كفى ما حققتم من انجازات.. ارحلوا

في هذا الوقت، الذي يتحقق فيه تقدم ملحوظ للحركة العالمية لمقاطعة اسرائيل ومعاهدها العلمية وصادراتها، وسحب الاستثمارات منها، بسبب سياساتها حيال الشعب الفلسطيني وانتهاكاتها للقانون الدولي والقانون الدولي الانساني، الذي كسر فيه الكثير من الكتاب والصحافيين والاعلاميين في أمريكا وأوروبا بوجه عام، حاجز الخوف من الاتهامات المألوفة لمن يكتب الحقيقة عن اسرائيل أو الحركة الصهيونية،

والذي تُحاصِرُ فيه منظمات حقوق الانسان الفلسطينية، وأنصار الحقوق الفلسطينية من المحامين الاجانب القادةَ السياسيين والعسكريين الاسرائيليين، فلا يجرأون على مغادرة اسرائيل خوفا من اعتقالهم ومحاكمتهم كمجرمي حرب، والذي حققت فيه المقاومة اللبنانية والفلسطينية في غزة انتصارات فرضت واقعا جديدا على الارض لصالح القضية الفلسطينية في الصراع العربي الاسرائيلي، ونزح الى الخارج حوالي نصف مليون اسرائيلي. وكشف استطلاع للرأي أن حوالي مليون منهم سيهاجرون بتجدد القتال وتهديد نتنياهو بفرض غرامات على من يهاجرون. والذي حقق فيه الشباب العربي وأنصار القضية الفلسطينية في العالم انتصارين ساحقين ضد اسرائيل في أول الحروب الالكترونية، رغما عن استغاثة اسرائيل بالشباب اليهودي في كل أنحاء العالم، ثم بامريكا وفرنسا في حرب الايام الثمانية لحماية المواقع الحساسة والبنية التحتية في اسرائيل.

والذي يتأهب فيه الشعب الفلسطيني لانتفاضة ثالثة، ليس من المستبعد أن تواكبها هذه المرة حرب الكترونية ثالثة ستكون أشد ضراوة من سابقتيها. والذي يفرض فيه الاسرى الفلسطينيون في سجونهم ومعتقلاتهم الاسرائيلية نوعا جديدا من النضال يضربون فيه أرقاما عالمية قياسية جديدة. والذي أدينت فيه اسرائيل بشكل متكرر بانتهاكاتها للقانون من قبل محكمة العدل الدولية ومجلس حقوق الانسان وتقارير الخبراء الدوليين ولجان التحقيق الدولية، وتهيأت الفرص لمحاسبتها اذا توفرت الارادة الفلسطينية والعربية لذلك. والذي اعترفت فيه الامم المتحدة بدولة فلسطين بحدود الرابع من حزيرن/يونيو 1967، أي بدولة معروفة الاراضي والحدود والعاصمة، مستجيبة لما توعدت به القيادة الفلسطينية من تحريك القضاء الدولي لمحاسبة اسرائيل على جرائمها. والذي تخوض فيه الشعوب العربية معركة مصير هذه الامة ومستقبلها في مواجهة مؤامرات داخلية وخارجية لتحويل الثورات العربية عن مسارها وأهدافها. والذي تتعاظم فيه الشكوى الاسرائيلية والخوف من النتائج التي بدأت تحققها هذه التطورات والتحولات ومثيلاتها، وتواجهها اسرائيل بخطوات متسارعة في تنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين، لفرض وقائع على الارض تصعب ازالتها.

في هذا الوقت بالذات وهذه التطورات والتحولات والمواقف والفرص تحركت لجنة متابعة المبادرة العربية لاسرائيل في جامعة الدول العربية، لا لدعم ما في هذه التطورات والتحركات من ايجابيات لصالح القضية الفلسطينية أو لتعديل مواقف الانظمة أو تفعيل نشاطات توقفت، مثل اعادة الحياة لنظام المقاطعة أو لمعاهدة الدفاع العربي المشترك أو للجنة القدس، التي اسسها مؤتمر التعاون الاسلامي برئاسة الملك المغربي في أعقاب حريق المسجد الاقصى، أو باللجوء الى الامم المتحدة لتجميد عضوية اسرائيل فيها، أو للجمعية العمومية للدول الاطراف في معاهدة جنيف الرابعة لفرض عقوبات على اسرائيل، لخرقها أحكام المعاهدة أو لمحكمة الجنايات الدولية، كما توعد الرئيس الفلسطيني، لا لم يتحرك وفد الجامعة العربية الى واشنطن لبحث القضية الفلسطينية باسم الدول العربية، في أي من هذه الاتجاهات أو غيرها، كما كانت تتحرك الدول الافريقـــــية ضد النظــام العنصري في جنوب افريقيا، وانما أصدر الوفد بيانا قدم مبادرة عربية جديدة أشد خنوعا من سابقاتها، رسالتُها أن الدول العربية قد يئست من مقاومة المشروع الصهيوني، ولذا فهي على استعداد لازالة ما بدا أنه عقبات في طريق استكمال تنفيذه، وذلك لتيئيس الشعب الفلسطيني والشعوب العربية من امكانية النجاح في مقاومته، وهذا التيئيس هو شرط نجاحه من المنظور الصهيوني كما عبر عنه جابوتنسكي في مقاله الشهير ‘الجدار الحديدي’.
بداية، وقبل مواصلة الحديث، تفرض علينا الامانة في التعليق أن ننقل ما جاء في ذلك البيان ليكون تحت نظر القارئ ويتأمل في ما تميز به من عبقرية تفريطية في صياغته باسم الدول العربية، ومن بينها ادولةب فلسطين. يقول البيان حسبما نقلته وكالات الأنباء:
ايفهم وفد الجامعة العربية أن السلام بين الفلسطينيــــين والاسرائيليين خيار استراتيجي للدول العربية، ويحدد التزامها بمبادرة السلام العربية التي تقوم على حل الدولتين بحدود الرابع من يونيو 1967 والدول العربية مستعدة لتبادل طفيف للاراضي بشكل متواز ومتشابهب. لن نعلق على كل ما جاء في البيان، ولكننا نلاحظ بشكل عام خلوه التام من أية اشارة استنكار او احتجاج أو لوم أو عتب، لاسرائيل على ما تفعله ولو في القدس فقط، ناهيك عن التعبير عن غضب لما يجري أو انتصار للمدينة وأهلها الصامدين. كلمة تشجيع واحدة، كلمة أمل أو تحية، من اثنتين وعشرين دولة تضم أكثر من ثلاثمئة مليون نسمة. لقد هزلت عندما يكون حماة ديار العروبة والاسلام أنظمة كهذه. هذه الدول التي تدعو العالم كله لتزويد االمعارضةب السورية بالسلاح، وتمول الحركات االاسلاميةب وتوجهها الى سورية بدلا من فلسطين، هي ذاتها التي تضيق الخناق على المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وتشارك في الحصار المفروض عليها من اسرائيل، وتصادر ما تستطيع مصادرته من سلاح يهرب اليها من مصادر غير عربية وللأسف، تناصبها هذه الدول العداء، بدلا من أن تكون حدودها مفتوحة لنصرة المقاومة، على الأقل كما فتحتها أمام المعارضة السورية. فعلا لقد هزلت.

هذه المبادرة العربية الجديدة سعت للاستجابة للطلبات الامريكية والاسرائيلية التي تشرعن ما قام به الاحتلال من مخالفات لاتفاقية جنيف الرابعة وللقانون الدولي ولقرارات الجمعية العامة للامم المتحدة ومحكمة العدل الدولية ومجلس حقوق الانسان، وجميع الانتهاكات والمخالفات الاسرائيلية التي يمكن أن تحاسب عليها. وفي الوقت ذاته فإنها تجنبت الزام اسرائيل بأية مرجعية في تعاملها مع المبادرة الجديدة. المبادرة العربية الاولى اختزلت لتقوم على حل الدولتين فقط، من دون التمسك بأية حقوق معينة من حقوق الشعب الفلسطيني، وحتى هذا الحل اختزله استعدادٌ عربي لتبادل الاراضي. حق العودة، الذي ناضل الرئيسان اللبناني اميل لحود والسوري بشار الاسد لإضافته الى المبادرة العربية، التي جاءت للقمة خالية منه، لم يشر اليه في المبادرة الثانية. ونلاحظ كذلك الالتزام العربي باستراتيجية السلام لا استراتيجية التحرير أو ازالة الاحتلال أو الالتزام بالشرعية الدولية، ويلاحظ أن هذه المبادرة كسابقتها جاءت مفتوحة غير محددة بزمن لقبولها، وخالية من أي عنصر من عناصر الضغط التي تستوجب التعامل معها، تماما كحال المبادرة الاولى.

هذا هو نص البيان الذي أعلنه رئيس وفد الجامعة العربية، وزير خارجية قطر، في زيارة الوفد للولايات المتحدة لبحث القضية الفلسطينية. ومما تجب ملاحظته أولا أن هذا البيان يتحدث باسم الدول العربية جميعها الاعضاء في الجامعة، بما فيها ادولةب فلسطين. ويلاحظ ثانيا أن النص جاء واضحا ومحددا عن الاستعداد لتبادل طفيف للاراضي، ولم يقل للحدود. عبارة الاراضي جاءت مطلقة، وتعني الاراضي اينما كانت، في الاراضي الفلسطينية المحتلة التي يُظن أن تكون دولة فلسطين فيها، بل واراضي فلسطين كلها، وتشمل اراضي الحدود والاراضي الزراعية والاراضي التي أقيمت أو ستقام عليها المستوطنات وأراضي القدس والاراضي المقامة عليها كنائسها ومساجدها وبيوت ساكنيها من الفلسطينيين، أينما كانت هذه الاراضي. ولا يمكن الا أن يكون الساسة الاسرائيليون والامريكيون قد فهموا النص على هذا الوجه أو على وجه أوسع، بدليل البيانات التي صدرت من جانبهم، وهذا ما ستكشفه الايام اذا لم يسحب العرب مبادرتهم هذه، أو لم تتنصل منه الرئاسة الفلسطينية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بشكل واضح وقاطع، حيث أنها بيان من جانب واحد، الا أننا لا نراها فاعلة ذلك.

لو كان القصد تبادلا طفيفا في الحدود فقط لكان من السهل جدا أن يقال اوالدول العربية مستعدة لتبادل طفيف في الحدود بين الدولتين بشكل متواز ومتشابهب. ولكنهم لم يفعلوا، الامر الذي يدل على أن استعمال عبارة االاراضيب كان متعمدا لتغطية الموافقة العربية والفلسطينية الرسمية المسبقة على ضم المستوطنات وفاء للقرار الامريكي الذي استجاب لهذا الطلب الاسرائيلي، ولضم ما تشتهيه اسرائيل من أراض.. وللتعمية استعمل النصُ عبارةً تبدو بريئة وهي االاراضيب، ولكنها أوسع وأخطر. واستعمال هذه العبارة أتاح الفرصة لكبير المفاوضين الفلسطينيين (الذي ظننا أنه استقال من منصبه بعد انكشاف أمره بالتسريبات التي ظهرت على الشبكة العنكبوتية، ولكن يبدو في قضيتنا أن بعض الظن إثم) هذا النص العائم أتاح له الفرصة ليرد على المنتقدين بالقول، إن هناك سوابق لتبادل الاراضي مثلا بين الاردن وسورية والاردن والسعودية، من دون تدقيق في هذه السوابق. الذي جرى في الحالتين كان تعديلا للحدود بين دول قائمة تتمتع بالسيادة الكاملة على أراضيها وحدودها، وأن تعديل الحدود هذا شمل ما كان ضروريا من تبادل للاراضي لتحقيقه. وهذه طبيعة تعديل الحدود بين الدول. الاردن لم يضم أرضا غير حدودية من السعودية أو سورية، وكذلك الحال بالنسبة للسعودية وسورية، فهما لم تضما ارضا اردنية غير حدودية في المقابل. وشتان بين هاتين الحالتين والحالة بين دولة فلسطينية لا وجود لها على أرض الواقع ودولة اسرائيل التي تسيطر على كل أرض فلسطين.

عبارة اتبادل الاراضيب جاءت مطلقة من المكان، والاستعدادُ لتبادلها جاء من الجانب العربي فقط، وجاء مطلقا كذلك من دون تحفظ أو استثناء أو تقييد لما يجوز أو لا يجوز تبادله، الأمر الذي يترك الخيار لاسرائيل بصفتها هي المسيطرة على الارض، في حين أن الدول العربية الزمت نفسها باستراتيجية السلام وتخلت عن استراتيجية التحرير، ناهيك عن استراتيجية المقاومة. الدول العربية مستعدة لقبول التبادل مادام أنه اطفيفب وبمتواز ومتشابهب مع المعروض في مقابله. أما عبارة اطفيف ومتواز ومتشابهب فانها ستستغرق قرونا من الزمان في مفاوضات مع اسرائيل لتحديد مفهومها وكيفية تطبيقها على أرض الواقع. والنتيجة أن اسرائيل ستحقق هدفها في الاحتفاظ بكل شبر تريده في فلسطين الى أمد غير محدود، بموافقة الدول العربية، بما فيها دولة فلسطين، وان ذلك الاحتفاظ سيكون مشروعا، حيث أن الخيار جاء مطلقا أيضا من حيث الزمان. وهكذا فإن اسرائيل ستماطل وتماطل وتناور، وهي تُمَكِّنُ نفسها في الارض، من دون أي تبادل أو نية للتبادل، حيث أن فلسطين كلها، من المنظور الصهيوني هي اأرض اسرائيل’، ومن الجنون المطبق أن نتوقع أنها ستتخلى مختارة لدولة فلسطين، إن وجدت، عن أية أرض من فلسطين تكون تحت سيطرتها. واذا لم يتم اتفاق، وهذا ما يجب توقعه، فإن اسرائيل قد تتكرم وتعرض تعويضا ماليا. وبهذا يجد الشعب الفلسطيني حقوقه في وطنه عالقة في الهواء، او في مزاد سوق العقارات، وكذلك حال دولته واراضيها وحدودها وعاصمتها، وعليه أن يستأنف النضال من جديد في ظروف أشد صعوبة. والموافقة الرسمية العربية والفلسطينية على تبادل االاراضيب لم تحسم موضوع الارض فقط ولكنها، في الوقت ذاته، إشعارٌ بإن عملية التطهير العرقي لمن بقي صامدا في وطنه، فلسطين التاريخية، قد وضعت على جدول الاعمال للتنفيذ حين تأتي الفرصة المواتية لاستكمالها.

ومما يلفت النظر أن أجهزة الاعلام بدأت مؤخرا، ولأول مرة في تقديري، تشير الى قرية اابوديسب بعبارة اابو ديس بالقدسب. واللافت للنظر أن هذا جاء في الاعلام العربي، مع أن هذه القرية هي واحدة من القرى العربية القريبة من القدس. ولم يكن يشار اليها أبدا بأنها بالقدس. ومرة أخرى أسأل وأريد هذه المرة جوابا صريحا علنيا من القيادة الفلسطينية: هل هذه بداية تعويد الناس على التغيير الذي أعلن يوسي بيلين أنه متفق عليه مع أبو مازن، وهو اتخاذ قرية أبو ديس عاصمة لفلسطين بعد تغيير اسمها ليكون االقدس′، ودُفِنَ وقتها ليعود في اللحظة المناسبة؟ من حق الشعب الفلسطيني أن يعرف، ومن حق زوجتي المولودة في القدس أن تعرف، أي قدس تعني القيادة الفلسطينية عندما تكرر عبارة ادولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريفب. هل هي القدس التاريخية، القدس الشرقية، قديمها وحديثها، أم قرية أبو ديس، بعد اعادة تسميتها؟ نريد أن نعرف من رئيس لجنة فلسطين في جامعة الدول العربية ورئيس وفدها لواشنطن والامين العام للجامعة العربية، هل اراضي القدس خاضعة للتبادل؟ واذا لم تكن فهل هناك خطة عربية للحفاظ عليها واخراجها من دائرة التبادل؟ وهل وافق على ذلك أبناء القدس الصامدون الرافضون لجميع الاغراءات والمتمسكون بمدينتهم؟

تعمد البيان التأكيد على أساس المبادرة العربية، وهو قيام دولتين، لكي لا يظن أحد أن هناك تراجعا عربيا عن المطالبة بقيام دولة فلسطين، ولكي لا يظن آخرون أن هناك تراجعا عن اعتراف مسبق بدولة اسرائيل على مستوى الجامعة العربية. وحيث أن اسرائيل قائمة ولا ينازعها الجانب العربي/ الفلسطيني في حدودها الحالية، فقد اقتضى الامر الاشارة الى حدود دولة فلسطين. فجاء النص على حدود الرابع من يونيو 1967 انسجاما مع التصريحات المتداولة على ألسنة الرسميين العرب والفلسطينيين، مع طلب الانضمام للامم المتحدة كعضو مراقب. ولكن بعد الاشارة الى هذه العبارة المُطَمْئِنة بشأن الحدود، جاء النص على الاستعداد العربي لتبادل الاراضي ليتوهم الانسان العربي بأن التبادل يتعلق بالحدود، كما كان يصرح الرئيس الفلسطيني وكبير المفاوضين وسواهما. ولكن هذه الاشارة حملت في طياتها التفسير الاوسع بأن عبارة الاراضي ليست قاصرة على الاراضي الحدودية، وبالتالي فانها أفرغت عبارة حدود 1967 من أي مدلول محدد، سواء بالنسبة للحدود بين الدولتين أو بالنسبة للاراضي التي يتوقع أن تكون خاضعة لسيادة دولة فلسطين عند قيامها، اذا قامت. وهذا التمييع لاراضي دولة فلسطين ولحدودها من جانب هذه الدولة يحرمها، في نظر اسرائيل، من الادعاء بأنها معتدى على اراضيها أو على حدودها بالاستيطان أو غيره من جانب اسرائيل مهما حصل من تغيير ومهما طال الزمن، ومن المؤكد أن اسرائيل ستحاول استغلال هذا الوضع الى أبعد الحدود.

جاء البيان خاليا من أية اشارة الى حق العودة. وعندما اشار الى التزام الدول العربية بالمبادرة العربية عرف هذه المبادرة بإنها تقوم على حل الدولتين. وحل الدولتين هذا لا شأن له بحق العودة. واستراتيجية السلام الزم الجانب العربي بها نفسه، سواء نفذ حق العودة او لم ينفذ. وهذا الموقف ينسجم تماما مع موقف القيادة الفلسطينية الحالية. فهذه القيادة تخلت تماما عن حق العودة، وتصريحاتها على خلاف ذلك هي للاستهلاك الفلسطيني فقط. وأبو مازن كان منسجما مع هذا عندما أعلن مؤخرا هذا التنازل، الذي لا يمكن ستره بالادعاء بأن تصريحه كان خاصا بحقه الشخصي في العودة الى مسقط رأسه مدينة صفد الفلسطينية. إن موقف القيادة الحالية للشعب الفلسطيني من حق العودة معروف وموقع عليه من أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في وثيقة جنيف التي جرى الاشهاد عليها في احتفال شبه دولي عند تبادل التوقيعات. في هذه الوثيقة تكرم المفوض الاسرائيلي، يوسي بيلين ما غيره، بالتعبير عن التعاطف مع اللاجئين الفلسطينيين، ولذا فان اسرائيل لا تمانع في توطينهم في الدولة الفلسطينية، أي أن اللجـــنة التنفيذية تخلت عن حق العودة، أي عودة اللاجئين الى بيوتهم ومدنهم وقراهم التي أخرجوا منها وكلها في اسرائيل، وحولته الى عودة الى الاراضي التي قد تتبقى لاقامة دولة فلسطين. ازاء وجود هذه الوثيقة على الأقل المعبرة عن موقف القيادة الفلسطينية الحالية، فمن المؤكد أن تتمسك اسرائيل بوجود موقف مستمر لم يتغير من حق العودة، خاصة أن الذين تصدوا للموضوع عند بحث المبادرة العربية، وهما الرئيسان اللبناني اميل لحود والسوري بشار الاسد وأصرا على وجوب النص عليه، لم يكونا ممثلين في اللجنة، ولم تعترض القيادة الفلسطينية على اغفال التمسك به بنص صريح كما كان الحال في المبادرة. ليست قطر ووزير خارجيتها وحدهم المسؤولين عما جرى وعما جاء في البيان. جميع الدول العربية التي شارك رؤساؤها في القمة، التي اتخذت قرار ارسال الوفد تتحمل مسؤولية بيان أعلن باسمها ما لم تعلن تنصلها منه.
ويتحمل الرئيس الفلسطيني والوفد الفلسطيني بوجه خاص المسؤولية الكبرى كاملة، حيث أن الموقف المعلن لجميع القادة العرب هو أنهم لن يوافقوا الا على ما يوافق عليه الفلسطينيون، وذلك هروبا منهم من تحمل المسؤولية. أما الرئيس الفلسطيني وأعوانه واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، فلا عذر لهم ويتحملون المسؤولية كاملة ويجب محاسبتهم على موقفهم هذا، وما سبق لهم من مواقف. إن المحاسبة التنظيمية الدورية قد تعطلت لعدة سنوات بسبب احجام رئيس المجلس الوطني الفلسطيني عن دعوة المجلس للانعقاد، وفقا للنظام الاساسي لمنظمة التحرير، كما أنه لم يستجب للمناشدات المتكررة لدعوة المجلس للانعقاد، بل لم يستجب لنداءٍ لتحويلِ جلسةٍ دعا اليها من جلسة خاصة لملءِ الشواغر في اللجنة التنفيذية الى جلسة عامة يُنظرُ فيها في أمور المنظمة.

بناء على كل ما تقدم، نكرر طلبنا من رئيس المجلس الوطني الفلسطيني ومكتب رئاسة المجلس، أن يدعوا المجلس للانعقاد في أقرب فرصة في دورة عادية لممارسة حقه في المحاسبة والمساءلة، ورسم السياسات وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة، والنظر في امور المنظمة بشكل عام واتخاذ ما يلزم من قرارات. وندعو الشباب الفلسطيني وتحالف القوى الوطنية والفصائل الفلسطينية وجمعيات المجتمع المدني الفلسطيني والاتحادات والنقابات الفلسطينية، ومنظمات الشعب الفلسطيني في الداخل وفي المخيمات وفي الشتات للضغط الجدي لتحقيق ذلك، والقضاء على ظاهرة الاستئثار بالسلطة التي أوصلت القضية الى هذا المستوى، على أن يكون مكان الاجتماع خارج الاراضي المحتلة وليس تحت حراب المحتل وسيطرته.

كما ندعو رئيس دولة فلسطين، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، رئيس السلطة الفلسطينية، رئيس وزراء السلطة الفلسطينية العتيد، أن يستريح من هموم ومسؤوليات هذه الالقاب جميعا، هو واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، على أن يستمروا في مناصبهم لتسيير الاعمال فقط، الى أن ينعقد المجلس الوطني الفلسطيني ويتخذ القرارات المناسبة. والى أن ينعقد المجلس الوطني وينتخب اللجنة التنفيذية الجديدة وتتسلم هذه اللجنة الجديدة مسؤولياتها، فاننا نطلب منهم أن يوقفوا أية مفاوضات جارية، وألا يدخلوا في أية مفاوضات جديدة أو يبرموا اتفاقيات أو يرتبطوا بتفاهمات مهما كانت مع أية جهة الا ما يقتضيه تسيير الاعمال فقط.
وأخيرا وليس آخرا نناشد الدول العربية أن تشطب القضية الفلسطينية من جدول أعمالها، وتتخلى عن مبادرتيها الاولى والثانية هذه، وأن تتعامل مع القضية بوصفها دولا ذات سيادة من دول المجتمع الدولي، الذي لا تنقطع عن مناشدته، عساها هي تقود الاستجابة لتلك المناشدة، وهي اثنتان وعشرون دولة تعداد سكانها يزيد على الثلاثمئة مليون نسمة.

‘ رئيس مجلس ادارة صندوق العون القانوني للفلسطينيين

May 31, 2013

الإعلان

طريقان لزوال اسرائيل : طريق كيسنجر وست عشرة وكالة استخبارات امريكية وطريق الشرعية الفلسطينية

2012-12-06

أولا: طريق كسنجر والوكالات الاستخبارية الامريكية:

1 ـ نبدأ بهذا الطريق لأنه امريكي محض في تحليله، ولكنه، في رأيي، لن يتحقق إذا أدخل رد الفعل العربي عاملا من عوامل المعادلة التي تحكمه. في هذا الطريق يتفق كسنجر، وهو من هو، مع استنتاج ورد في تقرير لست عشرة وكالة من وكالات الاستخبارات الامريكية من أن منطقة الشرق الاوسط ستكون خالية من شيء اسمه اسرائيل بحلول عام 2022، أي بعد عشر سنوات. ذلك ما صرح به لصحيفة نيويورك بوست الامريكية بتاريخ 30 أغسطس الماضي. ووجه الاستغراب أساسا هو إجماع هذه الوكالات الستة عشر على ما وصلت اليه بشأن اسرائيل، وهي وكالات ميزانيتها السنوية تبلغ سبعين بليون دولار فقط لا غير، وأنها أعدت تقريرها بناء على تكليف من وكالة الاستخبارات المركزية (ال سي. آي. إيه).. هذا التقرير الذي يقع في اثنتين وثمانين صفحة استعرض الاسباب التي أوصلت واضعيه الى ما توصلوا اليه، ولكن يبدو أنه قد غاب عنه عنصر واحد، وهو دور المقاومة الفلسطينية في ذلك كله. كما يبدو أنه افترض أن ردود فعل الانظمة العربية والاسلامية للمواقف الاسرائيلية تخضع لنفس المعايير المنطقية التي تحكم ردود فعلٍ متوقعة من النظم التي تحرص على مصالحها، ونخشى أن يفقد جميع من شاركوا في وضع التقرير وظائفهم عندما يطلع رؤساؤهم على الحقيقة. التقرير ما زال مشروع تقرير قُدم للرئيس اوباما الذي لم يقره بعد، ولذا فإنه لم ينشر حتى كتابة هذا المقال ليصبح في متناول الجميع. غير أن أمره انفضح حيث أن الرئيس، وفقا للاجراءات المتبعة، قام بتوزيعه على عدد محدود من كبار رجال الكونغرس. والكونغرس، كما هو معروف، يخضع للاحتلال الاسرائيلي. فوصل التقرير لاسرائيل وأنصارها، فثارت ثائرتهم. وهكذا عرف أمره، وبدأت الاقلام تتناوله بقدر ما عَلِمَتْ عن مضمونه. ونحن في هذا المقال نعتمد غلى ما عثرنا عليه عند البحث عنه في الشبكة العنكبوتية، والتي كان من بين أوفاها بحث للدكتور كفين باريت Kevin Barrett . ويحمل التقرير اسم ‘الاعداد لشرقِ أوسط من بعد اسرائيل'(Preparing for a post-Israel Middle East ) وللقارئ ان يطلع على ما كتب عنه ونُقِلَ منه في الشبكة العنكبوتية تحت هذا الاسم. وهذا ما فعلناه للتعريف به، حيث أن تقريرا يتفق عليه هذا العدد من وكالات الاستخبارات الامريكية يجدر بنا أن نحاول التعرف عليه قدر ما تسمح به الظروف. .

النتيجة والاسباب

2 ـ التيجة التي تو صل لها التقرير هي ‘أن المصلحة الامريكية الوطنية تتعارض تعارضا جذريا مع اسرائيل الصهيونية’ وأن ‘اسرائيل هي في الوقت الحاضر أكبر تهديد للمصالح الامريكية الوطنية لأنها بطبيعتها وأفعالها تحول دون وجود علاقات عادية بين الولايات المتحدة والاقطار العربية والاسلامية، ولدرجة متنامية، بين الولايات المتحدة والمجتمع الدولي الاكبر’. وأول ما تجب ملاحظته هو أن النتيجة التي نقلناها فيما تقدم تحدثت عن اسرائيل ‘الصهيونية’ وليس عن اسرائيل على اطلاقها، وهذا يعني أن النتيجة التي توصل اليها قد لا تتحقق اذا تخلت اسرائيل عن العقيدة الصهيونية التي تسيطر عليها. ولذا واستنادا الى هذا المنطق يكون الزوال المتوقع مرهونا باستمرار اسرائيل ملتزمة بعقيدة الصهيونية، وهذا هو المتوقع.
3 ـ التقربر لم يحصر الآثار السيئة لِ ‘طبيعة اسرائيل وأفعالها’ في العلاقة الامريكية الاسرائيلية مع الاقطار العربية والاسلامية وانما أشار أيضا الى أن ذلك يحول، لدرجة متنامية، دون وجود علاقات عادية بين الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. أمريكا تجد نفسها بشكل متنام في عزلة في المجتمع الدولي، خاصة في مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة، والوكالات الاممية المتخصصة بسبب ارتهانها بالمواقف الاسرائيلية التي تتعارض والقانون الدولي و/ أو القيم والمبادئ التي تدعي الولايات المتحدة أنها حريصة على التمسك بها ونشرها. وإذن القلق الامريكي له جانبان: المصالح الامريكية في العالمين العربي والاسلامي والحرج المتنامي في المجتمع الدولي.

4 ـ والاسباب التي يوردها التقرير هي:
أولا- هناك سبعمائة الف مستوطن غير شرعي معتدون على ارض ليست لهم سرقت في العام 1967، ويتفق العالم كله على أنها تخص فلسطين لا اسرائيل. الا أن المستوطنين لن يحملوا امتعتهم ويغادروها بسلام. وحيث ان العالم لن يعترف ابدا باستمرار وجودهم على هذه الارض المسروقة، فإن اسرائيل يصبح وضعها كما كان وضع جنوبي افريقيا في أواخر عام 1980. أي أن اسرائيل ستنهار كما انهارت جنوبي افريقيا.
ثانيا- الإئتلاف الليكودي المتطرف الذي يحكم اسرائيل يغمض عينيه ويدعم بشكل متزايد العنف المفرط والهمجية من جانب المستوطنين غير الشرعيين. هذا بالاضافة الى البنية التحتية العنصرية، بما في ذلك جدار الفصل العنصري ونظام الحواجز ونقاط التفتيش المتنامي في وحشيته، وهي أمور لا يمكن الدفاع عنها أو الابقاء عليها وتتناقض مع القيم الامريكية.

ثالثا- ويقول التقرير إن اسرائيل لن تتمكن من الصمود أمام ثقل الربيع العربي واليقظة الاسلامية القادمَيْنِ والداعِمَيْن لفلسطين، ونهضة الجمهورية الايرانية كذلك. ويقول التقرير في هذا الخصوص، حسبما أورده المعلقون:
‘في الماضي، كانت الدكتاتوريات في المنطقة (أي الشرق الاوسط) تقفل الطريق أمام تطلعات شعوبها المؤيدة للفلسطينيين.غير أن تلك الدكتاتوريات أخذت تتهاوى بسقوط شاه ايران الموالي لاسرائيل في عام 1979 وقيام الجمهورية الاسلامية الديموقراطية التي لم يكن امام حكومتها من خيار متاح سوى أن تنبنى معـــــارضة شعبها لاسرائيل. والعملية ذاتها، أي تساقـــط الدكـــــتاتوريين الذين تعاملوا مع اسرائيل أو على الأقل احتــــملوها، هي الآن عملية متسارعة في جميع أرجاء المنطقة. والنتيجــة ستكون حكومات أكثرَ ديموقراطيةً وأكثرَ اسلاماً وبُعْداً عن أن تكون صديقة لاسرائيل’.
5 ـ ويقول المعلقون على هذا التقرير وعلى موقف كسنجر بأن الغريب في الامر هو ان كليهما لا يبديان اي اسف على ما يسميه البعض ‘وفاة’ اسرائيل. ويفسرون ذلك، بأن جميع الامريكيين، بما فيهم الذين يعملون في وكالات المخابرات، كانوا متأثرين بالاعلام المنحاز بقوة لاسرائيل، ولكنهم بدأوا يخرجون من عباءة ذلك الاعلام ولم يعودوا يكترثون لزوال اسرائيل، للأسباب التالية :

أ- الامريكيون الذين يهتمون بالشؤون الدولية، وكسنجر والعاملون في وكالات الاستخبارات هم كذلك، قد مَلُّوا العدوانية والتطرف الاسرائيليين.
ب- تزايد شعور الامتعاض لدى كثير من الامريكيين لسيطرة اللوبي الاسرائيلي على الحوار العام في امريكا ومعاقبته لمن يخرج عن الخط الصهيوني، مثل ما حصل مع عميدة الصحفيين الامريكيين في البيت الابيض السيدة هيلين توماس، اللبنانية الأصل وغيرها من رجال الصحافة والاعلام.
ج- لم يعد اليهود في امريكا متحدين في دعمهم لاسرائيل، ولم يعد الشباب اليهودي في امريكا يكترث بما يجري لاسرائيل.
د- وهو أقل الأسباب وضوحا، حسب أقوال المعلقين، ولكنه سبب قوي لأمثال كسنجر ووكالات الاستخبارات الامريكية، وهذا السبب هو أن المعلومات بدأت تتكشف بان اسرائيل، لا القاعدة، هي التي كانت وراء عملية تفجير برجي المركز التجاري في نيو يورك أو منفذتها المباشرة، وهذه الحقيقة بدأت تتحدث عنها وسائل الاعلام وتبناها علنا أحد المرشحين للرئاسة الامريكية هو ميرلين ميلر، ويقول معلقون أمريكيون بأن النهاية المؤكدة للعلاقات الامريكية الاسرائيلية ستأتي أذا شاعت هذه المعلومة ووصلت الى المواطن العادي الامريكي. الحقائق العلمية بدأت تنتشر وكلها تؤكد ان اصطدام طائرة ركاب ببرج كأبراج المركز التجاري لا يمكن له ان يدمره ويذيب الخرسانة المسلحة التي بني بها.

والخلاصة

1 ـ لعل هذه هي المرة الاولى التي يُعترف فيها في وثيقة رسمية، لأسباب موضوعية، بأن المصلحة القومية الامريكية تتعارض مع دعم أمريكا لاسرائيل، ولأول مرة تشترك 16 وكالة استخبارات في تقرير يتحدث عن شرق أوسط بدون اسرائيل ويتوقع أن يحدث ذلك خلال عشر سنوات، ويقترح سياسة امريكية جديدة. طبعا من السابق لأوانه الحديث عنه وكأن توصياته أصبحت سياسة رسمية للولايات المتحدة مع أنه قي رئاسته الثانية، وهذه فرصة نادرة أتاح له فيها التقرير فرصة انقاذ امريكا من مخالب الصهيونية. سنرى.

2 ـ أننا نتردد كثيرا في قبول النتائج التي توصل اليها التقرير قيما يخص العلاقات الامريكية العربية والاسلامية وارتباط هذه العلاقات بالعلاقات الامريكية الاسرائيلية. فعلى ما يقارب سبعة عقود والعلاقات الامريكية الاسرائيلية تزداد عمقا وتتزايد معها سيطرة اسرائيل على السياسة الامريكية فيما يتعلق بالعالمين العربي والاسلامي، وتتعمق في الوقت ذاته العلاقات الاسرائيلية بالكثير من الانظمة العربية والاسلامية، بل إن طبيعة اسرائيل وأفعالها لم تقف حائلا دون تقارب متلاحق بين عدد من الانظمة العربية واسرائيل لدرجة أن وزير خارجية دولة عربية صرج أن بلاده ستطلب حماية القنبلة الذرية الاسرائيلية في مواجهة ايران. وفي هذه الفترة كذلك تعمقت العلاقات الامريكية مع دول عربية فأقامت الولايات المتحدة قواعد عسكرية في ارتضيها وتحالفت معها ضد الارهاب الاسلامي كما تراه الولايات المتحدة.ولذا قاننا نستبعد أي تغيير في المواقف الامريكية مالم يؤد الربيع العربي الى تغيير مؤثر ومتجانس إن لم يكن موحدا في موقف الانظمة العربية من اسرائيل ومن حليفتها الولايات المتحدة.

3 ـ يستطيع الربيع العربي المساهمة في اتخاذ القرار، وهذا النصر الذي حققته المقاومة الفلسطينية في غزة قادر على تسريع تحويل المسار.

4 ـ يلاحــــظ أن التقــــرير يتحدث عن العنصــــرية الصهيونية ووحشية المستوطنين ويُذكِّر باجراءات الفصل العنصري التي تتخذها اسرائيل والتي كان لها مثيلاتها في جنوبي افريقيا، وادت في النهاية الى انهيار تلقائي لنظام الابارثيد وزوال جنوبي افريقيا كدولة عنصرية. ويتوقع التقرير نفس المصير بالنسبة لاسرائيل. وهنا للعرب دور يستطيعون استرداده بعد دورهم المتهالك في الموافقة على الغاء القرار الذي اعتبر الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية والتمييز العنصري، وبعد أن ساهموا مساهمة مخزية في دفن المحاولة الشجاعة التي قامت بها المنظمات غير الحكومية في مجلس حقوق الانسان لإعادة الامور الى وضعها السليم.
وللحديث بقية في الجزء الثاني الذي يبحث في طريق زوال اسرائيل بالشرعية الفلسطينية.

http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today%5C06qpt480.htm&arc=data%5C2012%5C12%5C12-06%5C06qpt480.htm

مشروع قانون انتخاب المؤتمر الوطني العام الليبي

مذكرة أولية تمهيدية

مقدمة
1. تميزت ثورة السابع عشر من فبراير بخصائص يجب الا تغيب عن البال في التخطيط للمستقبل وفي فلسفة التشريع ومنطلقاته الفكرية والقانونية التي يتوجب الحفاظ عليها والحرص على تثبيتها والتذكير بها. وفي مقدمة هذه الخصائص أنها كانت ثورة شعب بأكمله، بجميع مكوناته، وفي جميع أماكن تواجده، في أرض الوطن وخارجه، تعبيرا عن وحدة شعبية تميزت بالاستعداد الفعلي والتلقائي لبذل أغلى ما يملكه الانسان، وهو الحياة، لتخليص الوطن كله من نظام استبدادي كان ضحاياه الوطنَ وابناءَه، لا فرق في ذلك بين مقيمٍ ومُهَجَّر، حيث لاحقهم البطش والاذى جميعا اينما كانوا. وثاني هذه الخصائص أن هذا التحرك الشعبي الجمعي كان تلقائيا ملتزما بأن لا يتوقف حتى تستكمل الخطوات التي الضرورية لبناء مستقبل ركائزه الحرية والكرامة، كرامة الوطن والمواطن، والعدالة الاجتماعية والحفاظ على وحدة الشعب والوطن، واحترام سيادة القانون وحقوق الانسان واسترداد الشعب لسيادته على وطنه وعلى ثرواته الطبيعية.ركائزه الحرية والكرامة، كرامة الوطن والمواطن، والعدالة الاجتماعية والحفاظ على وحدة الشعب والوطن، واحترام سيادة القانون وحقوق الانسان واسترداد الشعب لسيادته على وطنه وعلى ثرواته الطبيعية.فكان هذا التحرك تعبيرا عن انتماءٍوولاءٍ متوطنٍين في اعماق وضمائر جميع ابنائه، أينما وجدوا.هذا التحرك الشعبي الجمعي أفشل ما كان هناك من حديث عن احتمالات انقسام وتجزئة. الشعب الليبي، بشيبه وشبابه، رجاله ونسائه، افشل جميع التنبؤات السلبية بالمزيد من التلاحم والتكاتف بين أبنائه والتعالي عما يفرق والتركيز على ما يجمع في نضال أطلق خير ما في النفوس من أصالة ووفاء.

2. ما أقرب اليوم من البارحة، وإن كان بينهما عقود. فهذه الروح التي تجلت في ثورة 17 فبراير وجمعت الشعب الليبي كله في وحدة وطنيةنضالية تمسكت بوحدة الشعب والوطن هي ذاتها التي قهرت محاولات تقسيم الشعب والوطن في مرحلة النضال من أجل الاستقلال، وحافظت على وحدة ليبيا وطنا وشعبا وأرضا، ووضعت بعد الاستقلالالدستور والتشريعات التي تعبر عن ذلك. فالدستور اقام المملكة الليبية “المتحدة”، رافضا محاولة تقسيم البلاد، ومنح الجنسية الليبية لكل من هو من أصل ليبي، مساويا في الحقوق العامة والواجبات بين الليبيين جميعا، مقيمين ومهجرين. وجاءت التشريعات الليبية التي انتجها النضال من أجل الاستقلال ملتزمة بهذه المساواة،. حيث أن الأصل جمعهم ووحد ما بينهم، والاصل هو كونهم جميعا ليبيين. كانت السياسة التشريعية تهدف الى لَمِّ شمل الليبيين في وطنهم والاعتراف بأن الظروف التي مرت بها البلاد قبل الاستقلال قد فرضت على كثيرين أن يهاجروا بأشخاصهم، لا بحبهم وولائهم.

3. إذن فإن التراث القانوني الليبي هو المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، دون أن يدخل في الحسبان أثر حيازته لجنسية اجنبية. ولعل السبب في ذلك هو القاعدة المستقرة في القانون الدولي التي تقضي بأن الشخص يعتبر متمتعا بالحقوق المقررة للمواطنين في البلد الذي يوجد فيه اذا كان من رعايا دولة ذلك البلد، فالليبي الذي يحمل جنسية فرنسية مثلا الى جانب جنسيته الليبية يعتبر ليبيا في ليبيا من كافة الوجوه ولا دخل في ذلك لجنسيته الفرنسية، فهذه تكون عديمة الاثر وهو في ليبيا ويمتنع على فرنسا التدخل أو توفير الحماية مهما كان الأمر.

4. القضايا الرئيسية التي يثيرها مشروع القانون تتعلق بما يلي: (1) حق الليبيين مزدوجي الجنسية في الترشح لعضوية المؤتمر الوطني العام. (2)حق المتجنسين بالجنسية الليبية في المشاركة في العملية الانتخابية تصويتا وترشيحا . (3) حق المرأة في الترشح وهل يجوز تحديد عدد من المقاعد للمرأة. (4) الدوائر الانتخابية لتأمين نوع من التوازن في التمثيل بين مختلف التجمعات السكانية. زسنبحث هذه القضايا على انفراد استنادا الى قانون حقوق الانسان كما اقرته الاعلانات الصادرة عن الامم المتحدة والاتفاقيات الدولية التي اعتمدتها والتي تعبر عن الرأي القانوني الدولي ، كما سنشير الى ممارسات الدول الديموقراطية في هذا الخصوص، لاسيما أن هذا العصر هو عصر حقوق الانسانن وفي مقدمتها الحقوق السياسية والمدنية، ويجب الحرص على تبوأ ليبيا الثورة مكانتها التي هي جديرة بها بتراثها وتضحيات أبنائها.
النصوص القانونية

أولا: الاعلان العالمي لحقوق الانسان لستة 1948

5. تنص المادة 21 على ما يلي:
(1) لكل فرد الحق في الاشتراك في ادارة الشؤون العامة لبلاده، مباشرة وإما بواسطة مجلس يختارون اختيارا حرا.
(2) لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد.
(3) إن ارادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة [الحكم] ، ويعبر عن هذه الارادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى فدم المساواة بين الجميع أو حسب أي اجراء مماثل يضمن حرية التصويت.

6. تنص المادة 13 (2) على ما يلي:
“يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده، كما يحق له العودة اليه.”

7.تنص المادة 30 على ما يلي:
“ليس في هذا الاعلان نص يُجَوِّزُ تأويله على أنه يٌخَوَّلُ لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف الى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه.”
(ثانيا): العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لستة 1966: هذه ربما أهم اتفاقية دولية تتعلق بهذه الحقوق وقد انضم اليها 167 دولة حتى اكتوبر 2011 من بينها ليبيا، وبالتالي فإن ليبيا ملزمة باحترامها، مع العلم بأن الحقوق التي نصت عليها هي تقنين للحقوق المعترف بها في النظم الديموقراطية، وليست مستحدثة.

8. تنص المادة 12من العهد على ما يلي:
“(2) لكل فرد حرية مغادرة أي بلد ، بما في ذلك بلده”.
“(4) لا يجوز حرمان أحد، تعسفا، من حق الدخول الى بلده”.

9. لابد من الملاحظة أن الوثيقتين الرئيسيتين فيما يتعلق بحقوق الانسان، وهما الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، تركزان على “بلد” الانسان لا على “جنسيته” حمايةً له في حق العودةالى بلد لا يملك حق رفضه، وبالتالي حماية لحقوقه كإنسان، وهي حقوق قد تكون أضعف في بلد جنسية غير جنسيته المترتبة له في وطنه كحق طبيعي لا يجوز النتقاص منه.

10. تنص المادة 25 على ما يلي:
“يكون لكل مواطن،دون أي وجه من وجوه التمييز المذكورة في المادة 2 ، الحقوق التالية التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة:
“(أ) أن يشارك في ادارة الشؤون العامة ، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يُختارون بحرية.
(ب) أن يَنتخِب ويُنتخَب في انتخابات نزيهة تجري دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري لضمان التعبير الحر عن ارادة الناخبين.
(ج) أن تتاح له ، على قدم المساواة عموما مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده.”

11. أما المادة 2 التي أشيرَ اليها في مطلع المادة 25 المذكورة أعلاه والتي حظرت التمييز بين المواطنين في الحقوقالمنصوص عليها في المادة 25، فإنها تنص على الآتي:
“تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه وبكفالة هذه الحقوق لجميعالافراد الموجودين في اقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي، سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الاسباب”.

12. ويلاحظ فيما يتعلق بموضوع هذه المذكرة ان هذه المادة ألزمت الدول الاطراف بعدم التمييز بين المواطنين في ممارسة الحقوق المبينة فيه والتمتع بها مهما كانت الاسباب، وليبيا طرف فيها.غير أن المادة 4 (1) أجازت للدول تضييق هذه الحقوق في حالات اعلان الطوارئ اذا كانت حياة الامة مهددة وبشرط أن الا تتجاوز القيود المفروضة ما هو ضروري فعلا لدرء الخطر. وتنص هذه المادة على ما يلي: “في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تهدد حياة الامة والمعلن قيامها رسميا، يجوز للدول الاطراف في هذا العهد أن تتخذ في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الاخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون و الجنس او اللغة او الدين او الاصل الاجتماعي”.

13. وأفرد العهد نصا خاصا بالمساواة في الحقوق المدنية والسياسية بين الرجل والمراة حيث نصت المادة 3 على مايلي : “تتعهد الدول الاطراف ي هذا العهد بكفالة تساوي الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في هذا العهد”.

14. (ثالثا) الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية للمرأة لسنة 1953 : فصلت هذه الاتفاقية جانبا من جوانب الحقوق التي كفلتها المادة 3 من العهد الدولي سالف الذكر وكانت سابقة للعهد في اقرار تلك الحقوق.
(المادة الاولى): للنساء الأهلية في أن يَنْتَخِبْنَ لجميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام المنشأة بمقتضى التشريع الوطني بشروط تساوي بينهن وبين الرجال ، دون أي تمييز.
(المادة الثانية): للنساء الاهلية في أن يُنْتََخََبْنََ لجميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام المنشأة بمقتضى التشريع الوطني بشروط تساوي بينهن وبين الرجال ودون أي تمييز.
(المادة الثالثة): للنساء أهلية تقلد المناصب العامة وممارسة جميع الوظائف العامة المنأة بمقتضى التشريع الوطني بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون أي تمييز.”
تطبيقات

15. من الواضح من النصوص القانونية الملزمة المشار اليها فيما تقدم:
(أولا) أن المواطنين جميعامتساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وأنه لا يجوز التمييز بينهم في ذلك لأي سبب من الاسباب.وهذه الحقوق هي تعبير عن الحق الاصلي وهو الحق في الاشتراك في الحياة العامة إما مباشرة وإما عن طريق نواب يختارون في انتخابات حرة نزيهة. وخق الاشنراك هذا هو النتيجة الطبيعية والقانونية لمبدأ أساسي وهو أن الشعب هو مصدر السلطات وهو المباشر لها اصالة أو إنابة. وعليه فإن مشروع القانون يتمشى مع هذا من حيث أنه ضمن لجميع الليبيين، مقيمين وفي الخارج، حق التصويت لانتخاب ممثلين لهم في المجلس التاسيسي.
(ثانيا) لا يميز القانون في التمتع بحق الترشح، بين مواطن ومواطن انطلاقا من الحق الأصيل وهو حق المواطن في المشاركة في ادارة شؤون بلاده مباشرة أو عن طريق انتخاب ممثل ينوب عنه في انتخابات دورية عامة نزيهة. ولا يؤثر في ذلك كون المواطن يحمل أيضا جنسية دولة أخرى مع الجنسية الليبية ما دام لم يتنازل مختارا عن هذه الجنسية . ولا يجوز مطلقا الافتراض بأن المواطن قد تخلى عن انتمائه وولائه وحقوقه في وطنه بمجرد اكتسابه جنسية أخرى، خاصة اذا كانت ظروف بلاده هي التي أجبرته على اكتساب جنسية أخرى. ومن المقرر في القانون أن المواطن لا يملك قانونا الاستناد على جنسيته الاجنبية وهو في بلده، حيث أنه في هذه الحالة يكون في وطنه مواطنا يتمتع بكل الحقوق وعليه جميع الواجبات. وبناء على هذا فإن النص الذي يحظر على المواطن الذي اكتسب جنسية أخرى الترشح لانتخابات المجلس ما لم يتنازل مسبقا عن الجنسية الاخرى مشكوك على الأقل في شرعيته، ونحن نميل الى أنه مطعون فيه بهذا الحرمان على اطلاقه على الوجه الوارد في النص. يجوز مثلا أن يشترط أن يكون له محل اقامة في البلد، أما أن يحرم عليه ممارسة حق الترشح مطلقا فإنه يتعارض مع الحقوق السياسية والمدنية التي يرتبها القانون للمواطن. ونضيف أن ظاهرة ازدواج الجنسية أصبحت شائعة اعترفت بها وأقرتها دول كثيرة، بما فيها دول عربية، ولا تشترط هذه الدول التنازل عن الجنسية الاصلية. صحيح أن بعض الدول العربية تقيد الحقوقن ولكن هذه الدول ليست هي التي بقتدى بها في موضوع حقوق الانسان.
(ثالثا) لا تميز قوانين حقوق الانسان بين المواطنين في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية فتجعل منهم مواطنين درجة أولى واخرين درجة ثانية، وما هو معمول به في بعض الاقطار العربية من تمييز هو واحد من المخالفات لحقوق الانسان الشائعة في الوطن العربي وللأسف الشديد. ولذا فإن القيود المقروضة على من اكتسبوا الجنسية الليبية بالتجنس تتعارض مع قانون الانسان، اذ المفروض أن الدولة تكون قد تحققت من أهلية طالب التجنس واقتنعت بأنه أهل ليكون مواطنا. القوانين، حتى في الدول الديموقرطية العريقة، تجيز سحب الجنسية من المتجنس في حالات محددة عقابا له، كأن يكون قد قدم بيانات كاذبة أو تعمد اخفاء بيانات مهمة عند طلب الجنسية أو ارتكب خيانة عظمى بعد اكتسابها، ولكن هذه القوانين لا تقر أبدا التمييز بينه وبين غيره من المواطنين لا لسبب الا لأنه اكتسبها بالتجنس. وما دام أن الجنسية لم تسحب فإن المتجنسيعتبر مواطنا صالحا وله الحق الكامل في أن يتمتع بجميع حقوق غيره من المواطنين وأن يخضع لما عليهم من التزامات. ونلاحظ أن المادة 3 من مشروع القانون اشترطت مرور عشر سنوات على التجنس ليكون للمتجنس الحق في التصويت، ويبدو أن المادة 16(1) قد حرمته من حق الترشح حرمانا مطلقا. هذه سوابق تشريعية يجدر بثورة قامت للتخلص من الاستبداد وارساء قواعد الحرية والكرامة والعدالة أن تكون بعيدة عنها وأن تقتدي بالدول الديموقراطية التي تحترم الانسان وحقوقه وكرامته..واذا تبين أن أحدا من هؤلاء قد ارتكب فعلا من الافعال المنصوص عليها في الفقرات 7 – 20 من المادة 16 من مشروع القانون فانه يستبعد من الترشح وفقا لاحكام هذه المادة، للاسباب الواردة فيها، وهي أسباب معقولة وفقا للمادة 25 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المشار اليها في الفقرة 10 أعلاه.
(رابعا) قوانين حقوق الانسان، بما في ذلك الحقوق المدنية والسياسية، تساوي بين الرجل والمرأة وتمنحهما نفس الحقوق. ومشروع القانون ساوى بين الاثنين فيما يتعلق بحق التصويت، أما الحق في عضوية المجلس فقد تجنب مشروع القانون النص صراحة على حق المراة في الترشح على قدم المساواة مع الرجل، كما تقتضي ذلك المواثيق الدولية في هذا الشأن. غير أنه من الواضح أن المشرع أراد أن يكون للمرأة دورها فنص على تخصيص 10% من المقاعد للنساء (المادة 1). هذا نص يشوبه الغموض، إذ الأصل، وفقا لقانون حقوق الانسان، ترك الباب مفتوحا للترشح ويكون العدد هو ما تؤدي اليه نتيجة العملية الانتخابية. ولكن يبدو أن الهدف من النص هو ضمان هذه النسبة للنساء، وهذا جائز في قانون حقوق الانسان ويسمى “التمييز الايجابي” الذي يهدف الى تأمين حقوق معينة لمن حرموا منها أو يُخشى حرمانهم منها، بشرط أن تكون هذه النسبة المنصوص عليها هي الحد الادنى، فاذا جاءت العملية الانتخابية بنسبة أكبر فإن نتيجة العملية الانتخابية تعتمد، أما إذا جاءت النسبة أقل فإنها تزاد للوصول الى النسبة المحددة. ولم يبين مشروع القانون الطريقة التي تتبع لتحقيق ذلك. ويبدو أن الطريقة هي التعيين، ولكن مشروع القانون لم ينص على ذلك ولم يحدد الجهة التي تتولى التعيين، ولذا وجب اعادة النظر في صياغة هذا الحكم..
(خامسا) لقد اعترضنا فيما سبق على بعض النصوص لسبب جوهري وهو أنها تمس التمتع بأصل الحق وتنفي ممارسته ممن له الحق فيه في حالات لا يقرها القانون. وهذا وضع يحسن تجنبه، لآنه على الأقل مشكوك في سلامته. ومنعا للبس فاننا نؤكد أن القانون لم يحظر فرض شروط على ممارسة أي من الحقوق المدنية والسياسية بشرط ألا ثؤدي هذه الشروط الى المساس بالحق ذاته. فمثلا يجوز أن يشترط القانون على الناخب أن يكون مسجلا في سجل الناخبين أو أن يكون المرشح مقيما في البلا.د، أو أنيكون قد بلغ سنا معينة أو لم يرتكب جريمة من الجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة. وفي فقه الثورات يجوز أن تقيد حقوق البعض لفترة زمنية أو لمناسبة من المناسبات حرصا على تحقيق أهداف الثورة، وعليه فلا اعتراض على الفقرات 7 – 20 من المادة 16 من مشروع القانون. ويلاحظ أن هؤلاء حرموا من حق الترشح فقط دون المساس بحقهم (أو بحق غيرهم ممن ورد ذكرهم في هذه المادة) في التصويت. وحسنا فعل المشرع إذ اعتبر هذا القانون قانونا خاصا لمواجهة ظرف خاص بما نص عليه في المادة 57.
الدوائر الانتخابية

16؟ نصت المادة 15 من مشروع القانون على تقسيم البلاد لدوائر انتخابية يراعى فيها نسبة عدد السكان والرقعة الجغرافية وترك الامر لقرار من المفوضية العليا للانتخابات. ويبدو أن المتوقع هو اعتماد النظام التقليدي في تقسيم الدوائر، وهذا قد لا يتناسب مع طبيعة توزيع السكان في ليبيا. ولذا فإنني أقنرح النظر في بديل قد يكوت أنسب تعتمده بعض الدول، وهو اعتبار البلاد كلها دائرة انتخابية واحدة يمثلها العدد المقرر من النواب وهو 200 في مشروع القانون ويجري انتخابهم جميعا من قبل كل الناخبين فيكون الناجحون ممثلين لجميع السكان وفقا لانتخابات شارك فيها الجميع وحريصين على الفوز بثقة المواطنين جميعا. وهذا يعني وجود سجل عام للناخبين يوزع على مراكز اقتراع وليس دوائر انتخابية. ويوزع الناخبون على مراكز الاقتراع، وتكون قوائم المرشحين في كل مركز من المراكز ليختار الناخب من بينهم من يشاء بالعدد المقرر وهو 200. وهذا النظام يناسب الدول القليلة عدد السكان والناخبين، كما هو الحال في ليبيا، وهو مطبق مثلا في هولندا واسرائيل وفلسطين، واعتقد أنه يناسب الاوضاع في ليبيا، ولعله من المفيد الاتصال بالحكومة الهولندية أو المفوضية الفلسطينية المستقلة للانتخابات للاستفادة من خبراتهما العملية في هذا الشأن.

This article was also published here

ليبيا تسترد اصالتها.. المحافظة على الاستقلال اصعب من نيله

حَدَثٌ تاريخيٌّ معاصر بكل معنى الكلمة وَقَعَ في ليبيا في منتصف ليل الثامن من هذا الشهر، شهر آب/أغسطس سنة 2012، ودام فقط حوالي اربعين دقيقة من مطلع التاسع منه. كان حدثا فريدا من نوعه في التاريخ العربي، وربما في تاريخ الثورات، حيث تخلى مجلس قاد ثورة منتصرة عن سلطاته، وسلمها لهيئة منتخبة لم يٌزَوِّرْها واستبعد نفسَه من عضويتها. كان ذلك الحدث في مدينة طرابلس، العاصمة الليبية. بعد منتصف تلك الليلة التاريخية حقا عاد المستشار مصطفى عبد الجليل ورفاقه اعضاء المجلس الوطني الانتقالي الى بيوتهم ليدخلوا التاريخ من أوسع وأشرف ابوابه، بعد أن سلموا السلطة والامانة للمؤتمر الوطني العام الذي جرى انتخابه، وفاء بالعهود التي قطعوها وهم يقودون المعركة، ودون مساومات على مراكز أو ادوار أو مزايا. بل إن رئيس الجلس الانتقالي أعلن استقالته من الوظائف التي كان يشغلها، وكرر استعداده للمحاسبة عن ماضيه وهو مسؤول في النظام المنهزم، كما أنه أعلن، خلافا لما أشيع، ان المجلس الوطني الانتقالي لم يلتزم بشيء لأية دولة أجنبية أو يدفع اي شيء لأية دولة في مقابل ما قد تكون قدمته من مساعدة أثناء الثورة. أي أن ليبيا خاضت ثورتها وجاءها الدعم وانتصرت دون أن تثقل الوطن بثمنٍٍ لذلك. وبهذا تأكدت حرية التصرف للشعب ومؤسساته، وفي مقدمتها المؤتمرٌ الوطني العام، في التعامل مع الجميع دون ان تكون هناك قيود أو شروط مسبقة، ولا امتيازات بترولية أو قواعد عسكرية او تحالفات.
في تلك الليلة ذكَّرَ رئيسُ السن، السيد محمد علي سليم، الحضورَ بحكمةٍٍ أطلقها مؤسس الدولة الليبية، المرحوم الملك ادريس السنوسي وما زالت تتردد على السنة الليبيين، وهي ‘المحافظةُ على الاستقلال أصعبُ من نيله’. وهو تذكيرٌ في محله دون شك في مرحلة اعادة البناء في جميع مناحي الحياة، وليس فقط في الجانب الدستوري والقانوني.
لقد عاد الشغب ليسترد دوره وحقوقه ويفرر التطبيق السليم لقاعدة الشعب مصدر السلطات، فكانت الثورةُ الخطوةَ الاولى حيث حمل الشعبُ السلاحَ حقيقةًً لا ادعاءًاً، لحمايةِ نفسه وسيادةِ قراره، وكانت الخطوةُ الثانيةُ التعبيرََ عن ارادته السياسية بممارسة حقه في انتخاب ممثليه، فكان انتخابُ المؤتمر الوطني العام، ثم كانت الخطوةُ الثالثة في تسليم واستلام السلطة باسلوب حضاري سلس استيفاءاً لخطوةٍ ضروريةٍ للبداية السليمة في مرحلة اعادة البناء.
وللحقيقة والتاريخ فإن عملية اعادة البناء قد بدأت مع اشتعال الثورة بقيام المجلس الوطني الانتقالي في الجزء الذي تحرر من أرض الوطن ليضم من البداية ممثلين عن مختلف ارجائه ليكون الناطق باسم الشعب كله في ثورته. وقيام هذا المجلس كان مكسبا كبيرا للثورة إذ وجدت فيه من البداية ناطقا رسميا اعترف به الجميع فاكتسب بذلك شرعية شعبية ثورية مهدت له الطريق لاكتساب اعتراف دولي مبكر بالثورة وممثيلها. واكتسب المجلس هذا مصداقية كبيرة داخل الوطن وخارجه عندما اعلن برنامجا لانتخاب مؤتمر وطني عام، وأن الذي سيشرف على الانتخابات هذه هي لجنة مستقلة، وليس المجلس الانتقالي، وأن رئيس المجلس الانتقالي واعضاءه لن يرشحوا انفسهم لها، فكان هذا الموقف موقفا رائدا في تاريخ الثورات حين يتخلى الرجال الذين قادوا الثورة عن مواقعهم ساعة النصر ويسلمون القيادة والسلطة لمجلس يختاره الشعب ولا يشاركون هم فيه ولا يشرفون على انتخابه. ووفى هؤلاء الرجال بما وعدوا به. ليس هذا فحسب، بل إن رئيس المجلس اعلن في مناسبات عدة أنه يجب محاسبة رجال النظام السابق محاسبة قانونية نزيهة ويضع هو نفسَه ليكون أول من يُحاسَبون بصفته كان وزير عدل سابق. سلموا السلطة ولم يفروا من البلاد لأداء عمرة أو حج، وعادوا الى بيوتهم مواطنين عاديين.
وأسس المجلس الانتفالي سابقة أخرى والثورة ما زالت مشتعلة، وهذه السابقة هي تفعيل المشاركة الشعبية في عملية التشريع، وهي المشاركة التي غُيِّبَ عنها الشعب العربي لعدة عقود. التشريعات في الاقطار العربية تنزل من فوق، وقد تمر شكليا بمجلس نيابي أو مجلس شورى، ولكن القرار يبقى في يد شخص واحد في القمة، ويبقى علم الشعب بالقانون في معظم الاحوال عندما يصطدم به دون أن يدري. مساهمةُ الشعب المطلوبة في التشريعات يجب الا تقف عند مشاركة ممثيله في المجالس النيابية في النظر فيها، بل يجب أن يرافق ذلك بل أن يسبقه حوارٌ مفتوحٌ أولاً حول مبدأ التشريع في حد ذاته، ثم تأتي مرحلة الصياغة، اذا أقر مبدأ التشريع، ثم نشر مشروع القانون ليطلعَ عليه كلُّ من يهمه الامر، وخاصة منظمات المجتمع المدني من نقابات واتحادات ومنظمات حقوق انسان، ويٌسمِعَ صوتَهٌ أولا للنائب الذي انتخبه وثانيا للحكومة، ثم يكون النقاشُ والدراسةُ للمشروع في المجالس النيابية ومتابعةُ الاعلام لما يجري لمراقبة العملية التشريعية. وما قام به المجلس الانتقالي في سن قانون انتخابات المؤتمر الوطني كان قريبا من هذا في ظل ظروف الثورة. فقد نشر مشروع القا نون، وتصدى له المواطنون في الداخل والخارج يدرسونه ويعلقون عليه ويبدون اقتراحاتهم ويدونون ذلك على صفحات التواصل الاجتماعي على الشبكة العنكبوتية أو يرسلون مذكراتهم المفصلة مباشرة الى المجلس الانتقالي أو لمن يستطيع ايصالها للمسؤولين عن التشريع. ثم صدر القانون، واذا به يدل دلالة واضحة على أن عملية النشر وطلب التعليقات لم تكن مناورة للاستهلاك المحلي، وإنما كانت خطوة جادة لوضع قاعدة المشاركة الشعبية موضع التطبيق الايجابي. ومقارنةٌ بسيطةٌ بين النص الاول لمشروع القانون والنص الهائي له تكشف بسهولة عن استجابة واعية لما أُبدِيَ من ملاحظات واقتراحات. وهذا ليس كلاما مرسلا وإنما هو مبني على وقائع. فقد اطلعتٌ على بعض المذكرات قبل ارسالها ووجدت أثرها واضحا في النص النهائي للقانون. وأهمية هذا الموضوع مرتبطة بالمصداقية التي يمكن للمواطن أن ينسبها للاجراءات التي يتخذها المسؤول، وهل هي جادة أم مناورات عبثية، مثل اللجان التي يشكلها بعض القادة العرب للتحقيق في قضية شغلت الراي العام ثم لا يسمع عنها شيء بعد ذلك، أو مثل أولئك الين يستفتون حين يروق لهم وينكفون عن الاستفتاء في نفس الامور خوفا من النتيجة.
مسألةٌ أخرى في السابقة الليبية جديرة بالذكر، وهي أن المجلس الانتقالي لم يتكون بعد سقوط النظام، أو انه كان للنظام يد في اختيار اعضائه، وانما اعلن عن نفسه وعن اسماء معظم اعضائه (باستثناء المقيمين في مناطق طرابلسية حماية لهم) في بدايات الثورة، ولم يكن وجوده سرا من الاسرار، كما لم يكن أعضاؤه يحملون أسماء حركية أو منزوين عن الانظار أو منقطعين عن الاتصال بالداخل والخارج. كانوا بقودون ويعملون في العلن. وكانت معرفة أسمائهم مصدرَ ثقة واطئنان، فكانوا بذلك أداة فاعلة في اكتساب الشرعية للثورة ومؤسساتها وتوحيد المعارضة، والإعداد للعهد الجديد، والمعركة لم تٌحْسَم بعد.
بهذه الخطوات المدروسة الواعية التي كانت تؤدي الى الثقة والاطمئنان، تجنبت الثورة الليبية الوقوع في المطبات التي يولدها سقوط نظام دون أن تكون الاستعدادات للانتقال الى العهد الجديد قد نضجت وقابلة للتنفيذ لحظة سقوط ذلك النظام. وبهذه الخطوات حصلت القطيعة مع تراث القذافي ونظامه، وتأكدت بداية العودة الى الأصول. وهي بداية فقط، هي ‘نيل الاستقلال’،وما زالت أمام الشعب الليبي المهمة الاصعب وهي ‘المخافظة عليه’ وحمايته من انقلابات الادعياء والمغامرين، وهذه مسؤولية يتحملها جيل الثورة للاجيال القادمة. وهذا الجيل هو الذي سيضع الدستور الجديد للدولة الليبية العصرية، ويجب أن يكون من أول أهداف هذا الدستور أن يؤمن في احكامه، بالقدر الذي يمكن تأمينه، عدم امكانية قيام نظام يمكن أن يتيح الفرصة لانفراد أي فرد أو سلطة بالحكم. وهذه نسبيا مهمة سهلة عندما يؤمن الدستور فصلا بين السلطات ومحاسبةً دقيقةً لكل سلطة عن ممارستها لما يقع في اختصاصها وعدم تجاوزه.
غير أن الدساتير الديموقراطية هذه لم تمنع قيام دكتاتوريات ونظم فاشية شمولية. وهذا يؤدي بنا للعودة الى الأصل وهو أن الشعب مصدر السلطات. وليس معنى هذا تنازلا من الشعب لسلطاته التنفيذية والتشريعية والقضائية، وإنما يعني أولا وقبل كل شيء إعدادَ الشعب ليكون قادرا على ممارسة رقابة فاعلة على التصرف بما يوكله من سلطات لمختلف مؤسسات الدولة وأجهزتها. ويعتي ثانيا بداية ايجاد أدوات المجتمع المدني من احزاب واتحادات ونقابات وجمعيات مستقلة تمارس هي الديموقراطية المسؤولة من انتخابات حرة ومراقبة ومساءلة فاعلتين في داخلها وفي علاقتها مع السلطات المختلفة، ويجب أن يكون الحق في انشائها مطلقا، لا يخضع لترخيص من هذه الجهة أو تلك، ويكفي فيها الاخطار.
ونظرا للدور المهم التي تقوم به تنظيمات المجتمع المدني فإنها تكون دائما هدفا للنظم الدكتاتورية للسيطرة عليها لتصبح ادوات في يد النظام يكون دورها الترويج له والدفاع عنه. وعند مراجعة التجربة الليبية في هذا الشان نجد أن النظام القذافي سعى جاهدا للسيطرة على النقابات والاتحادات، ونح مع البعض وفشل مع البعض. وكمحامٍ عضوٍ في نقابة المحامين الليبيين فقد عاصرت الضغوط التي مورست على المحامين، وعلى نفيبهم الاستاذ عبد الله شرف الدين، أمد الله في عمره، وزملائه أعضاء مجلس الادارة ليخرجوا عن خطهم المتمسك بسيادة القانون واستقلال القضاء وحق كل انسان في محاكمة عادلة وفي اللجوء الى القضاء واختيار محاميه، ولم يفلح. ويعرف المحامون ما تعرض له زملاؤهم، وخاصة النقيب، من تهديدات وضغوط ومناورات. وصمد المحامون. المحامون لم يخرجوا مرة واحدة في مظاهرات التأييد التي كان ينظمها النظام، ولم يرفعوا في النقابة لافتة واحدة تحمل مقولة من مقولات الكتاب الأخضر. واجتمع العقيد نفسه بالمحامين في جمعياتهم العمومية أكثر من مرة، وفي كل مرة كان المحامون يثيرون موضوع الدستور وموضوع المعتقلين بدون وجه حق وموضوع فرض تطبيق مقولات الكتاب الأخضر دون موافقة مسبقة عليها من الشعب، وكان هو من جانبه يحاول التاثير على الانتخابات، دون جدوى.
إن التربية على تحمل المسؤولية وممارستها ممارسة سليمة لا تتحقق بنصوص دستورية فقط، وانما اساسا بنظام تعليمي سليم يدرب فيه الطفل منذ الصغر على التفكير لا مجرد الحفظ، على العمل الجماعي والنقاش الموضوعي والقدرة على المحاسبة وتحمل المسؤولية في اطار جمعيات ونشاطات ومسؤوليات مدرسية. التربية على الديموقراطية وتحمل نتائجها من اختلافات في الرأي والموقف ومن مضايقات في ممارسة التفكير المستقل ومسؤولية الرقابة والمحاسبة والعمل الجماعي أهداف يجب العمل لتحقيقها بجدية منذ الصغر في البيت والمدرسة لتأمين بناء شامخ من الحرية والكرامة والنهضة للوطن والمواطن، وهذا الجيل الثائر من أبناء ليبيا قادر على وضع الاسس لهذا كله بعون الله.

من أجلك ياقدس

حَلَّ يومُ القدس العالمي كعادته يوَمَ الجمعة، آخرَ يوم ِ جمعة في رمضان كل سنة، وبقيت القدس منسية تماما على الصعيد الرسمي الفلسطيني والعربي والاسلامي الا من عبارات انشائية تقليدية لا تحمل أملا للمدينة أو مقدساتها أو مؤسساتها أو شعبها، مهما صغر هذا الامل. لقد تركوا القدس تموت موتا بطيئا، هي ومقدساتها وشعبها، تحت وطأة احتلال كاد أن يكمل تهويدها سكانا وتاريخا وحضارة وعقيدة، والمدينة تنادي ولا من مجيب. حتى لدى السلطة ‘الوطنية’ الفلسطينية ورئيسها ورئيس دولة فلسطين أصبحت عبارةُ ‘وعاصمتها القدس الشريف’ لازمةً تتكرر مع انها فقدت معناها ومضمونها منذ زمن، نتيحةً للتفاهمات التي جرت واعتبرنها اسرائيل مؤشرا على الاقل لما سيأتي. وليس أدل على ذلك من اعتراف رئيس وزراء السلطة علنا بأنه لا توجد لديه ميزانية للقدس، وجاء هذا التصريح عندما استقال مسؤول القدس السيد عبد القادر حاتم من منصبه احتجاجا على ما تعاني منه المدينة من إهمال واستسلام لما يجري من جانب السلطة الوطنية الفلسطينية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير.
لقد وصلت معاناة ما بقي من المدينة قي أيدٍ فلسطينية حَدَّاً يهدد محرد بقائها، ناهيك عن رمزيتها وقيمتها الوطنية وما نقدمه من خدمات حياتية، من بينها أكبر مستشفى خيري في القدس، هو الآن مهدد بالاغلاق بسبب ما يعانيه من أزمة مالية. المستشفى هو مستشفى المقاصد الخيري، أكبر مستشفى فلسطيني يضم جميع التخصصات على أعلى مستوى ويقدم خدماته لكل محتاج الى رعاية طبية دون تمييز بين فقير وغني، فلسطيني أواسرائيلي، مسلم أو مسيحي، علما بأن مالكه هو جمعية المقاصد الخيرية الفلسطينية. وقد قامت القدس العربي مشكورة بنشر تقرير عن أوضاع المستشفى في عددها الصادر يوم 20 أغسطس الجاري، وهو التقرير الذي اعتمد عليه في هذا المقال والسبب المباشر لكتابته. إنني أعرف المستشفى وأعرف ما يقدمه من خدمات طبية متميزة. وأعرف موقعه الرائع على جبل الزيتون حيث يطل من هناك على القدس والمسجد الاقصى وقبة الصخرة المشرفة اطلالة المحب الحارس اليقظ. ولكنني لم أكن أتصور أن مؤسسة كهذه يمكن أن يشملها هذا المستوى من الاهمال أو التخاذل من جانب السلطات الفلسطيتية كلها، بحيث اصبحت توشك على الاغلاق فيضطر الأطباء والعاملون في المسنشفى الى الاضراب عن العمل للفت الانظار الى مدى خطورة الوضع. هذه السلطات الفلسطيتية كلها أصبحت مستهلكة، وتَستَهْلِكُ في طريقها ما تبقى للفلسيطينيين من وجود وحقوق في القدس وغير القدس.
تقرير القدس العربي أشار الى أن العجز المالي الذي يعاني منه المستشفى مرده الديون التي تراكمت في ذمة المستفيدن من المستشفى ولا يسددون المقابل، أو يكونون اصلا عاجزين عن الدفع ولكن المستشفى يقدم لهم الخدمات دون تردد، ومعظمهم من ابناء القدس والضفة الغربية. فالديون التي تراكمت على هؤلاء فقط بلغت حوالي عشرين مليون دولار، ومن غير المتوقع تحصيلها أو تحصيل الجزء الأكبر منها، كما يستبعد امتناع المستشفى، وهو مستشفى خيري، عن تقديم الخدمات للمدينين هؤلاء بسبنب تخلفهم لفقرهم عن سداد ديونهم، وهم الذين يجب أن ترعاهم السلطة الوطنية الفلسطينية، بتوفير الخدمات الطبية لهم في الظروف التي تعيشها القدس بوجه خاص والضغة الغربية بوجه عام.
واذا كان من الواجب مراعاة الظروف الخاصة بهؤلاء المواطنين العاجزين عن سداد فواتيرهم، فإنه لا يغتفر للسلطة الفلسطينية ألا تسدد فواتيرها البالغة سبعة ملايين دولار، وهذه فواتير مقابل خدمات قدمها المستشفى لمن تحيلهم السلطة نفسها الى المستشفى للعلاج ويجب سدادها في الحال، وليس منحة منها للمستشفى، وتسديد هذه الفواتير يجب أن تكون له أولوية على الكثير من أوجه الصرف التي تتولاها السلطة. يجب على السلطة أن تتمسك بميزانية قادرة على الوفاء بالخدمات الصحية بما في ذلك سداد الديون التي تتراكم للمستشقيات وفي مقدمتها مستشفى المقاصد.
السلطة أذن مقصرة كسلطة وكمدين بالخدمات الصحية من جانب المستشفى، السلطة مدينة بسبعة ملايين دولار مقدابل خدمات قدمها المستشفى، وعليها ان تبادر الى سداد هذا الدين، ولو استدانت، أو استقطعت المبلغ من مخصصات قوات الامن، فلا اسرائيل ولا أمريكا تحتمل استقطاع أي مبلغ من هذه المخصصات. يكفي ما ارتكبته هي والقيادات الفلسطينية من تقصير في حق القدس والمقدسيين، ويكفي ما تفعله اسرائيل للتضييق عليهم وعلى المدينة.
والمستشفى دائن كذلك لصناديق المرضى الاسرائيلية بنحو مليوني دولار. هذه تسعة ملايين دولار يجب أن تسدد في الحال دون تأخير، وأدعو منظمات حقوق الانسان الفلسطينية والاسرائيلية كذلك ونقابة المحامين الفلسطينيين الى الالتفات لهذا الموضوع، تبرعا من الجميع، لانقاذ مستشفى بهذه الاهمية.، ولمساعدته في سداد ما تراكمت عليه من ذيون بلغت خمسة ملايين دولار للمصارف وعشرة ملايين للموردين والشركات، وخمسة ملايين دولار ضريبة عقارية للبلدية الاسرائيلية و120 الف دولار لشركة الكهرباء.إنني أخاف على المستشفى ان تقفله البلدية الاسرائيلية أو تبيعه بالمزاد العلتي لتحصيل مبلغ الضريبة بحجة عدم دفع الضريبة المستحقة. فهل تتحمل القيادات الفلسطينية نتيجةَ الاستيلاء على هذه المؤسسة وقفل ابوابها نتيجة إهمالها؟ الا يكفي ما أقفلته السلطة نفسها من مؤسسات وجمعيات خيرية استجابة للطلبات الامريكية والاسرائيلية في أعقاب فوز حماس في انتخابات المجلس التشريعي، بحجة تجفيف الموارد المالية لحماس، مع أن الذي عانى من ذلك هم المحتاجون للمعونات أو الخدمات التي كانت تقدمها لهم هذه المؤسسات والجمعيات، ولم توفر السلطة أو أمريكا أو اسرائيل البديل لها. وهل سيسمح الشعب الفلسطيني بإغلاق هذا المعقل الأخير للخدمات الطبية المتميزة الخيرية للمحتاجين اليها من ابنائه؟.
المستشفى يعالج نحو 240 الف حالة خارجية، ويستقبل نحو 12 ألف حالة ادخال في المستشفى، ويُجري نحو 500 عملية شهريا. فاذا أقفل أبوابه فإن أهل القدس بشكل خاص وبقية الفلسطينيين في الضفة الغربية وغزة سيفقدون ملاذا صحيا عالميا في مستواه وخيريا في خدماته. وفضلا عن ذلك فإن المستشفى ليس مستشفى للعلاج فقط وإنما يضم كلية تمريض ايضا، فضلا عن كونه مستشفى تعليمي تخصصي، وتتبع له سبعة مستوصفات في قرى وبلدات القدس، ويعتمد في تمويله على التبرعات الخيرية وعلى سداد نفقات تحويلات المرضى اليه من السلطة الفلسطينية، والمستشفيات الخاصة في الضفة الغربية، عندما تسدد السلطة وهذه المستشفيات الفواتير.
ويقول التقرير الذي نشرته القدس العربي إن العاملين في المستشفى وعددهم 750 لم يتقاضوا مرتباتهم عن الشهرين الماضيين، والمعدات في تناقص، ولذا فإن العاملين أعلنوا اضرابا مفتوحا عن العمل، دون المساس بالخدمات المستعجلة، وذلك للفت النظر الى الخطورة التي وصل اليها الحال.
المستشفى تأسس عام 1968 وهو تابع لجمعية المقاصد الخيرية.في القدس. وبطبيعة الحال فإن الاوضاع الاقتصادية في القدس خاصة وفي الضفة الغربية عامة لا تسمح للمواطنين، علاوة على الضرائب المرهقة التي تفرضها اسرائيل عليهم، أن يتكفلوا بالتبرع بانتظام بما يكفي لسد احتياجات المستشفى، وللحفاظ عليه في المستوى الطبي الذي يستفيد منه المجتمع كله دون استغلال أو حتى مقابل، في حالات عدم القدرة علىالدفع.
انقاذ المستشفى مسؤولية تقع على الفلسطينيين جميعا في الداخل والشتات، وهي مسؤولية العرب والمسلمين أينما كانوا لأن الحفاظ على مؤسسة من هذا النوع من مؤسسات القدس هو خدمة انسانية ووطنية من الدرجة الاولى، ونتقدم بالاقتراحات التالية في هذا الشأن:
أولا- على السلطة الفلسطينية أن تبادر في الحال لسداد الدين الذي في ذمتها، ولو استدانت، ويجب عليها أن تسدد فواتيرها بانتظام ولو من أبواب أخرى من الميزانية.
ثانيا- ندعو نقابة المحامين الفلسطينيين للمبادرة باجراءات لتحصيل الديون المستحقة للمستشفى من القادرين على الوفاء ولكنهم يماطلون، وفي مقدمتها الدين المستحق على صناديق الصحة الاسرائيلية.
ثالثا- ندعو الحركات الاسلامية على اختلاف مشاربها السياسية الى التبرع اذا كانت تؤمن بأن رعاية صحة الانسان هي من بين الاعمال الصالحة ومقاصد الشريعة التي يُكافَؤ عليها الانسان عند لقاء ربه.
رابعا- ندعو اتحادي الاطباء والصيادلة العرب والاطباء الفلسطينيين والعرب في الشتات الى فرض اشتراك سنوي غير مرهق ضمانا لاستمراره لصالح المستشفى يحصل ويحول بالطريقة التي يتفق عليها.
خامسا- إنني أدعو كل فلسطيني، اينما كان، أن يُلزِمَ نفسه بدفع أي تبرع يناسبه شهريا أو سنويا، ويستطيع الاستمرار في التبرع به دون ارهاق، بتعليمات يصدرها لمصرفه بحيث لا تتعرض للنسيان، وانما تصبح دخلا يستطيع المستشفى الركون اليه. مقدار المبلغ مهم بطبيعة الحال، ولكننا لسنا من أنصار الدفعة الكبيرة الواحدة التي لا تتكرر، وأنما ندع الى مساهمات لا تنقطع من دائرة واسعة من المتبرعين، تدفع بانتظام بحيث يشعر كل فلسطيني بأنه مسؤول مسؤولية مباشرة عن بقاء هذا المستشفى وتطويره، والمساهمة في ذلك، كمؤسسة فلسطينية مقدسية. ويتم هذا باجراء تحويلات مباشرة منتظمة الى حساب المستشفى كلما حان الموعد بحيث يصبح هذا التزاما مستمرا ينفذ تلقائيا ويستطيع المستشفى الاعتماد عليه في ميزانيته. إن المبالغ الصغيرة من أعداد كبيرة فيها الخير كل الخير. ولا أنسى تجربة مررت بها وهي أن جمعية خيرية بريطانية قررت تزويد مياه الشرب لمجتمعات افريقية محرومة منها. فأجرت اتصالاتها لجمع التبرعات واشترطت أن يكون التبرع جنيهين فقط سنويا. انهالت عليها التبرعات، واستطاعت من هذه المبالغ البسيطة في مفردها والكثيرة في مجموعها أن تحفر آبارا لتوفير مياه الشرب في مجتمعات كبيرة وما زالت تباشر نشاطها. إنني أؤمن بجدوى هذه المساهمات الفردية التي تبدو متواضعة ولكن فيها الخير الكثير نتيجة للمشاركة الواسعة. وتمشيا مع هذه النظرية فانني أقترح أن يكون الالتزام في حدود عشرة دولارات شهريا. طبعا لا اعتراض على من يرغب في التبرع بمبلغ أكبر ويقدر عليهن ولكن بشرط مراعاة الاستمرارية.
سادسا- اذا اراد أهل الخير في أمتنا أن يتبرعوا لانقاذ المستشفى من وضعه الحالي فلا أظن أن المستشفى سيعترض
سابعا- إنني لم أتوجه الى الحكومات العربية، فهذه لا يعتمد عليها ولا على وعودها والتزاماتها، فما أسرع تظاهرها بالالتزام وأسهل تهربها منه.
وختاما فإنني لم أتصل بالمستشفى لاستئذانه في كتابة هذا المقال، ولم أطلعه عليه قبل نشره، ولست وكيلا عنه لجمع تبرعات أو قبولها وعلى من يرغب في الاستجابة أن يتصل بالمستشفى مباشرة، حيث أن له موقعا على الشبكة العنكبوتية هو:
ويمكن لمن يشاء زيارته والحصول على مايريد من بيانات. http://www.almakassed.org

الاقصى للزيارة والقدس للسياحة والوطن للضياع هل لهذا تشد الرحال؟

2012-05-23

أين عمامة مفتي الديار المصرية وهو في المسجد الاقصى؟

وهل من فرائض شَدِّ الرحال اليه التخلي عن العمامة واستبدالهاِ بقُبَّعَةٍ؟

وكيف ساهمت زيارةٌ كهذه في تحرير القدس وإغاثة أهلها كما يًدّعى لها ولمثيلاتها؟

والداعية الاسلامي اليمني الذي بثت صوره على الفضائيات والخُيَلاءُ تملأُ جوانحه وهو يسير تحت حماية الأمن الاسرائيلي لماذا وقع الاختيار عليه وعلى فضيلة المفتي لبدء عملية تطويع الاسلام والمسلمين لخدمة المصالح الاسرائيلية وتثبيت الاحتلال وشرعنته؟
وهل يصح تضليل الناس واستغفالهم وإساءة استخدام الدين والعواطف بالادعاء بأن الزيارات للمسجد الاقصى لا تحتاج الى تأشيرة أو موافقة اسرائيلية، وأن يُرَوِّجَ لذلك رجالٌ دين يُفترضُ فيهم الصدقُ في القول والنصيحة، ومسؤولون فلسطينيون يفترض فيهم التدقيق في معرفة وفهم سياسات العدو وأهدافه وما يمارسه يوميا من تََنَكُّرٍ كامل لكل حق من حقوق الشعب الفلسطيني في وطنه؟ ألا يرون أشجار الزيتون المُعَمِّرَة وهي تُقْتَلعُ أو تُحرق، والمحصولات الزراعية وهي تلتهمها النار في موسم الحصاد، ثم يتحدثون عن انعاش اقتصادي للفلسطينيين بهذه الزيارات الطارئة؟
ولماذا تضليل الناس بالادعاء بسوابق تاريخية لا صحة لها لدرجة الافتراء على الرسول الكريم بأنه شد الرحال الى المسجد الحرام بمكة والمسجد تحت الاحتلال؟ هل كانت الكعبةُ المسجدَ الحرامَ قبل فتح مكة؟ وهل كانت قريش، سيدةُ قبائل مكة، سلطةٍ أجنبيةً احتلت مكة واحتلت معها مسجدا حراما لم يكن موجودا أصلا؟ وكيف كان المسلمون يشدون الرحال الى المسجد الاقصى أيام الاحتلال الصليبي، كما يدعي المطبعون، والمسجد كان قد تحول الى اصطبل لخيول فرسان الصليبيين، ومسجد قبة الصخرة أصبح موقعا للقمامة الى أن شد صلاح الدين، الفارسُ الكرديُّ المسلم، الرحالَ اليهما ومعه علماء عصره محررا لتصح الزيارة والاقامة والمجاوَرَة، ولم يسبقه الى الزيارة القاضي الفاضل، عالم عصره، ولا أي عالم آخر من علماءالاسلام في ذلك العصر؟

تُرى هل شد المسلمون الرحال في عهد الرسول الكريم أو عهدي أبي بكر وعمر لزيارة المسجد الاقصى أم شدوها لتحرير فلسطين كلها من الاحتلال البيزنطي بحيث يصبح المسجد قادرا على استقبال زائريه وهو تحت سيادة اسلامية دون إذن من أية جهة أجنبية للوصول اليه أو لمجاورته كما جاور الكثيرون من مختلف ديار الاسلام؟ هل ستسمح سلطات الاحتلال للزائرين بالبقاء في القدس أو الاستقرار فيها، ناهيك عن مجاورة المسجد الاقصى، ليصبحوا الملايين الذين تخيل وزير اوقاف السلطة الفلسطينية أن يصلوا اليها، وبالتالي أن يحرروها، واسرائيل قد باشرت عمليات الهدم والازالة في محيط المسجد الاقصى في الاسبوع الاول من احتلال المدينة، فهدمت الزوايا والمنازل والاسواق والآحياء بكاملها وبدات عملية تهويدها بالكامل ؟ وهل الاسرائيليون من الغباء والسذاجة بحيث يسمحون لوقوع انتعاش اقتصادي فلسطيني في المدينة وسياستهم الثابتة هي أفراغها ، بل افراغ فلسطين كلها، من جميع أهلها العرب، مسلمين ومسيحيين، لتصبح ارضا يهودية خالصة لهم؟ أليست السياسة الاسرائيلية هي خنق البلاد وتدمير اقتصادها، والقدس بالذات، من مصادر الرزق بحيث يضطر الأهل للهجرة أو الاعتماد على فتات يقدمه المجتمع الدولي بالقدر الذي تراه اسرائيل متمشيا مع سياستها في إبقاء الفلسطينيين تحت رحمتها في معاشهم اليومي؟.
من الذي سيتحكم في الزوار وتحركاتهم وأماكن إقامتهم؟ رجال السلطة الفلسطينية؟ هؤلاء لا سلطة لهم حتى في اعاصمتهمب رام الله، فكيف تكون لهم سلطة في مدينة اسمها القدس لا يسمح لهم حتى بدخولها؟ وإنه لمن التضليل المتعمد الادعاء بغير هذه الحقائق المُرَّة التي سريعًا ما يكتشفها اي زائر.
غريبٌ أن تغيب أمور كهذه عن أذهان رجال السلطة الفلسطينية، وهم يسوقون للسياحة الدينية للقدس، هذه السياحة التي لها وزير اسرائيلي ووزارة لايهام العالم بأن اسرائيل تحترم الاديان الأخرى وتحترم حرية اتباعها في الوصول الى أماكنها المقدسة وزيارتها. وهذا هو المطلوب وفقا للقانون الدولي، وسيكون هذا متاحا ومرحبا به في ظل السيادة الاسرائيلية، وخطوة خطوة يصبح التعايش مع الاحتلال مقبولا وتنُسى القضيةُ الأساسية ويتم تهويد القدس بمقدساتها بصورة تدريجية وينهار المسجد الاقصى بسبب ما يجري تحته من حفريات، وتعلن اسرائيل اسفها لما حدث وأنها ستسمح باعادة بنائه ولكنها، كعادتها، لن تفي بوعدها ولن تجد من يذكرها به أو يتمسك، تماما كما نسي القادة الفلسطينيون والعرب أن عضوية اسرائيل في الامم المتحدة عضوية مشروطة، ولكنهم لا يحركون ساكنا ولو في محاولة للتذكير بذلك.

السياحة الدينية تعبر عن مرحلة متقدمة من مراحل تنفيذ مخطط السيطرة الدائمة والكاملة على فلسطين ومقدساتها بعد أن أحكمت اسرائيل سيطرتها على القدس ومحيطها بما أحدثته من تغييرات سكانية وعمرانية، وبعد أن طوعت النظام الفلسطيني والنظم العربية للقبول بتنازلات من جانب هذه النظم وفقا للمخطط الاسرائيلي. وفي الوقت ذاته فإنها الرد العملي على العزلة المتنامية لاسرائيل في كثير من الاوساط الشعبية العالمية، ونسبةٍ متزايدةٍ من الاوساط الرسمية. فهناك حركة شعبية دولية متزايدة في تأثيرها لما اصبح يعرف بنزع الشرعية عن اسرائيل. وقد دل استطلاع للرأي على مستوى العالم بأن اسرائيل جاءت رابع دولة في المكروهية وذلك بسبب سياساتها حيال الشعب الفلسطيني. وليس أقوى في الرد على ذلك كله في الدعاية الصهيونية مِنْ فَتْحِ الابواب أمام السائحين من مختلف الديانات والجنسيات، لزيارة مقدساتهم ليعودوا الى بلدانهم يرددون ما ردده فضيلة المفتي وبعض الزوار الاقباط المصريين من أنهم لم يلاقوا صعوبات ولم يملأوا استمارات دخول أو خروج ولم تختم جوازات سفرهم ولم يروا جنودا اسرائيليين على نقاط الحدود ولم تفتش حقائبهم. وماذا يريد المجتمع الدولي من اسرائيل أو أية دولة أخرى أكثر من هذا؟ وهكذا يُنسى احتلال عام 1967 كما نسي احتلال عام 1948 ثم تم الاعتراف بشرعية بقائه.

اسرائيل تتحكم في الزوار عن بٌعْدٍ بحيث تتمشى زيارتهم مع الهدف الاسرائيلي من السماح بها . وقد جرى هذا النوع من التحكم مع فضيلة المفتي. فضيلته دخل فلسطين ثم القدس ثم المسجد الاقصى وقابل من قابل في اطار هذا التحكم. دخل وهو لا يشعر بأي علاقة لاسرائيل بدخوله، وظن أنها لا دخل لها. زار المسجد الاقصى، وكان من المفروض، ولو من باب اللياقة، ان يكون في استقباله إمام المسجد وخطيبه الشيخ عكرمة صبري، حتى ولو كانت الزيارة شخصية كما ذكر فضيلته. ولكن ذلك لم يحدث، لأن الشيخ عكرمة كان ممنوعا من زيارة مسجده والصلاة فيه. وفضيلته لم يلتق بالشيخ رائد صلاح زعيم الحركة الاسلامية في الداخل والمناضل الكبير لحماية المسجد الاقصى من التهويد والذي لم يخرج من السجن الاسرائيلي الا ليعود اليه بسبب مواقفه من الاعتداءات المتتابعة على المسجد الاقصى. ربما لم يسمع فضيلة المفتي ومستشاروه بهاتين القمتين، لكن من المؤكد أن الذين رتبوا هذه االزيارةب يعرفونهما حق المعرفة، وعدم ادراج اللقاء بهما كان متعمدا.
وبالمثل فقد كانت لقاءات فضيلته مع رجالات الكنيسة في فلسطين متميزة. فقد التقى بالبطريرك اليوناني رئيس الكنيسة الارثوذكسية، وهي كنيسة الطائفة الفلسطينية الأكبر عددا، وتغدى على مائدته التي دعا اليها من اراد مُسْتَبْعِداً أقطاب الكنيسة الفلسطينيين.وغادر القدس دون أن يلتقي بأي من القيادات الدينية المسيحية الاخرى، بمن فيهم المطران عطا الله حنا القائد الروحي الفلسطيني للطائفة الارثوذكسية التي يرأسهما البطريرك اليوناني. وميزة البطريرك اليوناني هذا أنه مٌقاطَعٌ من طائفته الارثوذكسية الفلسطينية والاردنية لأنه تصــــرف في أملاك الكنيسة، وخاصة في القدس، بيعاً وتأجيراً، لاسرائيليين أو يهود، وطالبت الطائفة، وما زالت تطالب، بسحب الاعتراف به من جانب الحكومتين الاردنية والاسرائيلية والسلطة الفلسطينية، دون جدوى. وكذلك فإن فضيلة المفتي لم يلتق بالصحافة الفلسطينية ولم يصدر بيانا واحدا يُستَفادٌ منه ذرة انتقاد للاحتلال أو للخفريات الجارية تحت المسجد الاقصى، ناهيك عن شجبه للاحتلال وسياساته ودعمه لحقوق الشعب الفلسطيني.
أما المطران عطا الله حنا، الزعيم الروحي للطائفة الارثوذكسية وابن فلسطين والذي لم يقابله فضيلة المفتي فقد حدد موقفه من هذه الزيارات من دون مواربة. قال : اإنني ارفض زيارة القدس في ظل الاحتلال. فهذا موقف مبدئي أتمسك به وسابقى. ولكنني لا اشكك في مصداقية او وطنية من يخالفونني الرأي. إن الذي يحرر القدس هو ليس زيارتها في ظل الاحتلال، وانما أن يتخذ العرب قرارا استراتيجيا بتحريرها واستعادتها. أما السماح بزيارة القدس دون اي ضوابط فهذا لن يحرر القدس بل سيستعمل من قبل اسرائيل لكي تظهر أمام العالم وكأنها دولة ديموقراطية ترحب بزائريها وتفتح الابواب أمامهم بهدف الوصول الى المقدساتب. ويقول المطران عطا الله حنا اأؤلئك الذين يدعون لزيارة القدس عليهم أن يعرفوا بأن اسرائيل هي المستفيد الحقيقي من هذه الزيارات، وهي تستفيد اقتصاديا وسياسيا واعلاميا لكي تظهر أمام العالم بانها تستقبل المؤمنين من كل الاديان وتقدم لهم كل التسهيلات.’

لقد جاءت ريارة فضيلة المفتي والداعية اليمني حبيب الجفري في أعقاب خطاب االرئيسب الفلسطيني الذي حث فيه على زيارة القدس وارنكب أخطاء تاريخية فاضحة، كان الأجدر به أن يدقق فيما يقول ولا يرتجل. هذا الخطاب مهد للسياحة الدينية التي أسست اسرائيل وزارة خاصة بها. وجاء هذا الخطاب والزيارتان في الوقت الذي كان أنصار القضية الفلسطينية وشعبها يشدون الرحال من مختلف الاقطار للمجيء الى القدس وفلسطين بمناسبة ذكرى يوم الارض الفلسطيني وبرنامج مرحبا بكم في فلسطينن وهما مناسبتان تبناهما المجتمع المدني الفلسطيني بدعم من منظمات المجتمع المدني في أقطار أجنبية متعددة. هؤلاء الزوار تدخلت اسرائيل لدى شركات الطيران الاوروبية والامريكية التي قامت بالغاء حجوزاتهم، في حين كان الاعتقال في المطار والترحيل نصيب من استطاعوا الوصول. هؤلاء الزوار لم يجيئوا مقاتلين وإنما جاؤوا معبرين عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، ومع ذلك هذه كانت معاملتهم. وشتان بين هذه المعاملة ومعاملة فضيلة المفتي والداعية اليمني.
وليس من باب المصادفة أن تتم زيارة المفتي والداعية في نفس الفترة وأن يكون القائمان بها من رجال الدين الاسلامي: هذا داعية وذاك مفتي. لقد وفرت زيارتهما وخطاب الرئيس الفلسطيني في نفس الفترة الدعاية التي تتمناها اسرائيل للرد على الزوار الآخرين وللرد على اتهامها بالعنصرية وانتهاك حقوق الانسان الفلسطيني. مرة أخرى كسبت اسرائيل الجولة بسبب ضحالة التفكير والقدرة على التحليل لدى من تتوجه اليه من قيادات فلسطينية وعربية واسلامية. فهل أقوى من موقف الرئيس الفلسطيني ومفتي الديار المصرية وداعية يمني قد يكون ممن اشتهروا بدور أثناء الثورة اليمنية في مفابل مواقف شباب متهور مندفع يؤيد الارهاب كما تصفهم الدعاية الاسرائيلية.
وجاء الرد الشعبــــي على الزيـارتين في المغرب حيث ظهرت حركة تقودها الجمعية المغربية لمساندة الكفاح الفلسطيني وذلك لكسر الحصار المفروض على القدس، وستنطلق هذه الحركة في العديد من المدن المغربية وبمشاركة المكـــونات المدنية والسياسية المغربية بالاضافة الى مبادرات رسمية. وذكرت جريدة القدس العربي في عددها الصادر بتاريخ 9 مايو 2012 أن السيد محمد بنجلون الاندلسي رئيس الجمعية دعا العرب والمسلمين الى الكف عن تبذير الأموال على نزواتهم وتوجيه الدعم الى اشقائهم الفلسطينيين، وقال ااذا ضاعت القدس سيضيع العرب والمسلمون وليس القدس وحدهاب.
وأملنا أن ينشط شباب المغرب في اتصالاته مع بقية الشباب العربي لتمتد هذه الحركة الشعبية وتكون ردا عمليا ومؤثرا على دعاة الزيارات ودعمها لدعاة التحرير.

المشكلة هي في الحدث وفي مغزاه وفي مناسبة يبدو أن من بين متطلباتها أن يكون رأس فضيلة المفتي، والمفتي بالذات، مغطى بقبعة لا عمامة. ومن المؤكد أنه ليس من متطلبات زيارة المسجد الأقصى أو أي مسجد التخلي عن العمامة ولبس قبعة، ولكن لبسها مشترط لديهم عند زيارة مكان مقدس من أماكنهم. هناك سر نود من فضيلته أن يتحراه ويكشف عنه. ويؤلمنا أن سمح فضيلته لنفسه بأن لا يتروى فيما دعي اليه ـ غفر الله له.

‘ من مؤسسي منظمة التحرير الفلسطينية

مذكرة أولية تمهيدية بشأن مشروع قانون انتخاب المؤتمر الوطني العام الليبي

مذكرة أولية تمهيدية
بشأن مشروع قانون انتخاب المؤتمر الوطني العام الليبي

مقدمة
1) تميزت ثورة السابع عشر من فبراير بخصائص يجب الا تغيب عن البال في التخطيط للمستقبل وفي فلسفة التشريع ومنطلقاته الفكرية والقانونية التي يتوجب الحفاظ عليها والحرص على تثبيتها والتذكير بها. وفي مقدمة هذه الخصائص أنها كانت ثورة شعب بأكمله، بجميع مكوناته، وفي جميع أماكن تواجده، في أرض الوطن وخارجه، تعبيرا عن وحدة شعبية تميزت بالاستعداد الفعلي والتلقائي لبذل أغلى ما يملكه الانسان، وهو الحياة، لتخليص الوطن كله من نظام استبدادي كان ضحاياه الوطنَ وابناءَه ، لا فرق في ذلك بين مقيمٍ ومُهَجَّر، حيث لاحقهم البطش والاذى جميعا اينما كانوا. وثاني هذه الخصائص أن هذا التحرك الشعبي الجمعي كان تلقائيا ملتزما بأن لا يتوقف حتى تستكمل الخطوات التي الضرورية لبناء مستقبل ركائزه الحرية والكرامة، كرامة الوطن والمواطن، والعدالة الاجتماعية والحفاظ على وحدة الشعب والوطن، واحترام سيادة القانون وحقوق الانسان واسترداد الشعب لسيادته على وطنه وعلى ثرواته الطبيعية. ركائزه الحرية والكرامة، كرامة الوطن والمواطن، والعدالة الاجتماعية والحفاظ على وحدة الشعب والوطن، واحترام سيادة القانون وحقوق الانسان واسترداد الشعب لسيادته على وطنه وعلى ثرواته الطبيعية. فكان هذا التحرك تعبيرا عن انتماءٍ وولاءٍ متوطنٍين في اعماق وضمائر جميع ابنائه، أينما وجدوا. هذا التحرك الشعبي الجمعي أفشل ما كان هناك من حديث عن احتمالات انقسام وتجزئة. الشعب الليبي، بشيبه وشبابه، رجاله ونسائه، افشل جميع التنبؤات السلبية بالمزيد من التلاحم والتكاتف بين أبنائه والتعالي عما يفرق والتركيز على ما يجمع في نضال أطلق خير ما في النفوس من أصالة ووفاء.

2) ما أقرب اليوم من البارحة، وإن كان بينهما عقود. فهذه الروح التي تجلت في ثورة 17 فبراير وجمعت الشعب الليبي كله في وحدة وطنية نضالية تمسكت بوحدة الشعب والوطن هي ذاتها التي قهرت محاولات تقسيم الشعب والوطن في مرحلة النضال من أجل الاستقلال، وحافظت على وحدة ليبيا وطنا وشعبا وأرضا، ووضعت بعد الاستقلال الدستور والتشريعات التي تعبر عن ذلك. فالدستور اقام المملكة الليبية “المتحدة”، رافضا محاولة تقسيم البلاد، ومنح الجنسية الليبية لكل من هو من أصل ليبي، مساويا في الحقوق العامة والواجبات بين الليبيين جميعا، مقيمين ومهجرين. وجاءت التشريعات الليبية التي انتجها النضال من أجل الاستقلال ملتزمة بهذه المساواة،. حيث أن الأصل جمعهم ووحد ما بينهم، والاصل هو كونهم جميعا ليبيين. كانت السياسة التشريعية تهدف الى لَمِّ شمل الليبيين في وطنهم والاعتراف بأن الظروف التي مرت بها البلاد قبل الاستقلال قد فرضت على كثيرين أن يهاجروا بأشخاصهم، لا بحبهم وولائهم.

3) إذن فإن التراث القانوني الليبي هو المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، دون أن يدخل في الحسبان أثر حيازته لجنسية اجنبية. ولعل السبب في ذلك هو القاعدة المستقرة في القانون الدولي التي تقضي بأن الشخص يعتبر متمتعا بالحقوق المقررة للمواطنين في البلد الذي يوجد فيه اذا كان من رعايا دولة ذلك البلد، فالليبي الذي يحمل جنسية فرنسية مثلا الى جانب جنسيته الليبية يعتبر ليبيا في ليبيا من كافة الوجوه ولا دخل في ذلك لجنسيته الفرنسية، فهذه تكون عديمة الاثر وهو في ليبيا ويمتنع على فرنسا التدخل أو توفير الحماية مهما كان الأمر.

4) القضايا الرئيسية التي يثيرها مشروع القانون تتعلق بما يلي: (1) حق الليبيين مزدوجي الجنسية في الترشح لعضوية المؤتمر الوطني العام. (2) حق المتجنسين بالجنسية الليبية في المشاركة في العملية الانتخابية تصويتا وترشيحا . (3) حق المرأة في الترشح وهل يجوز تحديد عدد من المقاعد للمرأة. (4) الدوائر الانتخابية لتأمين نوع من التوازن في التمثيل بين مختلف التجمعات السكانية. زسنبحث هذه القضايا على انفراد استنادا الى قانون حقوق الانسان كما اقرته الاعلانات الصادرة عن الامم المتحدة والاتفاقيات الدولية التي اعتمدتها والتي تعبر عن الرأي القانوني الدولي ، كما سنشير الى ممارسات الدول الديموقراطية في هذا الخصوص، لاسيما أن هذا العصر هو عصر حقوق الانسانن وفي مقدمتها الحقوق السياسية والمدنية، ويجب الحرص على تبوأ ليبيا الثورة مكانتها التي هي جديرة بها بتراثها وتضحيات أبنائها.

النصوص القانونية

أولا: الاعلان العالمي لحقوق الانسان لستة 1948

5) تنص المادة 21 على ما يلي:

(1) لكل فرد الحق في الاشتراك في ادارة الشؤون العامة لبلاده، مباشرة وإما بواسطة مجلس يختارون اختيارا حرا.

(2) لكل شخص نفس الحق الذي لغيره في تقلد الوظائف العامة في البلاد.

(3) إن ارادة الشعب هي مصدر سلطة الحكومة [الحكم] ، ويعبر عن هذه الارادة بانتخابات نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري وعلى فدم المساواة بين الجميع أو حسب أي اجراء مماثل يضمن حرية التصويت.

6) تنص المادة 13 (2) على ما يلي:

“يحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده ، كما يحق له العودة اليه.”

7) تنص المادة 30 على ما يلي:

“ليس في هذا الاعلان نص يُجَوِّزُ تأويله على أنه يٌخَوَّلُ لدولة أو جماعة أو فرد أي حق في القيام بنشاط أو تأدية عمل يهدف الى هدم الحقوق والحريات الواردة فيه.”

(ثانيا): العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لستة 1966: هذه ربما أهم اتفاقية دولية تتعلق بهذه الحقوق وقد انضم اليها 167 دولة حتى اكتوبر 2011 من بينها ليبيا، وبالتالي فإن ليبيا ملزمة باحترامها، مع العلم بأن الحقوق التي نصت عليها هي تقنين للحقوق المعترف بها في النظم الديموقراطية، وليست مستحدثة.

8 ) تنص المادة 12 من العهد على ما يلي:

“(2) لكل فرد حرية مغادرة أي بلد ، بما في ذلك بلده”.

“(4) لا يجوز حرمان أحد، تعسفا، من حق الدخول الى بلده”.

9) لابد من الملاحظة أن الوثيقتين الرئيسيتين فيما يتعلق بحقوق الانسان، وهما الاعلان العالمي لحقوق الانسان والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، تركزان على “بلد” الانسان لا على “جنسيته” حمايةً له في حق العودة الى بلد لا يملك حق رفضه، وبالتالي حماية لحقوقه كإنسان، وهي حقوق قد تكون أضعف في بلد جنسية غير جنسيته المترتبة له في وطنه كحق طبيعي لا يجوز النتقاص منه.

10) تنص المادة 25 على ما يلي:

“يكون لكل مواطن، دون أي وجه من وجوه التمييز المذكورة في المادة 2 ، الحقوق التالية التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة:

“(أ) أن يشارك في ادارة الشؤون العامة ، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يُختارون بحرية.

(ب) أن يَنتخِب ويُنتخَب في انتخابات نزيهة تجري دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري لضمان التعبير الحر عن ارادة الناخبين.

(ج) أن تتاح له ، على قدم المساواة عموما مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده.”

11) أما المادة 2 التي أشيرَ اليها في مطلع المادة 25 المذكورة أعلاه والتي حظرت التمييز بين المواطنين في الحقوقالمنصوص عليها في المادة 25، فإنها تنص على الآتي:
“تتعهد كل دولة طرف في هذا العهد باحترام الحقوق المعترف بها فيه وبكفالة هذه الحقوق لجميع الافراد الموجودين في اقليمها والداخلين في ولايتها، دون أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي، سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي أو الثروة أو النسب أو غير ذلك من الاسباب” .

12) ويلاحظ فيما يتعلق بموضوع هذه المذكرة ان هذه المادة ألزمت الدول الاطراف بعدم التمييز بين المواطنين في ممارسة الحقوق المبينة فيه والتمتع بها مهما كانت الاسباب، وليبيا طرف فيها.غير أن المادة 4 (1) أجازت للدول تضييق هذه الحقوق في حالات اعلان الطوارئ اذا كانت حياة الامة مهددة وبشرط أن الا تتجاوز القيود المفروضة ما هو ضروري فعلا لدرء الخطر. وتنص هذه المادة على ما يلي: “في حالات الطوارئ الاستثنائية التي تهدد حياة الامة والمعلن قيامها رسميا، يجوز للدول الاطراف في هذا العهد أن تتخذ في أضيق الحدود التي يتطلبها الوضع تدابير لا تتقيد بالالتزامات المترتبة عليها بمقتضى هذا العهد شريطة عدم منافاة هذه التدابير للالتزامات الاخرى المترتبة عليها بمقتضى القانون الدولي وعدم انطوائها على تمييز يكون مبرره الوحيد هو العرق أو اللون و الجنس او اللغة او الدين او الاصل الاجتماعي”.

13) وأفرد العهد نصا خاصا بالمساواة في الحقوق المدنية والسياسية بين الرجل والمراة حيث نصت المادة 3 على مايلي : “تتعهد الدول الاطراف ي هذا العهد بكفالة تساوي الرجال والنساء في حق التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية المنصوص عليها في هذا العهد”.

14) (ثالثا) الاتفاقية الدولية بشأن الحقوق المدنية والسياسية للمرأة لسنة 1953 : فصلت هذه الاتفاقية جانبا من جوانب الحقوق التي كفلتها المادة 3 من العهد الدولي سالف الذكر وكانت سابقة للعهد في اقرار تلك الحقوق.

(المادة الاولى): للنساء الأهلية في أن يَنْتَخِبْنَ لجميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام المنشأة بمقتضى التشريع الوطني بشروط تساوي بينهن وبين الرجال ، دون أي تمييز.

(المادة الثانية): للنساء الاهلية في أن يُنْتََخََبْنََ لجميع الهيئات المنتخبة بالاقتراع العام المنشأة بمقتضى التشريع الوطني بشروط تساوي بينهن وبين الرجال ودون أي تمييز.

(المادة الثالثة): للنساء أهلية تقلد المناصب العامة وممارسة جميع الوظائف العامة المنأة بمقتضى التشريع الوطني بشروط تساوي بينهن وبين الرجال دون أي تمييز.”
تطبيقات

15) من الواضح من النصوص القانونية الملزمة المشار اليها فيما تقدم:

(أولا) أن المواطنين جميعامتساوون في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية وأنه لا يجوز التمييز بينهم في ذلك لأي سبب من الاسباب. وهذه الحقوق هي تعبير عن الحق الاصلي وهو الحق في الاشتراك في الحياة العامة إما مباشرة وإما عن طريق نواب يختارون في انتخابات حرة نزيهة. وخق الاشنراك هذا هو النتيجة الطبيعية والقانونية لمبدأ أساسي وهو أن الشعب هو مصدر السلطات وهو المباشر لها اصالة أو إنابة. وعليه فإن مشروع القانون يتمشى مع هذا من حيث أنه ضمن لجميع الليبيين، مقيمين وفي الخارج، حق التصويت لانتخاب ممثلين لهم في المجلس التاسيسي.

(ثانيا) لا يميز القانون في التمتع بحق الترشح، بين مواطن ومواطن انطلاقا من الحق الأصيل وهو حق المواطن في المشاركة في ادارة شؤون بلاده مباشرة أو عن طريق انتخاب ممثل ينوب عنه في انتخابات دورية عامة نزيهة. ولا يؤثر في ذلك كون المواطن يحمل أيضا جنسية دولة أخرى مع الجنسية الليبية ما دام لم يتنازل مختارا عن هذه الجنسية . ولا يجوز مطلقا الافتراض بأن المواطن قد تخلى عن انتمائه وولائه وحقوقه في وطنه بمجرد اكتسابه جنسية أخرى، خاصة اذا كانت ظروف بلاده هي التي أجبرته على اكتساب جنسية أخرى. ومن المقرر في القانون أن المواطن لا يملك قانونا الاستناد على جنسيته الاجنبية وهو في بلده، حيث أنه في هذه الحالة يكون في وطنه مواطنا يتمتع بكل الحقوق وعليه جميع الواجبات. وبناء على هذا فإن النص الذي يحظر على المواطن الذي اكتسب جنسية أخرى الترشح لانتخابات المجلس ما لم يتنازل مسبقا عن الجنسية الاخرى مشكوك على الأقل في شرعيته، ونحن نميل الى أنه مطعون فيه بهذا الحرمان على اطلاقه على الوجه الوارد في النص. يجوز مثلا أن يشترط أن يكون له محل اقامة في البلد، أما أن يحرم عليه ممارسة حق الترشح مطلقا فإنه يتعارض مع الحقوق السياسية والمدنية التي يرتبها القانون للمواطن. ونضيف أن ظاهرة ازدواج الجنسية أصبحت شائعة اعترفت بها وأقرتها دول كثيرة، بما فيها دول عربية، ولا تشترط هذه الدول التنازل عن الجنسية الاصلية. صحيح أن بعض الدول العربية تقيد الحقوقن ولكن هذه الدول ليست هي التي بقتدى بها في موضوع حقوق الانسان.

(ثالثا) لا تميز قوانين حقوق الانسان بين المواطنين في التمتع بالحقوق المدنية والسياسية فتجعل منهم مواطنين درجة أولى واخرين درجة ثانية، وما هو معمول به في بعض الاقطار العربية من تمييز هو واحد من المخالفات لحقوق الانسان الشائعة في الوطن العربي وللأسف الشديد. ولذا فإن القيود المقروضة على من اكتسبوا الجنسية الليبية بالتجنس تتعارض مع قانون الانسان، اذ المفروض أن الدولة تكون قد تحققت من أهلية طالب التجنس واقتنعت بأنه أهل ليكون مواطنا. القوانين، حتى في الدول الديموقرطية العريقة، تجيز سحب الجنسية من المتجنس في حالات محددة عقابا له، كأن يكون قد قدم بيانات كاذبة أو تعمد اخفاء بيانات مهمة عند طلب الجنسية أو ارتكب خيانة عظمى بعد اكتسابها، ولكن هذه القوانين لا تقر أبدا التمييز بينه وبين غيره من المواطنين لا لسبب الا لأنه اكتسبها بالتجنس. وما دام أن الجنسية لم تسحب فإن المتجنس يعتبر مواطنا صالحا وله الحق الكامل في أن يتمتع بجميع حقوق غيره من المواطنين وأن يخضع لما عليهم من التزامات. ونلاحظ أن المادة 3 من مشروع القانون اشترطت مرور عشر سنوات على التجنس ليكون للمتجنس الحق في التصويت، ويبدو أن المادة 16(1) قد حرمته من حق الترشح حرمانا مطلقا. هذه سوابق تشريعية يجدر بثورة قامت للتخلص من الاستبداد وارساء قواعد الحرية والكرامة والعدالة أن تكون بعيدة عنها وأن تقتدي بالدول الديموقراطية التي تحترم الانسان وحقوقه وكرامته.. واذا تبين أن أحدا من هؤلاء قد ارتكب فعلا من الافعال المنصوص عليها في الفقرات 7 – 20 من المادة 16 من مشروع القانون فانه يستبعد من الترشح وفقا لاحكام هذه المادة، للاسباب الواردة فيها، وهي أسباب معقولة وفقا للمادة 25 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية المشار اليها في الفقرة 10 أعلاه.

(رابعا) قوانين حقوق الانسان، بما في ذلك الحقوق المدنية والسياسية، تساوي بين الرجل والمرأة وتمنحهما نفس الحقوق. ومشروع القانون ساوى بين الاثنين فيما يتعلق بحق التصويت، أما الحق في عضوية المجلس فقد تجنب مشروع القانون النص صراحة على حق المراة في الترشح على قدم المساواة مع الرجل، كما تقتضي ذلك المواثيق الدولية في هذا الشأن. غير أنه من الواضح أن المشرع أراد أن يكون للمرأة دورها فنص على تخصيص 10% من المقاعد للنساء (المادة 1). هذا نص يشوبه الغموض، إذ الأصل، وفقا لقانون حقوق الانسان، ترك الباب مفتوحا للترشح ويكون العدد هو ما تؤدي اليه نتيجة العملية الانتخابية. ولكن يبدو أن الهدف من النص هو ضمان هذه النسبة للنساء، وهذا جائز في قانون حقوق الانسان ويسمى “التمييز الايجابي” الذي يهدف الى تأمين حقوق معينة لمن حرموا منها أو يُخشى حرمانهم منها، بشرط أن تكون هذه النسبة المنصوص عليها هي الحد الادنى، فاذا جاءت العملية الانتخابية بنسبة أكبر فإن نتيجة العملية الانتخابية تعتمد، أما إذا جاءت النسبة أقل فإنها تزاد للوصول الى النسبة المحددة. ولم يبين مشروع القانون الطريقة التي تتبع لتحقيق ذلك. ويبدو أن الطريقة هي التعيين، ولكن مشروع القانون لم ينص على ذلك ولم يحدد الجهة التي تتولى التعيين، ولذا وجب اعادة النظر في صياغة هذا الحكم..

(خامسا) لقد اعترضنا فيما سبق على بعض النصوص لسبب جوهري وهو أنها تمس التمتع بأصل الحق وتنفي ممارسته ممن له الحق فيه في حالات لا يقرها القانون. وهذا وضع يحسن تجنبه، لآنه على الأقل مشكوك في سلامته. ومنعا للبس فاننا نؤكد أن القانون لم يحظر فرض شروط على ممارسة أي من الحقوق المدنية والسياسية بشرط ألا ثؤدي هذه الشروط الى المساس بالحق ذاته. فمثلا يجوز أن يشترط القانون على الناخب أن يكون مسجلا في سجل الناخبين أو أن يكون المرشح مقيما في البلا.د، أو أن يكون قد بلغ سنا معينة أو لم يرتكب جريمة من الجرائم المخلة بالشرف أو الأمانة. وفي فقه الثورات يجوز أن تقيد حقوق البعض لفترة زمنية أو لمناسبة من المناسبات حرصا على تحقيق أهداف الثورة، وعليه فلا اعتراض على الفقرات 7 – 20 من المادة 16 من مشروع القانون. ويلاحظ أن هؤلاء حرموا من حق الترشح فقط دون المساس بحقهم (أو بحق غيرهم ممن ورد ذكرهم في هذه المادة) في التصويت. وحسنا فعل المشرع إذ اعتبر هذا القانون قانونا خاصا لمواجهة ظرف خاص بما نص عليه في المادة 57.

الدوائر الانتخابية

16) نصت المادة 15 من مشروع القانون على تقسيم البلاد لدوائر انتخابية يراعى فيها نسبة عدد السكان والرقعة الجغرافية وترك الامر لقرار من المفوضية العليا للانتخابات. ويبدو أن المتوقع هو اعتماد النظام التقليدي في تقسيم الدوائر، وهذا قد لا يتناسب مع طبيعة توزيع السكان في ليبيا. ولذا فإنني أقنرح النظر في بديل قد يكوت أنسب تعتمده بعض الدول، وهو اعتبار البلاد كلها دائرة انتخابية واحدة يمثلها العدد المقرر من النواب وهو 200 في مشروع القانون ويجري انتخابهم جميعا من قبل كل الناخبين فيكون الناجحون ممثلين لجميع السكان وفقا لانتخابات شارك فيها الجميع وحريصين على الفوز بثقة المواطنين جميعا. وهذا يعني وجود سجل عام للناخبين يوزع على مراكز اقتراع وليس دوائر انتخابية. ويوزع الناخبون على مراكز الاقتراع، وتكون قوائم المرشحين في كل مركز من المراكز ليختار الناخب من بينهم من يشاء بالعدد المقرر وهو 200. وهذا النظام يناسب الدول القليلة عدد السكان والناخبين، كما هو الحال في ليبيا، وهو مطبق مثلا في هولندا واسرائيل وفلسطين، واعتقد أنه يناسب الاوضاع في ليبيا، ولعله من المفيد الاتصال بالحكومة الهولندية أو المفوضية الفلسطينية المستقلة للانتخابات للاستفادة من خبراتهما العملية في هذا الشأن.

كفى تحايلا على حقوق الشعب الفلسطيني واستخفافا بعقول أبنائه

1 ـ مرة أخرى يبدأ مسلسل التحايل على حقوق الشعب الفلسطيني والاستخفاف بعقول أبنائه. فبعد انكشاف ما كان مستورا في المفاوضات مع الجانب الاسرائيلي، أعلن كبير المفاوضين الفلسطينيين استقالته من هذا المنصب. إلا أنه استمر في عضويته للجنة التنفيذية وواصل نشاطه، كما فعل أمين سر اللجنة التنفيذية عندما فاوض الاسرائيليين وتخلى عن حق العودة بالتوقيع في احتفال رسمي على ما أصبح يسمى وثيقة جنيف. في الحالتين كان يجب ان تستقيل اللجنة التنفيذية بكاملها لأنها مسؤولة مسؤولية فردية وتضامنية عما وقع، ومع ذلك لا اللجنة استقالت أو اقيلت ولا استقال العضو المعني أو اقيل.

هذان مثالان فقط، ووقع انقسام استمر سنوات، ومفاوضات مباشرة وغير مباشرة وقطيعة وضياع في الظاهر والحقيقة خافية، ومع ذلك بقي المجلس الوطني الفلسطيني مغيبا ولا مساءلة أو محاسبة أو سحب ثقة، ولا انتخاب للجنة تنفيذية جديدة تكون اكفأ في القيام بواجباتها. وها هي اللجنة التنفيذية والسلطة الوطنية تهيئان الاجواء لخطوات في غاية الأهمية، مثل الذهاب لمجلس الأمن للحصول على اعتراف بدولة فلسطينية ظاهريا في حدود 1967 وواقعيا غير ذلك، وإعداد دستور للدولة الوليدة، والاستفتاء عليه، من دون أن يمر على المجلس الوطني لتقوم لجانه المختصة والمجلس بكامل اعضائه بتمحيص النصوص والتدقيق فيها لاكتشاف ما قد تحتويه من مطبات سُرِّبَتْ اليه من هنا أو هناك، والتعامل معها، والتأكد من استيفاء شروط الاستفتاء السليم، قبل طرحه للاستفتاء. ويتحمل رئيس المجلس الوطني ومكتب رئاسة المجلس واللجنة التنفيذية والمجلس المركزي المسؤولية الكاملة عن الوصول الى هذا الوضع المتدهور الذي أسلم القرار لفرد او مجموعة ضيقة ثبت عجزها وتقصيرها.

وتتحمله كذلك جميع الفصائل وقواعدها الشعبية، وخاصة فتح، لأنها لم تتحرك في ما سبق بفاعلية لدرء الخطر، واذا هي لم تحرك الشارع الفلسطيني الآن لتصحيح الاوضــــاع بالعـــودة الى الشرعية الفلسطينية وترحيل من اوصلوا القضية الى هذا المأزق.

2 ـ فجأة هبت رياح الثورة في الوطن العربي فأطاحت بأقوى حليف لاسرائيل وللرئيس الفلسطيني المنتهية مدته، رئيس مصر ونظامه، ودق جرس الانذار لكل من يتحدى ارادة الشعوب في التغيير واسترداد الحقوق. ارتبكت الامور، خاصة في الساحات الاسرائيلية والامريكية والفلسطينية الرسمية، واصبح لا بد من التحرك قبل أن يصل المجهول الذي حتما سيكون غير ما مضى، في الساحة المؤثرة والمتأثرة، الساحة الفلسطينية. إزاء هذا الوضع، فجأة أيضا يتحرك الرئيس الفلسطيني، وليس الاسرائيلي او الامريكي، بتبني خطوتين: الاولى اعلان استعداده لزيارة غزة، ليس للإصرار على حماس للتوقيع على وثيقة المصالحة بالصيغة التي اعدها الوسيط المصري سابقا كما فعلت فتح من قبل، وانما لتشكيل حكومة تكنوقراط يرضى بها الجميع. أما الخطوة الثانية فكانت دعوة لجنة الدستور لاستعادة نشاطها.

3 ـ لا ندري من أشار على الرئيس الفلسطيني لاتخاذ الخطوتين المذكورتين. ولكن لا نستبعد أنهما مرتبطتان بالموعد المضروب لاعلان قيام دولة فلسطين وفقا لمخطط رئيس وزراء سلطة رام الله، وبالذهاب للاعتراف بهذه الدولة لمجلس الأمن، حيث الفيتو والشروط الامريكية، بدلا من الجمعية العامة، حيث التأييد للحقوق الفلسطينية. وتنفيذ هذه الخطة يتطلب وجود حكومة فلسطينية واحدة، فجاء الاستعداد لزيارة غزة والتخلي عن بحث المصالحة، والاكتفاء بتشكيل حكومة تكنوقراط تحقق المطلوب، وهو استبعاد حماس من موقع القرار والشرعية كحكومة، واستمرار الالتزام بما سبق من تفاهمات واتفاقيات.

4 ـ أما إحياء لجنة الدستور فالهدف منه، فيما نعتقد، ايجادُ أداة فلسطينية يمكن تضمينُها الشروطَ المطلوبةَ امريكيا/اسرائيليا لاعتراف مجلس الامن بدولة فلسطين. وليس أقوى لذلك من استفتاء على دستورٍ عصريٍّ في مبادئه ونظامِِ الحكمِ فيه ، ولكن يجري التلاعبُ ببعض نصوصه بحيث تَضْمن، عند التفسير والتطبيق، ما تريده اسرائيل. بهذه الطريقة يُلزم الشعب الفلسطيني نفسه بنفسه، وتحصل اسرائيل على ما تريد، ويحصل الشعب الفلسطيني على اعتراف بدولته من مجلس الأمن في حدود عام 1967 كما يريد، ويعلن الشعب الفلسطيني في هذا الدستور انتهاء مطالبه، كما تريد اسرائيل، وتنتهي المشكلة. ولنا تجربة في هذا النوع من التلاعب بالنصوص الدستورية، حيث جرت محاولة لتوريطنا باستشارتنا في نصوص عادية مع إخفاء نصوص كان قد اضافها الامريكيون (اي الاسرائيليون).

ولكننا استطعنا التدخل، قبل وقوع الضرر، بمقال نشرناه في ‘القدس العربي’ بتاريخ 27 كانون الثاني/يناير 2003 عنوانه ‘مشروع الدستور الفلسطيني: هل هذا وقته؟’ اعترضنا فيه من حيث المبدأ على توقيت اعداده والاستفتاء عليه في ظل الاحتلال. ومما جاء فيه ‘إنه لا يبدو أن هناك مبررا منطقيا أو عمــــليا لهذا الاصرار على دستور في الظروف الراهـــنة الا إذا كان وراء هذه الخطــــوة هدف لا نعرفه، وفي هذه الحالة يجب على القيادة الفلسطينية اعلانه بوضــــوح ليكون تحت النظر والنقاش، ويقتنع المواطنون بضرورة هذه الخطوة’.

وأوقِفَت المحاولة في ذلك الوقت. ونحن ننبه لهذا، خاصة أن النصوص الملغومة قد تضاف قبيل الاستفتاء، بعد الانتهاء من المشاورات الروتينية والاطمئنان على سلامة النصوص نتيجة لثقة الناس فيمن وضعوها أو قيل إنهم استشيروا بشأنها، وتكون قد أخفيت عنهم.

5 ـ وسابقة الاستفتاء على معاهدة السلام الساداتية مع اسرائيل مثال بارز على امكانية وكيفية التحايل على ارادة الشعب عن طريق استفتاء ظاهره سليم، ولا تُكتَشفُ عوراته الا عند التدقيق. ولتجنب ذلك باستغلال جهل الشعب عامة في فهم النصوص القانونية، فإن ما عرض على الاستفتاء لم يعرض مسبقا على مجلس الشعب، كما أن الدستور الفلسطيني المقترح لن يعرض اولا على المجلس الوطني للتدقيق فيه قبل الاستفتاء.

6ـ إننا ما زلنا عند رأينا من أنه لا يوجد اي مبرر منطقي أو عملي لاستئناف النشاط في اعداد هذا الدستور، وإذا كانت قد جدت أسباب جدية تستدعي من الآن إعداد دستور لن ينفذ الا بعد قيام الدولة الفلسطينية وانتهاء الاحتلال فإن من حق الشعب الفلسطيني أن يعرف هذه الاسباب وأن تناقشها مؤسساته الدستورية ويقتنع بها، خاصة أن أمورا كثيرة قد جرت منذ عام 2003 حتى اليوم، وكلها لا تدعو الى الاطمئنان.

7 ـ لنأخذ نصا يتكرر في الدساتير، وخاصة دساتير الدول الناشئة، وهو أن الدولة تعترف وتلتزم بالاتفاقيات والالتزامات التي ارتبطت بها قبل قيامها، والرئيس الفلسطيني يصر على التمسك بكل الاتفاقيات والتفاهمات التي تمت، فيكون نص كهذا مستجيبا لطلبه في تطبيقه بالنسبة للشعب الفلسطيني، وهو في العادة، نص في غاية البراءة ولا يثير استغرابا ولا يلفت النظر لأنه لن يشير الى اسرائيل أو اية دولة أخرى، ولكنه في غاية الخطورة بالنسبة للشعب الفلسطيني عند التفسير والتطبيق. مثلا القيادة الفلسطينية (والمبادرة العــــربية) تريد اعترافا بدولة فلسطين في حدود عام 1967، مع أن الرئيس الامريكي الابله جورج دبليو بوش قد كشف بان هذه خدعة كبرى، وانه لا رجوع الى تلك الحدود، حيث أن المفاوضين الفلسطينيين ومعهم العرب قد وافقوا على ادخال تعديلات ‘طفيفة’ على الحدود، كما وافقواعلى تبادل للاراضي وعلى شروط هذا التبادل بان تكون الاراضي المتبادلة متساوية في المساحة والقيمة. بناء على هذا أصبح تعديل الحدود وتبادل الاراضي بديلا ممكنا للعودة الى حدود عام 1967، وطبقته الادارة الامريكية في رسالة التطمينات التي ارسلها بوش لرئيس الوزراء الاسرائيلي شارون بشأن ضم الكتل الاستيطانية لاسرائيل.

8ـ بعد استفتاء يوافق فيه الشعب على الدستور المقترح طمعا في الحصول على دولة، يأتي الوقت لتعيين حدود الدولة الوليدة، وهذه قضية ستخص الطرفين فقط: دولة اسرائيل ودولة فلسطين. في هذه اللحظة ستشير اسرائيل الى المادة هذه الواردة في الدستور الفلسطيني وتصر على احترامها وتطبيقها بشأن الحدود، وذلك بادخال تعديلات ‘طفيفة’ عليها وباجراء تبادل للاراضي بالمعايير التي سبق الاتفاق عليها، حيث أن إزالة المستوطنات وهدم الجدار امران مستحيلان من الناحية العملية على الأقل.. وتطبيقا لذلك فإنها تعتبر حدودها الجدار الذي شيدته، وأنها على استعداد لمبادلة للاراضي تساوي في المساحة والقيمة ما ضمته من اراض، بما في ذلك القدس بأكملها، وأنها تسهيلا للاتفاق، مستعدة لدفع ثمن هذه الاراضي وفقا لمساحتها وقيمتها بدلا من إضاعة الوقت في التفاوض حول اختيار الاراضي التي ستجري مبادلتها. هذا هو الموقف الذي من المنتظر ان تتبناه انسجاما مع النظرية الصهيونية التي توجب استرداد فلسطين بكاملها. ماذا سيكون الرد وقد وافق المفاوض الفلسطيني على ادخال الوطن في سوق العقارات؟ لا يكون هناك جدوى من الرفض لأن اسرائيل تحوز بالفعل وتعمل على حيازة كل الاراضي التي تريدها، في حين أن الجانب الفلسطيني لا يحوز شبرا واحدا من بديلها، ولا يستطيع حيازة اي شبر الا بموافقة اسرائيل. وسينتهي الأمر إما بالتسليم للموقف الاسرائيلي وقبض الثمن مقابل الوطن، أو رفضه واستئناف النضال بعد التخلي المتعمد عنه. وتطبق القاعدة ذاتها على حق العودة الذي تخلت عنه وثيقة جنيف. كما ستطبق على التفاهمات الاخرى التي لا يعلم الشعب الفلسطيني شيئا عنها. وفي جميع هذه الحالات يكون الخطا في جانب الشعب الفلسطيني اذا هو اخل بما هو متفق عليه، وعليه أن يتحمل النتائج.

9ـ ولا بد من الاضافة بأن اسرائيل ستطالب، بتنفيذ ما جرى الالتزام به، وميزة ورود النص في الدستور أنه يكتسب قوة الالزام به عن طريق الاستفتاء. هذه نتيجة الاعتماد على الفهلوة وذرابة اللسان والسرية والمفاوضات، بدلا من التمسك بالشرعية وسلاح القانون والفهم والتحليل الدقيقين. والمخرج الفلسطيني الممكن والصعب ليس مزيدا من التمسك بجميع التفاهمات والاتفاقيات، وإنما التحلل منها جميعا لسبب قانوني واضح، وهو عدم التزام الطرف الآخر به، ولسبب واقعي هو انها جميعها جاءت ضد المصلحة الوطنية الفلسطينية.

10 ـ وختاما إننا ندعو الى رفض مناورة إحياء لجنة الدستور، فوجود دستور ليس ضرورة قانونية للاعتراف بدولة فلسطين، وقد اعترفت بها الدول من غير دستور، وننبه الى الحيطة من أية مناورة أخرى، ونكرر الحاحنا والحاح غيرنا على عقد دورة مساءلة ومحاسبة وثقة من جانب المجلس الوطني الفلسطيني، ونطالب بألا يُستفتى على أي موضوع الا بعد أن يُعرض على المجلس الوطني بلجانه وكامل اعضائه وموافقته.

وأخيرا، يا شباب فلسطين، أما آنَ لهؤلاء ‘الفرسان’ أن يُرَحَّلوا؟

هنيئا لي ولكم: لقد أصبحنا مغتربين لا لاجئين

فلسطينيوا الشتات ، وربما لاحقا، فلسطينيوا مخيمات اللاجئين، يبدو أنه أصبح لهم وضع قانوني جديد ابتدعه الفكر الخلاق الذي تتميز به اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، شأنها في ذلك كشأنها في ابتكار التنازلات التي تبتكرها في مفاوضاتها مع الجانب الاسرائيلي. الحقوق ليست هي الاعتبار الأول الذي يحرك هذا الفكر الخلاق، وانما الذي يحركه هو رغبة ملحة في التبرع بالحلول التي تعين الجانب الاسرائيلي على تجاوز القانون الدولي والمشروعية، بدلا من الزامه بهما. اللجنة التنفيذية ورئيسها والمفوضين منها يتصرفون دون محاسب أو رقيب منذ انعقاد المجلس الوطني في دورة الجزائر عام 1988. ومن بين ابتداعاتها الخلاقة قرار اتخذه الرئيس محمود عباس المنتهية مدته بتاريخ 29/12/2007 بانشاء دائرة في اللجنة تسمى “دائرة شؤون المغتربين”.

ووفقا لما جاء في موقع الدائرة على الشبكة الالكترونية وهو http://www.pead.ps فإن الرئيس محمود عباس هو الذي اتخذ هذا القرار وليس في الموقع ما يدل على أن اللجنة التنفيذية هي التي اتخذته، كما يتطلب النظام الاساسي لمنظمة التحرير. واذا كان للرئيس او اللجنة التنفيذية أن يتصرفوا في القضية الفلسطينية حسب هواهم، فإنه لا بد من التذكير بأنه ليس من اختصاص هؤلاء المساس بالوضع القانوني والوطني لفئة من أبناء الشعب الفلسطيني دون علمهم وبالتالي دون موافقتهم. ومن الواضح من موقف كبير المفاوضين الفلسطينيين، كما كشفت عنه الوثائق التي حصلت عليها قناة الجزيرة، أن فلسطينيي الشتات لن يكون لهم دور حتى في استفتاء نهائي حول الموضوع. كبير المفاوضين اصبح وصيا على فلسطيني الشتات القُصَّر، يقرر سيادته ما يراه بشأنهم وعليهم قبوله والانصياع له.

وبموجب هذا القرار الرئاسي فإن الدائرة تعنى بشؤون “المغتربين” في بلدان الهجرة والاغتراب. ويغطي نشاطُ الدائرة هؤلاء”الغتربين” باستثناء أؤلئك الموجودون في مناطق عمل وكالة غوث اللاجئين (الانروا)، “وتحديدا في البلدان العربية التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين”. غير أنها في عملها تنسق مع دائرة شؤون اللاجئين ومع ممثلي فلسطين في الخارج. كما إن الدائرة هذه تشارك في اجتماعات جامعة الدول العربية ذات الشأن والصلة بالجاليات العربية في الخارج، على حد قول الدائرة في موقعها.

للدائرة كما قلنا موقع على الشبكة الالكترونية، ولها عنوان الكتروني ولديها هاتف وفاكس، ومن المفيد الرجوع الى ذلك الموقع للتعرف عليها وعلى ما قامت وتقوم به من نشاط. وقد دخلت على هذا الموقع بتاريخ 21 يناير/ كانون الثاني 2011 فلم أجد فيه لا نص القرار الذي أنشأ الدائرة للتعرف على سلامته من حيث الاختصاص في اصداره أوالمشمولين به وأحكامه بدقة بالرجوع الى النص ذاته، وتاريخ بداية نفاذه الى غير ذلك من الامور التي تفيد علما بالدائرة واخصاصاتها وهياكلها وعضو اللجنة التنفيذية المسؤول عنها باعتبارها دائرة من دوائر منظمة التحرير. على أي حال إن الذي يهمنا في هذا المقال هو ما وجدناه في الموقع من تحديد للفئة من ابناء الشعب الفلسطيني التي يفترض أن تكون محل رعاية واهتمام هذه الدائرة، وهي فئة ابتدعها القرار الرئاسي المنشء لها، وهذا موجود في الموقع، وهي فئة اسماها القرار بِ “المغتربين”. وهذا أخطر ما في القرار: اسمها والفئة التي تقع ضمن اختصاصها .وليس في الموقع اشارة الى نشاطات قامت بها هذه الدائرة كمؤشر عملي على تنفيذ الهدف من انشائها منذ تأسيسها قبل أربع سنوات، بحيث يمكن الحكم على جدوى وجودها أصلا وفعاليتها فيما أنشئت من أجله. وبالمثل ليس في الموقع ما يعين على ما تقدم من نشاط للدائرة بقيام تنسيق بين هذه الدائرة ودائرة شؤون اللاجئين أو ممثلي فلسطين في الخارج أو مع جامعة الدول العربية. لا شيء عن أي نشاط مع هذه الجهات أو أي نشاط آخر منذ تأسيسها قبل أربع سنوات حتى 15/1/2011.

في هذا التاريخ كتبت الدائرة تعميما وزعته على “الاخوة والرفاق قيادات الجاليات الفلسطينية” في أوروبا، وذلك “لعقد اجتماع موسع في بيت لحم أو رام الله (حسب عدد المشاركين) في النصف الثاني من أيار (مايو) المقبل، للتباحث في أوضاع جالياتنا ودورها سواء في بلدان اقامتها أو في علاقتها مع الوطن ومع المجتمعات الفلسطينية التي هاجرت منها وتحديدا مخيمات اللجوء في الاردن، لبنان،سورية”. وذكر التعميم أن “فكرة هذا الاجتماع الموسع كانت مطروحة على جدول أعمال الدائرة منذ فترة ليست بالقصيرة وأنها نوقشت مع الأخ الرئيس أبو مازن وقد رحب بها وأبدى موافقته على استضافة المشاركين في الاجتماع واعطاء التوجيهات الى الجهات المعنية لتسهيل دخولهم الى الوطن واقامتهم خلال فترة انعقاد الاجتماع.” التعميم لا يحمل توقيعا أو اسما لأحد مسؤول. وقد وصلني من أحد القياديين الشباب في الشتات الاوروبي مستغربا اختيار اواسط مايو/أيار موعدا لانعقاد المؤتمر الي دعت اليه الدائرة ليتصادف مع موعد انعقاد مؤتمر لللاجئين في المخيمات وللشتات في أحد المخيمات كان هذا القيادي من المنظمين له ويشمل أيضا اللاجئين في سوريا والاردن ولبنان.

والحقيقة أنني فوجئت مثله بخطاب كهذا وكانت نصيحتي عدم الاكتراث به والمضي في ترتيبات عقد المؤتمر الذي كانوا قد قرروه والذي جاء بمبادرة من الشباب المنظمين له. فالواضح من اختيار الموضوع والتوقيت بالذات أن الهدف هو اجهاض هذا المؤتمر، أي هو تكرار لمحاولات سابقة تعرضت لها مبادرات فلسطينيي الشتات لاجهاض المبادرات الشعبية، وهذا ما ارفضه من حيث المبدأ، وها نحن نرى هذا التحرك الرائع للشعب التونسي الحبيب لتصحيح الاوضاع في تونس، والشعب الفلسطيني في حاجة لتحرك متواصل لفرض ارادته على استقلال من اشخاص يدعون أنهم يمثلونه وانحرفوا انحرافا خطيرا عن حقوقه، ومن بينها هذا التصنيف لابناء الشعب الفلسطيني. وقد سرني أن هؤلاء الشباب قد واصلوا ترتيباتهم لعقد مؤتمرهم. إن دائرة تستغرق اربع سنوات لتقرر الاتصال المبدئي بمن تأسست خصيصا للاهتمام بشؤونهم وتتعمد اجهاض مبادراتهم الوطنية غير جديرة بالالتفات اليها. ودائرة تقرر عقد مؤتمر من هذا القبيل تحت أعين المحتل ومراقبته وسيطرته الكاملة هي ولا شك دائرة قد دجنها الاحتلال وتتعامل معه على أساس أن كل اوراقها مكشوفة له، وتريد الآن أن تكشف اوراق قيادات الشتات الفلسطيني. ثم هل يملك الاخ الرئيس اصدار تعليمات لتسهيل دخول المشاركين الى ارض الوطن وهو لا يملك تأمين دخوله هو الى ارض الوطن؟ الاذن ياتي من سلطة الاحتلال وليس للرئيس سلطة عليها ليصدر لها تعليمات، ونخشى في الظروف الراهنة أن يصبح مؤتمر كهذا مصيدة لقيادات الجاليات الفلسطينية الشابة للتعرف عليها ، بل واحتمال اصطياد بعضها نتيجة للتعاون الوثيق بين اجهزة الامن الفلسطينية واجهزة أمن دولة الاحتلال.

صنفان من فلسطينيي اللجوء

إن هذه الملاحظات ليست هي التي تمثل الخطر الأكبر، فشبابنا معتاد على مواجهة التحديات والاخطار، ولكن وجه الخطورة هو هذا التصنيف الجديد لفئة كبيرة جدا من أبناء الشعب الفلسطيني، هم فلسطينيو الشتات الذي يهدد ما لهم من حقوق اكتسبوها وفقا للقانون الدولي والقرارات المتكررة للجمعية العامة للامم المتحدة، وبالتالي تاسيس دائرة خاصة في منظمة التحرير تعنى بشؤونهم كَ”مغتربين”، منفصلة عن دائرة قائمة وموجودة كان من المفترض انهم يتبعون لها وهي “دائرة شؤون اللاجئين”. إن معنى هذا أنه لدينا صنفان من الفلسطينيين خارج ارض الوطن: مغتربون ولاجئون. وبموجب القرار الرئاسي الذي انشأ الدائرة الجديدة فإن الذي يميز الصنف الواحد عن الآخر هو أن اللاجئين هم فقط من تشملهم رعاية وكالة الغوث وتحديدا المقيمون في الدول العربية سوريا ولبنان والاردن، وهؤلاء يتبعون لدائرة شؤون اللاجئين. أما غيرهم فهم مغتربون وبالتالي فإنهم لا يدخلون في اختصاص دائرة شؤون اللاجئين ولهم بهذه الصفة دائرتهم الخاصة وهي دائرة شؤون المغتربين. كما يستفاد من الموضوع المطروح بحثه في المؤتمر الذي دعت اليه الدائرة انه يشمل بحث العلاقات بين هؤلاء المدعوين من الشتات “ومجنمعاتهم التي هاجروا منها، وتحديدا لبنان والاردن وسوريا”. هذا تصنيف جديد إضافي هو “الفلسطينيون المهاجرون من مخيمات لبنان والاردن وسوريا”، هذا الصنف يعتبر في عداد المغتربين ولم يعودوا يصنفون كلاجئين بسبب مغادرتهم المخيمات التي كانوا فيها، وانقطاع تبعيتهم لوكالة الغوث من جهة ودائرة شؤون اللاجئين في منظمة التحرير الفلسطينية من جهة أخرى. وتأكيدا لهذا فإن دائرة شؤون المغتربين هذه تشارك في اجتماعات الجامعة العربية المتعلقة بالمغتربين العرب. وهؤلاء المغتربون العرب لا يصنفون في بلدانهم على أنهم لاجئون. والنتيجة التي نخلص اليها هي أن القرار الرئاسي الفلسطيني يؤدي الى إخراج هؤلاء الفلسطينيين من حالة اللجوء ويحرمهم من أهم حق للاجئ وهو حق العودة. ونعتقد أن هذا هو الهدف من وراء انشاء هذه الدائرة، وجاء التلاعب بالاصطلاحات باستعمال عبارة”مغترب” بدلا من لاجئ وسيلة للتأكيد على هذا الهدف. وفَنُّ التلاعبِ بالالفاظ فَنٌَ اتقنته الحركة الصهيونية الى ابعد الحدود، ولا نستبعد أبدا أنه دخل القاموس السياسي الفلسطيني الذي تمارسه اللجنة التنفيذية في لحظة من لحظات الابداع الخلاق التي تهبط على مبدعيها عندما يبحثون عن مخرج يساعد في تلبية الموقف الاسرائيلي، ولا نستبعد أن هذا الالهام قد جاء عند بحث موضوع حق العودة واختصار العدد الذي قد يُسْمَحُ له بممارسة هذا الحق الى الصفر الذي أعلنته ليفني.

إن هذا التصنيف من جانب منظمة تمثل الشعب الفلسطيني ويكرر القائمون على أمرها تمسكها بحق العودة لا يخدم سوى المصلحة الاسرائيلية وهو من بين الاسلحة التي تسلمها المنظمة لاسرائيل وأنصارها للتنكر لهذا الحق. من مواقفها؟

مفهوم الاغتراب

الاغتراب في الاستعمال العربي المعاصر يعني الهجرة الى بلد آخر باختيار المواطن. وقد عرف الفلسطينيون هذا النوع من الاغتراب ايام الانتداب البريطاني بل وقبله حين هاجر فلسطينيون الى امريكا اللاتينية وامريكا الشمالية طلبا للرزق، وبعضهم استقر هناك، والبعض الآخر عاد الى فلسطين مستفيدا من هجرته للمساهمة في بناء الوطن. الهجرة أو الاغتراب كانت خيارية وكانت العودة خيارية ومتاحة ايضا. وهذا هو شأن المغتربين العرب. فمثلا اللبنانيون الذين هاجروا الى ساحل العاج في افريقيا واستقروا هناك باختيارهم عاد قسم منهم مؤخرا الى لبنان، وطنهم الأم، بسبب المشاكل الحالية في ذلك البلد الافريقي، عادوا بدون مشاكل أو اجراءات عودةََ المواطن الى وطنه، واستُقبلوا بالترحاب في وطنهم لبنان. وفي بعض الاحيان يكون لهؤلاء المغتربين الحق في المشاركة في الانتخابات النيابية التي تجري في أوطانهم حتى وهم في بلد الاغتراب. ولا يشترط في المغترب أن يحصل على جنسية الدولة التي يقيم فيها، كما أنه لا يفقد حُكْمَاً صفته كمغترب، من منظور الوطن الام، باكتساب هذه الجنسية أو بالحصول على اقامة دائمة في البلد الذي يغترب اليه، ما دام أن بلد الاصل يعترف به كمغترب. في هذه الحالة الاغتراب هي نسبة الى الوطن الأم وليس للدولة التي اكتسب جنسيتها. وكثير من دول العالم تعترف بازدواج الجنسية اقرارا باستمرار الارتباط بالوطن الآصل.

“المغتربون” الفلسطينيون

هل فلسطينيو الشتات “مغتربون”؟ واذا كانوا كذلك فما هو الوطن المغتربون عنه؟

نلاحظ أولا نقطة هامة عن تسرب الالفاظ ذات الدلالات البعيدة والتي قد لا يلاحظها الانسان العادي ولكن لها دلالاتها القانونية أو النفسانية العميقة الأثر. وأكثر من أجاد هذا وأبدع فيه هو الدعاية الصهيونية والاسرائيلية. فمثلا عندما بدأت اسرائيل عمليات اغتيال الناشطين الفلسطينيين وأخذت الصحافة العالمية تتحدث عن “الاغتيال” الذي هو حقيقة ما تفعله اسرائيل، تحرك دهاة الاعلام الاسرائيليون واخترعوا بدلا من هذا التعبير عبارة “”targeted killing أي “القتل المستهدف” وهو تعبير أخف اثارة ومدلولية من “الاغتيال” أي “assassination”. وفي عملية غسل دماغ قوات الامن الفلسطينية على يد الجنرال الامريكي واعوانه الاسرائيليين توقفوا عن وصف مناضلي حركات المقاومة الفلسطينية بالارهابيين وأصبحوا يوصفون بالمتطرفين أو الخارجين على القانون. وهذه العبارات دخلت قاموس السلطة ورجالاتها فأصبح الجميع يتحدث عن الخارجين على القانون عندما يعتفلون مفاوما، لأن عبارة “مقاوم” أو “رجال المقاومة” تنطوي على وجود الاحتلال وبما يجب أن يواجه به. اما “الخارج على القانون” فقد يكون من ارتكب مخالفة سير او ارتكب جريمة سرقة، والمجتمع يقف ضد من يخرج على القانون، ولكنه يقف مع من يقاوم الاحتلال. وكذلك الامر بالنسبة لعبارة “المتطرفين” و “التطرف”. هذه الفلسفة في التلاعب بالالفاظ يبدو أنها أخذت تستقر في استعمالات السلطة للغة.

لقد أشرنا الى الغرض الذي من أجله وجهت دائرة شؤون المغتربين تعميمها لقيادات الجاليات الفلسطينية. هذا الغرض يشمل بحث العلاقات بينهم وبين تجمعات المخيمات “التي هاجروا منها”، وتحديدا الاردن ولبنان وسوريا. لاحظ استعمال عبارة “هاجروا” ولاحظ المكان الذي نسبت الهجرة منه. عبارةٌ تبدو بريئة وصالحة للتعميم، غير أنها عامرة باحتمالات التطوير. الانسان يهاجر من وطنه، ولكنه لا يعتبر مهاجرا اذا غادر محل اقامةٍ مؤقتة او تواجدٍ خارج هذا الوطن. العبارة مختارة بعناية دون شك، واستعمالها في دعوة صادرة من دائرة شؤون المغتربين ينسجم مع اختصاص هذه الدائرة ويؤكد ان استعمال عبارة “هاجروا” متعمد.

الفلسطينيون الذين غادروا مخيمات اللجوء لم “يهاجروا” أو “يغتربوا” منها بالمفهوم الواقعي او القانوني، حيث أن المخيمات ليست قانونيا أو واقعيا نقاطَ استقرار تكسب المقيمين فيها حق اقامة دائمة وعودة اليها بحرية واختيار. فالوجود فيها عمل انساني من جانب الدولة المضيفة لا يُكسِبُ المقيمَ حقوقاً قانونيةً أو طبيعية، كما هو حال المواطن، لتكون مغادرته لها هجرةً منها. المخيماتُ هي، في الاصل، نقاطُ انطلاقٍ لتنفيذ حقه في العودةِ للوطن الذي ارغم على مغادرته، وليست وطنا يٌهاجَرُ منها، وانما غادروها لملجأ آخر.

تصنيف فلسطينيي الشتات

من الواضح من تعريف “المغترب” الذي سبق أن أشرنا اليه انه لا يصح اطلاقا تصنيف فلسطينيي الشتات بأنهم مغتربون، سواء كانوا ممن غادروا مخيمات لجوء كانوا هم أو ذووهم قد لجأوا اليها، أو من غيرهم من من لم يدخلوا في اختصاص وكالة الغوث. إنهم لاجئون، وليس المعيار هو الوجود في المخيمات،حيث أنهم ما زالوا محرومين من العودة الاختيارية الى ذلك الجزء من وطنهم حيث كانت اقامتهم المعتادة، والاستقرارِ فيه. إن هذا التصنيف الفلسطيني للفلسطينيين من جانب من يدعون تمثيله بأنهم “مغتربون” يخرج الملايين منهم من التصنيف الطبيعي والقانوني لهم كلاجئين سيتمسك به العدو الصهيوني في الانقضاض على حقهم في العودة.

الى أين تكون العودة

إن تصنيف فلسطينيي الشتات بمغتربين بموجب هذا القرار الرئاسي ينسجم تماما مع وثيقة جنيف التي أبرمها الامين العام للجنة التنفيذية مع الاسرائيلي يوسي بيلين وتم التوقيع عليها في احتفال رسمي في مدينة جنيف والتي بموجبها تم التخلي الكامل عن التعريف القانوني الذي اعتمده المجتمع الدولي في دورات متكررة للجمعية العامة للامم المتحدة، وهو عودة اللاجئ الى بيته الذي طرد منه،واعطاء تفسير جديد له بأنه عودة الى اراضي الدولة الفلسطينية التي سيتفق عليها والتي هين على أي حال، في تناقص مستمر. وكشفت الوثائق التي عرضتها فضائية الجزيرة ان السيد كبير المفاوضين الفلسطينيين قد صرح بان ممارسة حق العودة حتى بهذه الصورة المشوهة ليس مطلقا وانما يخضع لشروط أهمها القدرة الاقتصادية للضفة على الاستيعاب. ومن المفيد أن نذكر من تناسوا أن اتفاقيات أوسلو قد نصت على عودة لاجئي 1967 الى الضفة ونصت على تشكيل لجنة فلسطينية مصرية اردنية اسرائيلية مشتركة لتنفيذ هذا الجانب من الاتفاق، ومرت السنوات ولم يحدث شيء ونسيت السلطة ورئيسها واللجنة التنفيذية والمفاوضون هذا الموضوع، ولم يتمسكوا بتنفيذه قبل الحديث عن حقوق اللاجئين الآخرين.
والخلاصة

أولا، إن القرار الرئاسي ووثيقة جنيف التي أبرمها الأمين العام للجنة التنفيذية لمنظمة التحرير تصرفان ثابتان من تصرفات هؤلاء المسئولين وليسا من بين وثائق فضائية الجزيرة، ولا يطعن فيهما بالتزوير، وهما وثيقتان تشهدان على محاولات للتخلي عن حق العودة أو الانتقاص منه على أقل تقدير.

ثانيا : إن انشاء هذه دائرة شؤون المغتربين بالتلاعب على الالفاظ هو خطوة تنفيذية متعمدة تخليا عن حق العودة بداية بالنسبة لمن سموا بالمغتربين ثم بالنسبة لجميع اللاجئين، وهي خطوات تنسجم تماما مع سياسة اسرائيل في رفض عودة أي لاجئ ومع نصوص وثيقة جنيف سيئة الذكر. ولذا فاننا ندعو الرئيس الى الغاء قراره بانشاء هذه الدائرة وابقاء التعامل مع فلسطينيي الشتات ضمن اختصاص دائرة شؤون اللاجئين كما كان الحال قبل صدور هذا القرار الخطير.

هذا ثالثا: من الواضح أن الرئيس والمفاوضين واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير قد أصابهم جميعا الاعياء ويكفي ما وصلت اليه الامور على ايديهم. وليس عيبا أن يعترفوا بأن هذا هو قصارى ما يستطيعون الوصول اليه، وان واجبهم الوطني يفرض عليهم جميعا التخلي عن مواقعهم وافساح المجال لغيرهم. والتزاما بهذا فإننا نكرر دعوتنا للرئيس واللجنة التنفيذية ورئيس المجلس الوطني أن يقوموا بدعوة المجلس الوطني للاجتماع ليمارس دوره في المساءلة وفي انتخاب اعضاء جدد للمجلس وفقا لنظامه الداخلي وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة ورسم سياسة للمنظمة تاخذ في الاعتبار جميع التطورات ووتصحح الانحرافات او الاجتهادات لحماية حقوق الشعب الفلسطيني. إن اجتماعا من هذا النوع لا يجوز اطلاقا عقده في رام الله كما حصل عند ملء شواغر اللجنة التنفيذية او في اي مكان آخر في الضفة أو القطاع تحت حراب الاحتلال ومخابراته والحصار والاتفاق الامني الاسرائيلي وما ينطوي عليه كل ذلك.

ورابعا: أين هي الفصائل وأعضاؤها وقواعدها في الداخل والخارج، إن كان ما زال لديها أعضاء وقواعد؟ هل ينحصر دورها في اصدار البيانات؟ لماذا لا تتحرك هذه القواعد للتصدي لما يجري؟ لماذا،فيما يتعلق بانعقاد المجلس الوطني، تترك الامور في يد الرئيس أو يد رئيس المجلس الوطني لعقد اجتماع للمجلس الوطني في حين أن النظام الاساسي للمجلس الوطني يجيز لربع اعضائه الطلب الى رئيس المجلس دعوة المجلس للاجتماع في موعد ومكان يحددان في الطلب، واذا لم يقم رئيس المجلس بتوجيه هذه الدعوة ينعقد المجلس حكما في المكان والموعد المحددين في الطلب؟ الا تستطيع هذه الفصائل الحصول على توقيعات ربع اعضاء المجلس لتقديم الطلب والتغلب على حالة الجمود والاستقصاء التي فرضت على المنظمة؟ لقد توجهنا بهذا النداء قبل مدة على صفحات هذه الجريدة تفعيلا للشرعية الفلسطينية للخروج من ازمة الجمود الحالية. ومع ذلك لم تتحرك هذه الفصائل وبقيت تشكو من عدم تنفيذ الرئيس بما التزم به من تفعيل مؤسسات المنظمة. ويبدو أن الرئيس، كغيره من رؤساء في الوطن العربي، لا يقلقه عدم الالتزام بالشرعية، وأن الفصائل قد شاخت وفي حاجة الى تجديد شبابها.

لا لتزوير التاريخ إرضاءاً لاسرائيل وأمريكا

أولا: القضية

أَكَّدَ مقالٌ علمي موضوعي نُشِرَ على موقع وزارة الاعلام في السلطة الفلسطينية عُمْقَ الحساسية الامريكية والاسرائيلية لكل ما يطعن أو يشكك في صحة رواية تاريخ فلسطين وتراثها ومقدساتها كما وردت في الاساطير الاسرائيلية المتوارثةِ المسيطرةِ على عقولِ الاسرائيليين وعقول الكثيرِ ممن يسمون بالمسيحيين الجدد، خاصة في أمريكا. كاتب المقال هو الدكتور المتوكل طه، وكيلُ وزارة الاعلام في السلطة الفلسطينية، وعنوانه “حائط البراق”، ونشر في موقع الوزارة بتاريخ 22 نوفمبر/تشرين الثاني 2010. وكان موضوعُ البحث ملكيةَ هذا الحائط. وبهذا التحديد لطبيعة السؤال يكون البحث قانونيا تاريخيا بامتياز وابعد ما يكون عن السياسة. ومع أنه يبدو أن الدكتور المتوكل ليس من رجال القانون ، الا انه في بحثه استند على مرجع لا يرقى أدنى شك الى سلامته القانونية.

يقول المؤلف، “يدعي الاحتلال الاسرائيلي، زورا وبهتانا، ملكيته لهذا الحائط الذي يسميه بِ ‘حائط المبكى‘أو ‘الكوتيل‘”. ويصف الكاتب مقاله بحق بأنه “يوضح بشكل علمي وموضوعي ونزيه أحقية المسلمين بهذا الحائط، الذي سيبقى حائط البراق، والذي لا يحق لأحد أن يتماهى مع الصهيونية في ادعائها بملكيته، أو أن يتنازل عنه تحت أي ذريعة أو دعوى”.

وكان المؤلف منصفا لنفسه وللتاريخ في هذا التقييم لمقاله، حيث أنه لم يأت بجديد من عنده، يمكن الاعتراض عليه، وانما اعتمد اعتمادا كليا على تقريرٍ للجنةٍ دوليةٍ شكلتها عصبة الامم عام 1930 للتحقيق حصراً في حقوق المسلمين واليهود في الجدار، وذلك بعد اشتباكات دامية وقعت بين الطرفين وكانت محل تحقيق مستقل من جانب لجنة شكلتها حكومة الانتداب على فلسطين، بريطانيا، في ذلك الوقت وعرفت باسم “لجنة شو”. وهذه اللجنة المستقلة التي حققت في الاشتباكات اوصت بتشكيل لجنةٍ دوليةٍ تعتمدها عصبةُ الامم، لتقرير حقوق الطرفين، المسلمين واليهود، في الجدار حسماً للخلاف بصورة نهائية بحيث يعرف كل طرف حقوقه بناء على تحقيق دولي مستقل لا مجال للطعن فيه. وهكذا كان. درست اللجنة موضوع ملكية الحائط، وحققت فيه تحقيقا قانونيا سليما استمعت فيه لممثلي الطرفين ولممثلٍ لحكومةِ الانتداب، وتوصلت الى نتائج أورد المؤلف في مقاله جانبا منها، وكان من بينها أن ملكية الحائط والرصيف الذي أمامه تعود للمسلمين فقط وليس هناك أي حق عيني، مهما كان، لليهود في الجدار. فالدكتور المتوكل لم يبتدع موقفا جديدا وانما أكد وضعا قانونيا اعتُمِدَ دوليا ولم يعد محل جدل أونقاش أو طعن.
ومما يؤيد سلامة موقف المؤلف، وسلامة ما خلصت اليه اللجنة في تقريرها ، أن اللجنة صرحت في عرضها لمواقف الطرفين أن ممثلي الجانب اليهودي لم يدعوا ملكية الحائط ولم يطالبوا بها، على أساس أن ملكية المقدسات هي لله وليس للبشر، وطبيعي، والحالة كذلك، أنهم لم يطلبوا من اللجنة أن تفصل في ادعاء كهذا، ولم يقدموا دليلا عليه. كما أنه تعالى لم يكن طرفا في الدعوى لتسمع أقواله. ولو كان لدى الجانب اليهودي ادنى دليل على ملكيتهم للحائط لما ترددوا في تقديمه ولما أدعوا بأن الملكية هي لله. وبالرغم من هذا الموقف للجانب اليهودي فقد قررت اللجنة أن تحسم الموضوع وتحقق في ملكية الحائط وتقررها.

ثانيا: خصائص اللجنة

من المهم أن نلاحظ أنه لم يكن هناك مؤشر على أي احتمال لمحاباة اللجنة للجانب الاسلامي، بل العكس هو الاقرب للاحتمال، ومع ذلك كانت اللجنة نزيهة في موقفها وقرارها والتحريات التي أجرتها. ويحسن بنا أن نتذكر الآتي:

1- الجهة التي اقترحت تشكيل لجنة التحقيق هذه كانت ‘لجنة شو‘، وهي لجنة بريطانية حققت في الاحداث الدامية وأوصت بتشكيل لجنة دولية لبحث الجانب القانوني للجدار.
2- عندما طرح الموضوع على عصبة الامم بصفتها هي التي وضعت فلسطين تحت الانتداب البريطاني والمسئولة دوليا عن مراقبة تنفيذ بريطانيا لانتدابها هذا، هي التي طلبت من بريطانيا، بناء على تقرير لجنة شو، تسمية اعضاء اللجنة وتقديم هذه الاسماء للنظر فيها من قبل عصبة الامم، واشترطت ألا يكون بين هؤلاء اي بريطاني.
3- تقدمت الحكومة البريطانية باسماء ثلاثة: سويدي وسويسري وهولندي . فوافقت عليهم عصبة الامم، وكلفتهم بالمهمة.
4- بريطانيا التي اقترحت الأسماء هي بريطانيا التي أصدرت وعد بلفور المشؤوم الذي وعدت بموجبه العمل على انشاء وطن قومي لليهود في فلسطين، وعصبة الامم التي اعتمدت اللجنة هي التي أدرجت وعد بلفور في صك الانتداب وعينت بريطانيا دولة منتدبة على فلسطين لتنفيذ ذلك الوعد المشؤوم. ومؤدى هذا أنه لو كان هناك أي شك في أن اللجنة أو أي عضو من أعضائها سيكون محابيا للمسلمين في فلسطين فإنه سيستبعد من اللجنة.
5- كانت الحركة الصهيونية مسيطرة على الحكومة البريطانية وكانت الوكالة اليهودية التي تمثلها جزءا من ادارة فلسطين بموجب صك الانتداب، وبالتالي ما كان ممكنا أن تضم اللجنة محابيا لمسلمين في فلسطين، بل العكس هو الصحيح، أما الجانب الفلسطيني فقد كان مغيبا تماما عن ادارة الانتداب ولم يكن لديه جهة تعترف عصبة الامم أو بريطانيا بواجب التفاهم معها أو استشارتها.
6- حشدت الحركة الصهيونية كل ما لديها من كفاءات دينية ودنيوية لتمثيلها امام اللجنة، ومع ذلك لم تجد ما يمكن أن يدعم ادعاءاً بملكية الحائط، وكل ما وجدته الحركة الصهيونية واعتمدته اللجنة هو التسامح الاسلامي في اقامة الصلوات عند الحائط، وهذا ما استندت عليه في قرارها . وما أكثر ما دفعه المسلمون ثمنا لتسامحهم الذي ينكرونه عليهم اليوم.
7- اعتمدت عصبةُ الامم ودولةُ الانتداب، بريطانيا، التقريرَ وقامت بريطانيا بتنفيذ ما جاء فيه والتزمت به الوكالة اليهودية بصفتها ممثل الحركة الصهيونية في فلسطين طوال مدة الانتداب، ولم يطرح موضوع الحائط للجدل مرة اخرى.

يستنتج مما تقدم أن ما توصلت اليه اللجنة، والذي سننقله نصا فيما بعد، هو اقصى ما يمكن أن يكون لليهود من علاقة بالجدار، وهي علاقة قائمة على تسامح اسلامي وليس على ملكية لليهود في الجدار.
.

ثالثا: موقف المؤرخين الاسرائيليين الجدد من “التاريخ” اليهودي المزعوم

لم يتقدم ممثلو الجانب اليهودي أمام اللجنة الدولية بأي سند تاريخي تدعمه الحفريات التي كانت جارية في فلسطين حتى ذلك التاريخ، ومؤدى هذا أن تلك الحفريات لم تكشف عما يمكن أن يدعم الاساطير التاريخية العبرية. هذا الوضع لم يتغير، بل ازداد تأكيدا. فاسرائيل لم تتوقف لحظة منذ قيامها من جهة واحتلالها لبقية فلسطين من جهة اخرى عن محاولاتها في الكشف عن آثار تؤيد تلك الاساطير، خاصة في القدس ومحيطها، وبوجه أخص في منطقة المسجد الاقصى. ولم تؤد هذه الحفريات التي تواصلت منذ القرت التاسع عشر حتى اليوم الى الكشف عن أي اثر ذي قيمة، وهذا ما قرره علماء الحفريات الاسرائيليون أنفسهم.

ويكفي في هذا الشان أن نترجم جانبا مما قاله البروفيسور زءيزف هيرتسوج C. Z’e’ev Herzog من جامعة تل ابيب في مقال نشرته مجلة جريدة هاآرتس الاسبوعية بتاريخ 29 أكتوبر/تشرين الاول 1999 وهو يستعرض للقارئ العادي نتيجة الحفريات التي تمت على مدى قرن ونصف. لقد لخص تلك النتائج في الفقرة الاولى من بحثه على الوجه التالي. قال: ” هذا ما تعلمه علماء الآثار من حفرياتهم في أرض اسرائيل: لم يكن الاسرائيليون في مصر في يوم من الايام، ولم يتيهوا في الصحراء، ولم يستولوا على البلاد (أي فلسطين) بحملة عسكرية، ولم يورثوها لقبائل اسرائيل الاثنتي عشرة. وحتى ما يصعب هضمه هو أن مملكة داوود وسليمان المتحدة التي توصف في التوراة على أنها قوة اقليمية لم تكن في الحقيقية اكثر من مملكة قبلية صغيرة في أحسن الاحوال.” وقال إن هذه المعلومات منشورة على نطاق واسع ولكن عموم الاسرائيليين لا يريدون أن يعرفوا ذلك لأن هذا يحطم الاسطورة التي عاشوها وهي اسطورة الأمة التي تعيد بناء مملكة اسرائيل.

ويقول الاستاذ شلومو ساند، الاستاذ في جامعة تل ابيب في كتابه “متى وكيف تم اختراع الشعب اليهودي؟” ” لم تكن تربيتي تربية صهيونية. ولكنني، كغيري من الاسرائيليين كانت لديَّ قضيةٌ مُسَلَّمٌ بها وهي أن اليهود كانوا شعبا يعيش في يهودا الى أن نفاهم الرومان عام 70 بعد الميلاد. غير أنني عندما بدأت أدرس الادلة اكتشفت أن مملكتي داوود وسليمان كانتا اساطير”. لا يوجد دليل على النفي أو الطرد من فلسطين. بل يذهب شلومو ساند الى أبعد من ذلك حيث يقرر أن الزعماء الصهيونيين، ومن بينهم بن غوريون، مؤسس اسرائيل، كانوا يعرفون هذه الحقائق وكانوا يرون أن اليهود لم يغادروا فلسطين وانما اعتنق معظمهم الاسلام تدريجيا واندمجوا في الشعب الفلسطيني وأصبحوا جزءاً منه. أما يهود اليوم فليسوا من نسل أولئك وأن غالبيتهم هم ممن تحول الى اليهودية من شعوب أخرى كيهود أوروبا الشرقية ويهود اليمن حين كانت الديانة اليهودية مفتوحة لا مغلقة كما هو حالها منذ قرون.

لقد حفروا في كل اتجاه ونقبوا ولم يعثروا، حتى الآن على الأقل، على أي دليل على وجود الهيكل الذي يزعمونه وبالتالي على أن الجدار الغربي، حائط البراق، أو ما يسمونه حائط المبكى، كان موجودا في ايامهم وانه كان جزءا من هيكلهم المزعوم. وهاهم اليوم يحاولون اعادة صنع التاريخ بتزويره ومحو كل ما يشير لحضارات أو وجود بشري لغيرهم في فلسطين للادعاء بأنها لم تعرف غيرهم شعبا لها. بل إنهم بدأوا عملية اصطناع التاريخ. ففي النفق الذي حفروه تحت الاقصى بنوا كنيسا صغيرا، ولا استبعد أن يدعوا للسياح بأنه كنيس قديم يعود لأيام “الهيكل” المزعوم. إنهم يرفضون الاعتراف بأن القبائل العبرية التي دخلت فلسطين، هذا اذا كان قد دخلتها اصلا، كانت قبائل بدوية رُحَّلاً لا حضارة لديها ولا امكانيات مادية لبناء هيكل كالهيكل الذي يزعمون. وهاهم يسعون لنثر قطع تبدو أثرية في الاردن مثلا لِ “اكتشافها” في حفريات في المستقبل او عََرَضاً ثم الادعاء بأنها آثار قديمة كانت لهم في الاردن. واستقالت وزيرة آثار اردنية لأنها كشفت عن هذه المحاولات، وهي محاولات يؤكدها أردنيون عاديون كشفوها وقرروا بأنها تجري بشكل دائم.

رابعا: رد الفعل الاسرائيلي والامريكي : الشتائم من جهة والتركيز على ضرورة تزوير التاريخ من جهة اخرى

الذين اعترضوا على المقال من الإسرائيليين والأمريكيين تجاهلوا تماما تقريرَ اللجنة الدولية وموقفَ عصبة الامم وموقفَ حكومة الانتداب البريطانية وموقفَ الحركة الصهيونية ذاتها أمام اللجنة أولا وبعد صدور التقرير لاحقا. كما أنهم تجاهلوا تماما ما توصلت اليه الحفريات في فلسطين على مدى قرنين من الزمان، وما استنتجه علماؤهم من تلك الحفريات.

وبحسب جريدة القدس العربي الصادرة بتاريخ 2 ديسمبر/كانون الاول 2010، فإن دراسة الدكتور طه “أثارت سخط اسرائيل وانتقادها حيث اعتبرها ديوان رئاسة الوزراء الاسرائيلية دليلا على عدم جدية الفلسطينيين في أقوالهم بأنهم يرغبون حقا في تحقيق المصالحة التاريخية مع اسرائيل”. ولذا فمفهوم “المصالحة التاريخية” لدى ديوان رئاسة الوزراء هو التنكر للتاريخ والمنطق والقانون، واقامة مصالحة تاريخية مبنية على الباطل والاساطير والادعاءات الصهيونية. كما أن الصحيفة نقلت عن المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية للصحافيين بي.جي. كراولي قوله: “نحن ندين بشدة هذه التصريحات، ونرفضها رفضا تاما بوصفها خاطئة من منظور الواقع ولا تراعي أحاسيس الآخرين وتنطوي على استفزاز شديد”. ولماذا يدينها ويرفضها السيد كراولي، وكأنه هو الطرف صاحب الحق في الرفض أو الادانة، لأنها “خاطئة من منظور الواقع”. أي واقع يتحدث عنه السيد كراولي؟ اذا كان يعني بذلك واقع الاحتلال، فإنه موقف مرفوض من حيث المبدأ حيث أنه لا يجوز للاحتلال تغيير الوضع القانوني القائم في الاراضي المحتلة لا لمصلحته ولا لمصلحة أية دولة أخرى، هو مرفوض بالنسبة لحائط البراق كما هو مرفوض بالنسبة للمستوطنات. ولكن أمريكا تريد من الفلسطينيين والعرب الاعتراف به وبأي واقع يخلقه المحتل على الارض كما سبق لهم الاعتراف بواقع المستوطنات. إنها سياسة الخطوة خطوة التي تنبه لها الاجداد واحتاطوا لها امام اللجنة الدولية. هذا موقف مرفوض وفي غاية الخطورة من حيث دلالته.

ثم يدعي كراولي هذا أن قول الحقيقة القانونية يكون مرفوضا ومدانا اذا لم يراع أحاسيس الغاصب المحتل ويكون استفزازا له، وكأنما على الذي يرى المحتل ينتهك حقوقه ويصادرها أن يسكت حتى عن ذكر هذه الحقوق حرصا على أحاسيس المحتل وعدم استفزازه. منطق في غاية الغرابة، ولكنه ينسجم مع تصرفات السلطة واللجنة التنفيذية وقادتهما ومفاوضيهما، ويتجاهل أن الواجب الاول والحق القانوني والانساني والتاريخي لكل من يُعتدَى عليه هو التمسك بحقوقه ومقاومة الاعتداء، لا مجاملة الغاصب المحتل والتغاضي عن جرائمه. ويبدو أن هذا الانسان الشديد الحساسية نحو مشاعر الغاصب المحتل لا تهمه مشاعر الضحية الذي تغتصب حقوقه في كل لحظة من نهار أو ليل.

خامسا: الخوف من نزع الشرعية

أضاف كراولي، وهو الناطق الرسمي باسم الخارجية الامريكية وليس الاسرائيلية، في تصريحاته للصحفيين دون خجل قوله: “لقد أثرنا مرارا مع قادة السلطة الفلسطينية ضرورة الاستمرار في مكافحة كل اشكال السعي لنزع الشرعية عن اسرائيل، بما في ذلك نفي الارتباط التاريخي لليهود بالارض”. وهذا هو بيت القصيد. “شرعية اسرائيل”. ومما يلفت النظر أن ما أثارته امريكا مرارا مع “قادة السلطة الفلسطينية” هو ضرورة “الاستمرار” في مكافحة كل محاولات نزع الشرعية هذه. هل من مسئوليات قادة السلطة حماية شرعية اسرائيل فضلا عن حماية أمنها؟ يبدو أن الأمر كذلك. وكلمة “الاستمرار” في تحمل هذه المسئولية لافتة للنظر. فمتى كان من مسئوليات من تكون بلده محتلة ان يكافح “كل أشكال السعي لنزع الشرعية” عن دولة الاحتلال؟ إن واجبه الاول هو تجنيد المعادين لها، لا دفع الاذى عنها. وعلى أي حال حتى في الظروف العادية لا يوجد اي التزام على أية دولة أن تكافح محاولات نزع االشرعية عن أية دولة أخرى ما لم تكن متحالفة معها، ناهيك عن كونها دولة غاصبة محتلة استباحت كل حقوق من خضع للاحتلال. الشعب الفلسطيني يريد أن يعرف من “قادة السلطة” جميع الالتزامات التي التزموا بها، والتي تطل براسها بصورة متتابعة، وحيث أنه هو على الأقل من بين المقصودين بهذا الالتزام، فإنه يريد معرفة معنى “السعي” لنزع الشرعية، وما هو سند شرعية اسرائيل حتى لا يحرجهم أو يقع في المحظور ويعرض نفسه للمساءلة، إذ يبدو أن مجرد القول بأن حائطَ البراق ملكٌ اسلامي يعتبر سعيا لنزع الشرعية، أي أن اثارةَ قضية تخص ملكية بيتٍ أو أرضٍ أو مسجد أو مقاومةَ محاولاتِ اغتصابِ أرضٍ أو اقتلاعِ أشجارٍ يعتبر سعيا لنزع الشرعية عن اسرائيل، استنادا كما يبدو على أن الحركة الصهيونية تعتبر كل فلسطين أرضَ اسرائيل وأن الشعب الفلسطيني لا حقوق له فيها، وتتصرف هي والمستوطنون على هذا الاساس. هل هذا الالتزام هو الذي يفسر عدم تصدي السلطة حتى لحماية المواطنين من الاغتيال على يد قوات الامن الاسرائيلية حتى لو وقع ذلك في رام الله عاصمة السلطة؟ الشعب الفلسطيني يريد ان يعرف أين هو من هذا كله ما دام أن الحكومة الامريكية أثارت هذا الموضوع مرارا ومن الواضح أن قادة السلطة قد التزموا بالتنفيذ.

وفي نظر كراولي يدخل في موضوع نزع الشرعية “نفيُ الارتباط التاريخي لليهود بالأرض”. والغريب في هذا الأمر، وما أكثر الغرائب، أن التاريخ نفسه ينفي هذا الارتباط الذي يريد كراولي تثبيته. هم يعلمون أن إدعاءهم بحق تاريخي ليس له أساس، وأنه ادعاء باطل، ولذا فهم يريدون من الفلسطينيين، ومن غيرهم، أن يمتنعوا عن اثارة أي موضوع يشتم منه أنه يطعن أو حتى يشكك في شرعية وجود أو قيام اسرائيل أو في ارتباطها التاريخي بفلسطين. ويدخل في هذا بطبيعة الحال الحديث عن التاريخ الفلسطيني في فلسطين والآثار التاريخية والحضارية والوجودية للشعب القلسطيني. ويدخل فيه أيضا المحاولات المحمومة التي تقوم بها اسرائيل في ذلك الجزء من فلسطين الذي أعلنت دولتها فيه لطمس كل مظاهر الوجود الفلسطيني فتدمر القرى وتمحو الاسماء أو تغيرها وتصادر الاراضي للتضييق على الوجود الفلسطيني. اثبات الشرعية هو الازمة الخانقة التي تعيشها اسرائيل، وهي المشكلة التي أصبحت تزداد الحاحا، خاصة بعد العدوان الأخير على قطاع غزة والذي أكد للعالم الطبيعة العدوانية الهمجية لاسرائيل. يريد السيد كراولي من الفلسطينيين أن يقفوا مدافعين عن شرعية مزعومة لإسرائيل، ولو كان ذلك على حساب نفي شرعية وجودهم هم ومحو تاريخهم وحضارتهم.هذاهذيانُ جنونِ الاغتصابِ والغطرسةِ وانحسارِ الثقة في اساس الوجود في حد ذاته، اثاره مقالٌ في موضوعٍ صغيرٍ نسبيا ومحدد، فكيف يكون الحال اذا قامت حملة واسعة يتعرف فيها العالم على زيف جميع الادعاءات الاسطورية الصهيونية والاسرائيلية. الوضع مقلق جدا لاسرائيل، ولذا فانها هي وامريكا تريدان من الشعب الفلسطيني أن يمحو تاريخه بيديه ويمنح الشرعية التاريخية لاسرائيل. وهذا لن يكون، حتى ولو صادق عليه جميع قادة السلطة والناطقين باسمها والمفاوضين عنها أو كانوا محمود عباس وسلام فياض اللذين استشهد بهما رئيس لجنة الخارجية في الكونغرس الامريكي.

وقالت الصحيفة إن رئيس لجنة الخارجية التابعة للكونغرس الامريكي،هاوارد برمن، “أصدر بيانا أدان فيه الدراسة. وقال إنه يستنكر بشدة الدراسة وأن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ورئيس حكومته سلام فياض يدركون الاهمية الروحية للحائط الغربي بالنسبة لليهود في العالم. كما اعتبر نفي علاقة اليهود بالحائط الغربي استفزازا وتحريضا لا يقل عن نفي علاقة الفلسطينيين بالحرم الشريف.وطالب السلطة الفلسطينية بادانة الدراسة فورا، واصدار بيان ينفي أن يكون الحديث عن موقف رسمي للسلطة. كما طالب بازالة اي ذكر للدراسة من مواقع السلطة.” أما رئيس وزراء اسرائيل الحريص دائما على السلام وقول الحقيقة فقد نُسِبَ اليه قوله: ” إن نفي الصلة بين الشعب اليهودي والحائط الغربي من جانب وزارة الاعلام بالسلطة الفلسطينية أمر مخز ولا يستند الى أساس.” ما هو الشيء المخزي في التذكير بالحقائق التاريخية والقانونية؟ واذا كان تقرير لجنة قضائية مستقلة تتصف بما سبق وذكرناه لا يصلح سندا فهل تصريحات نتنياهو أجدر بالقبول؟ المخزي والذي لا يستند الى اساس هو موقفه وموقف السلطة الفلسطينية التي استجابت له ولرئيس لجنة الخارجية في الكونغرس الامريكي وللناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الامريكية.

سادسا: موقف السلطة الفلسطينية

كان موقف رئيس لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس واضحا وحاسما: فقد طالب بازالة هذا المقال من موقع وزارة الاعلام الفلسطينية. وبالفعل فقد أزيل المقال وأصبح البحث عنه في الموقع غير منتج. وأنا مدين للاستاذ محمد العبد الله الذي لفت نظري أصلا اليه وما حل به كما أنه نشر تعقيبا له عليه، ثم تكرم وأرسل لي صورة من المقال والتعقيب ومن مقالٍ للكاتب الفلسطيني بلال الحسن نشرته صحيفة الشرق الاوسط اللندنية بتاريخ 5/12/2010 تعرض فيه لردود الفعل الاسرائيلية والامريكية وأورد جانبا من النتائج والقرارت التي توصلت لها اللجنة الدولية التي درست موضوع حائط البراق.

دخلنا على موقع وزارة الاعلام الفلسطينية بتاريخ 25/12/2010 وبدأنا بحثا في موقع الوزارة عن مقال الدكتور طه الذي كان قد نشر على الموقع في 22/11/2010، فلم يُفتح علينا بشيء، وكنا قد فعلنا الشيء نفسه في 16/12/2010. وتبين من استعراض مواقع أشير فيها الى “وزارة الا علام الفلسطينية” أن المقال قد أزيل من الموقع في اليوم التالي لنشره، وجاء في موقع “اليوم السابع” بتاريخ 2 ديسمبر 2010 ما يلي “بعد ادانة واشنطن، وزارةُ الاعلام الفلسطينية تحذف وثيقة حول حائط البراق من موقعها الالكتروني”. واستند هذا الخبر على ما قالته الاذاعة الاسرائيلية العامة من أن الوثيقة سحبت من الموقع الالكتروني لوزارة الاعلام الفلسطينية حيث أن الرابط الالكتروني لفتح الوثيقة تحت عنوان بحث في موضوع حائط البراق اصبح متعذرا الوصول اليه بعد ادانة واشنطن لهذه الوثيقة. وذكر الخبر أن الاذاعة الاسرائيلية حاولت الاتصال بالمتوكل، ونسبت له القول انه في اجازة وأنه تلقى تعليمات واضحة بألا يتحدث في الموضوع، وانه لا يدري ما اذا كانت الوثيقة قد سحبت. وعلى أية حال فقد نسب اليه القول إنه لم يسحبها هو ولا يعرف ما جرى لموقع الانترنت، وإنه لا يعرف من سحب الوثيقة وأكد أنه لا يقف وراء نشرها على الموقع، وان المقال يعبر عن رأيه وليس رأي وزارة الاعلام أو السلطة الفلسطينية. وهكذا بين هذه التصريحات وازالة المقال من الموقع تم تنفيذ كل ما طُلِبَ من السلطة، وتأكد ما ادعاه الناطقون الرسميون الاسرائيليون والامريكيون.

أما السلطة فانها لم تعترف بأنها ازالت المقال من موقعها، بل إنها أصدرت بيانا قالت فيه، حسبما جاء في “الجزيرة توك”، إن “دائرة الانترنت في الوزارة باشرت العمل من اجل استرجاع الصفحة”. وحتى تاريخ اعداد هذا المقال وهو 25/12/2010 فإنه يبدو أن الوزارة لم تنفذ ما وعدت به. ولعل السبب في ذلك هو ما نسب من تصريح لأحد مسئولي السلطة “من أن حائط البراق وقف للمسلمين ولكن في الماضي كان هناك من المفاوضين عن الجانب الفلسطيني من قد وافق على أن يبقى الحائط تحت سيطرة اسرائيل في اطار تسوية أو اتفاق مستقبلي”. فاذا صح هذا القول، فإن تلميحا بالاعتراض يكون كافيا لسحب المقال. ونحن لا نستبعد مطلقا أن يكون احد المفاوضين قد قال مثل هذا الكلام وسجلوه عليه ثم الزموا السلطة به والشعب لا يعرف عنه شيئا. وما أكثر السوابق . وقد تُقَرِّرُ السلطةُ تشكيلَ لجنة تحقيق في الموضوع، تماما كلجنة التحقيق في من اصدر التعليمات لممثل السلطة في جنيف لتأجيل بحث تقرير القاضي جولدستون من جانب مجلس حقوق الانسان، وبنفس النتيجة: عدم نشر التقرير لأن من اصدر الامر معروف للجميع.

سابعا : النص الكامل لقرار اللجنة

حيث أن تقرير اللجنة ليس متوفرا لدى الجميع وقد لا يكون من السهل العثور عليه، بل وقد يختفي من الوجود، وحيث أن هذا التقرير هو المرة الاولى التي عرض فيها جانب من جوانب القضية الفلسطينية على جهة قضائية أو تحكيمية دولية، فإنه من الضروري معرفة ما قررته اللجنة وتعميمه. وفي ما يلي النص الكامل للقرار، وليس للتقرير .

نص القرار
“1 – للمسلمين وحدهم تعود ملكية الحائط الغربي ولهم وحدهم الحق العيني فيه لكونه يؤلف جزءاً من ساحة الحرم الشريف.
2 – للمسلمين أيضا تعود ملكية الرصيف الذي أمام الحائط.
3 – إن ادوات العبادة التي يحق لليهود وضعها بالقرب من الحائط لا يجوز أن تعتبر أنها تنشئ اي حق عيني لليهود في الحائط او في الرصيف.
4 – إن التعليمات المؤقتة التي اصدرتها ادارة فلسطين في اواخر أيلول/سبتمبر سنة 1929 بشان ادوات العبادة أصبحت قطعية، على أن يجري فيها تعديل واحد وهو: “يسمح لليهود بوضع الخزانة المحتوية على اسفار التوراة ، والمائدة التي توضع عليها الاسفار عند القراءة منها عند الحائط وذلك:
(أ‌) في يوم عيد راس السنة.
(ب)في يوم عيد الغفران.
(ج) في أيام الاعياد الخصوصية الاخرى المعترف بها من قبل الحكومة.”
5 – يمنع جلب المقاعد والسجاجيد والحصر والكراسي والستائر والحواجز.
6 – لا يسمح لليهود بنفخ البوق بالقرب من الحائط.
7 – لا يسمح للمسلمين باقامة حفلة (الذكر) بقرب الرصيف في أثناء قيام اليهود بالصلاة.
8 – تنظيف الرصيف وتصليحه حق من حقوق المسلمين بشرط تبليغ الادارة.
9 – تعمير الحائط تقوم به ادارة فلسطين بالنظر الى انه أثر تاريخي، وانما يستشار المجلس الاسلامي والمجلس الرباني بذلك.
10 – ادوات العبادة التي يجوز لليهود أن يجلبوها معهم يوميا هي:
(أ‌) منضدة تحتوي على قناديل طقسية.
(ب) صندوق (يوضع على هذه المنضدة) من الزنك ذو أبواب زجاجية تضاء فيه هذه القناديل.
(ج‌) طست غسيل (يمكن نقله)
(د‌) وعاء ماء يوضع مع الطست على المنضدة.
11 – لا يجوز وضع ستائر أو حاجز على الحائط أو الرصيف من اجل فصل الرجال عن النساء أو لأية غاية أخرى.
12 – يبقى الباب الخشبي المؤدي من الرصيف الى الزاوية مقفلا ليلة السبت وأيام الاعياد اليهودية في الساعة الخامسة مساء وطيلة هذه الايام حتى غروب الشمس.
13 – توضع أحكام هذا الامر موضع الاجراء اعتبارا من اليوم الثامن من شهر حزيران (يونيو) سنة 1931″.

مما تجدر ملاحظته مدى الدقة والتخصيص في هذا القرار وأنه حريص على قصر علاقة اليهود بالجدار في حدود ضيقة جدا كلها تتعلق بالعبادة ولا تترك مجالا لاكتساب حقوق اخرى مهما كانت استنادا الى التمتع بما سمح به القرار من ممارسات. ونود أن نؤكد ما قالته اللجنة من أن هذه الممارسات لم تنشأ من حق تاريخي في الحائط وانما جاءت بسبب تسامح المسلمين في هذا الشأن. ونلفت النظر على وجه الخصوص الى الفقرة رقم 3 من القرار والتي قالت اللجنة إنها جاءت استجابة لطلب من الجانب الفلسطيني، حيث انه ذَكَّرَ اللجنة باسلوب مارسته الصهيونية (وما زالت تمارسه حتى اليوم بدهاء) وهو اسلوب الخطوة خطوة في محاولة افتعال الحقوق ثم محاولة فرضها. وأشار الجانب الفلسطيني الى ان البداية قد تكون وضع المنضدة والكراسي والستائر الخ ثم تتلوها عملية تثبيت هذه في مواقعها ثم مواصلة استعمالها لمدة ثم الادعاء بانها اصبحت جزءا من الموقع ثم الادعاء بحق عيني في وجودها وبقائها وهكذا. ولذا طالب الجانب الفلسطيني بالتصريح بأن وجود هذه الاشياء في الموقع لا يرتب حقا عينيا عليه. واستجابت اللجنة لهذا الطلب الطبيعي والقانوني. واسرائيل، بصفتها دولة احتلال، لا تملك تغيير هذا الوضع الذي استمر حتى في أيام سلطة الانتداب البريطاني على فلسطين.

ثامنا: وختاما

التحية كل التحية للدكتور المتوكل طه، ويظل السؤال مطروحا: هل السلطة الفلسطينية وقادتها ومفاوضوها والشعب الفلسطيني الذي تُنتهكُ كرامتُه وحقوقُه وتاريخُه ووجودُه كل يوم وتُدَمرُ بيوتُه وتُحرقُ محاصيله وتُقْتَلَعُ اشجارُه وتُصادرُ اراضيه ويُغتالُ أبناؤه ويشردون بأيدي الاحتلال ومستوطنيه يتوجب عليهم حماية أمن الاحتلال ومستوطنيه، والدفاعُ عن أساطيره وشرعيته المزعومة، والتنكرُ، من اجل ذلك، لتاريخهم وتزويرُه؟
هل هذا هو واجبهم أم إن واجبهم شيء آخر؟