طريقان لزوال اسرائيل : طريق كيسنجر وست عشرة وكالة استخبارات امريكية وطريق الشرعية الفلسطينية

2012-12-06

أولا: طريق كسنجر والوكالات الاستخبارية الامريكية:

1 ـ نبدأ بهذا الطريق لأنه امريكي محض في تحليله، ولكنه، في رأيي، لن يتحقق إذا أدخل رد الفعل العربي عاملا من عوامل المعادلة التي تحكمه. في هذا الطريق يتفق كسنجر، وهو من هو، مع استنتاج ورد في تقرير لست عشرة وكالة من وكالات الاستخبارات الامريكية من أن منطقة الشرق الاوسط ستكون خالية من شيء اسمه اسرائيل بحلول عام 2022، أي بعد عشر سنوات. ذلك ما صرح به لصحيفة نيويورك بوست الامريكية بتاريخ 30 أغسطس الماضي. ووجه الاستغراب أساسا هو إجماع هذه الوكالات الستة عشر على ما وصلت اليه بشأن اسرائيل، وهي وكالات ميزانيتها السنوية تبلغ سبعين بليون دولار فقط لا غير، وأنها أعدت تقريرها بناء على تكليف من وكالة الاستخبارات المركزية (ال سي. آي. إيه).. هذا التقرير الذي يقع في اثنتين وثمانين صفحة استعرض الاسباب التي أوصلت واضعيه الى ما توصلوا اليه، ولكن يبدو أنه قد غاب عنه عنصر واحد، وهو دور المقاومة الفلسطينية في ذلك كله. كما يبدو أنه افترض أن ردود فعل الانظمة العربية والاسلامية للمواقف الاسرائيلية تخضع لنفس المعايير المنطقية التي تحكم ردود فعلٍ متوقعة من النظم التي تحرص على مصالحها، ونخشى أن يفقد جميع من شاركوا في وضع التقرير وظائفهم عندما يطلع رؤساؤهم على الحقيقة. التقرير ما زال مشروع تقرير قُدم للرئيس اوباما الذي لم يقره بعد، ولذا فإنه لم ينشر حتى كتابة هذا المقال ليصبح في متناول الجميع. غير أن أمره انفضح حيث أن الرئيس، وفقا للاجراءات المتبعة، قام بتوزيعه على عدد محدود من كبار رجال الكونغرس. والكونغرس، كما هو معروف، يخضع للاحتلال الاسرائيلي. فوصل التقرير لاسرائيل وأنصارها، فثارت ثائرتهم. وهكذا عرف أمره، وبدأت الاقلام تتناوله بقدر ما عَلِمَتْ عن مضمونه. ونحن في هذا المقال نعتمد غلى ما عثرنا عليه عند البحث عنه في الشبكة العنكبوتية، والتي كان من بين أوفاها بحث للدكتور كفين باريت Kevin Barrett . ويحمل التقرير اسم ‘الاعداد لشرقِ أوسط من بعد اسرائيل'(Preparing for a post-Israel Middle East ) وللقارئ ان يطلع على ما كتب عنه ونُقِلَ منه في الشبكة العنكبوتية تحت هذا الاسم. وهذا ما فعلناه للتعريف به، حيث أن تقريرا يتفق عليه هذا العدد من وكالات الاستخبارات الامريكية يجدر بنا أن نحاول التعرف عليه قدر ما تسمح به الظروف. .

النتيجة والاسباب

2 ـ التيجة التي تو صل لها التقرير هي ‘أن المصلحة الامريكية الوطنية تتعارض تعارضا جذريا مع اسرائيل الصهيونية’ وأن ‘اسرائيل هي في الوقت الحاضر أكبر تهديد للمصالح الامريكية الوطنية لأنها بطبيعتها وأفعالها تحول دون وجود علاقات عادية بين الولايات المتحدة والاقطار العربية والاسلامية، ولدرجة متنامية، بين الولايات المتحدة والمجتمع الدولي الاكبر’. وأول ما تجب ملاحظته هو أن النتيجة التي نقلناها فيما تقدم تحدثت عن اسرائيل ‘الصهيونية’ وليس عن اسرائيل على اطلاقها، وهذا يعني أن النتيجة التي توصل اليها قد لا تتحقق اذا تخلت اسرائيل عن العقيدة الصهيونية التي تسيطر عليها. ولذا واستنادا الى هذا المنطق يكون الزوال المتوقع مرهونا باستمرار اسرائيل ملتزمة بعقيدة الصهيونية، وهذا هو المتوقع.
3 ـ التقربر لم يحصر الآثار السيئة لِ ‘طبيعة اسرائيل وأفعالها’ في العلاقة الامريكية الاسرائيلية مع الاقطار العربية والاسلامية وانما أشار أيضا الى أن ذلك يحول، لدرجة متنامية، دون وجود علاقات عادية بين الولايات المتحدة والمجتمع الدولي. أمريكا تجد نفسها بشكل متنام في عزلة في المجتمع الدولي، خاصة في مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة، والوكالات الاممية المتخصصة بسبب ارتهانها بالمواقف الاسرائيلية التي تتعارض والقانون الدولي و/ أو القيم والمبادئ التي تدعي الولايات المتحدة أنها حريصة على التمسك بها ونشرها. وإذن القلق الامريكي له جانبان: المصالح الامريكية في العالمين العربي والاسلامي والحرج المتنامي في المجتمع الدولي.

4 ـ والاسباب التي يوردها التقرير هي:
أولا- هناك سبعمائة الف مستوطن غير شرعي معتدون على ارض ليست لهم سرقت في العام 1967، ويتفق العالم كله على أنها تخص فلسطين لا اسرائيل. الا أن المستوطنين لن يحملوا امتعتهم ويغادروها بسلام. وحيث ان العالم لن يعترف ابدا باستمرار وجودهم على هذه الارض المسروقة، فإن اسرائيل يصبح وضعها كما كان وضع جنوبي افريقيا في أواخر عام 1980. أي أن اسرائيل ستنهار كما انهارت جنوبي افريقيا.
ثانيا- الإئتلاف الليكودي المتطرف الذي يحكم اسرائيل يغمض عينيه ويدعم بشكل متزايد العنف المفرط والهمجية من جانب المستوطنين غير الشرعيين. هذا بالاضافة الى البنية التحتية العنصرية، بما في ذلك جدار الفصل العنصري ونظام الحواجز ونقاط التفتيش المتنامي في وحشيته، وهي أمور لا يمكن الدفاع عنها أو الابقاء عليها وتتناقض مع القيم الامريكية.

ثالثا- ويقول التقرير إن اسرائيل لن تتمكن من الصمود أمام ثقل الربيع العربي واليقظة الاسلامية القادمَيْنِ والداعِمَيْن لفلسطين، ونهضة الجمهورية الايرانية كذلك. ويقول التقرير في هذا الخصوص، حسبما أورده المعلقون:
‘في الماضي، كانت الدكتاتوريات في المنطقة (أي الشرق الاوسط) تقفل الطريق أمام تطلعات شعوبها المؤيدة للفلسطينيين.غير أن تلك الدكتاتوريات أخذت تتهاوى بسقوط شاه ايران الموالي لاسرائيل في عام 1979 وقيام الجمهورية الاسلامية الديموقراطية التي لم يكن امام حكومتها من خيار متاح سوى أن تنبنى معـــــارضة شعبها لاسرائيل. والعملية ذاتها، أي تساقـــط الدكـــــتاتوريين الذين تعاملوا مع اسرائيل أو على الأقل احتــــملوها، هي الآن عملية متسارعة في جميع أرجاء المنطقة. والنتيجــة ستكون حكومات أكثرَ ديموقراطيةً وأكثرَ اسلاماً وبُعْداً عن أن تكون صديقة لاسرائيل’.
5 ـ ويقول المعلقون على هذا التقرير وعلى موقف كسنجر بأن الغريب في الامر هو ان كليهما لا يبديان اي اسف على ما يسميه البعض ‘وفاة’ اسرائيل. ويفسرون ذلك، بأن جميع الامريكيين، بما فيهم الذين يعملون في وكالات المخابرات، كانوا متأثرين بالاعلام المنحاز بقوة لاسرائيل، ولكنهم بدأوا يخرجون من عباءة ذلك الاعلام ولم يعودوا يكترثون لزوال اسرائيل، للأسباب التالية :

أ- الامريكيون الذين يهتمون بالشؤون الدولية، وكسنجر والعاملون في وكالات الاستخبارات هم كذلك، قد مَلُّوا العدوانية والتطرف الاسرائيليين.
ب- تزايد شعور الامتعاض لدى كثير من الامريكيين لسيطرة اللوبي الاسرائيلي على الحوار العام في امريكا ومعاقبته لمن يخرج عن الخط الصهيوني، مثل ما حصل مع عميدة الصحفيين الامريكيين في البيت الابيض السيدة هيلين توماس، اللبنانية الأصل وغيرها من رجال الصحافة والاعلام.
ج- لم يعد اليهود في امريكا متحدين في دعمهم لاسرائيل، ولم يعد الشباب اليهودي في امريكا يكترث بما يجري لاسرائيل.
د- وهو أقل الأسباب وضوحا، حسب أقوال المعلقين، ولكنه سبب قوي لأمثال كسنجر ووكالات الاستخبارات الامريكية، وهذا السبب هو أن المعلومات بدأت تتكشف بان اسرائيل، لا القاعدة، هي التي كانت وراء عملية تفجير برجي المركز التجاري في نيو يورك أو منفذتها المباشرة، وهذه الحقيقة بدأت تتحدث عنها وسائل الاعلام وتبناها علنا أحد المرشحين للرئاسة الامريكية هو ميرلين ميلر، ويقول معلقون أمريكيون بأن النهاية المؤكدة للعلاقات الامريكية الاسرائيلية ستأتي أذا شاعت هذه المعلومة ووصلت الى المواطن العادي الامريكي. الحقائق العلمية بدأت تنتشر وكلها تؤكد ان اصطدام طائرة ركاب ببرج كأبراج المركز التجاري لا يمكن له ان يدمره ويذيب الخرسانة المسلحة التي بني بها.

والخلاصة

1 ـ لعل هذه هي المرة الاولى التي يُعترف فيها في وثيقة رسمية، لأسباب موضوعية، بأن المصلحة القومية الامريكية تتعارض مع دعم أمريكا لاسرائيل، ولأول مرة تشترك 16 وكالة استخبارات في تقرير يتحدث عن شرق أوسط بدون اسرائيل ويتوقع أن يحدث ذلك خلال عشر سنوات، ويقترح سياسة امريكية جديدة. طبعا من السابق لأوانه الحديث عنه وكأن توصياته أصبحت سياسة رسمية للولايات المتحدة مع أنه قي رئاسته الثانية، وهذه فرصة نادرة أتاح له فيها التقرير فرصة انقاذ امريكا من مخالب الصهيونية. سنرى.

2 ـ أننا نتردد كثيرا في قبول النتائج التي توصل اليها التقرير قيما يخص العلاقات الامريكية العربية والاسلامية وارتباط هذه العلاقات بالعلاقات الامريكية الاسرائيلية. فعلى ما يقارب سبعة عقود والعلاقات الامريكية الاسرائيلية تزداد عمقا وتتزايد معها سيطرة اسرائيل على السياسة الامريكية فيما يتعلق بالعالمين العربي والاسلامي، وتتعمق في الوقت ذاته العلاقات الاسرائيلية بالكثير من الانظمة العربية والاسلامية، بل إن طبيعة اسرائيل وأفعالها لم تقف حائلا دون تقارب متلاحق بين عدد من الانظمة العربية واسرائيل لدرجة أن وزير خارجية دولة عربية صرج أن بلاده ستطلب حماية القنبلة الذرية الاسرائيلية في مواجهة ايران. وفي هذه الفترة كذلك تعمقت العلاقات الامريكية مع دول عربية فأقامت الولايات المتحدة قواعد عسكرية في ارتضيها وتحالفت معها ضد الارهاب الاسلامي كما تراه الولايات المتحدة.ولذا قاننا نستبعد أي تغيير في المواقف الامريكية مالم يؤد الربيع العربي الى تغيير مؤثر ومتجانس إن لم يكن موحدا في موقف الانظمة العربية من اسرائيل ومن حليفتها الولايات المتحدة.

3 ـ يستطيع الربيع العربي المساهمة في اتخاذ القرار، وهذا النصر الذي حققته المقاومة الفلسطينية في غزة قادر على تسريع تحويل المسار.

4 ـ يلاحــــظ أن التقــــرير يتحدث عن العنصــــرية الصهيونية ووحشية المستوطنين ويُذكِّر باجراءات الفصل العنصري التي تتخذها اسرائيل والتي كان لها مثيلاتها في جنوبي افريقيا، وادت في النهاية الى انهيار تلقائي لنظام الابارثيد وزوال جنوبي افريقيا كدولة عنصرية. ويتوقع التقرير نفس المصير بالنسبة لاسرائيل. وهنا للعرب دور يستطيعون استرداده بعد دورهم المتهالك في الموافقة على الغاء القرار الذي اعتبر الصهيونية شكلا من اشكال العنصرية والتمييز العنصري، وبعد أن ساهموا مساهمة مخزية في دفن المحاولة الشجاعة التي قامت بها المنظمات غير الحكومية في مجلس حقوق الانسان لإعادة الامور الى وضعها السليم.
وللحديث بقية في الجزء الثاني الذي يبحث في طريق زوال اسرائيل بالشرعية الفلسطينية.

http://www.alquds.co.uk/index.asp?fname=today%5C06qpt480.htm&arc=data%5C2012%5C12%5C12-06%5C06qpt480.htm

أضف تعليق