كفى ما حققتم من انجازات.. ارحلوا

في هذا الوقت، الذي يتحقق فيه تقدم ملحوظ للحركة العالمية لمقاطعة اسرائيل ومعاهدها العلمية وصادراتها، وسحب الاستثمارات منها، بسبب سياساتها حيال الشعب الفلسطيني وانتهاكاتها للقانون الدولي والقانون الدولي الانساني، الذي كسر فيه الكثير من الكتاب والصحافيين والاعلاميين في أمريكا وأوروبا بوجه عام، حاجز الخوف من الاتهامات المألوفة لمن يكتب الحقيقة عن اسرائيل أو الحركة الصهيونية،

والذي تُحاصِرُ فيه منظمات حقوق الانسان الفلسطينية، وأنصار الحقوق الفلسطينية من المحامين الاجانب القادةَ السياسيين والعسكريين الاسرائيليين، فلا يجرأون على مغادرة اسرائيل خوفا من اعتقالهم ومحاكمتهم كمجرمي حرب، والذي حققت فيه المقاومة اللبنانية والفلسطينية في غزة انتصارات فرضت واقعا جديدا على الارض لصالح القضية الفلسطينية في الصراع العربي الاسرائيلي، ونزح الى الخارج حوالي نصف مليون اسرائيلي. وكشف استطلاع للرأي أن حوالي مليون منهم سيهاجرون بتجدد القتال وتهديد نتنياهو بفرض غرامات على من يهاجرون. والذي حقق فيه الشباب العربي وأنصار القضية الفلسطينية في العالم انتصارين ساحقين ضد اسرائيل في أول الحروب الالكترونية، رغما عن استغاثة اسرائيل بالشباب اليهودي في كل أنحاء العالم، ثم بامريكا وفرنسا في حرب الايام الثمانية لحماية المواقع الحساسة والبنية التحتية في اسرائيل.

والذي يتأهب فيه الشعب الفلسطيني لانتفاضة ثالثة، ليس من المستبعد أن تواكبها هذه المرة حرب الكترونية ثالثة ستكون أشد ضراوة من سابقتيها. والذي يفرض فيه الاسرى الفلسطينيون في سجونهم ومعتقلاتهم الاسرائيلية نوعا جديدا من النضال يضربون فيه أرقاما عالمية قياسية جديدة. والذي أدينت فيه اسرائيل بشكل متكرر بانتهاكاتها للقانون من قبل محكمة العدل الدولية ومجلس حقوق الانسان وتقارير الخبراء الدوليين ولجان التحقيق الدولية، وتهيأت الفرص لمحاسبتها اذا توفرت الارادة الفلسطينية والعربية لذلك. والذي اعترفت فيه الامم المتحدة بدولة فلسطين بحدود الرابع من حزيرن/يونيو 1967، أي بدولة معروفة الاراضي والحدود والعاصمة، مستجيبة لما توعدت به القيادة الفلسطينية من تحريك القضاء الدولي لمحاسبة اسرائيل على جرائمها. والذي تخوض فيه الشعوب العربية معركة مصير هذه الامة ومستقبلها في مواجهة مؤامرات داخلية وخارجية لتحويل الثورات العربية عن مسارها وأهدافها. والذي تتعاظم فيه الشكوى الاسرائيلية والخوف من النتائج التي بدأت تحققها هذه التطورات والتحولات ومثيلاتها، وتواجهها اسرائيل بخطوات متسارعة في تنفيذ المشروع الصهيوني في فلسطين، لفرض وقائع على الارض تصعب ازالتها.

في هذا الوقت بالذات وهذه التطورات والتحولات والمواقف والفرص تحركت لجنة متابعة المبادرة العربية لاسرائيل في جامعة الدول العربية، لا لدعم ما في هذه التطورات والتحركات من ايجابيات لصالح القضية الفلسطينية أو لتعديل مواقف الانظمة أو تفعيل نشاطات توقفت، مثل اعادة الحياة لنظام المقاطعة أو لمعاهدة الدفاع العربي المشترك أو للجنة القدس، التي اسسها مؤتمر التعاون الاسلامي برئاسة الملك المغربي في أعقاب حريق المسجد الاقصى، أو باللجوء الى الامم المتحدة لتجميد عضوية اسرائيل فيها، أو للجمعية العمومية للدول الاطراف في معاهدة جنيف الرابعة لفرض عقوبات على اسرائيل، لخرقها أحكام المعاهدة أو لمحكمة الجنايات الدولية، كما توعد الرئيس الفلسطيني، لا لم يتحرك وفد الجامعة العربية الى واشنطن لبحث القضية الفلسطينية باسم الدول العربية، في أي من هذه الاتجاهات أو غيرها، كما كانت تتحرك الدول الافريقـــــية ضد النظــام العنصري في جنوب افريقيا، وانما أصدر الوفد بيانا قدم مبادرة عربية جديدة أشد خنوعا من سابقاتها، رسالتُها أن الدول العربية قد يئست من مقاومة المشروع الصهيوني، ولذا فهي على استعداد لازالة ما بدا أنه عقبات في طريق استكمال تنفيذه، وذلك لتيئيس الشعب الفلسطيني والشعوب العربية من امكانية النجاح في مقاومته، وهذا التيئيس هو شرط نجاحه من المنظور الصهيوني كما عبر عنه جابوتنسكي في مقاله الشهير ‘الجدار الحديدي’.
بداية، وقبل مواصلة الحديث، تفرض علينا الامانة في التعليق أن ننقل ما جاء في ذلك البيان ليكون تحت نظر القارئ ويتأمل في ما تميز به من عبقرية تفريطية في صياغته باسم الدول العربية، ومن بينها ادولةب فلسطين. يقول البيان حسبما نقلته وكالات الأنباء:
ايفهم وفد الجامعة العربية أن السلام بين الفلسطينيــــين والاسرائيليين خيار استراتيجي للدول العربية، ويحدد التزامها بمبادرة السلام العربية التي تقوم على حل الدولتين بحدود الرابع من يونيو 1967 والدول العربية مستعدة لتبادل طفيف للاراضي بشكل متواز ومتشابهب. لن نعلق على كل ما جاء في البيان، ولكننا نلاحظ بشكل عام خلوه التام من أية اشارة استنكار او احتجاج أو لوم أو عتب، لاسرائيل على ما تفعله ولو في القدس فقط، ناهيك عن التعبير عن غضب لما يجري أو انتصار للمدينة وأهلها الصامدين. كلمة تشجيع واحدة، كلمة أمل أو تحية، من اثنتين وعشرين دولة تضم أكثر من ثلاثمئة مليون نسمة. لقد هزلت عندما يكون حماة ديار العروبة والاسلام أنظمة كهذه. هذه الدول التي تدعو العالم كله لتزويد االمعارضةب السورية بالسلاح، وتمول الحركات االاسلاميةب وتوجهها الى سورية بدلا من فلسطين، هي ذاتها التي تضيق الخناق على المقاومة الفلسطينية واللبنانية، وتشارك في الحصار المفروض عليها من اسرائيل، وتصادر ما تستطيع مصادرته من سلاح يهرب اليها من مصادر غير عربية وللأسف، تناصبها هذه الدول العداء، بدلا من أن تكون حدودها مفتوحة لنصرة المقاومة، على الأقل كما فتحتها أمام المعارضة السورية. فعلا لقد هزلت.

هذه المبادرة العربية الجديدة سعت للاستجابة للطلبات الامريكية والاسرائيلية التي تشرعن ما قام به الاحتلال من مخالفات لاتفاقية جنيف الرابعة وللقانون الدولي ولقرارات الجمعية العامة للامم المتحدة ومحكمة العدل الدولية ومجلس حقوق الانسان، وجميع الانتهاكات والمخالفات الاسرائيلية التي يمكن أن تحاسب عليها. وفي الوقت ذاته فإنها تجنبت الزام اسرائيل بأية مرجعية في تعاملها مع المبادرة الجديدة. المبادرة العربية الاولى اختزلت لتقوم على حل الدولتين فقط، من دون التمسك بأية حقوق معينة من حقوق الشعب الفلسطيني، وحتى هذا الحل اختزله استعدادٌ عربي لتبادل الاراضي. حق العودة، الذي ناضل الرئيسان اللبناني اميل لحود والسوري بشار الاسد لإضافته الى المبادرة العربية، التي جاءت للقمة خالية منه، لم يشر اليه في المبادرة الثانية. ونلاحظ كذلك الالتزام العربي باستراتيجية السلام لا استراتيجية التحرير أو ازالة الاحتلال أو الالتزام بالشرعية الدولية، ويلاحظ أن هذه المبادرة كسابقتها جاءت مفتوحة غير محددة بزمن لقبولها، وخالية من أي عنصر من عناصر الضغط التي تستوجب التعامل معها، تماما كحال المبادرة الاولى.

هذا هو نص البيان الذي أعلنه رئيس وفد الجامعة العربية، وزير خارجية قطر، في زيارة الوفد للولايات المتحدة لبحث القضية الفلسطينية. ومما تجب ملاحظته أولا أن هذا البيان يتحدث باسم الدول العربية جميعها الاعضاء في الجامعة، بما فيها ادولةب فلسطين. ويلاحظ ثانيا أن النص جاء واضحا ومحددا عن الاستعداد لتبادل طفيف للاراضي، ولم يقل للحدود. عبارة الاراضي جاءت مطلقة، وتعني الاراضي اينما كانت، في الاراضي الفلسطينية المحتلة التي يُظن أن تكون دولة فلسطين فيها، بل واراضي فلسطين كلها، وتشمل اراضي الحدود والاراضي الزراعية والاراضي التي أقيمت أو ستقام عليها المستوطنات وأراضي القدس والاراضي المقامة عليها كنائسها ومساجدها وبيوت ساكنيها من الفلسطينيين، أينما كانت هذه الاراضي. ولا يمكن الا أن يكون الساسة الاسرائيليون والامريكيون قد فهموا النص على هذا الوجه أو على وجه أوسع، بدليل البيانات التي صدرت من جانبهم، وهذا ما ستكشفه الايام اذا لم يسحب العرب مبادرتهم هذه، أو لم تتنصل منه الرئاسة الفلسطينية واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية بشكل واضح وقاطع، حيث أنها بيان من جانب واحد، الا أننا لا نراها فاعلة ذلك.

لو كان القصد تبادلا طفيفا في الحدود فقط لكان من السهل جدا أن يقال اوالدول العربية مستعدة لتبادل طفيف في الحدود بين الدولتين بشكل متواز ومتشابهب. ولكنهم لم يفعلوا، الامر الذي يدل على أن استعمال عبارة االاراضيب كان متعمدا لتغطية الموافقة العربية والفلسطينية الرسمية المسبقة على ضم المستوطنات وفاء للقرار الامريكي الذي استجاب لهذا الطلب الاسرائيلي، ولضم ما تشتهيه اسرائيل من أراض.. وللتعمية استعمل النصُ عبارةً تبدو بريئة وهي االاراضيب، ولكنها أوسع وأخطر. واستعمال هذه العبارة أتاح الفرصة لكبير المفاوضين الفلسطينيين (الذي ظننا أنه استقال من منصبه بعد انكشاف أمره بالتسريبات التي ظهرت على الشبكة العنكبوتية، ولكن يبدو في قضيتنا أن بعض الظن إثم) هذا النص العائم أتاح له الفرصة ليرد على المنتقدين بالقول، إن هناك سوابق لتبادل الاراضي مثلا بين الاردن وسورية والاردن والسعودية، من دون تدقيق في هذه السوابق. الذي جرى في الحالتين كان تعديلا للحدود بين دول قائمة تتمتع بالسيادة الكاملة على أراضيها وحدودها، وأن تعديل الحدود هذا شمل ما كان ضروريا من تبادل للاراضي لتحقيقه. وهذه طبيعة تعديل الحدود بين الدول. الاردن لم يضم أرضا غير حدودية من السعودية أو سورية، وكذلك الحال بالنسبة للسعودية وسورية، فهما لم تضما ارضا اردنية غير حدودية في المقابل. وشتان بين هاتين الحالتين والحالة بين دولة فلسطينية لا وجود لها على أرض الواقع ودولة اسرائيل التي تسيطر على كل أرض فلسطين.

عبارة اتبادل الاراضيب جاءت مطلقة من المكان، والاستعدادُ لتبادلها جاء من الجانب العربي فقط، وجاء مطلقا كذلك من دون تحفظ أو استثناء أو تقييد لما يجوز أو لا يجوز تبادله، الأمر الذي يترك الخيار لاسرائيل بصفتها هي المسيطرة على الارض، في حين أن الدول العربية الزمت نفسها باستراتيجية السلام وتخلت عن استراتيجية التحرير، ناهيك عن استراتيجية المقاومة. الدول العربية مستعدة لقبول التبادل مادام أنه اطفيفب وبمتواز ومتشابهب مع المعروض في مقابله. أما عبارة اطفيف ومتواز ومتشابهب فانها ستستغرق قرونا من الزمان في مفاوضات مع اسرائيل لتحديد مفهومها وكيفية تطبيقها على أرض الواقع. والنتيجة أن اسرائيل ستحقق هدفها في الاحتفاظ بكل شبر تريده في فلسطين الى أمد غير محدود، بموافقة الدول العربية، بما فيها دولة فلسطين، وان ذلك الاحتفاظ سيكون مشروعا، حيث أن الخيار جاء مطلقا أيضا من حيث الزمان. وهكذا فإن اسرائيل ستماطل وتماطل وتناور، وهي تُمَكِّنُ نفسها في الارض، من دون أي تبادل أو نية للتبادل، حيث أن فلسطين كلها، من المنظور الصهيوني هي اأرض اسرائيل’، ومن الجنون المطبق أن نتوقع أنها ستتخلى مختارة لدولة فلسطين، إن وجدت، عن أية أرض من فلسطين تكون تحت سيطرتها. واذا لم يتم اتفاق، وهذا ما يجب توقعه، فإن اسرائيل قد تتكرم وتعرض تعويضا ماليا. وبهذا يجد الشعب الفلسطيني حقوقه في وطنه عالقة في الهواء، او في مزاد سوق العقارات، وكذلك حال دولته واراضيها وحدودها وعاصمتها، وعليه أن يستأنف النضال من جديد في ظروف أشد صعوبة. والموافقة الرسمية العربية والفلسطينية على تبادل االاراضيب لم تحسم موضوع الارض فقط ولكنها، في الوقت ذاته، إشعارٌ بإن عملية التطهير العرقي لمن بقي صامدا في وطنه، فلسطين التاريخية، قد وضعت على جدول الاعمال للتنفيذ حين تأتي الفرصة المواتية لاستكمالها.

ومما يلفت النظر أن أجهزة الاعلام بدأت مؤخرا، ولأول مرة في تقديري، تشير الى قرية اابوديسب بعبارة اابو ديس بالقدسب. واللافت للنظر أن هذا جاء في الاعلام العربي، مع أن هذه القرية هي واحدة من القرى العربية القريبة من القدس. ولم يكن يشار اليها أبدا بأنها بالقدس. ومرة أخرى أسأل وأريد هذه المرة جوابا صريحا علنيا من القيادة الفلسطينية: هل هذه بداية تعويد الناس على التغيير الذي أعلن يوسي بيلين أنه متفق عليه مع أبو مازن، وهو اتخاذ قرية أبو ديس عاصمة لفلسطين بعد تغيير اسمها ليكون االقدس′، ودُفِنَ وقتها ليعود في اللحظة المناسبة؟ من حق الشعب الفلسطيني أن يعرف، ومن حق زوجتي المولودة في القدس أن تعرف، أي قدس تعني القيادة الفلسطينية عندما تكرر عبارة ادولة فلسطين وعاصمتها القدس الشريفب. هل هي القدس التاريخية، القدس الشرقية، قديمها وحديثها، أم قرية أبو ديس، بعد اعادة تسميتها؟ نريد أن نعرف من رئيس لجنة فلسطين في جامعة الدول العربية ورئيس وفدها لواشنطن والامين العام للجامعة العربية، هل اراضي القدس خاضعة للتبادل؟ واذا لم تكن فهل هناك خطة عربية للحفاظ عليها واخراجها من دائرة التبادل؟ وهل وافق على ذلك أبناء القدس الصامدون الرافضون لجميع الاغراءات والمتمسكون بمدينتهم؟

تعمد البيان التأكيد على أساس المبادرة العربية، وهو قيام دولتين، لكي لا يظن أحد أن هناك تراجعا عربيا عن المطالبة بقيام دولة فلسطين، ولكي لا يظن آخرون أن هناك تراجعا عن اعتراف مسبق بدولة اسرائيل على مستوى الجامعة العربية. وحيث أن اسرائيل قائمة ولا ينازعها الجانب العربي/ الفلسطيني في حدودها الحالية، فقد اقتضى الامر الاشارة الى حدود دولة فلسطين. فجاء النص على حدود الرابع من يونيو 1967 انسجاما مع التصريحات المتداولة على ألسنة الرسميين العرب والفلسطينيين، مع طلب الانضمام للامم المتحدة كعضو مراقب. ولكن بعد الاشارة الى هذه العبارة المُطَمْئِنة بشأن الحدود، جاء النص على الاستعداد العربي لتبادل الاراضي ليتوهم الانسان العربي بأن التبادل يتعلق بالحدود، كما كان يصرح الرئيس الفلسطيني وكبير المفاوضين وسواهما. ولكن هذه الاشارة حملت في طياتها التفسير الاوسع بأن عبارة الاراضي ليست قاصرة على الاراضي الحدودية، وبالتالي فانها أفرغت عبارة حدود 1967 من أي مدلول محدد، سواء بالنسبة للحدود بين الدولتين أو بالنسبة للاراضي التي يتوقع أن تكون خاضعة لسيادة دولة فلسطين عند قيامها، اذا قامت. وهذا التمييع لاراضي دولة فلسطين ولحدودها من جانب هذه الدولة يحرمها، في نظر اسرائيل، من الادعاء بأنها معتدى على اراضيها أو على حدودها بالاستيطان أو غيره من جانب اسرائيل مهما حصل من تغيير ومهما طال الزمن، ومن المؤكد أن اسرائيل ستحاول استغلال هذا الوضع الى أبعد الحدود.

جاء البيان خاليا من أية اشارة الى حق العودة. وعندما اشار الى التزام الدول العربية بالمبادرة العربية عرف هذه المبادرة بإنها تقوم على حل الدولتين. وحل الدولتين هذا لا شأن له بحق العودة. واستراتيجية السلام الزم الجانب العربي بها نفسه، سواء نفذ حق العودة او لم ينفذ. وهذا الموقف ينسجم تماما مع موقف القيادة الفلسطينية الحالية. فهذه القيادة تخلت تماما عن حق العودة، وتصريحاتها على خلاف ذلك هي للاستهلاك الفلسطيني فقط. وأبو مازن كان منسجما مع هذا عندما أعلن مؤخرا هذا التنازل، الذي لا يمكن ستره بالادعاء بأن تصريحه كان خاصا بحقه الشخصي في العودة الى مسقط رأسه مدينة صفد الفلسطينية. إن موقف القيادة الحالية للشعب الفلسطيني من حق العودة معروف وموقع عليه من أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، في وثيقة جنيف التي جرى الاشهاد عليها في احتفال شبه دولي عند تبادل التوقيعات. في هذه الوثيقة تكرم المفوض الاسرائيلي، يوسي بيلين ما غيره، بالتعبير عن التعاطف مع اللاجئين الفلسطينيين، ولذا فان اسرائيل لا تمانع في توطينهم في الدولة الفلسطينية، أي أن اللجـــنة التنفيذية تخلت عن حق العودة، أي عودة اللاجئين الى بيوتهم ومدنهم وقراهم التي أخرجوا منها وكلها في اسرائيل، وحولته الى عودة الى الاراضي التي قد تتبقى لاقامة دولة فلسطين. ازاء وجود هذه الوثيقة على الأقل المعبرة عن موقف القيادة الفلسطينية الحالية، فمن المؤكد أن تتمسك اسرائيل بوجود موقف مستمر لم يتغير من حق العودة، خاصة أن الذين تصدوا للموضوع عند بحث المبادرة العربية، وهما الرئيسان اللبناني اميل لحود والسوري بشار الاسد وأصرا على وجوب النص عليه، لم يكونا ممثلين في اللجنة، ولم تعترض القيادة الفلسطينية على اغفال التمسك به بنص صريح كما كان الحال في المبادرة. ليست قطر ووزير خارجيتها وحدهم المسؤولين عما جرى وعما جاء في البيان. جميع الدول العربية التي شارك رؤساؤها في القمة، التي اتخذت قرار ارسال الوفد تتحمل مسؤولية بيان أعلن باسمها ما لم تعلن تنصلها منه.
ويتحمل الرئيس الفلسطيني والوفد الفلسطيني بوجه خاص المسؤولية الكبرى كاملة، حيث أن الموقف المعلن لجميع القادة العرب هو أنهم لن يوافقوا الا على ما يوافق عليه الفلسطينيون، وذلك هروبا منهم من تحمل المسؤولية. أما الرئيس الفلسطيني وأعوانه واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، فلا عذر لهم ويتحملون المسؤولية كاملة ويجب محاسبتهم على موقفهم هذا، وما سبق لهم من مواقف. إن المحاسبة التنظيمية الدورية قد تعطلت لعدة سنوات بسبب احجام رئيس المجلس الوطني الفلسطيني عن دعوة المجلس للانعقاد، وفقا للنظام الاساسي لمنظمة التحرير، كما أنه لم يستجب للمناشدات المتكررة لدعوة المجلس للانعقاد، بل لم يستجب لنداءٍ لتحويلِ جلسةٍ دعا اليها من جلسة خاصة لملءِ الشواغر في اللجنة التنفيذية الى جلسة عامة يُنظرُ فيها في أمور المنظمة.

بناء على كل ما تقدم، نكرر طلبنا من رئيس المجلس الوطني الفلسطيني ومكتب رئاسة المجلس، أن يدعوا المجلس للانعقاد في أقرب فرصة في دورة عادية لممارسة حقه في المحاسبة والمساءلة، ورسم السياسات وانتخاب لجنة تنفيذية جديدة، والنظر في امور المنظمة بشكل عام واتخاذ ما يلزم من قرارات. وندعو الشباب الفلسطيني وتحالف القوى الوطنية والفصائل الفلسطينية وجمعيات المجتمع المدني الفلسطيني والاتحادات والنقابات الفلسطينية، ومنظمات الشعب الفلسطيني في الداخل وفي المخيمات وفي الشتات للضغط الجدي لتحقيق ذلك، والقضاء على ظاهرة الاستئثار بالسلطة التي أوصلت القضية الى هذا المستوى، على أن يكون مكان الاجتماع خارج الاراضي المحتلة وليس تحت حراب المحتل وسيطرته.

كما ندعو رئيس دولة فلسطين، رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، رئيس السلطة الفلسطينية، رئيس وزراء السلطة الفلسطينية العتيد، أن يستريح من هموم ومسؤوليات هذه الالقاب جميعا، هو واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، على أن يستمروا في مناصبهم لتسيير الاعمال فقط، الى أن ينعقد المجلس الوطني الفلسطيني ويتخذ القرارات المناسبة. والى أن ينعقد المجلس الوطني وينتخب اللجنة التنفيذية الجديدة وتتسلم هذه اللجنة الجديدة مسؤولياتها، فاننا نطلب منهم أن يوقفوا أية مفاوضات جارية، وألا يدخلوا في أية مفاوضات جديدة أو يبرموا اتفاقيات أو يرتبطوا بتفاهمات مهما كانت مع أية جهة الا ما يقتضيه تسيير الاعمال فقط.
وأخيرا وليس آخرا نناشد الدول العربية أن تشطب القضية الفلسطينية من جدول أعمالها، وتتخلى عن مبادرتيها الاولى والثانية هذه، وأن تتعامل مع القضية بوصفها دولا ذات سيادة من دول المجتمع الدولي، الذي لا تنقطع عن مناشدته، عساها هي تقود الاستجابة لتلك المناشدة، وهي اثنتان وعشرون دولة تعداد سكانها يزيد على الثلاثمئة مليون نسمة.

‘ رئيس مجلس ادارة صندوق العون القانوني للفلسطينيين

May 31, 2013

أضف تعليق