هل تم اتفاق على حل نهائي للقضية الفلسطينية؟
مقدمة
1 – نرجو ألا يسيء أحد فهم توقيت نشر هذا المقال. فكما يتضح مما يلي في هذه المقدمة، فان الموضوع لا ارتباط بينه على الاطلاق وبين الاحداث المؤلمة التي وقعت في غزة، وأنه كان مطروحا للبحث والتدقيق قبل تلك الاحداث. فقد أشرت اليه بمنتهى الصراحة في مقال نشرته القدس العربي في العاشر من مايو 2007، أي قبل أحداث غزة بأكثر من شهر كامل، وأحجمت عن التعليق عليه في انتظار نفيه أو تأكيده من ذوي الشأن تجنباً للتسرع نظرا لأهميته التي أشرت اليها أيضا في ذلك المقال. وانتظرت أن يصدر نفي أو تأكيد طوال هذه المدة. ولكن شيئا من ذلك لم يحدث. والموضوع يتجاوز في أهميته أحداث غزة، ويتجاوز الخلافات التي تقع بين الحين والآخر بين الحركات والمنظمات، ويتجاوز الحركات والمنظمات جميعاً لأنه يمس صميم القضية الفلسطينية التي تهم كل فلسطيني، ولا يصح أبداً اغفاله أو اهماله بسبب ظروف طارئة، مهما كانت. فمصير الخلاف بين فتح وحماس هو الحل بالحوار. ولكن القضية تبقى، ويبقى واجب حمايتها، سواء كانتا هما أو غيرهما من التنظيمات في حالة خلاف أو وفاق. ، ويقيني أن هذا هو موقف الحركات الفلسطينية جميعا. والكل يعلم، خاصة من مواقفي في المجلس الوطني الفلسطيني، أنني لا أنتمي الى أي تنظيم أو حركة، وأنني لا أناصر فريقاً على فريق، وانتمائي الوحيد هو لقضية الوطن. وعلى هذا فانني أرجو ألا يُنظر الى هذا المقال نظرة ضيقة أو أن توقيت نشره يعبر عن موقف من الفريقين المختلفين. فالطروحات الاسرائيلية التي يتعرض لها هذا المقال، وما زعمته الصحافة الاسرائيلية من موافقة الجانب الفلسطيني عليها، قد يشجع اسرائيل على المضي في نهجه في أي وقت من الاوقات استغلالا للظروف الراهنة، وقد يقع المفاوض الفلسطيني في شباك ما تنطوي عليه هذه الطروحات من خدع ومناورات، بغض النظر ‘عن من يكون هذا المفاوض الفلسطيني. ولذا فاننا نرجو أن ينظر الى هذا المقال فقط من زاوية واحدة وهي التنبيه الموضوعي لمخاطر تحيط بالقضية من تطور المناورات الاسرائيلية سواء صح الخبر موضوع هذا المقال، أو لم يصح.
2 – نشرت القدس العربي في عددها الصادر في 24 ابريل 2007 صفحة 5 خبرا تحت عنوان “عباس ونائب وزير الأمن الاسرائيلي أعدا سرًا اتفاقا لحل النزاع الفلسطيني الاسرائيلي يضمن يهودية اسرائيل” وذلك نقلا عن صحيفة معاريف الاسرائيلية في عددها الصادر في 23 أبريل 2007. ووفقا لما جاء في ذلك الخبر فان الصحيفة الاسرائيلية كشفت النقاب عن “وجود اتفاق للحل النهائي للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي وقعها (وقعه) كل من رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية محمود عباس (أبو مازن) ونائب وزير الأمن الاسرائيلي أفراييم سنيه”. وقال الصحافي الاسرائيلي، الذي ذكر انه “حصل على نسخة من الاتفاق بين الطرفين” ، “إن الرئيس عباس وافق على الطرح القائل إن دولة اسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، ولا يجوز في أي حال من الأحوال التنازل عن هذا التعريف، الأمر الذي يعني بصورة مباشرة أن عباس تنازل عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا في نكبة العام 1948”. وجاء في الخبر أن الصحافي الاسرائيلي “شدد على أن الاتفاق كان جاهزا وحاضرا للنقاش فيه، ولكن الانتخابات التشريعية الفلسطينية وفشل حركة فتح وصعود حركة حماس الى السلطة بعد الانتخابات أفشل المخطط بين سنيه وعباس ودفعهما الى تأجيل النظر فيه”. وبحسب الصحيفة الاسرائيلية فان المفاوضات بدأت عام 2005 بين سنيه وعدد من مستشاري عباس، وبعد الانتهاء من اعداد مسودة الاتفاق قام الطرفان بتسليمه الى أحد أبناء محمود عباس الذي قام بدوره بتسليمه لوالده. وبعد ذلك قام سنيه بالسفر شخصيا الى مقر عباس في المقاطعة حيث اتفق على أن يقوم رئيس السلطة بارسال مندوب رسمي عنه الى المحادثات. ويقول الخبر إن أحد كبار قادة فتح قد وصل الى اللقاءات بايعاز من أبو مازن وقضى مع سنيه ثلاثة أيام متواصلة وتمكن الاثنان من التوصل الى الصيغة النهائية التي عرضت على عباس وأعلن موافقته عليها. “ولكن الاتفاق لم يخرج الى حيز التنفيذ كما خطط عباس وسنيه بسبب خسارة فتح في الانتخابات”.
3– ومع الأسف فإن الصحفي الاسرائيلي لم ينشر النص الكامل للاتفاق الذي تحدث عنه، واكتفى بالاشارة الى بعض ما ورد فيه. ففضلا عن الاعتراف بأن اسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، وأنه لا يجوز بأي حال من الأحوال التنازل عن هذا التعريف، فقد جاء فيه، حسبما ذكره الصحافي الاسرائيلي، “أن الوطن التاريخي للشعبين الاسرائيلي والفلسطيني يقع بين نهر الاردن وبين البحر الأبيض المتوسط، وأن حل النزاع القائم بينهما يحتم عليهما تقسيم الأرض بينهما، وأن الحدود بين الدولة العبرية وبين الدولة الفلسطينية العتيدة يجب أن يكون على أساس الوضع الذي كان قائما قبل عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967. ولكن مع ذلك، “أكد الاتفاق” والكلام للصحافي الاسرائيلي،” أنه لا محال بأن تقوم اسرائيل والفلسطينيون بعملية تبادل أراضٍ، بحيث أن الاراضي التي ستضم الى الدولة العبرية في الضفة الغربية المحتلة، تحتم على اسرائيل دفع التعويضات عنها للفلسطينيين. أما بالنسبة للقدس فقد جاء في الاتفاق “مدينة القدس بشطريها الغربي والشرقي مدينة سلام، بحيث تكون عاصمة لاسرائيل وأيضا عاصمة للدولة الفلسطينية، وأن السيطرة السياسية على الاحياء المختلفة تكون وفق تركيبة السكان”.
4 – هذا ما نشرته القدس العربي نقلا عن صحيفة معاريف الاسرائيلية. وقد اطلعنا على هذا الخبر ونحن نعد مقالا عن أزمة المبادرة العربية، وهو مقال تكرمت القدس العربي بنشره في العاشر من مايو 2007 ، واشرنا فيه الى هذا الخبر. ونظرا لخطورته، فقد قلنا اننا نحجم عن التعليق عليه الى أن يصدر نفي أو تأكيد له من جانب الرئاسة الفلسطينية. وحيث أنه لم يصلنا نفي أو تأكيد كما لم يصدر بيان رسمي في هذا الخصوص، فاننا في هذا المقال نفي بما وعدنا به، حيث أنه يجب ألا يمر خبر كهذا وكأنه خبر عادي نقرؤه ثم ننساه، ذلك ان ما جاء فيه يجب أن يكون محل نظر كل فلسطيني لأنه يعبر عن موقف اسرائيلي طُرِحَ أو سيطرح على الجانب الفلسطيني في مفاوضات سرية شبيهة بتلك التي انتجت اعلان مبادئ اوسلو وما تلاه من اتفاقيات، واذا كان الاتفاق قد حصل فعلا فانه يعبر عن استسلام كامل للطروحات الاسرائيلية والصهيونية ومنحها الشرعية الفلسطينية التي طالما حرصت على الفوز بها. ليس هذا فحسب بل انه يضفي الشرعية الفلسطينية على وعد بلفور وقرار التقسيم وما أحدثته اسرائيل من تغييرات وانتهاكات للشرعية الدولية منذ قيامها وفي مستقبل الايام، ويجعل من النضال الفلسطيني طوال قرن كامل ويزيد نضالا عبثيا لم يكن له أي مبرر حقيقي. بالاضافة الى هذا ، فان الاتفاق، اذا كان فعلا قد حصل، يؤكد لاسرائيل مدى التنازلات التي تكون القيادة الفلسطينية الحالية على استعداد لتقديمها للوصول الى ما يسمى بالحل النهائي، وهو اتفاق تستطيع اسرائيل أن تشرعه في وجه المبادرة العربية لاسقاطها. اننا نرجو مخلصين ألا يكون اتفاق من هذا القبيل قد حصل، وأن ما نشرته الصحيفة الاسرائيلية لا يعدو أن يكون مناورة اسرائيلية لجس نبض القيادة الفلسطينية والشارع الفلسطيني. وسواء حصل الاتفاق أو لم يحصل فان الواجب يفرض على كل فلسطيني وعربي أن يدقق فيه، ولو للتعرف على ما يدور في أفكار الجانب الاسرائيلي..
الاطار الموضوعي لما اصطلح على تسميته بالحل النهائي
5 – قبل الدخول في تفاصيل النقاط التي زعمت الصحيفة الاسرائيلية أنها كانت محل اتفاق، لا بد من تحديد الاطار الموضوعي للمفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية في هذه المرحلة. هذا التحديد له أهميته، لأنه هو الذي يحكم جدول الاعمال الذي على الجميع الالتزام به. ولهذا السبب نجد أن المتفاوضين يصرفون وقتا طويلا في تحديد جدول الاعمال، أي تحديد الموضوعات التي سيتفاوضون بشأنها. وهو أمر مهم بوجه خاص في التفاوض مع اسرائيل التي تسعى دائما لازاحة المفاوضات عن هدفها و/أو الزج بموضوعات تحرص هي على اقتناص الفرصة لتحقيق مكاسب معينة. الموضوع الاساسي للمفاوضات هو، ويجب أن يبقى، تطبيق الشرعية الدولية على الوضع القائم، بحيث تتم ازالة ما هو غير شرعي وفقا لمرجعية قانونية محددة خارجة عن اطار التفاوض. وقد تكفلت محكمة العدل الدولية بتحديد هذه المرجعية في فتواها التي أصدرتها بشأن الجدار الفاصل. وهذه المرجعية، وفقا لفتوى المحكمة، هي مبادئ القانون الدولي التي أعلنتها في نفس الفتوى. الوضع القائم هو احتلالٌ غير شرعي وممارسات من قبل الدولة المحتلة واجراءات اتخذتها كلها غير شرعية ويجب أن تزال، وحقوقٌ للشعب الفلسطيني يجب أن تُحترم. .ومبادئ الشرعية الدولية الواجبة التطبيق لا محل للاجتهاد فيها من أحد بعد فتوى محكمة العدل الدولية واعتماد تلك الفتوى من الغالبية الساحقة للجمعية العامة للامم المتحدة، بما في ذلك جميع دول الاتحاد الاوروبي وروسيا والصين، باسثناء أمريكا واسرائيل وثلاث دول هامشية لا وزن لها في المجتمع الدولي. ومعنى هذا أن المجتمع الدولي والامم المتحدة أصبحا ملزمين بمفهوم محدد لمبادئ القانون الدولي الذي يجب أن تتم التسوية للنزاع الحالي على أساسه. وعلى المفاوض الفلسطيني أو العربي أن يكون متفهما لها تفهما كاملا وملتزما بها، وأن لا يوافق على ما قد يسبغ الشرعية على ما هو غير شرعي، أو أن ينقاد موضوع المفاوضات الى نقاط لا شأن لها بتطبيق هذه المبادئ.
6 – وهذه المبادئ التي أشارت اليها المحكمة واعتمدتها الجمعية العامة هي التي سبق وأن اعتمدها وطبقها مجلس الأمن والجمعية العامة بشأن ما جد نتيجة لحرب عام 1967، فضلا عن قرار الجمعية العامة الخاص بعودة اللاجئين، حيث أن هذه القضية بقيت عالقة حتى الآن. ووفقا لهذه القرارات والمبادئ التي أعلنتها محكمة العدل الدولية فان عناصر الحل تتمثل في انهاء الاحتلال، حيث أن احتلال أراضي الغير بالقوة، عمل يخالف القانون الدولي، وازالة ما ترتب عليه من آثار لكونه عملا غير مشروع. ويعني هذا، في رأي محكمة العدل الدولية، العودة الى حدود هدنة عام 1949. ويدخل في ذلك الانسحاب الكامل من القدس الشرقية. وهذا هو التفسير القانوني الملزم للقرار رقم 242 الذي تحدث عن الانسحاب من “اراض محتلة” حسب النص الانكليزي أو “الأراضي المحتلة” حسب نص القرار باللغة الفرنسية. فالمحكمة قضت بأن الاراضي المحتلة تشمل كل ما تم احتلاله عام 1967 خارج حدود هدنة 1949. فالتفاوض اذن يجري حول الترتيبات العملية للانسحاب الى تلك الحدود، وليس التفاوض حول الحدود أو تبادل الاراضي أو الموافقة على ما خلقته اسرائيل على الارض من واقع بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي، أو فرض قيود على السيادة الفلسطينية على أراضيها أو تصرفاتها لأي حجة كانت، مثل ادعاءات ضروريات أمنية لاسرائيل تترك دولة فلسطين تحت احتلال جديد يحد من سيادتها، ولكن بموافقتها هذه المرة.
7 – وقرر مجلس الأمن والمحكمة كذلك (بما فيها القاضي الامريكي الذي تحفظ على أمر اجرائي) أن المستوطنات غير شرعية. أي أنه لا توجد مستوطنات شرعية يجب أن تبقى وأخرى غير شرعية يجب أن تزال. المستوطنات كلها، ثابتها ومتنقلها، صغيرها وكبيرها، غير شرعية ويجب أن تزال، ولا قيمة للتفرقة الاسرائيلية بين مستوطنات “شرعية” أي أقرتها الحكومة الاسرائيلية، وأخرى عشوائية أقامها المستوطنون. فالذي يطبق على الشرعية هو القانون الدولي وليس القانون الاسرائيلي. ولذا فإن المفاوضات بشأن المستوطنات تنحصر فقط في اعطاء الفرصة الزمنية لرحيل المستوطنين. وفي أثناء هذه الفترة الزمنية يكون المستوطنون والمستوطنات تحت السيادة الفلسطينية.
8 – وأما بخصوص القدس، ففضلا عن أن ضمها والاستيطان فيها مخالفان للقانون الدولي من حيث المبدأ، وأنها تدخل ضمن حدود عام 1967 بوصفها أرضا محتلة يجب الانسحاب منها، فان مجلس الأمن قد اتخذ قرارت اضافية خاصة بها أعلن فيها عدم شرعية ضمها، وطالب اسرائيل بالغاء كل ما اتخذته من اجراءات أو تشريعات لتغيير الوضع القانوني للمدينة أو تغيير البنية السكانية فيها. جميع هذه الاجراءات والتشريعات تعتبر مخالفة للقانون الدولي ولقرارات مجلس الأمن وفتوى محكمة العدل الدولية. ومؤدى هذا ليس فقط عودة القدس الشرقية بكاملها وانما الغاء جميع التصرفات التي قامت بها اسرائيل من نقلٍ للسكان الفلسطينيين أو توطينٍ لاسرائيليين أو استيلاءٍ على أراض، أو محاولةِ منح حقوق دائمة فيها للمحتل أو لمواطنيه. ويكون من حق الدولة الفلسطينية ازالة ما أحدثه الاحتلال من تغييرات أو منشآت لأنها كلها غير شرعية.
9 – وبشأن عودة اللاجئين فان القرار رقم 194 واضح في حق اللاجئين في العودة الى بيوتهم واراضيهم، اينما كانت، والتعويض عما أصابهم من ضرر بسبب حرمانهم من ممارسة هذا الحق والاستفادة من ممتلكاتهم طوال هذه الفترة، أو تعويض من لا يرغب في العودة عن أملاكه وعن الضرر الذي لحق به حتى يوم قراره.
10 – وبطبيعة الحال فقد ترتبت على الاحتلال وما أرتكبه من انتهاكات للقانون الدولي والقانون الدولي الانساني اضرار كثيرة لحقت بابناء الشعب الفلسطيني وبالكيان الفلسطيني، وهذه يجب أن تكون محل تفاوض أو تحكيم دولي للحصول على تعويضات عنها لأنها كلها أفعال غير مشروعة، وهذا المبدأ أقرته محكمة العدل الدولية عندما ألزمت اسرائيل بالتعويض عن الاضرار التي ترتبت على بناء الجدار غير الشرعي، وبدأت الامم المتحدة في اعداد ملف خاص بهذه الاضرار تنفيذا لفتوى المحكمة.
11 – هذا هو اطار المفاوضات. وواضح منه أنه لا محل لفرض طرف على الطرف الآخر بحث موضوع خارج عن هذا الاطار. ونلاحظ أن قرارات مجلس الأمن ذاتها التي عالجت القضية وقرارات الجمعية العامة وفتوى محكمة العدل الدولية لم تشر لا من قريب ولا من بعيد لموضوع اعتراف متبادل مثلا، فالاعتراف حق من حقوق السيادة تمارسه كل دولة وفقا لتقديرها وليس في القانون الدولي ما يلزم دولة بأن تعترف بدولة أخرى أو بحقها في الوجود مثلا أو بالتسمية التي تريد أن تطلقها على نفسها، وانما أشارت فقط الى حدود آمنة ومعترف بها. وهذا يتحقق بانهاء الاحتلال الذي هو السبب في الازمة القائمة حاليا، كما لا يشترط لقيام السلام اعترافات متبادلة أو تطبيع كامل. والسوابق الدولية في هذا الشأن كثيرة، ولذا فان مجلس الأمن تجنب الاشارة اليها في القرار رقم 242.
12 – وثمة مسألة كثيرا ما تغيب عن الاذهان، وهي أن أي اتفاق يبرمه الفلسطينيون في الظروف الراهنة لا يكون ملزما لهم في المستقبل ويستطيعون التنصل منه وفقا للقانون الدولي، ولذا فان أي اتفاق جائر لن يحقق الأمن والسلام لأحد. والسبب في ذلك أنه سيكون اتفاقا تم تحت الاكراه وفي ظل ظروف احتلال قاسية جدا تفقد المفاوض الفلسطيني حرية الارادة لابرام اتفاق تتوفر فيه عناصر الالزام، والاكراه هذا قائم بشكل خطير، بسبب الاحتلال وممارساته والتواطؤ معه. وهذه وسائل اكراه يعاني منها الفلسطينيون يوميا بحيث لا يمكن الادعاء بأن أي اتفاق يبرمونه قد تم بارادتهم الحرة. ولهذا اذا أريد ابرام اتفاق يكون له حظ من الدوام فلا بد أولا من ازالة جميع هذه العناصر قبل أن يتم أي اتفاق. والاحتلال في حد ذاته هو السبب المنتج لكل هذه العناصر، يضاف اليه الاستجابة التلقائية تقريبا لكل ما يخطط له الاحتلال. المطلوب هو انهاء الاحتلال أولا وقبل كل شيء. وتجدر الاشارة الى أن انهاء الاحتلال يجب ألا يكون مقيدا بأية شروط، وهذا ما حصل في جميع الحالات. تحررت المستعمرات دون شروط مسبقة، مثل الاعتراف بالدولة المستعمرة أو بحفها في الوجود أو بفرض قيود على الدولة الجديدة تحد من سيادتها. وأصبحت الدول الجديدة عضوا في المجتمع الدولي تمارس من السيادة ما تمارسه الدول الأخرى وتخضع للقانون الدولي شأنها شأن الدول الاخرى.
13 – ننتقل بعد هذا للنظر في النقاط التي زُعِمَ أن الاتفاق قد تم عليها، ونعتمد في هذا على ما أوردته الصحيفة الاسرائيلية، علما بأن الصحيفة لم تنشر الاتفاق بكامله، مع أن الصحفي الذي تحدث عنه أشار الى أن لديه نسخة منه. ولهذا فانه ليس بالامكان التعليق على كل ما جاء في الاتفاق لعدم نشره. ولكن مما تجدر ملاحظته أن الصحفي الاسرائيلي ربما تعمد الاشارة فقط الى النقاط التي اعتبرها ذات أهمية خاصة بالنسبة للاسرائيليين. ولكن قبل أن ندخل في التحليل، لا بد من الاشارة الى أنه نخشى أن يكون هذا الاتفاق هو اتفاق مبادئ كاتفاق اوسلو، حيث أن الامور التي أشار اليها يبدو عليها تعمد الابهام والعمومية بحيث تحتاج الى اتفاقيات لاحقة لتفسيرها، وفي هذه الاثناء يتسلح المفاوض الاسرائيلي بعبادئ هي حتما في صالحه، ويستمر في ممارساته تماما كما حصل بعد اتفاق مبادئ أوسلو. أي أن الاتفاق هذا لن يكون حلا نهائيا وانما هو خطوة أحرى، ولكنها بالغة الخطورة، في تنفيذ المخططات الصهيونية، ونخشى كذلك أن يكون هذا الاتفاق هو الذي سيتم نتيجة لما يسمى بنحريك عملية السلام، فينتهي هذا التحريك باعتماده ومواجهة الشعب الفلسطيني به في غياب مؤسسات فاعلة لمنظمة التحرير الفلسطينية تعكس الوضع الراهن للنضال الفلسطيني وتقوده.
يهودية اسرائيل
14 – قال الصحفي الاسرائيلي “ان الرئيس عباس وافق على الطرح القائل ان دولة اسرائيل هي دولة الشعب اليهودي، ولا يجوز في أي حال من الاحوال التنازل عن هذا التعريف” مضيفا “الأمر الذي يعني بصورة مباشرة أن عباس تنازل عن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا في نكبة عام 1948”.
15 – وأول ما يلاحظ على هذا الطرح أنه لا شأن له بقضية الاحتلال وانهائه، وانه ليس فقط التفافاً على حق العودة، كما قال الصحفي الاسرائيلي. والواقع أن رئيس السلطة الفلسطينية قد استدرج، على ما يبدو، لاستعمال عبارات مشابهة في مناسبات رسمية سابقة لفتت الانظار في حينها. أما ورود عبارات كهذه في وثيقة رسمية فأمر له خطورته، وأولها تقرير واقعي والتزام فلسطيني أبدي بهذا الطرح الاسرائيلي. فاسرائيل قامت في أرض فلسطينية، وليس في فراغ لا أهل له. فهو لا يقضي فقط على حق العودة الذي أشار اليه الصحفي الاسرائيلي، بل يشكك على الأقل في شرعية الوجود الفلسطيني على مدى التاريخ في أرض فلسطين، وبالتالي فان وجود ما يقارب من مليون من ابناء الشعب الفلسطيني في ذلك الجزء من وطنهم الذي اصبح يُعرَفُ باسرائيل هو وجود غير شرعي. هؤلاء ليسوا جزءاً من الشعب اليهودي، مهما كان تعريفه، ولا تعترف لهم اسرائيل بهذه الصفة، وانما هم مواطنون اسرائيليون يناضلون من أجل الحصول على الحقوق الكاملة للمواطنة.، وهو موضوع قيد البحث في الدوائر الرسمية الاسرائيلية. والموافقة على نص من هذا القبيل تعني الموافقةَ على التمييز ضدهم واعطاء غطاء الشرعية الفلسطينية لهذا التمييز، ويدعم موقف دعاته . ليس هذا فحسب، اذ أن الصهيونية تقوم أساساً على الحصرية العنصرية التي لا تقبل الآخرين، ونص كهذا يتجاوز وعد بلفور وقرار التقسيم. فوعد بلفور حافظ على الأقل على بعض حقوق “غير اليهود” في الوطن القومي لليهود، وقرار التقسيم انشأ دولة “يهودية” يتساوى عدد السكان فيها تقريبا بين اليهود والفلسطينيين ويحفظ حقوق مواطني هذه الدولة بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية أو العرقية. كما أن نصا كهذا يدعم الموقف الحصري العنصري للصهيونية ويوفر لها ركيزة لاقتلاع الفلسطينيين من أرضهم، تماما كما حصل في الماضي، مع الفارق بأنه سيكون هذه المرة بموافقة ممثلي الشعب الفلسطيني. ولا نريد أن ندخل في نقاش حول تعريف الشعب اليهودي، ويكفي أن نقول إن الذي يجمع اليهود هو الديانة، والا ما الذي يجعل من المغني الامريكي الأسود (سامي ديفيز جونيور) أو المغنية مادونا أو يهود أوروبا الشرقية يهودا غير اعتناقهم الديانة اليهودية؟ والموافقة على هذا النص تعني الموافقة على أن الدولة ليست دولة دينية فحسب وانما هي لاتباع ذلك الدين أينما وجدوا. وهذا لا يجوز اصلا. وعندما يقترن هذا بما جاء في الاتفاق من أن فلسطين من النهر الى البحر هي وطن تاريخي للشعب اليهودي، فان ما تستطيع اسرائيل احتلاله يصبح بذلك وبموافقة الفلسطينيين وطنا ابديا وعلى سبيل الحصر للشعب اليهودي.
فلسطين وطن تاريخي للشعبين
16 – قال الصحفي الاسرائيلي انه جاء في الوثيقة ” إن الوطن التاريخي للشعبين الاسرائيلي والفلسطيني يقع بين نهر الاردن وبين البحر الأبيض المتوسط”. وهذا اعتراف بما تدعيه الحركة الصهيونية من حق تاريخي في فلسطين كلها، يتساوى مع الحق التاريخي لشعبها، سكانها الاصليين الذين تمتد جذورهم في أعماق التاريخ ولم ينقطع بقاؤهم فيها. في اتفاقية أوسلو كانت الاراضي الفلسطينية “أرضا متنازعاً عليها”، واذا بها في هذا الاتفاق الجديد تحل هذا التنازع بالاعتراف بأنها وطن تاريخي للاسرائيليين. هكذا ينتهى التنازع عليها باقرار من الجانب الفلسطيني بالمقولة الصهيونية التي لا تقوم على اساس، بالرغم من المحاولات الصهيونية لاعتمادها أساسا لشرعية وجود اسرائيل. أنهم يعرفون أن جميع الحفريات التي جرت في فلسطين في القرنين التاسع عشر والعشرين وكذلك تلك التي تمت في عهد الاحتلال الاسرائيلي لم تعثر على أثر واحد يؤيد هذا الزعم، بل إن اساتذة علم الآثار في جامعة تل أبيب يشكون في كل شيء حتى وجود داوود وسليمان. والهيكل الذي يدعون لم يعثروا على أي أثر يدل عليه، مع أن آثار بالضخامة التي يصورونها للهيكل لم تندثر اندثارا كاملا في أي مكان في العالم. وحاول بعضهم التزوير فاكتشف تزويره، وأذاعت فضائية الجزيرة فلما وثائقيا عن محاولات التزوير هذه من انتاج ال بي.بي.سي. فيما أذكر، وأرجو من الفضائية أن تكرر اذاعته. التاريخ اليهودي في فلسطين كله من صنعهم ولم ينهض عليه دليل في الحفريات بالرغم من كل ما بذل من جهود. ليس هذا فحسب بل إن هذا التاريخ الذي كتبوه بأنفسهم يدل بوضوح على أنهم جاؤوا غازين محتلين وليسوا من ابناء الوطن. ولا أحد الآن يقرهم على التاريخ الذي كتبوه. ولا ندري كيف أصبحت فلسطين من النهر الى البحر الوطن التاريخي ليهود أوروبا الشرقية مثلا من الخزر الذين اعتنقوا الديانة اليهودية أو للمغني والمغنية سامي دايفيز جونيور ومادونا. واذا كان التفسير هو الاشتراك في الديانة الواحدة، فمؤدى ذلك أن فلسطين هي الوطن “التاريخي” لبلايين البشر الذين يعتنقون المسيحية والاسلام واليهودية. وإنه لمن المغالطات أن يوضع الشعبان الفلسطيني والاسرائيلي في وضع متساو، والهدف من ذلك هو الاشعار بعدم التحيز، أو أنه يمثل تنازلا كريما من الجانب الاسرائيلي، في حين أن هدفه الأساسي هو تسجيل اعتراف رسمي فلسطيني بما تزعمه الحركة الصهيونية من أن فلسطين هي الوطن التاريخي لليهود، حيث أنه لا ينازع أحد في أن فلسطين هي الوطن التاريخي للفلسطينيين. ووراء هذا التعريف هدف آخر وهو اضفاء الشرعية ليس فقط على وجود اسرائيل بل وأيضا على الاحتلال الاسرائيلي وممارساته. فالشعب لا يعتبر “محتلا” في وطنه التاريخي، فوجوده فيه هو الوضع الطبيعي. وكذلك فان المستوطنات تصبح شرعية، لأن من حق الانسان أن يقيم في أي مكان في وطنه، واذا دخل أرضا غير أرضه وبنى فيها فان الذي يطبق عليه هو القانون المدني العادي وليس القانون الدولي والقانون الدولي الانساني وقرارت الامم المتحدة . وهذا التصوير للوضع يستبعد تماما تطبيق هذين القانونين وتلك القرارات. هذه مناورات على الشرعية وعلى التاريخ لا يمكن القبول بها بأي حال من الأحوال.
حل الدولتين
17 – وتمضي الوثيقة الى القول بأن “حل النزاع القائم بينهما (أي بين الشعبين الفلسطيني والاسرائيلي) يحتم تقسيم الأرض بينهما، وأن الحدود بين الدولة العبرية وبين الدولة الفلسطينية العتيدة يجب أن تكون على أساس الوضع الذي كان قائما قبل عدوان حزيران (يونيو) من العام 1967”.اذا كانت فلسطين وطنا تاريخيا للشعبين فلماذا تقسم؟ ولماذا “يجب” أن تكون الحدود هي التي كانت قائمة قبل عدوان حزيران 1967؟ هذه قسمة جائرة لا يرضى بها شريك في الوطن. فالشريك الفلسطيني سيحصل على أقل من عشرين في المائة، بينما يبقى الشركاء الذين أرغموا على مغادرة وطنهم التاريخي، وهم اللاجئون، بفعل الشريك الآخر محرومين وحدهم من العيش في وطنهم التاريخي، في حين يحق لغيرهم ممن لم تكن فلسطين وطنا تاريخيا لهم أن يستوطنوا فيه. اذا كانت فلسطين وطنا تاريخيا للشعبين فإن أول ما يجب الالتزام به هو عودة اللاجئين والغاء مصادرات الاراضي والغاء الاحتكار العنصري للاراضي داخل اسرائيل، هذا الاحتكار الذي يحصر تملك هذه الاراضي والعمل فيها على فئة واحدة وهي اليهود. ثم لماذا لا يكون التقسيم على اساس قرار التقسيم مثلا؟ أو على أساس التوزع السكاني بين الشعبين عند انتهاء الانتداب البريطاني على فلسطين؟ الهدف واضح، وهو الاعتراف بالحق التاريخي لليهود، أما ما عدا ذلك فهو اقرار ما قامت به اسرائيل واضفاء شرعية تاريخية عليه أولا لما قامت به اسرائيل من رسم حدود لنفسها، أي تحكمها في القسمة المزعومة، وثانيا اضفاء الشرعية على ما أنشأته من مستوطنات واستملاكات للاراضي الفلسطينية.
18– الاشارة الى حدود عام 1967 ليست سوى للتظاهر بالاستجابة للقرار رقم 242 ولاصرار العرب على حدود 1967، هذه مناورة دعائية فقط وخداع على الحقيقة. وهذا واضح من أن الاتفاق “أكد أنه لا محال بأن تقوم اسرائيل والفلسطينيون بعملية تبادل أراض، بحيث أن الاراضي التي ستضم الى الدولة العبرية في الضفة الغربية المحتلة تحتم على اسرائيل دفع التعويضات عنها للفلسطينيين”. لماذا “لا مفر” من تبادل للاراضي؟ هذا “التبادل” الذي يبدو غريبا في نوعه، اذ أنه ليس تبادلا للاراضي، وانما هو بيع للاراضي، لجزء من الوطن، من جانب واحد هو الجانب الفلسطيني فقط. فالاتفاق يقول “اسرائيل لا محال لها من ضم أراض من الضفة الغربية”، أما دولة فلسطين فليس لها أن تضم اية أراض من اسرائيل. لماذا لا تضم فلسطين المدن الفلسطينية التي تحتلها اسرائيل مثل يافا وعكا وبئر السبع واللد والرملة وصفد مثلا في عملية التبادل هذه في الوطن التاريخي المشترك؟ طبعا ليس هذا هو المقصود، واستعمال عبارة “تبادل” مغالطة كبيرة تخفي حقيقة المقصود منها، حيث أن الذي سيحصل عليه الفلسطينيون في عملية التبادل الغريبة هذه هو “تعويضات يتحتم على اسرائيل دفعها”. أي أن اسرائيل تشتري من الفلسطينيين جزءا من وطنهم التاريخي وتضمه اليها فضلا عما أخذته داخل حدود 1967. ولم يحدد الاتفاق على ما يبدو هذه الاراضي التي “ستتبادلها” اسرائيل مع الدولة الفلسطينية وتضمها اليها. ولكن من المؤكد أنها ستطالب بضم المستوطنات وضم ما استولى عليه الجدار وضم اراض أخرى لإحكام قبضتها على القدس وتفتيت الدولة الفلسطينية، وضم الغور لتأمين سلامتها، وضم مصادر المياه، الى غير ذلك ما دام أن مبدأ هذا النوع من التبادل قد تم الاتفاق عليه. ولا نستبعد أبدا أنه لم يرد نص يحدد الاراضي التي تجري “مبادلتها” وأن تستمر الاوضاع على ما هي عليه لسنوات بحيث تصبح أمرا مفروضا، ولكنه شرعي، بحجة أن الفلسطينيين يرفضون تنفيذ ما اتفقوا عليه من تبادل أو يغالون في السعر الذي يريدونه. ومن حق كل فلسطيني أن يتساءل هل أصبح الوطن الفلسطيني معروضا للبيع؟
القدس
19 – وعالج الاتفاق وضع مدينة القدس، اذ جاء فيه ” مدينة القدس بشطريها الغربي والشرقي يجب أن تكون مدينة سلام، بحيث تكون عاصمة لاسرائيل وأيضا عاصمة للدولة الفلسطينية، وأن السيطرة السياسية على الاحياء المختلفة تكون وفق تركيبة السكان”. هكذا ببساطة، وباغراء واضح للجانب الفلسطيني، الذي يريد أن تكون القدس عاصمة له.لن يكون هناك تقسيم للمدينة على ما يبدو، بحيث تكون القدس الشرقية المحتلة عاصمة لدولة فلسطين. وانما تبقى المدينة موحدة، طبقا للطرح الاسرائيلي. وهكذا تريد اسرائيل أن تتخلص من التزاماتها بالغاء ضم القدس وجميع ما اتخذته من اجراءات وتغييرات في البنية السكانية للمدينة. واذا كان الحديث عن السيطرة السياسية مرتبطا بالتركيبة السكانية لشعبين يعيشان في وطنهما التاريخي ، فهل سيسمح لفلسطينيي القدس بالعودة الى ممتلكاتهم وبيوتهم وأماكن سكناهم الطبيعية التاريخية في شطريها الشرقي والغربي، وهل سيسمح لابناء القرى الفلسطينية بالعودة الى قراهم، ويخضع هؤلاء جميعا لسيطرة الدولة الفلسطينية؟ النص يبدو بريئا ومعقولا، ولكنه يتجاهل تماما ما احدثته اسرائيل من تغييرات في القدس، وخاصة فيما يتعلق بالبنية السكانية وما رافق ذلك من هدم للالاف من البيوت الفلسطينية وتشريدٍ لأهلها وتوطينٍ لاسرائيليين في المدينة، وهي عملية ما زالت مستمرة بحيث لن يبقى من القدس ليكون تحت سيطرة الدولة الفلسطينية الا أقل القليل، هذا اذا بقي في المدينة فلسطيني واحد. لم يذكر الصحفي الاسرائيلي ما اذا كان الاتفاق قد تعرض للاماكن المفدسة. وأغلب الظن أنه لم يتعرض لها، حيث أن المسجد الاقصى قد أصبح مطوقا ومعزولا، تحيط به اسرائيل والاسرائيليون من كل جانب بما ضُمَّ من أراض وأحياء، وبالتالي فقد خرج عن دائرة التركيبة السكانية الفلسطينية، مع العلم بأن اسرائيل قد اقامت كنيسا تحت المسجد في نفق من الانفاق، كما اننا لا ندري ماذا يجري تحت الحرم الشريف. هل ستصبح عاصمة فلسطين هي فعلا قرية أبوديس تنفيذا لاتفاقٍ أكد السياسي الاسرائيلي بيلين أنه تم بينه وبين عباس، بضم هذه القرية الى القدس وبحيث يمكن الادعاء بأن للدولة الفلسطينية عاصمة هي القدس؟
والنتيجة
20- هذه بعض الملاحظات العامة على هذا الاتفاق الذي قال عنه الصحفي الاسرائيلي بأنه تم بين الرئيس محمود عباس ونائب وزير الأمن الاسرائيلي عام 2005، وهو العام الذي سبق أن حدده الرئيس الامريكي لتحقيق حل الدولتين، ولكن تنفيذه قد تأجل بسبب فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي، على حد قول الصحيفة الاسرائيلية، وهو اتفاق يمنح اسرائيل والحركة الصهيونية الشرعية التي يريدانها ويواجهان بها العرب والمسلمين والمجتمع الدولي لتحقيق المشروع الصهيوني، وتصنيف كل مقاومة له على أنها ارهاب واعتداء على الشرعية يستوجب العقاب من المجتمع الدولي. ولا يخفى مدى الدهاء الاسرائيلي في صياغة هذا الاتفاق، وهي صياغة لاشك أنها استغرقت وقتا طويلا من عقول خلاقة، خبيرة بالمفاوض الفلسطيني، وتتميز بالمكر والدهاء، غير أن هذا كله ما كان ليخفي أهدافه الحقيقية لو كان المفاوض الفلسطيني يتحلى بأبجديات الكفاءة التفاوضية. ولا شك أن المفاوض الاسرائيلي، وقد اختبر كفاءة المفاوض الفلسطيني فيما مضى، قد اقتنع بأن في مقدوره أن يمرر هذه النصوص عليه بسهولة. واذا كان هذا الاتفاق قد حصل فعلا، فانه يؤكد أن تقييم المفاوض الاسرائيلي للمفاوض الفلسطيني كان صحيحا.
21 – في مقال نشر في 4 نوفمبر 1923 توقع جابوتنسكي، المًنَظِّر الصهيوني المركزي لليمين الاسرائيلي، مقاومةً شديدة للمشروع الصهيوني من جانب العرب سكان فلسطين الاصليين، أسوة بكل سكان اصليين تتعرض بلادهم للاستعمار. كما توقع أن موافقتهم على هذا المشروع الذي يسميه هو “مشروعا استعماريا” لا يمكن أن تتم الا اذا بلغ بهم اليأس حدا يرغمهم على الاستسلام نتيجة للاضطهاد والضيق الاقتصادي الذي يتعرضون له بفعل المستعمر الصهيوني. فهل بلغ الفلسطينيون هذا الحد من اليأس؟ ان شعبا واصل نضاله على مدى قرن كامل، جيلا بعد جيل، وتتجدد فيه قوة النضال في تصاعد مستمر، لا يمكن أن يقال إنه قد وصل حد اليأس المطلق الذي تحدث عنه. والذي نرجوه مخلصين أن يكون هذا الخبر الذي أوردته صحيفة معاريف الاسرائيلية مجرد بالون في الهواء لمعرفة رد الفعل الفلسطيني، اما اذا كان غير ذلك، فالأمر لا يمكن السكوت عنه. فاذا كان قد يئس المفاوض الفتحاوي الكبير الذي تحدث عنه الصحفي الاسرائيلي، فان الشعب الفلسطيني لم ييأس، ولم تيأس الشعوب العربية والاسلامية. مرة أخرى نرجو ألا يكون هذا الخبر صحيحاً، ونرجو ألا يكون الرئيس الفلسطيني قد ورطه مفاوضوه، وفي هذه الحالة ندعوه الى عدم الموافقة على ما ورطوه فيه. وندعوه لاستنكار ما نشر ونفيه نفيا قاطعا، لطمأنة الشعب الفلسطيني والشعوب العربية، اذا كانت الرواية الاسرائيلية غير صحيحة. كما ندعوه في جميع الاحوال الى اعادة النظر جذريا فيمن يتولون التفاوض باسمه وباسم الشعب الفلسطيني، وأن يستعين بدلا منهم بفريق من الخبراء الفلسطينيين والأجانب، كالفريق الذي مثَّلَ فلسطين أمام محكمة العدل الدولية، لاجراء المفاوضات وعرض نتائجها عليه، وأن يستعين كذلك بأهل المعرفة في جميع القضايا، خاصة الحساسة منها، فيستعين مثلا بشأن القدس بالجهات التي تتابع أولا بأول وتسجل كل ما يجري في المدينة أولا بأول وتستطيع توضيح ما تؤدي اليه النصوص من نتائج على أرض الواقع. وكذلك فانه لا يكفي اطلاقا عرض اتفاق قد تم ابرامه من غير ذوي تخصص وخبرة على هؤلاء الخبراء لابداء رأيهم فيه في ساعة أو ساعتين، أوقبل التوقيع عليه بليلة، لأنهم أولا يحتاجون الى وقت كاف للدراسة والتحليل وابداء الرأي، وثانيا لأنهم قد يعترضون عليه في العديد من جوانبه بعد أن يكون المفاوضون من غير ذوي الكفاءة قد وافقوا عليه أو يكون هو قد تورط في الموافقة عليه بناء على نصيحتهم. المفاوضات علم ومهارة وكفاءة ومعرفة، ولها أهلها، وهم الذين يجب الاستعانة بهم، خاصة في قضية خطيرة كالقضية الفلسطينية، حيث لا مجال فيها للهواة أو للارتجال، وحيث يكون الخطأ قاتلا.