونجحت في فرض عقوبات ومقاطعة على جنوبي افريقيا، كما نجحت بالمثابرة والعمل الدؤوب في انتزاع استقلال ناميبيا بعد أحد عشر عاما من صدور تلك الفتوى، وكان ذلك كله بالعمل من خلال الجمعية العامة للامم المتحدة. والمفروض أن الدول العربية والاسلامية أقوى تأثيرا في الجمعية العامة للامم المتحدة مما كانت عليه الدول الافريقية. ونود أن نُذَكِّر بأن المحكمة قد فسرت ميثاق الامم المتحدة في قضية الجدار تفسيرا يعطي للجمعية العامة سلطة واسعة في التأثير لحل القضية حلا يتفق والمبادئ والقواعد التي أرستها . وبموجب هذا التفسير فإن سلطة الجمعية العامة في اتخاذ القرارات لضمان السلم والأمن الدوليين هي كسلطة مجلس الأمن، وأن كون الموضوع مطروحا على مجلس الأمن لا يمنع الجمعية العامة من النظر فيه في نفس الوقت واتخاذ ما تراه من اجراءات. وفي الجمعية العامة لا يملك أحد حق الفيتو.

10- واخيرا لا مفر من تكرار القول بأن التهاون الرسمي العربي هو المسئول الأول والأخير عن ضياع الحقوق العربية. ويقيناً لو أن حكامنا الأشاوس تجرأوا مرة واحدة وفي هذه اللحظة الحاسمة في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي، على توحيد كلمتهم بالاصرار على تنفيذ فتوى محكمة العدل الدولية، ونشطوا في ذلك والتزموا به، فان مجرى الاحداث سيتغير، دون أن يتحرك جندي عربي من ثكنته. أما سياسة التطبيع والمجاملة والتضييق على الفلسطينيين أو الضغط عليهم على أمل أن ترتدع اسرائيل ومَنْ يساندها، فقد ثبت بالواقع المعاش أنها تؤدي الى نتيجة عكسية وتزيد في تأجيج المطامع الاسرائيلية. وندعو السلطة الوطنية الفلسطينية، رئيسا وحكومة وفصائل ومنظمات حقوق انسان، الى التنبه لهذا المخطط الاسرائيلي والى ضم الصفوف والتوقف عن المهاترات حول السلطة والاختصاصات، والتوجه بكل الجهود للعمل على إفشال هذا المخطط الخطير، وبسلاح الشرعية الدولية في أعلى وأوضح صورها، وهو حكم محكمة العدل الدولية. كما ندعو الأمين العام لجامعة الدول العربية، وهو الرجل القانوني البارع، والذي شارك بممثليه أمام المحكمة في الوصول الى هذه النتيجة، أن يضاعف من تحركاته في هذا الاتجاه نفسه، الذي يجب الا يُحرج أية دولة من دول الجامعة، حيث أن الفتوى مُلزمة لجميع الدول، بما فيها دول الجامعة العربية.

الإعلان

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

صورة تويتر

أنت تعلق بإستخدام حساب Twitter. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s