فلسطينيوا الشتات ، وربما لاحقا، فلسطينيوا مخيمات اللاجئين، يبدو أنه أصبح لهم وضع قانوني جديد ابتدعه الفكر الخلاق الذي تتميز به اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، شأنها في ذلك كشأنها في ابتكار التنازلات التي تبتكرها في مفاوضاتها مع الجانب الاسرائيلي. الحقوق ليست هي الاعتبار الأول الذي يحرك هذا الفكر الخلاق، وانما الذي يحركه هو رغبة ملحة في التبرع بالحلول التي تعين الجانب الاسرائيلي على تجاوز القانون الدولي والمشروعية، بدلا من الزامه بهما. اللجنة التنفيذية ورئيسها والمفوضين منها يتصرفون دون محاسب أو رقيب منذ انعقاد المجلس الوطني في دورة الجزائر عام 1988. ومن بين ابتداعاتها الخلاقة قرار اتخذه الرئيس محمود عباس المنتهية مدته بتاريخ 29/12/2007 بانشاء دائرة في اللجنة تسمى “دائرة شؤون المغتربين”.
ووفقا لما جاء في موقع الدائرة على الشبكة الالكترونية وهو http://www.pead.ps فإن الرئيس محمود عباس هو الذي اتخذ هذا القرار وليس في الموقع ما يدل على أن اللجنة التنفيذية هي التي اتخذته، كما يتطلب النظام الاساسي لمنظمة التحرير. واذا كان للرئيس او اللجنة التنفيذية أن يتصرفوا في القضية الفلسطينية حسب هواهم، فإنه لا بد من التذكير بأنه ليس من اختصاص هؤلاء المساس بالوضع القانوني والوطني لفئة من أبناء الشعب الفلسطيني دون علمهم وبالتالي دون موافقتهم. ومن الواضح من موقف كبير المفاوضين الفلسطينيين، كما كشفت عنه الوثائق التي حصلت عليها قناة الجزيرة، أن فلسطينيي الشتات لن يكون لهم دور حتى في استفتاء نهائي حول الموضوع. كبير المفاوضين اصبح وصيا على فلسطيني الشتات القُصَّر، يقرر سيادته ما يراه بشأنهم وعليهم قبوله والانصياع له.
وبموجب هذا القرار الرئاسي فإن الدائرة تعنى بشؤون “المغتربين” في بلدان الهجرة والاغتراب. ويغطي نشاطُ الدائرة هؤلاء”الغتربين” باستثناء أؤلئك الموجودون في مناطق عمل وكالة غوث اللاجئين (الانروا)، “وتحديدا في البلدان العربية التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين”. غير أنها في عملها تنسق مع دائرة شؤون اللاجئين ومع ممثلي فلسطين في الخارج. كما إن الدائرة هذه تشارك في اجتماعات جامعة الدول العربية ذات الشأن والصلة بالجاليات العربية في الخارج، على حد قول الدائرة في موقعها.
للدائرة كما قلنا موقع على الشبكة الالكترونية، ولها عنوان الكتروني ولديها هاتف وفاكس، ومن المفيد الرجوع الى ذلك الموقع للتعرف عليها وعلى ما قامت وتقوم به من نشاط. وقد دخلت على هذا الموقع بتاريخ 21 يناير/ كانون الثاني 2011 فلم أجد فيه لا نص القرار الذي أنشأ الدائرة للتعرف على سلامته من حيث الاختصاص في اصداره أوالمشمولين به وأحكامه بدقة بالرجوع الى النص ذاته، وتاريخ بداية نفاذه الى غير ذلك من الامور التي تفيد علما بالدائرة واخصاصاتها وهياكلها وعضو اللجنة التنفيذية المسؤول عنها باعتبارها دائرة من دوائر منظمة التحرير. على أي حال إن الذي يهمنا في هذا المقال هو ما وجدناه في الموقع من تحديد للفئة من ابناء الشعب الفلسطيني التي يفترض أن تكون محل رعاية واهتمام هذه الدائرة، وهي فئة ابتدعها القرار الرئاسي المنشء لها، وهذا موجود في الموقع، وهي فئة اسماها القرار بِ “المغتربين”. وهذا أخطر ما في القرار: اسمها والفئة التي تقع ضمن اختصاصها .وليس في الموقع اشارة الى نشاطات قامت بها هذه الدائرة كمؤشر عملي على تنفيذ الهدف من انشائها منذ تأسيسها قبل أربع سنوات، بحيث يمكن الحكم على جدوى وجودها أصلا وفعاليتها فيما أنشئت من أجله. وبالمثل ليس في الموقع ما يعين على ما تقدم من نشاط للدائرة بقيام تنسيق بين هذه الدائرة ودائرة شؤون اللاجئين أو ممثلي فلسطين في الخارج أو مع جامعة الدول العربية. لا شيء عن أي نشاط مع هذه الجهات أو أي نشاط آخر منذ تأسيسها قبل أربع سنوات حتى 15/1/2011.
في هذا التاريخ كتبت الدائرة تعميما وزعته على “الاخوة والرفاق قيادات الجاليات الفلسطينية” في أوروبا، وذلك “لعقد اجتماع موسع في بيت لحم أو رام الله (حسب عدد المشاركين) في النصف الثاني من أيار (مايو) المقبل، للتباحث في أوضاع جالياتنا ودورها سواء في بلدان اقامتها أو في علاقتها مع الوطن ومع المجتمعات الفلسطينية التي هاجرت منها وتحديدا مخيمات اللجوء في الاردن، لبنان،سورية”. وذكر التعميم أن “فكرة هذا الاجتماع الموسع كانت مطروحة على جدول أعمال الدائرة منذ فترة ليست بالقصيرة وأنها نوقشت مع الأخ الرئيس أبو مازن وقد رحب بها وأبدى موافقته على استضافة المشاركين في الاجتماع واعطاء التوجيهات الى الجهات المعنية لتسهيل دخولهم الى الوطن واقامتهم خلال فترة انعقاد الاجتماع.” التعميم لا يحمل توقيعا أو اسما لأحد مسؤول. وقد وصلني من أحد القياديين الشباب في الشتات الاوروبي مستغربا اختيار اواسط مايو/أيار موعدا لانعقاد المؤتمر الي دعت اليه الدائرة ليتصادف مع موعد انعقاد مؤتمر لللاجئين في المخيمات وللشتات في أحد المخيمات كان هذا القيادي من المنظمين له ويشمل أيضا اللاجئين في سوريا والاردن ولبنان.
والحقيقة أنني فوجئت مثله بخطاب كهذا وكانت نصيحتي عدم الاكتراث به والمضي في ترتيبات عقد المؤتمر الذي كانوا قد قرروه والذي جاء بمبادرة من الشباب المنظمين له. فالواضح من اختيار الموضوع والتوقيت بالذات أن الهدف هو اجهاض هذا المؤتمر، أي هو تكرار لمحاولات سابقة تعرضت لها مبادرات فلسطينيي الشتات لاجهاض المبادرات الشعبية، وهذا ما ارفضه من حيث المبدأ، وها نحن نرى هذا التحرك الرائع للشعب التونسي الحبيب لتصحيح الاوضاع في تونس، والشعب الفلسطيني في حاجة لتحرك متواصل لفرض ارادته على استقلال من اشخاص يدعون أنهم يمثلونه وانحرفوا انحرافا خطيرا عن حقوقه، ومن بينها هذا التصنيف لابناء الشعب الفلسطيني. وقد سرني أن هؤلاء الشباب قد واصلوا ترتيباتهم لعقد مؤتمرهم. إن دائرة تستغرق اربع سنوات لتقرر الاتصال المبدئي بمن تأسست خصيصا للاهتمام بشؤونهم وتتعمد اجهاض مبادراتهم الوطنية غير جديرة بالالتفات اليها. ودائرة تقرر عقد مؤتمر من هذا القبيل تحت أعين المحتل ومراقبته وسيطرته الكاملة هي ولا شك دائرة قد دجنها الاحتلال وتتعامل معه على أساس أن كل اوراقها مكشوفة له، وتريد الآن أن تكشف اوراق قيادات الشتات الفلسطيني. ثم هل يملك الاخ الرئيس اصدار تعليمات لتسهيل دخول المشاركين الى ارض الوطن وهو لا يملك تأمين دخوله هو الى ارض الوطن؟ الاذن ياتي من سلطة الاحتلال وليس للرئيس سلطة عليها ليصدر لها تعليمات، ونخشى في الظروف الراهنة أن يصبح مؤتمر كهذا مصيدة لقيادات الجاليات الفلسطينية الشابة للتعرف عليها ، بل واحتمال اصطياد بعضها نتيجة للتعاون الوثيق بين اجهزة الامن الفلسطينية واجهزة أمن دولة الاحتلال.
صنفان من فلسطينيي اللجوء
إن هذه الملاحظات ليست هي التي تمثل الخطر الأكبر، فشبابنا معتاد على مواجهة التحديات والاخطار، ولكن وجه الخطورة هو هذا التصنيف الجديد لفئة كبيرة جدا من أبناء الشعب الفلسطيني، هم فلسطينيو الشتات الذي يهدد ما لهم من حقوق اكتسبوها وفقا للقانون الدولي والقرارات المتكررة للجمعية العامة للامم المتحدة، وبالتالي تاسيس دائرة خاصة في منظمة التحرير تعنى بشؤونهم كَ”مغتربين”، منفصلة عن دائرة قائمة وموجودة كان من المفترض انهم يتبعون لها وهي “دائرة شؤون اللاجئين”. إن معنى هذا أنه لدينا صنفان من الفلسطينيين خارج ارض الوطن: مغتربون ولاجئون. وبموجب القرار الرئاسي الذي انشأ الدائرة الجديدة فإن الذي يميز الصنف الواحد عن الآخر هو أن اللاجئين هم فقط من تشملهم رعاية وكالة الغوث وتحديدا المقيمون في الدول العربية سوريا ولبنان والاردن، وهؤلاء يتبعون لدائرة شؤون اللاجئين. أما غيرهم فهم مغتربون وبالتالي فإنهم لا يدخلون في اختصاص دائرة شؤون اللاجئين ولهم بهذه الصفة دائرتهم الخاصة وهي دائرة شؤون المغتربين. كما يستفاد من الموضوع المطروح بحثه في المؤتمر الذي دعت اليه الدائرة انه يشمل بحث العلاقات بين هؤلاء المدعوين من الشتات “ومجنمعاتهم التي هاجروا منها، وتحديدا لبنان والاردن وسوريا”. هذا تصنيف جديد إضافي هو “الفلسطينيون المهاجرون من مخيمات لبنان والاردن وسوريا”، هذا الصنف يعتبر في عداد المغتربين ولم يعودوا يصنفون كلاجئين بسبب مغادرتهم المخيمات التي كانوا فيها، وانقطاع تبعيتهم لوكالة الغوث من جهة ودائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية من جهة أخرى. وتأكيدا لهذا فإن دائرة شؤون المغتربين هذه تشارك في اجتماعات الجامعة العربية المتعلقة بالمغتربين العرب. وهؤلاء المغتربون العرب لا يصنفون في بلدانهم على أنهم لاجئون. والنتيجة التي نخلص اليها هي أن القرار الرئاسي الفلسطيني يؤدي الى إخراج هؤلاء الفلسطينيين من حالة اللجوء ويحرمهم من أهم حق للاجئ وهو حق العودة. ونعتقد أن هذا هو الهدف من وراء انشاء هذه الدائرة، وجاء التلاعب بالاصطلاحات باستعمال عبارة”مغترب” بدلا من لاجئ وسيلة للتأكيد على هذا الهدف. وفَنُّ التلاعبِ بالالفاظ فَنٌَ اتقنته الحركة الصهيونية الى ابعد الحدود، ولا نستبعد أبدا أنه دخل القاموس السياسي الفلسطيني الذي تمارسه اللجنة التنفيذية في لحظة من لحظات الابداع الخلاق التي تهبط على مبدعيها عندما يبحثون عن مخرج يساعد في تلبية الموقف الاسرائيلي، ولا نستبعد أن هذا الالهام قد جاء عند بحث موضوع حق العودة واختصار العدد الذي قد يُسْمَحُ له بممارسة هذا الحق الى الصفر الذي أعلنته ليفني.
إن هذا التصنيف من جانب منظمة تمثل الشعب الفلسطيني ويكرر القائمون على أمرها تمسكها بحق العودة لا يخدم سوى المصلحة الاسرائيلية وهو من بين الاسلحة التي تسلمها المنظمة لاسرائيل وأنصارها للتنكر لهذا الحق. من مواقفها؟
مفهوم الاغتراب
الاغتراب في الاستعمال العربي المعاصر يعني الهجرة الى بلد آخر باختيار المواطن. وقد عرف الفلسطينيون هذا النوع من الاغتراب ايام الانتداب البريطاني بل وقبله حين هاجر فلسطينيون الى امريكا اللاتينية وامريكا الشمالية طلبا للرزق، وبعضهم استقر هناك، والبعض الآخر عاد الى فلسطين مستفيدا من هجرته للمساهمة في بناء الوطن. الهجرة أو الاغتراب كانت خيارية وكانت العودة خيارية ومتاحة ايضا. وهذا هو شأن المغتربين العرب. فمثلا اللبنانيون الذين هاجروا الى ساحل العاج في افريقيا واستقروا هناك باختيارهم عاد قسم منهم مؤخرا الى لبنان، وطنهم الأم، بسبب المشاكل الحالية في ذلك البلد الافريقي، عادوا بدون مشاكل أو اجراءات عودةََ المواطن الى وطنه، واستُقبلوا بالترحاب في وطنهم لبنان. وفي بعض الاحيان يكون لهؤلاء المغتربين الحق في المشاركة في الانتخابات النيابية التي تجري في أوطانهم حتى وهم في بلد الاغتراب. ولا يشترط في المغترب أن يحصل على جنسية الدولة التي يقيم فيها، كما أنه لا يفقد حُكْمَاً صفته كمغترب، من منظور الوطن الام، باكتساب هذه الجنسية أو بالحصول على اقامة دائمة في البلد الذي يغترب اليه، ما دام أن بلد الاصل يعترف به كمغترب. في هذه الحالة الاغتراب هي نسبة الى الوطن الأم وليس للدولة التي اكتسب جنسيتها. وكثير من دول العالم تعترف بازدواج الجنسية اقرارا باستمرار الارتباط بالوطن الآصل.
“المغتربون” الفلسطينيون
هل فلسطينيو الشتات “مغتربون”؟ واذا كانوا كذلك فما هو الوطن المغتربون عنه؟
نلاحظ أولا نقطة هامة عن تسرب الالفاظ ذات الدلالات البعيدة والتي قد لا يلاحظها الانسان العادي ولكن لها دلالاتها القانونية أو النفسانية العميقة الأثر. وأكثر من أجاد هذا وأبدع فيه هو الدعاية الصهيونية والاسرائيلية. فمثلا عندما بدأت اسرائيل عمليات اغتيال الناشطين الفلسطينيين وأخذت الصحافة العالمية تتحدث عن “الاغتيال” الذي هو حقيقة ما تفعله اسرائيل، تحرك دهاة الاعلام الاسرائيليون واخترعوا بدلا من هذا التعبير عبارة “”targeted killing أي “القتل المستهدف” وهو تعبير أخف اثارة ومدلولية من “الاغتيال” أي “assassination”. وفي عملية غسل دماغ قوات الامن الفلسطينية على يد الجنرال الامريكي واعوانه الاسرائيليين توقفوا عن وصف مناضلي حركات المقاومة الفلسطينية بالارهابيين وأصبحوا يوصفون بالمتطرفين أو الخارجين على القانون. وهذه العبارات دخلت قاموس السلطة ورجالاتها فأصبح الجميع يتحدث عن الخارجين على القانون عندما يعتفلون مفاوما، لأن عبارة “مقاوم” أو “رجال المقاومة” تنطوي على وجود الاحتلال وبما يجب أن يواجه به. اما “الخارج على القانون” فقد يكون من ارتكب مخالفة سير او ارتكب جريمة سرقة، والمجتمع يقف ضد من يخرج على القانون، ولكنه يقف مع من يقاوم الاحتلال. وكذلك الامر بالنسبة لعبارة “المتطرفين” و “التطرف”. هذه الفلسفة في التلاعب بالالفاظ يبدو أنها أخذت تستقر في استعمالات السلطة للغة.
لقد أشرنا الى الغرض الذي من أجله وجهت دائرة شؤون المغتربين تعميمها لقيادات الجاليات الفلسطينية. هذا الغرض يشمل بحث العلاقات بينهم وبين تجمعات المخيمات “التي هاجروا منها”، وتحديدا الاردن ولبنان وسوريا. لاحظ استعمال عبارة “هاجروا” ولاحظ المكان الذي نسبت الهجرة منه. عبارةٌ تبدو بريئة وصالحة للتعميم، غير أنها عامرة باحتمالات التطوير. الانسان يهاجر من وطنه، ولكنه لا يعتبر مهاجرا اذا غادر محل اقامةٍ مؤقتة او تواجدٍ خارج هذا الوطن. العبارة مختارة بعناية دون شك، واستعمالها في دعوة صادرة من دائرة شؤون المغتربين ينسجم مع اختصاص هذه الدائرة ويؤكد ان استعمال عبارة “هاجروا” متعمد.
الفلسطينيون الذين غادروا مخيمات اللجوء لم “يهاجروا” أو “يغتربوا” منها بالمفهوم الواقعي او القانوني، حيث أن المخيمات ليست قانونيا أو واقعيا نقاطَ استقرار تكسب المقيمين فيها حق اقامة دائمة وعودة اليها بحرية واختيار. فالوجود فيها عمل انساني من جانب الدولة المضيفة لا يُكسِبُ المقيمَ حقوقاً قانونيةً أو طبيعية، كما هو حال المواطن، لتكون مغادرته لها هجرةً منها. المخيماتُ هي، في الاصل، نقاطُ انطلاقٍ لتنفيذ حقه في العودةِ للوطن الذي ارغم على مغادرته، وليست وطنا يٌهاجَرُ منها، وانما غادروها لملجأ آخر.
تصنيف فلسطينيي الشتات
من الواضح من تعريف “المغترب” الذي سبق أن أشرنا اليه انه لا يصح اطلاقا تصنيف فلسطينيي الشتات بأنهم مغتربون، سواء كانوا ممن غادروا مخيمات لجوء كانوا هم أو ذووهم قد لجأوا اليها، أو من غيرهم من من لم يدخلوا في اختصاص وكالة الغوث. إنهم لاجئون، وليس المعيار هو الوجود في المخيمات،حيث أنهم ما زالوا محرومين من العودة الاختيارية الى ذلك الجزء من وطنهم حيث كانت اقامتهم المعتادة، والاستقرارِ فيه. إن هذا التصنيف الفلسطيني للفلسطينيين من جانب من يدعون تمثيله بأنهم “مغتربون” يخرج الملايين منهم من التصنيف الطبيعي والقانوني لهم كلاجئين سيتمسك به العدو الصهيوني في الانقضاض على حقهم في العودة.
الى أين تكون العودة
إن تصنيف فلسطينيي الشتات بمغتربين بموجب هذا القرار الرئاسي ينسجم تماما مع وثيقة جنيف التي أبرمها الامين العام للجنة التنفيذية مع الاسرائيلي يوسي بيلين وتم التوقيع عليها في احتفال رسمي في مدينة جنيف والتي بموجبها تم التخلي الكامل عن التعريف القانوني الذي اعتمده المجتمع الدولي في دورات متكررة للجمعية العامة للامم المتحدة، وهو عودة اللاجئ الى بيته الذي طرد منه،واعطاء تفسير جديد له بأنه عودة الى اراضي الدولة الفلسطينية التي سيتفق عليها والتي هين على أي حال، في تناقص مستمر. وكشفت الوثائق التي عرضتها فضائية الجزيرة ان السيد كبير المفاوضين الفلسطينيين قد صرح بان ممارسة حق العودة حتى بهذه الصورة المشوهة ليس مطلقا وانما يخضع لشروط أهمها القدرة الاقتصادية للضفة على الاستيعاب. ومن المفيد أن نذكر من تناسوا أن اتفاقيات أوسلو قد نصت على عودة لاجئي 1967 الى الضفة ونصت على تشكيل لجنة فلسطينية مصرية اردنية اسرائيلية مشتركة لتنفيذ هذا الجانب من الاتفاق، ومرت السنوات ولم يحدث شيء ونسيت السلطة ورئيسها واللجنة التنفيذية والمفاوضون هذا الموضوع، ولم يتمسكوا بتنفيذه قبل الحديث عن حقوق اللاجئين الآخرين.
والخلاصة
أولا، إن القرار الرئاسي ووثيقة جنيف التي أبرمها الأمين العام للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تصرفان ثابتان من تصرفات هؤلاء المسئولين وليسا من بين وثائق فضائية الجزيرة، ولا يطعن فيهما بالتزوير، وهما وثيقتان تشهدان على محاولات للتخلي عن حق العودة أو الانتقاص منه على أقل تقدير.
ثانيا : إن انشاء هذه دائرة شؤون المغتربين بالتلاعب على الالفاظ هو خطوة تنفيذية متعمدة تخليا عن حق العودة بداية بالنسبة لمن سموا بالمغتربين ثم بالنسبة لجميع اللاجئين، وهي خطوات تنسجم تماما مع سياسة اسرائيل في رفض عودة أي لاجئ ومع نصوص وثيقة جنيف سيئة الذكر. ولذا فاننا ندعو الرئيس الى الغاء قراره بانشاء هذه الدائرة وابقاء التعامل مع فلسطينيي الشتات ضمن اختصاص دائرة شؤون اللاجئين كما كان الحال قبل صدور هذا القرار الخطير.
هذا ثالثا: من الواضح أن الرئيس والمفاوضين واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير قد أصابهم جميعا الاعياء ويكفي ما وصلت اليه الامور على ايديهم. وليس عيبا أن يعترفوا بأن هذا هو قصارى ما يستطيعون الوصول اليه، وان واجبهم الوطني يفرض عليهم جميعا التخلي عن مواقعهم وافساح المجال لغيرهم. والتزاما بهذا فإننا نكرر دعوتنا للرئيس واللجنة التنفيذية ورئيس المجلس الوطني أن يقوموا بدعوة المجلس الوطني للاجتماع ليمارس دوره في المساءلة وفي انتخاب اعضاء جدد للمجلس وفقا لنظامه الداخلي وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة ورسم سياسة للمنظمة تاخذ في الاعتبار جميع التطورات ووتصحح الانحرافات او الاجتهادات لحماية حقوق الشعب الفلسطيني. إن اجتماعا من هذا النوع لا يجوز اطلاقا عقده في رام الله كما حصل عند ملء شواغر اللجنة التنفيذية او في اي مكان آخر في الضفة أو القطاع تحت حراب الاحتلال ومخابراته والحصار والاتفاق الامني الاسرائيلي وما ينطوي عليه كل ذلك.
ورابعا: أين هي الفصائل وأعضاؤها وقواعدها في الداخل والخارج، إن كان ما زال لديها أعضاء وقواعد؟ هل ينحصر دورها في اصدار البيانات؟ لماذا لا تتحرك هذه القواعد للتصدي لما يجري؟ لماذا،فيما يتعلق بانعقاد المجلس الوطني، تترك الامور في يد الرئيس أو يد رئيس المجلس الوطني لعقد اجتماع للمجلس الوطني في حين أن النظام الاساسي للمجلس الوطني يجيز لربع اعضائه الطلب الى رئيس المجلس دعوة المجلس للاجتماع في موعد ومكان يحددان في الطلب، واذا لم يقم رئيس المجلس بتوجيه هذه الدعوة ينعقد المجلس حكما في المكان والموعد المحددين في الطلب؟ الا تستطيع هذه الفصائل الحصول على توقيعات ربع اعضاء المجلس لتقديم الطلب والتغلب على حالة الجمود والاستقصاء التي فرضت على المنظمة؟ لقد توجهنا بهذا النداء قبل مدة على صفحات هذه الجريدة تفعيلا للشرعية الفلسطينية للخروج من ازمة الجمود الحالية. ومع ذلك لم تتحرك هذه الفصائل وبقيت تشكو من عدم تنفيذ الرئيس بما التزم به من تفعيل مؤسسات المنظمة. ويبدو أن الرئيس، كغيره من رؤساء في الوطن العربي، لا يقلقه عدم الالتزام بالشرعية، وأن الفصائل قد شاخت وفي حاجة الى تجديد شبابها.